الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى اله
الطيبين الطاهرين واصحابه الغر الميامين.
تستذكر الامة الاسلامية جمعاء في مثل هذه الايام من كل عام
ذكرى اليمة وقاسية على نفوس كل المسلمين والمنصفين في مشارق الارض
ومغاربها.. ذكرى بكت لها ملائكة السماء واهتز لها عرش الرحمن..
ذكرى متوهجة ومتجددة في القلوب تبكي لها الارواح دما قبل العيون..
تلك هي ذكرى واقعة الطف الاليمة الذي استشهد فيها سيد شباب اهل
الجنة الامام الحسين بن علي بن ابي طالب عليه السلام واهل بيته
الكرام واصحابه الابطال.
ففي محرم الحرام من كل عام نستذكر ايام عاشوراء الحسين عليه
السلام، على الرغم من ان ذكراه باقية في قلوبنا وضمائرنا على مر
السنين والايام. هذه الايام الخالدة في تأريخ البشرية التي اصبحت
نبراسا ومنارا لكل الاجيال على مر الدهور.
ففي مثل هذا الشهر نهض ابو الاحرار وسيد الشهداء الامام الحسين
بن علي بن ابي طالب عليه السلام بثورة كبيرة في معانيها ونهضة
جهادية عظيمة في دلالاتها استطاعت ان تغير وجه التاريخ وان تكون
ناقوسا للانذار وجرسا مدويا يدق في وجه كل المتكبرين والطغاة
ويذكرهم بان ارادة الشعوب اقوى من كل جبابرة الارض والعتاة فيها
مهما طال زمن بقائهم وعظم ظلمهم وازداد جبروتهم.
ان هذه النهضة الحسينية المباركة اعطت درسا كبيرا ومعنى عميقا
ففيها انتصر الدم على السيف، فلقد انتصر الحسين باهل بيته واصحابه
قليلي العدد والعدة كبيري المبادئ والذين استشهدوا في هذه الثورة
انتصارا مدويا وكبيرا على الكثرة الظالمة المتجبرة المجهزة بانواع
الاسلحة والامكانيات.
لقد تناسى التأريخ والناس الجماعة الظالمة التي انتصرت ماديا
في ذلك الوقت واصبح لايشار اليها الا وتلاحقها لعنة الله والملائكة
وجميع المؤمنين. على الرغم مما حشدت في حينها من وسائل اعلامية
وكتاب مأجورين لتحسين صورتها امام الناس وبالمقابل محاولة طمس
حقائق التأريخ وتشويه صورة ثورة الامام الحسين وابعادها عن مبادئها
الحقيقية التي وجدث من اجلها باستخدام الكثير من وسائل البطش
والتجبر والظلم ومحاولة تكميم الافواه ومصادرة الحريات لكي لاتنطق
بالحق وتبين فضائل الامام الحسين عليه السلام واصحابه العظام
وثورته المباركة العظيمة.
لقد كان لزاما على ابي الشهداء وسيد شباب الجنة ان ينهض بدعوته
الكبيرة لغرض رفع الحيف والظلم الذي حل على مبادئ دين جده الرسول
الكريم محمد صلى الله عليه واله وسلم ومحاولة تشويه صورته الحقيقية
وابعاده عن مبادئه العظيمة وانسانيته التي جاء بها الرسول الاعظم
ليكون هاديا للبشرية ومنقذا لها من الظلم والجور ومهاوي الرذيلة
الى الحياة الفاضلة التي تنال رضا الله سبحانه وتعالى وماينتظر
المؤمنين من جنان الخلد والنعيم في الاخرة. فقد سيطر على مقاليد
الدولة العربية الاسلامية مجموعة من الفاسقين والظالمين والجبابرة
الذين اتخذوا من الدين الاسلامي الحنيف ستارا واقيا لهم لكي يعيثوا
في الارض فسادا ويعيدوا امجاد ابائهم واجدادهم في الجاهلية. وهم
الذين حاربوا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ابان دعوته
للاسلام بجميع مايملكون من وسائل وامكانيات واستخدموا شتى ادوات
البطش والقهر للمؤمنين الضعفاء واتباعهم.
وبذلك اراد الحسين عليه السلام ان يطلق كلمة " لا" للظلم
والطغيان وهي اكبر صرخة مدوية واعظم لا قيلت على مدى الاجيال. فقد
عز على رمز الاحرار والثائرين ان يرى دين جده العظيم الذي نشره
بتضحيات المؤمنين الكبيرة واساليبهم العظيمة في الهداية وكسب ايمان
الاخرين ينحرف عن مساره العظيم الذي اراده الرسول الكريم صلى الله
عليه واله وسلم. وتتحول الدولة الاسلامية التي بناها الرسول الكريم
واصحابه الميامين الى دولة ظالمة يقهر فيها الضعفاء وتزداد كنوز
الاغنياء وان تتحول الى مصدر لمحاربة اهل بيت النبوة الكرام الذين
اذهب الله عنهم الرجز وطهرهم تطهيرا ومحاولة الحط من قدرهم وتشويه
صورتهم الكريمة التي اراد الله سبحانه وتعالى لها ان تبقى نقية
طاهرة عظيمة تتجدد على مر الدهور في قلوب وضمائر المسلمين
الرساليين الحقيقيين.
لقد اراد الامام الحسين عليه السلام لثورته الكبرى ونهضته
العظمى ان تكون مسيرة مستمرة ومتواصلة لما سار عليه البدريون
الاوائل حينما وقفوا وهم القلة القليلة التي لاتملك مقومات المعركة
المتكافئة مع جيش المشركين المتجبرين اصحاب الجاه والاموال
والسيطرة والطغيان. فقد استذكر قول الله سبحانه وتعالى كم من فئة
قليلة غلبت فئة كثيرة باذن الله والله مع الصابرين.
لقد استذكر الحسين العظيم سليل الدوحة المحمدية المباركة الذي
نشأ وتربى في حضن هادي البشرية ومبلغ الرسالة الاسلامية السمحاء
الرسول الاكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، استذكر بطولات وصولات
ابيه امير المؤمنين الامام علي بن ابي طالب عليه السلام الذي قال
عنه الرحمن على لسان جبريل عليه السلام لا فتى الا علي لاسيف الا
ذو الفقار في جميع معارك الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم
التي نشر فيها الاسلام. لذا ابى سليل البطولة والشجاعة على نفسه
الضيم والخنوع للطغاة الفاسقين.
لقد قدر الله سبحانه وتعالى للامام الحسين عليه السلام ان يكون
صاحب هذه النهضة المباركة، وان يعيد الحق الى نصابه وان تكون ثورته
مفترق بين طريقين لاثالث لهما هما طريق الحق ممثلا بالحسين واهل
بيته واصحابه الكرام الذين قدر لهم الله ان يكونوا حاملي لواء
اصحاب الجنة والفضيلة، وطريق الشر والطغيان ممثلا بيزيد بن معاوية
بن ابي سفيان واتباعه الاذلاء الاراذل الذي قدر لهم الله ان يكونوا
حاملي لواء الطغاة الى النار وجهنم وبئس المصير.
ان ثورة الامام الحسين عليه السلام كانت نقطة تحول كبيرة
واساسية في مسيرة الدين الاسلامي والرسالة السماوية. فلولاها
لاستمر الانحراف عن طريق الاسلام الحقيقي يكبر ويتصاعد شيئا فشيئا
دون رادع. ولأستمر الطغاة والفاسقين يعيثون في الارض جورا وظلما
وفسادا والمسلمين المغلوبين على امرهم في حينها لاحول لهم ولاقوة
في التصدي لهم وايقافهم عما هم عليه من ضلال وفسوق. ولكن هذه
الثورة الكبرى اعادت للاسلام هيبته ورونقه، لان العالم عرف بان
هناك من يسعى لتصحيح مسيرة الاسلام وان الاسلام فيه الكثير من
الرجال المؤمنين الرساليين الحقيقين القادرين على تصحيح مسيرته
وذلك يبقيه دينا حيا متجددا انسانيا هاديا للبشرية جمعاء.
اننا نستذكر في كل عام في عاشوراء تلك الملحمة البطولية الكبرى
لسيد الشهداء وابي الاحرار الامام الحسين عليه السلام وبصورة
متجددة ومتصاعدة عاما بعد اخر. فاتباع اهل البيت وانصار الحسين
يزدادون عاما بعد عام وذكراه تتوهج في القلوب في كل ستة بدرجة اكبر
من سابقتها والمؤمنين بقضية الحسين وعدالتها يتكاثرون. ولقد صدق من
قال كذب الموت فالحسين مخلد كلما مر عليه الزمان ذكره يتجدد. حقا
ما اروعها من مقالة تترجم صورة حقيقية لثورة الحسين وانعكاساتها
الماضية والحاضرة والمستقبلية على البشرية جمعاء.
اننا نأمل ان تكون هذه الذكرى العطرة لسيد الشهداء عليه السلام
صرخة الحق المدوية في وجه الباطل في كل مكان. وان تكون مناسبة
لتوحيد المسلمين على اختلاف مذاهبهم وقومياتهم وبلدانهم اذا ارادوا
الالتفاف حول راية الحق والكبرياء والتضحية التي رفعها الامام
الحسين عليه السلام. ولنجعل من الحسين الشهيد منارا ونبراسا لنا
نستذكره دائما ونستلهم المعاني العظيمة التي هدفت لها ثورته
الملحمية الكبرى.
لتكن ايام عاشوراء الحسين مناسبة لنا للوقوف والتأمل ومحاسبة
النفس المقصرة ومحاولة الرجوع الى الله سبحانه وتعالى والابتعاد عن
معاصيه ونواهيه وتمسكنا بالاخلاق الفاضلة والمبادئ العظيمة التي
جاء بها الاسلام واستشهد من اجلها الامام الحسين عليه السلام،
وتمنحنا المزيد من الكبرياء والكرامة ونحن نواجه اعدائنا الحاليين
الذين يريدون بالدرجة الاساس اطفاء نور ثورة الحسين المتوهج
وابعاده عن نفوس المؤمنين وهذا مالانرضاه او نقبله مهما كان ويكون،
وخاصة ونحن نعد العدة لظهور قائم ال محمد الامام المهدي المنتظر
عجل الله فرجه الشريف.
وعلينا ان نستذكر دائما بانه اذا كان الاسلام محمدي الوجود
وعلوي الانتشار فهو حسيني البقاء ومهدوي الانبعاث.
اللهم بحق سيد الشهداء الامام الحسين عليه السلام ارحمنا وتب
علينا وتقبل منا انك سميع مجيب. وآخر دعوانا ان الحمد لله رب
العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين
الطاهرين واصحابه الغر الميامين.
* هيئة التعليم التقني – المعهد التقني
في الناصرية – جمهورية العراق
[email protected] |