أصعب رقم في معركة كربلاء بعد شخصية الحسين (ع) هي القائدة
الإعلامية، والخطيبة الفاعلة زينب العقيلة (ع)، ففي ميادين العمل
كانت هي المدافعة عن قيادة السماء، وأن تلوعت على متونها سياط
الشمر عند مدافعتها له في ساعة مصرع الحسين (ع)، أو إلقاءها بنفسها
على الحجة الثانية: (زين العابدين) (ع)، وهي تقول لابن زياد: (فإن
كنت قد عزمت على قتله فقتلني قبله)..
التضحية بركان صارخ في حياة هذه المرأة العملاقة، لم يكن
إنقاذها للقيادة الملكوتية في هذين الموقفين فحسب، فهي المنقذة
للحسين (ع) عندما كاد أن يحتضر في مصرع ابنه علي الأكبر، وكذا
أنقذت السجاد (ع) عند مروره على الأشلاء المقطعة من عشيرته وأصحاب
أبيه، زينب تتوقد كلما كاد الزيت أن يخبو وينطفئ.
فهي الحصن والموقد للشجاع والقيادات العظيمة، هي الصبر الذي
يعلم الرجال قبل نسائهم، هي القيم الذي يجسر الطريق نحو غاية الدين
والمعتقد، هي الثبات الذي يتجذر في نفوس المجاهدين الأبطال، زينب
لم يعرف الكسل لها طريقا، ولم يجد التقاعس إليها سبيلا، فكل ثغورها
منيعة محصنة.
زينب كانت التفاعل الحقيقي والمسؤولية المنقطعة اللحاظ، فهي
تتنقل بمنصتها المتجولة لتغتنم المواقف واللحظات الدقيقة لتسجل
بقلمها وخطاباتها حضورا صاخباً ومدوياً، بكلماتها الرصينة
والمدوية: (فانظر لمن الفلج يومئذ ثكلتك أمك يا بن مرجانة) موجهة
خطابها لطاغية العراق، أو خطابها الرائع الصيت ليزيد: (فو الله لا
تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا)، إنها امرأة غير مقيدة وإن ظن البعض
أنها مجرد مسبية فقدت الأهل والعشيرة ..
المرأة اليوم أحوج ما تكون لزينب الطهر والنقاء.، لزينب العفاف
والمسؤولية، فكل خواء في أرصدة المرأة يجب أن تمتلئ بروح زينب
وعطاءاتها المتألقة، فقد يهن رجالات هذا الزمن، فهل ستكون المرأة
هي من تذكي أوار النهضة والتفاعل، أم أن فاقد الشيء لا يعطي ؟!
المرأة النائمة لا تنتج غير جيل نائم، فهي مدرسة الإجازات
والتقاعس والفشل، أما المرأة الشمعة التي تحترق لتضيء للآخرين فهي
الأمل والغاية.
أمتنا ناهضة بالتكامل الحقيقي بين نسائه ورجاله، فإذا بدأت
الحركة من الحسين (الرجل)، فإن حركته تتفاعل وتتكامل بأدوار زينب
(المرأة)، فمتى سنشهد زينب اليوم، وهي ترفع الأخطاء، وتنتزع الغفلة
لتمارس دورها الحقيقي بخطوات ناهضة على نهج خطوات العقيلة وغصونها
المتفرعة نحو السماء بكل ثبات واتزان رغم حنق الحانقين؟!
عندها فقط سنشاهد كربلاء بثوبها المعاصر الجديد، وسيطيب لنا
عندها العيش والكرامة.. |