الصفحة الرئيسية

مجلة النبأ

ملف عاشوراء

 
عاشوراء الحسين 1430هـ
عاشوراء الحسين 1430هـ
 عاشوراء الحسين 1429هـ

  عاشوراء الحسين 1428هـ

  عاشوراء الحسين 1427هـ

  عاشوراء الحسين 1426هـ

  من نبض عاشوراء 1425هـ

  من نبض عاشوراء 1424هـ

  عاشوراء في ذاكرة النبأ

 مجالس عاشوراء

 صور عاشوراء

 مواقع عاشوراء

اتصل بنا

 

 

حبيب بن مظاهر... قائد الانصار وقدوتهم

محمد الصفار

 

شبكة النبأ: قام الإمام الحسين (ع) بثورته العظيمة مع فئة قليلة من أصحابه، فئة وقفت معه (ع) حتى آخر رمق وذبت عنه بكل بسالة وشجاعة حتى سقط الواحد منهم تلو الآخر مضرجين بدم الشهادة، لقد مثل هؤلاء الابطال في وقفتهم تلك ذروة الكمال الانساني وجسدوا أعلى القيم الانسانية فقد آمنوا بالحسين وأنظموا تحت لوائه وأقتفوا أثر مبادئه السامية فلم يقاتلوا من أجل سلطان أو حكم أو غنائم بل خرجوا مع الحسين وهدفهم هو هدفه (ع) في سبيل الاصلاح والامر بالمعروف والنهي عن المنكر.

فقارعوا جيش البغي الجرار رغم قلة عددهم متدرعين بأيمانهم الخالص بالله وحبهم وولائهم لأهل بيت نبيه (ص) وبقي هؤلاء الاصحاب الاوفياء _ الذين لم ولن يلد الزمان بمثلهم _ رمزاً للعطاء وعنواناً للفداء في كل زمان ومكان وتدلنا كلمة الإمام الحسين (ع) بحقهم على مدى أيمانهم ورسوخ عقيدتهم وولائهم حينما قال (ع): (أني ما رأيت أصحاباً خير وأفضل من أصحابي).

ويأتي في طليعة هؤلاء الاصحاب المخلصين الصحابي الشهيد حبيب بن مظاهر الاسدي رضوان الله عليه حامل راية الانصار وقائدهم وقدوتهم، لقد كان لهذا البطل مواقف مشرفة كثيرة، جسدت رسوخ أيمانه بالله وعميق حبه لأهل البيت (ع) وتفانيه في التضحية في سبيل أعلاء كلمة الله حتى ختم هذه المواقف المشرفة بأشرفها وهي الشهادة في سبيل الله بين يدي سيده الإمام الحسين (ع).

نشأ حبيب في بيت توارث البطولة والشجاعة والكرم والوفاء وغيرها من الصفات الفضيلة فكانت هذه الصفات هي التي جعلته محل اعتماد امامه الحسين (ع) وثقته فقد زخر هذا البيت بالاسماء اللامعة التي حملت من الصفات ما ندر حملها في الرجال فحبيب بن مظاهر بن رئاب بن الاشتر بن حجوان بن فقعس بن طريف بن عمرو بن قعين بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة يحق له أن يفخر بقبيلته التي برز منها الابطال والاشراف فكان منها فقعس الذي كان يعد من الابطال المعدودين ومعبد بن نضلة بن الاشتر الفقعسي الذي كان من اشراف الجاهلية وأبطالها ويذكر له التاريخ منافرة مع خالد الصيداوي أيام النعمان بن المنذر دلت على علو الهمة والوفاء والكرم وعزة النفس لبني فقعس قبيلة حبيب وفي ذلك اليوم قال شاعرهم مفتخراً:

وانا لنقري الضيف في ليلة الشتا... عظيم الجفان فوقهن الحوائر

كما كان لحبيب وأهل بيته الشرف الاكبر في صحبتهم للنبي (ص) وولائهم لأهل بيته (ع) فقد ذكر أبن حجر العسقلاني في الاصابة في القسم الثالث ممن له أدراك ج 1 ص 373:(أن حبيباً أدرك النبي وعمر وقتل مع الحسين (ع) مع أبن عمه ربيعة بن خوط بن رئاب وربيعة هذا شاعر مخضرم حضر يوم "ذي قار" ثم نزل الكوفة)؟

وذكر أبو محنف في مقتله أنه كان لحبيب اخوان استشهدوا مع الحسين (ع) اضافة الى حبيب هما يزيد وعلي أبنا مظاهر وقد عزز العلامة الكبير الشيخ عبد الواحد المظفر في كتابه (البطل الاسدي) هذا الرأي فقال: (وبناءً على ما نختاره من رواية الطبري عن الإمام محمد الباقر (ع) في عدد الشهداء مع الحسين (ع) أنهم مئة وخمسة وأربعين رجلاً وعلى هذه الرواية المعتبرة فأن ما قيل قريب لأن المعروفة أسماؤهم لا يبلغون هذا العدد).

وهناك رواية اخرى تدل على ذلك ففي معالي السمطين ج 1 ص 311: أن الحسين (ع) قال لأصحابه: (ألا ومن كان في رحله أمرأة فلينصرف بها الى أهلها) فقام علي بن مظاهر الاسدي وقال: ولماذا يا سيدي؟ فقال (ع): أن نسائي ستسبى بعد قتلي وأخاف على نسائكم من السبي فمضى علي الى خيمته وأخبر زوجته بذلك فقالت له: وما تريد أن تصنع؟ قال: قومي حتى ألحقك بأهلك فقالت له: لا والله أنتم تواسون الرجال ونحن نواسي النساء فرجع علي وهو يقول للحسين (ع): أبت الاسدية إلا مواساتكم فجزاهم الحسين (ع) خيراً.

لقد غمر حب الحسين جميع أهل هذا البيت الاسدي الطاهر وعلى رأسهم حبيب، أمتاز حبيب بمزايا قل نظيرها عند غيره من الرجال فالوفاء والبصيرة واليقين والحلم والكرم والعلم والشرف وكرم الاصل والنفس والعفة والشجاعة والزهد وغيرها من الصفات العظيمة، التي أمتاز بها حبيب هي التي جعلته محل ثقة مولاه أمير المؤمنين (ع) فخصه بعلم خاص لم يخصه سوى الصفوة المختارة من اصحابه وهو علم المغيبات.

فقد روى الكاشي في (منتهى المقال في احوال الرجال) ج 2 ص 328 عن فضيل بن الزبير _ وهو من أصحاب الإمامين الباقر (ع) والصادق (ع) - قال: مر ميثم التمار على فرس له فأستقبله حبيب بن مظاهر الاسدي عند مجلس بني أسد فتحادثا حتى أختلفت عنقا فرسيهما ثم قال حبيب: لكأني بشيخ أصلع ضخم البطن يبيع البطيخ عند دار الرزق قد صلب في حب أهل البيت نبيه فتبقر بطنه على الخشبة فقال ميثم: وأني لأعرف رجلاً احمر له ضفيرتان يخرج لنصرة أبن بنت نبيه فيقتل ويجال برأسه في الكوفة ثم افترقا فقال أهل المجلس: ما رأينا أكذب من هذين قال - أي فضيل بن الزبير - فلم يقترف المجلس حتى اقبل رشيد الهجري فطلبهما فقالوا: افترقا وسمعناهما يقولان كذا وكذا فقال رشيد: رحم الله ميثماً نسي ويزداد في عطاء الذي يجيء بالرأس مئة درهم، ثم أدبر فقال القوم: هذا والله أكذبهم قال: فما ذهبت الايام والليالي حتى رأينا ميثماً مصلوباً على باب دار عمرو بن حريث وجيء برأس حبيب وقد قتل مع الحسين (ع) ورأينا كما قالوا، ويبدو ان الكثير من الناس يشاركون القوم استغرابهم من هذا الحديث في الوقت الحاضر ولكن هذا ليس بغريب على من لازموا امير المؤمنين (ع) في حله وترحاله واخذوا منه وتخرجوا من مدرسته وهو القائل: علمني رسول الله الف باب من العلم فتح لي من كل باب ألف باب وقال في حقه رسول الله: انا مدينة العلم وعلي بابها فمن اراد المدينة فليأتها من بابها.

وقد أجمع اهل السير أن حبيباً صحب علياً (ع) في حروبه كلها الجمل وصفين والنهروان وكان من خاصته وحملة علومه وهذا العلم _ المغيبات _ لا يطلعه امير المؤمنين (ع) ألا على خاصته امثال حبيب ورشيد وميثم فهو لا يحمله الا قلب مفعم بالأيمان.

كان حبيب ممن كاتب الحسين (ع) وخاطبه في القدوم لمبايعته ونصرته كتاب حبيب ولكنه لم يكن كباقي الكتب التي كتبت بمدار الغدر بل كان نابعاً عن ولاء خالص وعقيدة صافية وكان الحسين (ع) يعرف منه ذلك الوفاء والولاء الخالص ويجلهما فقد ورد أنه (ع) في سيرة الى الكوفة خيم في واد وعقد أثني عشر راية ثم أمر جمعاً من أصحابه أن يحمل كل واحد منهم راية وبقيت واحدة فقال له بعضهم: يا سيدي تفضل علي بحملها فجزاه خيراً وقال له: سيأتي أليها صاحبها فلما جاء حبيب أعطاه إياها ولا يخفى ما لهذا العمل من دلالة واضحة على فضل حبيب ومكانته عند الحسين (ع) وذكر أهل السير أنه لما ورد مسلم بن عقيل (ع) الى الكوفة ونزل دار المختار واخذت الشيعة تختلف اليه قام فيهم جماعة من الخطباء تقدمهم عابس الشاكري فخطب خطبة أعلن فيها ولاءه ومبايعته للأمام الحسين (ع) والذب عنه بروحه وثناه حبيب فقام وقال لعابس بعد فراغه من خطبته رحمك الله لقد قضيت ما في نفسك بواجز من القول وانا والله الذي لا إله الا هو لعلى مثل ما انت عليه فكان حبيب مع ابن عمه مسلم بن عوسجة يأخذان البيعة للأمام الحسين (ع) في الكوفة.

وروى السيد ابن طاووس في اللهوف ص 108: أن عبيد الله بن زياد لما دخل الكوفة وخذل اهلها عن مسلم وفر أنصاره حبس حبيب ومسلم بن عوسجة ولم يطلقهما ألا بعد مقتل مسلم بن عقيل فلما ورد الحسين كربلاء خرجا اليه متخفين يسيران الليل ويكمنان النهار حتى وصلا اليه وكان وصولهما قبل معركة الطف بأيام وكان وجود حبيب في معسكر الحسين يضفي هيبة ورهبة في قلوب الاعداء كما كانت لحبيب محاولة لتعزيز معسكر الحسين (ع) بأكثر عدد من الانصار فكان قد أستأذن الإمام الحسين (ع)، قبل المعركة في أن يأتي قومه من بني أسد الذين كانوا قريبين من موقع المعركة فيدعوهم الى نصرة الحسين (ع) فروى الخوارزمي في مقتله ج 1 ص 243 والمجلس في بحار الانوار ج 44 ص 386: ان حبيباً لما وصل الى الحسين ورأى قلة أنصاره وكثرة محاربيه قال للحسين (ع): انا ها هنا حياً من بني اسد فلو أذنت لي لسرت اليهم ودعوتهم الى نصرتك لعل الله أن يهديهم ويدفع بهم عنك فأذن له الحسين (ع) فسار أليهم حتى وافاهم فجلس في ناديهم ووعظهم وقال في كلامه: يا بني أسد قد جئتكم بخير ما اتى به رائد قومه هذا الحسين بن علي امير المؤمنين (ع) وابن فاطمة بنت رسول الله (ص) قد نزل بين ظهرانيكم في عصابة من المؤمنين وقد أطافت به أعداؤه ليقتلوه فأتيتكم لتمنعوه وتحفظوا حرمة رسول الله فيه فو الله لئن نصرتموه ليعطينكم الله شرف الدنيا والآخرة وقد خصصتكم بهذه المكرمة لأنكم قومي وبنو أبي وأقرب الناس مني رحماً فقام عبد الله بن بشير الاسدي وقال: شكر الله سعيك يا أبا القاسم فو الله لجئتنا بمعركة يستأثر بها المرء الأحب فالأحب أما أنا فأول من اجاب جماعة بنحو جوابه فأستجاب لدعوة حبيب تسعون مقاتلاً جاؤا معه يريدون الانظمام الى معسكر الحسين (ع) ولكن عمر بن سعد علم بذلك فوجه اليهم قوة من أربعمائة فارس وكان بينهم وبين معسكر الحسين اليسير فتناوش الفريقان واقتتلوا فصاح حبيب بالازرق بن الحرث _ قائد جيش أبن سعد _ مالك ولنا انصرف عنا فأبى الازرق وعلمت بنو اسد الا طاقة لهم بخيل ابن سعد فأنهزموا راجعين الى حيهم ثم غادروا منازلهم في جوف الليل خوفاً من ابن سعد أن يباغتهم ورجع حبيب الى الحسين فأخبره بما كان فقال (ع): وما تشاؤون إلا ان يشاء الله ولا حول ولا قوة إلا بالله.

كانت هذه المحاولة من حبيب حرصاً على حياة الإمام الحسين (ع) ووقاية له بأهله وقومه وبني عمه ولم تكن هذه المحاولة الوحيدة فقد كان يعظ كل من يعرفه ومن لا يعرفه ويحاول أن يستمليه الى طريق الحق والانضمام الى معسكر الحسين.

فقد ذكر الطبري في تاريخه ج 3 ص 311: ان عمر بن سعد لما ارسل الى الحسين (ع) كثير بن عبد الله الشعبي وعرفه أبو تمامة الصائدي فأعاده أرسل بعده قرة بن قيس الحنظلي فلما رآه الحسين (ع) مقبلاً قال: أتعرفون هذا؟ فقال حبيب: نعم هذا رجل تميمي من حنظلة وهو ابن أختنا فلما جاء وسلم على الحسين وأبلغه رسالة عمر بن سعد قال له حبيب: ويحك يا قرة أين ترجع؟ الى القوم الظالمين؟ أنصر هذا الرجل الذي بأبائه أيدك الله بالكرامة وإيانا معك وكان له كلام بين الصفين يعظ به جيش أبن سعد الذين طبع الله على قلوبهم وانساهم ذكره لكن ذلك لم يمنع حبيب من تنبيههم وتذكيرهم بالضلال الذي هم عليه فمما قاله حبيب يومئذ: معاشر القوم انه والله لبئس القوم عند الله غداً قوم يقدمون على الله وقد قتلوا ذرية نبيه وعترته وأهل بيته وعباد أهل هذا المصير المجتهدين بالاسحار والذاكرين الله كثيراً كان حبيب على مسيرة الحسين فكان خفيف الاجابة لدعوة المبارز وحينما أذن له الحسين (ع) بالبراز اخذ يقاتل القوم قتالاً شديداً وهو يقول:

انا حبيب وأبي مظهر... فارس هيجاء وحرب تسعر

أنتم اعد عدة واكثر... ونحن أوفى منكم واصبر

ونحن اعلى حجة واظهر... حقاً وأتقى منكم وأطهر

فقتل على كبر سنه أثنين وستين رجلاً وهو يواصل حملاته ويرتجز بقوله:

أقسمت لو كان لكم اعدادا... أو شطركم وليتم الاكتاد

يا شر قوم حسباً وادا... وشرهم قد علموا انداداً

وبينما هو يقاتل اذ حمل عليه رجل من بني تميم يقال له بديل بن حريم فضربه بسيفه وحمل عليه آخر من تميم أيضاً فطعنه برمحه فوقع فأراد أن يقوم فضربه الحصين بن تميم على رأسه بالسيف فسقط فنزل اليه التميمي واحتز رأسه.

قال أهل المقاتل والسير انه لما قتل حبيب بن مظاهر الاسدي هد مقتله الحسين واسترجع كثيراً وقال: عند الله احتسب نفسي وحماة اصحابي ولا تنتهي قصة حبيب باستشهاد فان الروح الوحشية التي جبل عليها افراد الجيش الاموي لم تكن لتدع أي شكل من اشكال البشاعة والقسوة والنذالة ألا وتأتي بها.

فقد ذكر الطبري وغيره من اصحاب التواريخ والسير ان التميمي _ قاتل حبيب _ والحصين تنازعا في رأس حبيب وكل يقول أنا قتلته فأنا أولى برأسه ثم اصطلح مع الحصين أن يأخذ الرأس ويعلقه في عنق فرسه ويجول به في العسكر ليعلم الناس انه شريكه في قتله ثم يدفعه اليه فدفع التميمي الى الحصين الرأس ففعل ما يريد وجال به في العسكر ثم دفعه الى التميمي فلما رجعوا الى الكوفة بعد مقتل الحسين (ع) اخذ التميمي رأس حبيب وعلقه في عنق فرسه ثم اقبل مع بقية الجيش الى قصر ابن زياد فبصر به القاسم بن حبيب بن مظاهر وهو يومئذ غلام فأقبل مع التميمي لا يفارقه فأرتاب التميمي فقال له مالك تتبعني قال القاسم: ان هذا الرأس الذي معك رأس أبي أفتعطينيه حتى أدفنه فأبى التميمي وبقيت صورة التميمي ورأس حبيب لا تفارق رأِس القاسم حتى ادرك ولم يكن له هم ألا اتباع اثر قاتل أبيه فلما كان زمن مصعب بن الزبير وغزا مصعب (باجميرا) دخل القاسم عسكر مصعب فأذا قاتل ابيه في فسطاطة فدخل عليه وضربه بسيفه فقتله وكانت هذه النتيجة الطبيعية فد حلت بكل افراد الجيش الاموي بعد جريمتهم النكراء في كربلاء، وهي جزء من العقاب الالهي الدنيوي فكان لهم الخزي في الدنيا والعذاب في الاخرة. أما حبيب وأصحابه الشهداء فقد تبوأوا أسمى مراتب الابرار والصديقين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 20/كانون الثاني/2011 - 14/صفر/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م

[email protected]