شبكة النبأ: البحث عن النمذجة،
هاجس بشري متجذر في تربة التأريخ، كلنا، أفراد أو جماعات، نبحث عن
النموذج، حتى نتمثله ونسير في هدي خطاه، لكي نبذل أقل ما يمكن من
الجهد، وأقل ما يمكن من الوقت، وأقل ما يمكن من الخسائر المادية او
المعنوية، لنصل الى ما نبتغي.
الحسين عليه السلام، نموذج عظيم دوّن التأريخ ما قدمه للانسانية
بحروف من ذهب، لا تمحى طالما بقي الانسان على قيد الوجود، هذا
الرأي وهذا الكلام قال به الأبعدون قبل الأقربين، وشهد العالم أجمع
بإنسانية الحسين عليه السلام، وعظمة ما أورثه للبشرية في محراب
الحرية، والوقوف بوجه أساطنة وجبابرة الظلم، حتى صارت هذه الوقفة
فنارا لا يُغطّى ضوؤها بغربال الضلال، أيا كان انتمائه أو توجهاته،
فالحق يعلو ويعلو ويعلو حتى آخر الزمان، والباطل يهبط في اللحظة
الاولى التي يولد فيها.
ثقافة عاشوراء مستمّدة من سيرة الامام الحسين عليه السلام،
ومبادئه ومواقفه المعروفة للجميع، لاسيما أولئك الذين دأبهم إنصاف
الحق، وهل هناك من لا يُنصف الحق؟ نعم، أولئك هم أهل الباطل، وهم
موجودون منذ أن ظهر الانسان على وجه البسيطة حتى ينتفي منها تماما،
بمعنى أن الحق والباطل طرفا معادلة لا تزول إلا بزوال الحياة، وهذا
هو سر وفحوى الامتحان الإلهي للانسان، فحين تقف مع الحق وأهله،
ستكون في مأمن ونجاح مضمون، وإن وقفت مع الباطل وأصحابه، فمصيرك
الفشل والخوف الأبدي، السبب بسيط جدا، إنك لا تستطيع أن تكذب على
ضميرك قط، فهو الشاهد عليك حين تعرف الحق وتنحرف عنه صوب الباطل.
ثقافة عاشوراء هي ثقافة الحق، وهي ثقافة الموقف الإنساني الجليل
الرافض لأي خطأ يمضي باتجاه الظلم عمدا، أو الذي يقود الى التجاوز
على حقوق الآخر، مهما صَغُرَتْ هذه الحقوق أو عَظُمتْ، لذا نقول إن
فحواها مستمَد من جوهر الموقف الحسيني الرافض للظلم، كان من يكون
مصدره، وأياً كان نوعه أو حجمه، هذا هو التفسير الأوضح والأبسط
لثقافة عاشوراء، لأن هذه المفردة – عاشوراء- تنتمي للحسين عليه
السلام لفظا وجوهرا، وطالما عرف الانسان معناها وانتماءها وجوهرها
وفحواها عموما، وهو واضح كل الوضوح، فتبقى قضية التطبيق، أي تحويل
الثقافة العاشورائية الحسينية من معناها وجوهرها العظيم الى حيّز
الفعل الانساني الملموس باليد والمرئي بالعين والمسموع بالاذن، فلا
يكفي أبدا أن أدّعي الانتماء لجوهر الفكر الحسيني ولا أعمل به، ولا
يجوز قط أن أتبجّح بالثقافة العاشورائية ولا ألتزم بضوابطها وأعمل
في هديها، فمَنْ هذا الذي يقول إنني لا أعرف ماذا تريد مني هذه
الثقافة؟ ومن هذا الذي يقول إنني لا أعرف لماذا قدّم الحسين روحه
فداءا للناس، مسلمين أو غيرهم، ومن هذا الذي يحاول أن يدس رأسه في
الرمال حتى يحمي نفسه من صوت الحسين عليه السلام، وهو يصرخ بالحق
وفعل الحق، والانتصار للحق، طالما بقيت أنفاس كائن ما على
الارض؟؟؟.
كلنا نعرف ماذا يريد الحسين عليه السلام، لاسيما الأقربون، أما
الأبعدون فهم يعرفون ذلك أيضا، ولكننا نحن الذين ندّعى الموالاة،
يقع علينا العبء الأعظم، في تطبيق ثقافة عاشوراء بفحواها الذي رسمه
الامام الحسين بنفسه وروحه العظيمة، وتضحياته الجسام بذويه
وأصحابه، بل بما حملت الدنيا من مآثر ومصالح وملذات وسواها.
لهذا لا يُقبل من أحدنا جهلَهُ للفكر الحسيني، ومن باب أولى، أن
لا يُقبل ممن يدّعي الانتماء لعاشوراء فكرا وسلوكا، أن يظلم
الآخرين، وأن يتجاوز على حقوقهم، فهل يحدث مثل هذا الكلام على ارض
الواقع، نعم هناك مسؤولون كبارا وصغارا، هناك موظفون عسكريون
ومدنيون، هناك أطباء ومعلمون تربويون، وهناك باعة متنوعون، هناك
تجار ومهنيون، هناك كتبة وإعلاميون، هناك وهناك وهناك الكثير،
يعرفون ثقافة عاشوراء حق معرفتها، ويعرفون ما يريده الحسين عليه
السلام، لكنهم يفضلون الاقوال على الاعمال والافعال، فتجدهم يحبون
الحسين ويظلمون الناس، وتجدهم يتشبثون بثقافة عاشوراء وهم جاهلون
لا يعرفون من هذه الثقافة سوى مظهرها، أما جوهرها الانساني
وتطبيقها فهم بعيدون عنه كل البعد.
لذا فإننا مطالبون، وأقصد الموالين أولا ثم عامة الناس، حتى من
غير المسلمين، بأن نطبّق ثقافة الامام الحسين في حياتنا، وأول بنود
هذه الثقافة، لا تظلم أحدا، ولا تتجاوز على حقوقه، وكن داعية خير
وأمل ومحبة وجمال، كما كان سبط النبي الاعظم (ص).
ثقافة عاشوراء في جوهرها ثقافة الحق وأهله، ولكن يتوجب على
أهلها، أن يعملوا بجوهرها تحقيقا لهدف التشابه بين القول والتطبيق. |