شبكة النبأ: قال المرجع الديني
سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله
بمناسبة حلول مناسبة عاشوراء العظيمة ان بعض الذين تكلّموا عن
الدين، فإنهم لا يتكلّمون حرصاً عليه وحبّاً به وله، بل لأجلهم
مصالحهم الدنيوية ومنافعهم والشخصية. فالدين عندهم وسيلة لتحصيل
المكاسب الدنيوية ليس إلاّ. فهم إن أحسوا بالخطر على حياتهم تراهم
يتركون الدين ويبتعدون عنه. فمعاوية وابنه يزيد وعمر بن سعد كانوا
يتظاهرون ويتكلّمون بالدين، واضاف سماحته بانه لا تخدعنّكم أقوال
الذين يدّعون الدين، ويسعون بكلماتهم المعسولة إلى انحراف المجتمع
ففي التاريخ أن الحجّاج كان يبكي ويبتل وجهه بالدموع عندما كان
يتكلّم عن التقوى، وكان يُبكي الناس، وهذه الحالة نفسها نجدها
اليوم عند أعداء أهل البيت صلوات الله عليهم، بالأخص عند أعداء
الإمام الحسين صلوات الله عليه، ولكن مع فارق، هو أن الأعداء اليوم
يستعملون في حربهم وعدائهم للإمام الحسين صلوات الله عليه أدوات
وأساليب أكثر دهاء.
ودعا المرجع الشيرازي رجال الدين وطلاّب مدرسة الإمام الصادق
صلوات الله عليه الى تحمل مسؤولية تبيان الحقائق لعموم البشرية،
ومسؤولية تعريف الناس بواجبهم، فشهر محرّم وصفر فرصة جيّدة لهداية
البعيدين والمقطوعين عن أهل البيت صلوات الله عليهم، وفرصة لفضح
مؤامرات أعداء أهل البيت صلوات الله عليهم. فلا شك أنه إذا أوصلنا
رسالة وتعاليم أهل البيت صلوات الله عليهم إلى الناس كما يجب، فهذا
يعني ـ يقيناً ـ أننا قد دللناهم على طريق الهدى. فمن أراد منهم
الحياة الخالدة فسيتبع أهل البيت صلوات الله عليهم، ومن يبتعد عن
أهل البيت صلوات الله عليهم فإنه يريد الهلاك.
جاء ذلك في كلمة للمرجع الشيرازي على أعتاب حلول شهر محرّم
الحرام، وذكرى استشهاد الإمام الحسين صلوات الله عليه، وكالسنوات
السابقة، حيث ألقى سماحته كلمة قيّمة بوفود العلماء والفضلاء
والمبلّغين، الذين وفدوا على بيته المكرّم بمدينة قم المقدّسة، يوم
الأربعاء الموافق للسادس والعشرين من شهر ذي الحجّة الحرام 1432
للهجرة، للاستفادة من توجيهات سماحته فيما يخصّ القضية الحسينية
المقدّسة. بحسب نقل موقع مؤسسة الرسول الاكرم الثقافية.
استهلّ سماحته كلمته بذكر مقطع من خطبة الإمام الحسين صلوات
الله عليه التي خطبها بالناس عند دخوله أرض كربلاء في اليوم الثاني
من محرّم الحرام سنة 61 للهجرة، وهو قوله صلوات الله عليه: (الناس
عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درّت معائشهم)،
وقال:
إن كلمة (الناس) في قول الإمام صلوات الله عليه هو لفظ عام، أي
ينطبق على الناس كلّهم، إلاّ المعصوم صلوات الله عليه. ففي الواقع
إن طبيعة الناس هي دائماً بخلاف ما فطروا عليه، وهذه قضيه خارجية
كما يقول العلماء، فحبّ الدنيا وعبادة الدنيا هي حال أكثر الناس
إلاّ ما استثني منهم، وهم قلّة قليلة. ونقرأ في القرآن قوله تعالى:
(عَبْداً مَّمْلُوكاً لاَّ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ). وهؤلاء الناس
إن تكلّموا عن الدين، فإنهم لا يتكلّمون حرصاً عليه وحبّاً به وله،
بل لأجلهم مصالحهم الدنيوية ومنافعهم والشخصية. فالدين عندهم وسيلة
لتحصيل المكاسب الدنيوية ليس إلاّ. فهم إن أحسوا بالخطر على حياتهم
تراهم يتركون الدين ويبتعدون عنه. فمعاوية وابنه يزيد وعمر بن سعد
كانوا يتظاهرون ويتكلّمون بالدين، ولكنهم عندما كانوا يحسون بالخطر
على مصالحهم الدنيوية كانوا يرتكبون أكبر المحرّمات، ومنها جريمة
قتلهم الإمام الحسين صلوات الله عليه. ففي كربلاء أمر ابن سعد
بالحرب ضد الإمام الحسين صلوات الله بقوله: ياخيل الله اركبي. فهل
هذه التصرّفات من الدين؟
كلا وألف كلا.
وقال سماحته: كتب العلاّمة المجلسي قدّس سرّه أنه عندما وصل
الإمام الحسين صلوات الله عليه أرض كربلاء كان معه قرابة (1500)
شخص وكانوا يأتمون بالإمام في الصلاة، وكانوا يقدّسونه ويقبّلون
يديه الطاهرتين، ولكنهم عندما رأوا أنهم أمام اختبار صعب تركوا
الإمام ولم يبق معه إلاّ القليل منهم. ومما يبعث على الاستغراب
والعجب ان اؤلئك الذين تركوا الإمام كانوا هم الذين يبكون على غربة
الإمام صلوات الله عليه وبقائه وحيداً وبلا ناصر في معركة الطف!
وفي جانب آخر من كلمته القيّمة، قال سماحته: نحن على أعتاب شهري
محرّم وصفر، ونحن أمام امتحان صعب، أي الامتحان في إحياء القضية
والشعائر الحسينة المقدّسة، فيجب أن نطلب العون والمدد من الله
تبارك وتعالى ونتوسّل إليه بأهل البيت صلوات الله عليهم كي ندخل
هذا الامتحان بعزم قوي وإرادة قوية، وننجح فيه. ففي العصور
السابقة، أي في عصر سلطة الأمويين، والعباسيين، والعثمانيين،
وغيرهم من الحكّام المستبدّين والطّغاة، امتُحن الكثير من المؤمنين
في سبيل أهل البيت والإمام الحسين صلوات الله عليهم، فتركوا
أهليهم، وهجروا أوطانهم، وتغرّبوا في البلدان لسنين طويلة، وبعضهم
قضى نحبه في بلاد الغربة، ومنهم عطية الذي كان عالماً ومفسّراً
للقرآن وصاحب جابر بن عبد الله الأنصاري. فبسبب روايته عن الإمام
أمير المؤمنين صلوات الله عليه، طارده الحجّاج الثقفي، ففرّ عطية
إلى بلاد فارس، ولكنه لم يسلم، حيث قبض عليه جلاوزة الحجّاج، فأمر
الأخير بنتف شعر محاسن عطية الذي كان نحيفاً وضعيف البدن، وجلدوه
بالسياط أربعمائة جلدة. فكم من أمثال عطية امتحنوا وابتلوا ونجحوا
في مثل هذا الامتحان؟
وأكّد سماحته: إن أهل البيت صلوات الله عليهم هم الملاك في كل
شيء، فيجب أن نمتثل لهم ولأقوالهم وأفعالهم وتقريراتهم، فهم صلوات
الله عليهم: المتقدّم لهم مارق، والمتأخّر عنهم زاهق، واللازم لهم
لاحق.
إذاً يجب علينا أن نقتدي بسيرة وطريقة أهل البيت صلوات الله
عليهم قدر ما نستطيع، كالشيخ المفيد قدّس سرّه الذي وصفه مولانا
الإمام صاحب العصر والزمان عجّل الله تعالى فرجه الشريف في توقيعه
الشريف الذي خرج إليه بقوله صلوات الله عليه: الناصر للحق، والداعي
إليه.
وتطرّق المرجع الشيرازي دام ظله في كلمته إلى بيان معنى شعائر
الله تعالى وذكر مصداق من مصاديق ذلك، وهو تقديم الأضاحي في مناسك
الحجّ، وأن كل ما أمر به الله تعالى فهو من شعائر الله، وقال: إن
كل ما يرتبط بقضية الإمام سيد الشهداء صلوات الله عليه فهي من
شعائر الله تعالى. فالله عزّ وجلّ استثنى الإمام الحسين صلوات الله
عليه، وجعل له خصائص لم يجعلها لباقي المعصومين صلوات الله عليهم،
كما أن كل الروايات التي وصلتنا من أهل البيت صلوات الله عليهم
تؤكّد: إن الشعائر الحسينية المقدّسة كلها هي شعائر الله تعالى.
وهذا أمر لا يرتاب فيه أي عالم وفقيه، بل حتى من له باع قليل في
العلم.
وأضاف سماحته: تذكر الكثير من المصادر والروايات: إن الذهاب
لزيارة الإمام الحسين صلوات الله عليه في الأزمنة السالفة، كزمن
الحجّاج، وهارون، والمتوكّل وأمثالهم، كان مصداقاً بارزاً لإلقاء
النفس في التهلكة، ومع ذلك كان أهل البيت صلوات الله عليهم في تلك
الأزمنة يشجّعون الناس على الذهاب إلى زيارة مولانا سيد الشهداء
صلوات الله عليه. فمعظم الزائرين في تلك الأزمنة كانوا يتعرّضون
لأنواع التعذيب، وكانوا يموتون في غياهب السجون، وكان المتوكّل
يأمر بقطع أيدي وأرجل الزوّار، ومع ذلك كله كان أهل البيت صلوات
الله عليهم يأمرون الناس بعدم المبالاة بهذه التصرّفات الإجرامية
من الحكّام، ويؤكدّون الاستمرار في زيارة الإمام الحسين صلوات الله
عليه ومواصلتها.
وذكر سماحته آراء العلماء من السلف الصالح بهذا الصدد وقال: إن
العلامّة المجلسي وأبيه رضوان الله تعالى عليهما أوجبا ذات مرة
زيارة الإمام الحسين صلوات الله عليه. ويكفي في أهمية زيارة الإمام
الحسين صلوات الله عليه أن العلاّمة الأميني قدّس سرّه في حاشيته
على الكامل في الزيارات ذكر بقوله: إن المسافر إلى زيارة الإمام
الحسين صلوات الله عليه إذا تيقّن بأنه سيُقتل، فسفره جائز.
نعم، إن قوله تعالى: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة)، هو لفظ
عام، وأما الذهاب إلى زيارة الإمام الحسين صلوات الله عليه فقد
استثني من ذلك، لورود نصّ خاص مخصّص. وعلى هذ، إذا عدّ عرفاً الأمر
الفلاني بأنه جزء من القضية الحسينة ومرتبط به، فهو من الشعائر
الحسينية، وبالنتيجة هو من شعائر الله تعالى. ولا يحتاج مراجعة
الفقهاء والاستفسار منهم حول الأمر الفلاني من الشعائر الحسينية
بأنه هل هو جائز أو مستحبّ، لأنه إذا صار الموضوع من شعائر الله
عرف، فهو مستحبّ.
وحذّر سماحته بقوله: لا تخدعنّكم أقوال الذين يدّعون الدين،
ويسعون بكلماتهم المعسولة إلى انحراف المجتمع. فراجعوا التاريخ
واقرأوه لتعرفوا أن خطابات معاوية كانت لا تختلف في جانب الألفاظ
والعبارات عن خطب الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه. ففي
التاريخ أن الحجّاج كان يبكي ويبتل وجهه بالدموع عندما كان يتكلّم
عن التقوى، وكان يُبكي الناس.
هذه الحالة نفسها نجدها اليوم عند أعداء أهل البيت صلوات الله
عليهم، بالأخص عند أعداء الإمام الحسين صلوات الله عليه، ولكن مع
فارق، هو أن الأعداء اليوم يستعملون في حربهم وعدائهم للإمام
الحسين صلوات الله عليه أدوات وأساليب أكثر دهاء. فأمثال هؤلاء
يسعون إلى زلزلة عقائد الناس بترويجهم لهذه المقولة، وهي: إن بنو
امية لم يحاربوا الإمام الحسين صلوات الله عليه، ولم يك بينهم شيء
سوى اختلاف رأي بسيط. فهل يتوافق هذا التقوّل مع ما بيّنه مولانا
الإمام الحسين للناس عند خروجه إلى العراق، بقوله صلوات الله عليه:
(وإنما خرجت لطلب الإصلاح في اُمّة جدّي، اُريد أن آمر بالمعروف
وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدّي وأبي)؟!
وعقّب سماحته قائلاً: إن الإمام الحسين صلوات الله عليه بقيامه
كان يهدف إلى بسط العدالة وأن يكون الحكم على أساس حكومة رسول الله
صلى الله عليه وآله والإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه. وأما
معاوية ويزيد فإنهما قد غيّرا وحرّف، وأبدلا ذلك بالظلم والعدوان
وبارتكاب المجازر، وتبعهم في ذلك حكّام بني العباس، وكان حولهم
اناس يمدحونهم ويمدحون أفعالهم بالباطل، كالمتملّقين الذي نعتوا
المتوكّل الخمّار بـ(محيي السنّة ومميت البدعة)!
ذكر التاريخ عن كيفية هلاك المتوكل بأنه هجموا عليه وقطّعوه
بالسيوف إرباً إرب، فوقعت كل قطعة من جسمه في إناء من الخمر.
يكفي في الدلالة على فساد المتوكل وتهتكه أنه دعا الإمام الهادي
صلوات الله عليه لتناول الخمر. ومن فساد المتوكل ومجونه أنه صرف 31
مليون درهم من بيت مال المسلمين في مراسم ختان ابنه المعتز!
حقاً انه من المؤسف والمؤلم كثيراً أنك تجد أمثال ابن العربي
يصف في كتاب الفتوحات المتوكل بأمير المؤمنين!
ومن المخجل أن أعداء أهل البيت صلوات الله عليهم تراهم في
قنواتهم الفضائية يذكرون المتوكل بأنه، والعياذ بالله، مرجع تقليد،
وينقلون عنه الأحكام والمسائل الشرعية!
ومن المؤسف أنك تجد في كتاب (البحر الزخّار في مذاهب علماء
الأنصار) مئات الفتاوى في الأمور الشرعية قد نقلت عن المتوكل!
وخاطب سماحته الحضور الكرام وقال: نحن رجال الدين وطلاّب مدرسة
الإمام الصادق صلوات الله عليه تقع على أعتاقنا مسؤولية تبيان
الحقائق لعموم البشرية، ومسؤولية تعريف الناس بواجبهم، وأن ندعوا
بحقّ الإمام الحسين صلوات الله عليه دائماً بالدعاء الذي دعا به
مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله بحقّ الإمام أمير المؤمنين
صلوات الله عليه، وهو: (اللهم وال من ولاه، وعاد من عاداه، وانصر
من نصره، واخذل من خذله). وحذار من أن يكون أحد منكم من الخاذلين
للإمام الحسين صلوات الله عليه، وحذار من أن يوهن أحدكم ما يرتبط
بالقضية الحسينة المقدّسة، لا سمح الله، فضلاً عن عرقلته لها.
وأردف سماحته: إن شهر محرّم وصفر فرصة جيّدة لهداية البعيدين
والمقطوعين عن أهل البيت صلوات الله عليهم، وفرصة لفضح مؤامرات
أعداء أهل البيت صلوات الله عليهم. فلا شك أنه إذا أوصلنا رسالة
وتعاليم أهل البيت صلوات الله عليهم إلى الناس كما يجب، فهذا يعني
ـ يقيناً ـ أننا قد دللناهم على طريق الهدى. فمن أراد منهم الحياة
الخالدة فسيتبع أهل البيت صلوات الله عليهم، ومن يبتعد عن أهل
البيت صلوات الله عليهم فإنه يريد الهلاك.
أسأل الله تبارك وتعالى أن نكون جميعاً من الناصرين لمولانا
الإمام الحسين صلوات الله عليه ولأهل البيت الأطهار الأخيار صلوات
الله عليهم أجمعين. وأسأل الله تعالى لكم بالتوفيق في خدمة أهل
البيت، وخدمة مدرسة الإمام الصادق صلوات الله عليهم، وخدمة القضية
الإلهية التي تفيض بالخلود والحياة الأبدية على خدّامها وهي قضية
مولانا الإمام سيد الشهداء صلوات الله عليه.
جدير بالذكر، أنه بعد كلمة سماحة المرجع الشيرازي دام ظله، اقيم
مجلس العزاء الحسيني وذكر مصائب الإمام الحسين صلوات الله عليه،
وكان الخطيب حجّة الإسلام الشيخ زهري.
|