شبكة النبأ: سنة هجرية جديدة تطل
على المسلمين، وأيام قلائل تفصلنا عن ذكرى استشهاد الامام الحسين
عليه السلام في العاشر من محرم، ليستذكر المسلمون والعالم أجمع
موقف البطولة في مواجهة الظلم والطغيان، هذا الموقف الذي ينتمي الى
الفكر الانساني العظيم، والايمان المطلق بقدرته على إعادة الامور
الى نصابها ومسارها الصحيح، مهما كان الانحراف كبيرا.
إن البحث الدؤوب عن السبل والافكار والافعال الصحيحة، تنتمي الى
فطرة الانسان، لهذا غالبا ما تكون الميول واضحة نحو الخير ومن
يمثله، وهكذا هو دأب الانسانية في رحلتها الطويلة وصراعها المتواصل
ضد الشر وممثليه، فقد توالت الثورات والانتفاضات ضد الظلم وأصحابه
وحاملي لوائه، منذ أن تمكن الانسان على الفصل بين الحق والباطل،
وبين العدالة والظلم، وحتى يومنا هذا، حيث تفور منطقة الشرق
الاوسط، في عصرنا الراهن، بالاحتجاجات والانتفاضات والثورات، التي
أزاحت ولا زالت تزيح الطواغيت من عروشهم تباعا.
وهو مشهد كبير حقا، وله دلالاته الكبيرة أيضا، إذ علينا
الاستفادة من فحوى هذا المشهد، لأننا كتأريخ وأرض وبشر، ننتمي الى
مهد الثورات العظيمة، ومنبع الحق، وصوت العدالة الأزلي، ممثلا
بوقفة الامام الحسين عليه السلام، حين حمل بيرق العدل عاليا، وأطلق
موقفه العظيم أمام الملأ، ليعلن مقارعة الفساد والطغيان والاستئثار
بالسلطة والجاه والقوة، والانحراف بها الى سبل لا تليق بالانسان
وكرامته وحرمته، فأعطى بذلك درسا عظيما للإنسانية جمعاء، في ضرورة
إصلاح الذات والمجتمع.
لهذا على جميع من ينتهج الفكر الحسيني طريقا للحياة، فردا كان
أو مجموعة أو مذهبا أو سواه، أن يتخذ من هذا الفكر خريطة عمل، في
أدق تفاصيل حياته وأكبرها حجما ووضوحا، وطالما أننا كمسلمين ونعترف
بأحقية وأفضلية المنهج الحسيني على سواه ويتفق معنا في هذا فضلاء
العالم أجمع، لأنه يمثل امتدادا حقيقيا للسبط على مسار جده الرسول
الاعظم (ص) أولا، ولكونه ينتمي الى خير الانسانية ثانيا، فمن الحري
بنا، أفرادا أو جماعات، أن نبادر لعملية اصلاح واسعة مستمدة من هذا
الفكر العظيم، لما يتسم به من قدرات هائلة، في مجالات وسمات تجعل
من الانسان، اكثر قدرة على تقويم النفس، ومن هذه السمات، الاعتراف
بالخطأ، والصبر على النوائب والعقبات، والدعوة الى المنهج الصحيح،
وصيانة النفس عن الوقوع في الزلل، وما الى ذلك من أفضليات كثيرة
يتيحها هذا الفكر وهذا المنهج الانساني، الذي اعترف بصحته
وانسانيته الآخرون قبل المسلمين.
وبهذا يُستحسًن أن نتفق على أن مناسبة استشهاد الامام الحسين
عليه السلام، ليست مكرسة لممارسة الطقوس الدينية المتعارفة فحسب،
بل لابد أن نعرف ونؤمن جميعا، بأنها مناسبة مهمة جدا، للحث على
إصلاح الذات، للفرد والمجتمع، لاسيما رجال المناصب الحكومية
العالية، من موظفين، كبارا كانوا أم صغارا، وغيرهم من الناس، فما
فائدة أن أحب الحسين عليه السلام ولا أعمل وفقا لمنهجه وما أوصى
به، لكننا في حقيقة الامر نرى تناقضا بين القول والفعل في هذا
الصدد، فنرى بعضهم متمسكا بالفكر والمنهج الحسيني قولا فقط، أي أنه
يردد هذا الفكر ويدعو له، لكنه لا يعمل به، وهذه هي الطامة الكبرى،
ومثل هؤلاء لهم قدرة كبيرة على الخداع والتخفي وراء الكلام الجميل،
وما شابه من طرق احتيال لايطول مداها حتى تنكشف للجميع، لأن
الافعال المنحرفة لايمكن إخفاؤها، خاصة اذا تعلقت بحاضر الناس
ومستقبلهم ومصيرهم، لأن الامر لايتعلق بفرد يمارس حرياته المكفولة
كيفما يشاء، فالموظف الحكومي سواءا كان صغيرا في مسؤوليته أم
كبيرا، هو مسؤول عن عموم الشعب، وحقوقهم ومصالحهم، لاسيما الفقراء
الذي هم أكثر ضررا من الاخطاء الادارية والمالية التي يرتكبها
الموظفون، حتى لو كانت عن غير عمد، أما اذا كان الاختلاس وضرب
مصالح الفقراء متعمَّدا، من أجل الحصول على المال والاثراء غير
المشروع، فتلك هي المعصية الكبرى التي سيُحاسَب عليها الموظف وغيره
آجلا أم عاجلا، لاسيما اذا كان يدّعي الالتزام بالفكر الحسيني
العظيم كمنهج حياة.
لذا تأتي هذه الايام المباركة، الأيام العشر الأوائل من شهر
محرم الحرام، لكي تذكّر الانسان بضرورة أن يسمو بنفسه وروحه
وأهدافه فوق الصغائر، وأن يتذكر وقفة الامام الحسين عليه السلام
ويعطيها ما تستحق من إجلال والتزام، لاسيما من يتصدر قيادة الناس،
سياسيون أو إداريون أو ماليون أو غيرهم، فهؤلاء، هم الاقرب والاكثر
للحساب من غيرهم اذا ساروا في طرق الانحراف، فلتكن أيام عاشوراء،
بداية للاصلاح الحقيقي، وليكن تمسكنا بمنهج الحسين وفكره، فعليا
وعمليا بالدرجة الاولى، إيمانا بما يدعو إليه هذا المنهج الخالد،
لاسيما أن الشعوب لم تعد تقبل بالسكوت على المنحرف والطاغي، كما
تشير الوقائع الساخنة في معظم دول الشرق الاوسط. |