شبكة النبأ: يستعيد المسلمون في
هذه الايام، ذكرى استشهاد أبي الاحرار الامام الحسين عليه السلام،
على طريق التحرر والانعتاق من ظلم الحكام الفاسدين، ونظرا للظروف
العصيبة التي يمر بها الاسلام والمسلمون، بسبب الهجمة المتواصلة
للحد من انتشاره وتأثيره في الناس كافة، لذا لابد أن تتبلور السبل
الدقيقة والمخطط لها من لدن المعنيين، للعمل وفقا لها، وتفعيل
مبادئ الاسلام الحنيف، إستنادا الى هدي القرآن الكريم، والسنة
النبوية، وعلوم أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين.
إستثمار ذكرى استشهاد أبي الاحرار
لذا تأتي هذه الذكرى العظيمة، لتصب في الجهود التي يبذلها
المخلصون من أتباع آل البيت عليهم السلام، والشرفاء في العالم
الاسلامي أجمع بل وأينما كانوا في هذه المعمورة، وذلك لإيصال رسالة
الحسين عليه السلام، الى أبعد المديات، وفقا للسبل المتاحة، والسبب
أن العمل الصحيح والمركّز في هذا المجال، يفتح الابواب واسعة نحو
طريق الهدى وخير الانسان.
ففي كلمة لسماحة المرجع الديني، آية الله العظمى، السيد صادق
الحسيني الشيرازي (دام ظله)، على أعتاب حلول شهر محرّم الحرام،
وذكرى استشهاد الإمام الحسين صلوات الله عليه، قال فيها سماحته:
(لا شك أنه إذا أوصلنا رسالة وتعاليم أهل البيت صلوات الله عليهم
إلى الناس كما يجب، فهذا يعني ـ يقيناًـ أننا قد دللناهم على طريق
الهدى. فمن أراد منهم الحياة الخالدة فسيتبع أهل البيت صلوات الله
عليهم، ومن يبتعد عن أهل البيت صلوات الله عليهم فإنه يريد
الهلاك).
رسالة الهدى والنجاح
إن هدف الناس المخلصين لله ولرسوله ولآل بيته الاطهار عليهم
السلام، واضح ولا يحتاج الى تفسير أو تأويل، إنه باختصار مؤازرة
الحق ورفض الباطل والظلم، مهما كانت طبيعته او مصدره، حاكما أو
رئيسا أو مسؤولا أو مديرا أو أيا كان عنوانه، فالمهم هو أن يعيش
الانسان في كنف الحرية والسلام، والعدل والمساواة بين الجميع، هذا
هو الاسلام وهذا هو الهدف الذي قدم الحسين عليه السلام، روحه من
أجل أن يتحقق، ليرفل الناس بحياة حرة كريمة، لكن نتفق جميعا على أن
الزمن لا يخلو من الناس الأدعياء، من أصحاب المصالح الدنيوية
اللامشروعة، أولئك المراؤون، أصحاب الوجوه المتعددة، فهم الذين
يشكلون خطرا داهما ودائما على الاسلام والمسلمين، بل وعلى
الانسانية جمعاء.
لهذا يقول سماحة المرجع الشيرازي في كلمته المذكورة نفسها: (إن
بعض الذين تكلّموا عن الدين، فإنهم لا يتكلّمون حرصاً عليه وحبّاً
به وله، بل لأجلهم مصالحهم الدنيوية ومنافعهم والشخصية. فالدين
عندهم وسيلة لتحصيل المكاسب الدنيوية ليس إلاّ. فهم إن أحسوا
بالخطر على حياتهم تراهم يتركون الدين ويبتعدون عنه).
وهكذا يبدو خطر هؤلاء واضحا، فهم لا يعبؤون بالدين وأهله، بل
بمصالحهم، لذا تجدهم قنّاصي فرص يركبون الموجه، متلونين، باحثين عن
منافعهم وملذاتهم على الدوام، حتى لو كان الدين وسيلتهم الى
اهدافهم غير المشروعة، لأنهم لا يتورعون عن ارتكاب الزلل والاكاذيب
والغش والخداع للوصول الى مآربهم، لهذا نجد المخلصين حقا أقل من
هؤلاء والسبب واضح، أن الحق حالة شاقة وصعبة على الانسان، وتتطلب
منه بذل التضحيات الجسام، أما الباطل فلا أسهل منه قط، لكنه عين
البلاء، حيث يودي بالانسان في نهاية المطاف الى التهلكة والعصيان
معا، لذلك يؤكد سماحة المرجع الشيرازي قائلا في هذا الصدد: إن (حبّ
الدنيا وعبادة الدنيا هي حال أكثر الناس إلاّ ما استثني منهم، وهم
قلّة قليلة).
خطر المخادعين المرائين
مثل هذا الصنف المخادع من البشر لا ينحصر في عصر دون غيره، فهم
موجودون في كل الازمنة والامكنة، يرافقهم وجود الظلم ايضا، حيث
يتوالد الحكام الطغاة أو المسؤولين القساة في كل حين، وهم أولئك
الذين يتركّز جل اهتمامهم في مصالحهم وتحقيق شهواتهم والخضوع
لرغباتهم، حتى لو جاء ذلك على حساب الآخرين، وهم في الغالب الشعوب
المغلوبة على أمرها، لهذا يبرز الصراع بين الحق وسواه وبين العدل
وسواه، كما تتحدث لنا تجارب التاريخ والامم عن ذلك بإسهاب، لهذا
لابد من الدور المصحح للاخطاء، والمصححون هم العظماء الذين خلدهم
التأريخ في أبهى وأنصع صفحاته. فكما يعلم العالم أجمع أن الامام
الحسين عليه السلام ضرب المثل الأعلى في الايثار والتضحية من اجل
الانسانية، حين وقف بوجه الحكم الاموي المنحرف، لتعود مسيرة
الاسلام الى جادة الصواب، ولذلك يتطلب عصرنا الراهن أناسا مخلصين،
دائما لديهم الاستعداد الكافي للتضحية من اجل المبادئ الحسينية،
المستمدة من جذور الاسلام الصحيحة، على أننا نتوقع وجود المخادعين
في كل حين، الامر الذي يتطلب أن نحسب حسابهم دائما. لذلك يقول
سماحة المرجع الشيرازي في كلمته نفسها بهذا الخصوص: (في العصور
السابقة، أي في عصر سلطة الأمويين، والعباسيين، والعثمانيين،
وغيرهم من الحكّام المستبدّين والطّغاة، امتُحن الكثير من المؤمنين
في سبيل أهل البيت والإمام الحسين صلوات الله عليهم، فتركوا
أهليهم، وهجروا أوطانهم، وتغرّبوا في البلدان لسنين طويلة، وبعضهم
قضى نحبه في بلاد الغربة).
الامتثال لأهل البيت دائما
لذا نحن بأمسّ الحاجة لنشر الفكر الحسيني بمبادئه الانسانية
الخلاقة، ولن يتم ذلك إلا من خلال الامتثال التام والمتواصل بأقوال
وأفعال أهل البيت صلوات الله عليهم، ثم تكوين القاعدة البشرية
المطلوبة لنشر هذا الفكر، والتي ينبغي أن تقوم بمهامها باستعداد
كامل للتضحية بكل شيء، من أجل خدمة الحسين عليه السلام، وأهدافه
التي باتت معروفة للقاصي والداني في آن واحد، ولا يختلف اثنان
بأننا في عصرنا الراهن لانزال نراوح في مكاننا دونما تقدم او تطور،
إلا اذا كان الامر يتعلق بتقليد الغرب، باستثناء المخلصين من اتباع
اهل البيت، اولئك الذين نذروا أنفسهم وأموالهم وذويهم في خدمة سيد
الشهداء عليه السلام، تحقيقا لعالم آمن مستقر ينطوي على حياة حرة
كريمة يستحقها الانسان، طالما كان قريبا الى الله تعالى ورسوله صلى
الله عليه وآله، ومتصلا بأهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين، من
خلال نشر الفكر الحسيني بالوسائل المتاحة، والإبقاء على هذا الفكر
الانساني متوقدا أبدا، ليضيء درب المسلمين والانسانية جمعاء نحو
الخير والسداد.
لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي في كلمته نفسها: (إن أهل البيت
صلوات الله عليهم هم الملاك في كل شيء، فيجب أن نمتثل لهم
ولأقوالهم وأفعالهم وتقريراتهم، فهم صلوات الله عليهم: المتقدّم
لهم مارق، والمتأخّر عنهم زاهق، واللازم لهم لاحق). |