شبكة النبأ: عشرات الامتار هي
التي تفصل ما بين المرقد الحسيني الشريف او مصرع الحسين عليه
السلام أن صح التعبير، وما بين المخيم الحسيني الذي يعد مركز
القيادة العسكرية والاعلامية وساحة الجهاد الاولى التي انطلقت منها
تلك الصرخة المدوية (هيهات منا الذلة)، فلولا وجود المخيم الحسيني
لما استعرت الضمائر الشريفة بنور البصيرة والتبصر والهداية لما جرى
في ملحمة الطف لسنة 61 للهجرة، حينما التقى المعسكران على اديم
كربلاء الشهادة.
فمن جهة معسكر يمثله الحسين عليه السلام رغم قلة عدده الاثنا
والسبعين ويقابله في الطرف الآخر جيش عبيد الله بن زياد البالغ
عددهم عشرات الالف.
لذى كان من الاجدى ان نكون منصفين ونعيد الى الاذهان ما سجله
التاريخ يوم حرق الخيام وفرار الفاطميات من مكان الى مكان وسحق
الاطفال وترويعهم، وما الى ذلك من الامور الاخرى التي تصب في خانة
الكشف عن الدور الذي اضطلع به المخيم الحسيني واليك ما جاء لسان من
سألناهم بهذا الخصوص.
رائد العسلي اعلامي، يقول، "من بين الصور المؤلمة التي تتبادر
الى المخيلة وانت تطالع شواهد المخيم الحسيني هو تلك المواقف
الثابتة التي كانت تعتمر قلوب الموجودين هناك يوم كان النزال وما
تعرضوا له من الوان الظلم والاضطهاد والترويع والعطش والسبي، ناهيك
عن ما شكله المخيم الحسيني من وسيلة اعلام حره أحالت المعركة من
خندق الخاسر في الحسابات العسكرية الى المنتصر في خانة المبادئ
والمثل العليا، التي أذنه بها الله سبحانه وتعالى ورسوله الاكرم
محمد صلى الله عليه واله وسلم".
ويضيف خلال حديثه لـ(شبكة النبأ المعلوماتية)، "من هنا نكاد ان
نستجمع معطيات ومعاني اقلها مناصرة القضية التي نأمن بها وندافع
عنها وان نتسلح بالإمكانات المتاحة وان يكون للمرأة دور اكبر مما
هو عليه وهذا شرح مقتضب وبسيط لما يكتنزه المخيم الحسيني وما
يحتويه".
الا أن الحاج مزهر الحياوي من اهالي الحي فيصف وضع المخيم
الحسيني بانه رمز لصمود الاسرة العلوية فيقول، "الامر لا يتعلق
ببعض الامتار هنا او هناك ولكن نستدل من خلال ذلك الاثر قساوة
الجريمة التي ارتكبها بني امية ضد الاطفال والنساء من ال النبي
المصطفى، ونحن اذا نستذكر ذلك الصرح لنستلهم العبرة والعظة على ان
العزيمة والاصرار هي عنوان المؤمن ودالته الموكدة للنجاة من التزلف
والذل والهوان".
ويتابع، "لا ضير ان تتعرض الى المهالك او الموت في سبيل القضية،
وربما كنا والى اوقات قريبه خير دليل وشاهد حينما كان طاغية العصر
صدام يتوعد العراقيين بالحرق والتهجير والقتل والتعذيب الا ان قضية
الحسين عليه السلام ومشاعل هداياته قدمت الكثير الكثير للشعب
العراقي حتى جعلته في اول المضحين".
الحاجة ام رباب امرأه مسنه تروي لنا بانها منذ نعومة اظفارها
وهي تزور هذا المخيم الحسيني الشريف بصحبة اهلها ايام الزيارات،
وتقطن قضاء الشطرة جنوب العراق، فتقول، زيارتي الى المقام المقدس
للتبرك واستذكار مصيبة السيدة زينب الكبرى عليها السلام يوم العاشر
من محرم الحرام، وما جرى عليها بعد ذلك من السبي والذلة".
وتضيف ام رباب وهي تكفكف ما تبقى من نزيف مقلتيها، "ما مر بها
مصيبة لا يتحملها الرجال الاشداء، فكيف بزينب عليها السلام وهي
امراه مخدرة، ترى قاتل اخوتها امام ناظريها"؟
الاستاذ جعفر جميل وهو مدرس جاء من محافظة النجف الاشرف
للمشاركة في الشعائر الحسينية المقامة في كربلاء يقول: "الاثر
التاريخي له ملامح مضيئة ومهمة، حيث تتجلى في المكان حالة التواصل
ما بين صور الماضي البعيد والحاضر الراهن، ولكن حسب اعتقادي فان
الذاكرة والخيالات تسرح الى ابعد من ذلك بكثير فمن غير الممكن ان
ننتقص من العمق البلاغي والتنويري لضعف الاستدلال على هذا المكان،
فالرمزية توفر الكثير مما نصبو اليه، وما قولي هذا الا للرد على من
يصور المخيم الحسيني على انه مجرد مكان".
ويضيف جعفر خلال حديثه مع (شبكة النبأ المعلوماتية)، "المخيم
الحسيني قضية ومدرسة نستلم منها ما عجزت عنه ألآلف الكتب
والمجلدات، فالحدث موجع ومولم لكل المنصفين وعشاق الاعتدال، والا
كيف تصف لي حال امرأة وهي تشاهد اخوتها مجزرين ومقطعي الرؤوس وصرعى
وليس لديها من ناصر او معين سوى الله سبحانه وتعالى، حيث تتجلى
حالة الايمان الحقيقي والاطمئنان والسكينة التي كانت هي السمة
الغالبة على عقيلة بني هاشم لدى تقبلها المصيبة، واستوعبت الدرس
على انه لوجه الله سبحانه وتعالى وما عليها الا الصبر والاحتساب".
ويشير جعفر، "هذا هو دور المخيم الحسيني ليكمل المسيرة ويعزز
الثورة بعنوان الصمود والبقاء على الثوابت الدينية والانسانية التي
لا تقهر مهما تمادى صولجان الكفر والالحاد".
الى ذلك يصف الاديب عدنان عباس سلطان من لا يرى الابعاد النفسية
والمادية للمخيم الحسيني بفاقد للبصيرة والسداد، فيقول، "من يقلل
من شأن المخيم الحسيني هو لا يدرك حقيقة الثورة الحسينية جملة
وتفصيلا، فحينما عزم الحسين عليه السلام ان يصطحب الاطفال والنسوة
الى ساحة المعركة كان يدرك تماما بان المنازلة قائمة لا محال، وليس
هناك من مفر للمواجهة الا انه كان امام خيار الانصياع الى الثوابت
الوضعية، وبين الارتهان الى امر السماء وهي تحثه على رفض الظلم
ومواجهة العابثين بشريعة الله سبحانه وتعالى، فكان عليه السلام
يدرك اهمية الادوار كل من كان بمعيته، وهو يخرج عياله ونسائه وال
بيته معه".
ويسترسل سلطان، "فالقضية هي ابعد مما نراها على الارض لاسيما في
جوانبها الانسانية والتعبوية ومدى تأثيرها وحضورها، وهذا ما لمسناه
ونحن نواكب مسار الثورة الحسينية من واقعة الطف ومصارع اهل بيت
النبوة واصحابهم، الى مشهد حرق المخيم ودورة السبي والتهجير من بلد
الى بلد، ومن ثمة النهضة الزينية التي جاءت لتبدأ فصل جديد من فصول
الثورة الحسينية الخالدة وربما تكون احداث الشام وما جرى في مجلس
يزيد هي الشرارة التي ازالة حكمه من على وجه الارض".
ويختتم، "الخطابة الزينية افحمت العقول واللباب والافئدة وادمت
العيون وفضحت الزيف والاداء، وعندها تبينت فلسفة اخراج المرأة عن
دورها التقليدي وان تكون على المحك في ساحة الجهاد الاصغر، فكان
ابى الاحرار محقا يوم لم يصغي لآراء المعارضين على ضرورة اصطحاب
عياله الى ساحة النزال، لأنه كمن يرى ما لا يراه غيره في ضرورة
استنفاذ كل الخيارات المتاحة وتسخير كل الطاقات المادية والمعنوية
والاعلامية، وهذا هو العامل الاساس والعنصر الفاعل الذي قلب
الموازين وبدد التكهنات وفرض النظريات المستحدث آنذاك يوم انتصر
الدم على السيف. |