شبكة النبأ: المحطات المهمة في
التأريخ الانساني، تتوقف عندها البشرية طويلا، وتتمحص فحواها،
وتتدارس جوهرها، وتتمثَّلهُ، لكي تستخلص منه ما يفيدها في تطوير
حياتها نحو الافضل، مضافا الى استنباطها الدروس، التي تساعدها في
حفظ القيم، وتنميتها وترسيخها، بين مكونات المجتمع كافة.
والفكر الحسيني الخالد، يشكل محطة حافلة بالمبادئ الانسانية
العظيمة في جوهرها وفحواها الانساني، لدرجة أن هذا الفكر أصبح مثار
حديث الامم البعيدة والقريبة، ومحطة استقطاب للشعوب والامم التي
تُنتهك حقوقها، فتصبح بحاجة الى من يدلّها على الطريق الصواب، كي
تسترد تلك الحقوق، ناهيك عن الاهمية القصوى لتطوير الواقع المعيش
للشعوب، التي تعاني من التخلف، والمرض، والفساد الذي غالبا ما
يستشري، كنتيجة لظلم الحكام، واستبدادهم في تسيير الامور، بما يحمي
لهم مصالحهم اولا.
وقبل أيام قلائل، كنا قد عشنا لحظات وساعات واقعة الطف،
واستذكرنا حيثيات الصراع المرير بين حقٍ رفع لواءه الامام الحسين
(ع)، مع قلة من ذوي القلوب الشجاعة، العامرة بالايمان، ومع
استنهاض ما جرى في هذه الواقعة بأدق تفاصيلها، نهضت أيضا مبادئ
الفكر الحسيني، التي دفعت دماء سخية، وارواحا طاهرة، من اجل تقويم
الاعوجاج، في مسار الحكم الاسلامي، فظهرت جلية، تلك المبادئ
العظيمة، وبان دورها الكبير، في إمكانية مقارعة الظلم، مهما كبر
حجمه، وطغى وتجبّر مصدره، حين هزم الدم الطهور والفكر الانساني
المتنوّر سيوف الطغاة والجبابرة.
ولكن كيف حدثت هزيمة الظلم، وما هي الاسباب التي تقف وراؤها،
وكيف انثلم سيف الطغاة وارتدت نبالهم وتكسرت رماحهم؟.
لقد تمكن رجال معدودون (73 حسب الروايات الموثوقة) وهم من ذوي
وصحبة الامام الحسين (ع)، آمنوا بالحق وبقوة الانسان وارادته
الجبارة، تمكنوا من أن يهزموا الظلم، حين ازدهر الايمان في قلوبهم
فمكّنهم من التصدي لأعتى الطغاة، وما كان لهذه الاهداف العظمى أن
تتحقق لو لا قوة الايمان والثبات على المبادئ التي آمن بها فريق
الحق، فتغلب على فريق الباطل على الرغم من التباين الكبير في العدة
والعدد.
وبهذا فإن هذه المحطة الحسينية الخالدة في عمق التأريخ، ما كان
لها أن تبقى مشعّة كما هي الآن، لو لا قوة المبادئ التي نادت بها،
وعملت بهديها، وجعلتها دليلا منيرا، لمن يرغب بطرد الظلام من
حياته، وبهذا فهي تنطوي على جوانب تربوية شاخصة حري بنا جميعا أن
نسترشد بها لاسيما أولي الامر، وكذلك شبابنا الذين يشكلون عصب
الحياة في المجتمع.
فكلنا نعرف فحوى الفكر الحسيني، وما يهدف إليه، وما يدعوا
لتطبيقه، ولو قمنا بذلك حقا، لكنا الآن في مقدمة الامم، ويبدو أننا
وخاصة (الحكام المسلمون بالاسم) نأخذ من فكر الحسين خارجه وشكله
فقط، ونتخلى عن جوهره وفحواه، لأنه لا يتسق مع الانهاج المنحرفة،
ولايقبل للحاكم أن يحمي نفسه، وذويه، وحاشيته، ويترك الرعية، من
دون ملاذ او حماية، من الجهل، والجوع، والمرض، كما يحدث الآن أمام
مرأى الجميع.
فمن يؤمن بالفكر الحسيني حقيقة، عليه أن يطبقه شكلا وجوهرا،
وليبدأ أولي الأمر بأنفسهم أولا، وهم القادة السياسيون، والعلماء،
والمثقفون، وكل النخب التي ترى في نفسها متقدمة على غيرها، من عامة
الناس، في الوعي والمسؤولية، ولا يصح أن نتشدق بهذه المبادئ
العظيمة، من دون أن نعمل بهديها، وجوهرها، لأننا عند ذاك، سنكون من
المنافقين، الكذابين، المرائين، الذين يقولون ما لا يعملون، وهم
ممن يمقتهم الله تعالى، ولا يرضى عنهم، فتسوء حياتهم، وتصبح قابعة
في الدرك الاسفل، شاءوّا ذلك أم أبوّا، ومهما طالت بهم الايام
والاعوام، وحتى لو كانوا من أصحاب السلطة، او الجاه والنفوذ، وما
الى ذلك من عوامل تعمي بصيرة الانسان، فإن ضرر العماء وتضخم الذات
وفقدان الشعور بالآخر سينتهي بهم الى عاقبة لا يُحسدون عليها.
من هنا، مطلوب أن نجعل من مبادئ الفكر الحسيني، دليل عمل لنا
جميعا، وأولنا من يقود الناس، أو ما يُسمّوْن بالقادة السياسيين،
لا أن نتشدق بالاقوال، ونحن اول من لا يعمل بها، وكلما كان الانسان
(فردا وأمة) ملتزما بتلك المبادئ العظيمة، قولا وفحوى، كلما ضمن
الجميع، حياة تليق بكرامة الانسان وقيمته. |