تمثل قرود الحكمة الثلاثة (لا أرى- لا أسمع – لا أتكلم) حالة ضد
الاتصال وضد الإنسانية وضد صيرورة الحياة والتطور، فكل شيء في
عالمنا يتداخل ويتقارب، وينقل من نقطة ما على الأرض إلى نقطة أخرى
في نفس الوقت ونفس اللحظة...
و تمثل الأخبار والمعلومات، جزء هاما من الاتصالات التي تعد
ضرورة ملحة للحياة، ولوجود الجنس البشرى، بوصفه كائنا اجتماعيا،
حيث تضطلع وسائل الاتصال بدور الحارس، وهي مهمة وصفها علماء
الاجتماع بأنها "استطلاع للبيئة".
فوسائل الاتصال هي العيون والأذان التي تراقب وتسمع عالمنا الذي
تجاوز اليوم بكثير حدود الكرة الأرضية نفسها، ومتى استقت الأنباء
والمعلومات، جاءت بها إلينا في غرف نومنا.
حيث تقوم وسائل الاتصال، بشرح ما هو حادث وتفسره، وتحاول أن
تستخلص مما هو حادث شيئاً منطقيا، فجميع وسائل الاتصال تعمل على
تفسير الأخبار وتحليلها، فتقدم الصحف مقالات ويوميات ومقالات خاصة،
ومراجعات للكتب.....
أما الأفلام، ففيها ما هو تسجيلي، وفيها ما يراد به التسلية،
وان أستند إلى الواقع. وبالإضافة إلى ما تقدمه وسائل الاتصال من
معلومات معروفة على هذا النحو، فهي تسوق إلينا طوفاناً من
المعلومات تحت باب التسلية، كالأفلام والمسلسلات والأوبرا الخفيفة،
والروايات، وكلها تحتوى على عناصر واقعية، يمكن أن نتعلم ونثرى
ثقافتنا منها. أن وجهات النظر الكامنة وراء برامج التسلية, تساير
البرامج، وتؤثر في تصرفات الناس ومواقفهم، وهو الأمر الذي كثيراً
ما يحدث دون مستوى شعورنا الواعي.
والحقيقة أن وسائل الاتصال، أصبحت أبا ثالثا، ومدرسة أخرى،
يتعلم منها الفرد أكثر مما يتعلم من المدرسة، فوسائل الاتصال تقوم
بنقل قيم وأساليب وسلوك وتعارف بشكل عام.
وبعد هذه المقدمة التي تتناول الهدف من الإعلام والاتصال وفق
التعاريف والمفاهيم الأكاديمية، وبالتالي، فالذين يراهنون على
التكتم وعدم الكشف عن حدث ما، أو محاولة تشويهه، أو اختزاله في شكل
دون آخر، مع إخفاء باقي الحدث وتفاصيله هم أناس غير طبيعيين، سواء
كانوا أفراد أو جماعات أو مؤسسات أو حتى دول...
مع بدء العام الهجرى الجديد، وعلى طول العديد من الأقطار
العربية والإسلامية، جرى حدث مهم احتشدت فيه الجماهير في العديد من
هذه الدول، وتحدث في هذا الحدث أربعة أو خمس رؤساء دول حاليين،
ورئيس وزراء، ورئيس دولة سابق، واحتشد في مدينة واحدة في هذا الحدث
عدد يقترب من أربعة ملايين من الناس من جنسيات عديدة... ورغم ذلك
جرى تعتيم وصمت وتشوية واختزال على هذا الحدث...
عاشوراء واستشهاد الإمام الحسين (ع):
قبل حوالى 1371سنة قتل الإمام الحسين بن على بن أبى طالب، ابن
فاطمة الزهراء بنت محمد( صلى الله عليه وآله وسلم)، قتلته جماعة
على مقربة من شط الفرات ثم يقول في لحظاته الاخيرة :
أأقتل مظلوما وجدى محمد؟
واذبح عطشانا... وأنا ابن الذى روى جميع عطشا الأرض أنى رآهم؟
وأترك مهتوكا وأمي فاطمة.
وتقول ابنته سكينة: أبتاه ! وا أبتاه...
واجداه... وا شهداءنا !
فلتعجلوا من كل أطباق السماء
هذا الحسين مجندل وسط العراء... عطشان ترويه الدماء... أكفانه
التيه الرهيب...
أبتاه... يا ويلاه.. واجداه ! !!
لتردها عمتها زينب بنت على :
يا قاتلي بطلل الحقيقة والتقى
يا خانقي أمل الخلاص المرتجى
ياا ويلكم... اوطأتموا أفراسكم جسد الشهيد ابن الشهيد المرتضى
انتم دهستم ويحكم جسد الرسول؟ وسفكتم دمه الطهور.. دم الرسول
المصطفى..
يانبشى قبر النبي ومهدري حرمات أهله يا ماضغي كبد الشهيد
يارافعى علم النذالة.. يا ذابحي الإنسان وهو يعيش أحلام
العدالة... هل فيكم بعد هذا اليوم مسلم؟!!
ماذا ستجنى عندما تهدى رءوس الأولياء إلى البغي؟ أخليت وجه
الأرض ويحك من جميع بنى على؟
جداه هل أبصرت قرة عينك استلقت على هذا التراب؟
أكفانه هوج الرياح وقبره ظلل السحاب؟ المؤمنون بما أتيت به
الذين بك اهتدوا قتلوا ابن بنتك !!!
بهذا المقطع الأخير تنتهي – عفوا- تبدأ الحكاية ولكن كيف؟؟
هل الذين أمنوا بمحمد هم قتلت الحسين؟؟ أم أن أدعياء الدين
والتقى طلاب الدنيا والثأر هم من قتلوا الحسين؟؟
هو سؤال يتفرع منه ألف سؤال وسؤال...
في كل ناد وبرنامج تلفزيوني وفي كل مكان غالبا أجد من يقفز
فجأة في وجهي ويقول إنني أحب آل البيت، وأحدهم يقول " لو عصرتني...
تجد حب أهل البيت يجرى في دمي"، هذا وذاك وهؤلاء يطربهم أن تذكر
لهم سيرة الحسين وقبله الحسن ومن قبله أباهم أمير المؤمنين... لكن
حين تنتقل من نقطة على نفس السطر إلى نقطة أخرى، فمثلا ما إن ذكرت
معاوية تجدهم يتراضون عنه، وإذا ما ذكرت قاتل الحسين، وجدتهم
يقولون... وكأنهم كانوا شهود الواقعة... " لم يرض يزيد بقتله"....
إذا من قتل الحسين؟!!!
إن قتلة الحسين هم الذين ينأون بأنفسهم ووسائل إعلامهم التي
يمتلكونها أن يذكروا اسم الحسين، أو يعيدوا أجواء ودروس ومعاني
ثورة واستشهاد الحسين...
إن قتلة الإمام الحسين هم من يبثون في وسائل إعلامهم فتاوى
ودروس وكلمات وعبارات وأحداث تعمق الشقة بين السنة والشيعة، وتوسع
الهوة بين أبناء الدين الواحد والبلد الواحد والأمة الواحدة...
إن قتلة الإمام الحسين هم من يتهافتون على نقل تظاهر المثليين
وبدأ السنة عند البوذيين وأعياد الكريسماس في كل عواصم الدنيا، و
أحداث فتنة تقع هنا وهناك، ولا ينقلون وقفة وكلمة رئيس تركيا ورئيس
الوزراء التركي والرئيس الأسبق للجمهورية الإسلامية ورئيس وزراء
العراق ورئيس أفغانستان والمرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران
ورئيس الجمهورية وسماحة السيد حسن نصر الله... كلهم خرجوا يتحدثوا
في هذه المناسبة يتذكروا ويذكروا شعوبهم بهذا الحدث الفارق في
تاريخ الإنسانية... هل يرى هؤلاء أن كل هؤلاء أقل شأنا من تصفيات
قرعة كأس العالم التي نقلوها جميعا على الهواء مباشرة دون اختزال
أو تشويه...
هل خروج أهل مصر لزيارة المقام الشريف الذى يضم رأس الحسن وخروج
أهل لبنان والبحرين والعراق إيران وتركيا وباكستان والهند
وأفغانستان والعربية السعودية.... في وقت واحد وساعة واحدة كلهم
خرجوا يستلهمون درس الشهادة والثورة.... ومع هذا عزفت وسائل
الإعلام العربية والإسلامية عن هذا المشهد وهذا الدرس....
إن حكمة النعام لن تحجب الحقائق، ودروس الحكمة الثلاثة، لن
تمنع دروس عاشوراء... بيد أن الذين قتلوا الحسين قديما لهم شركاء
كثر متجددون، كما أن محبى الإمام ومتبعي نهجه متجددون تجدد الماء
في الجداول وجدد العطر في أوراق الورد، وتجدد الدمع في المقل
الحزينة....
[email protected] |