شبكة النبأ: شهد مختلف مدن العراق
احياء مراسيم عاشوراء بشكل مكثف وكبير شمل معظم مكونات المجتمعات
العراقية بطوائفه الاسلامية والاقليات المسيحية والصابئية بشكل
منقطع النظير، فيما انشغل اغلب وسائل الاعلام المحلية في نقل تلك
الشعائر بشكل مباشر.
في حين احتضنت مدينة كربلاء المقدسة مشاركة ما يربو على اربعة
ملايين شخص في احياء يوم عاشوراء، بسلاسة ملحوظة واجراءات خدمية
وامنية اثبتت نجاحها، حيث لم تتخلل المناسبة اي خروقات امنية تذكر،
بعد ان استطاعت القوات العسكرية النجاح في معظم العمليات
الاستباقية التي قامت بها قبيل المراسم المقدسة.
يوم العاشر
فقد أعلن محافظ كربلاء، عن انتهاء مراسيم زيارة العاشر من محرم
الحرام ذكرى استشهاد الإمام الحسين، ونجاح الخطتين الأمنية
والخدمية شاكرا أهالي المدينة الذين أسهموا بإنجاح الخطة وإيواء
الزوار في منازلهم وإطعامهم، في حين أعلن مصدران أمنيان نجاح الخطة
الخاصة بالزيارة في كركوك وميسان.
وقال آمال الدين الهر، إن زيارة عاشوراء “انتهت بنجاح في مدينة
كربلاء (108كم جنوب العاصمة بغداد) بمشاركة ما بين ثلاثة وأربعة
ملايين زائر بينهم 150 ألف عربي وأجنبي من 25 دولة”، مشيرا إلى أن
30 ألف من عناصر القوات الأمنية فضلا عن القوة جوية حموا سماء
المدينة طوال ليلة أمس (الخميس) ونهار اليوم (الجمعة)”.
وأضاف أن الخطة الخدمية التي نفذتها دوائر الدولة “طبقت بنجاح
بعد أن استنفرت هذه الدوائر جهودها وإمكانياتها لتقديم الخدمات إلى
الزوار الذين وفدوا إلى المدينة منذ عشرة أيام”، مبينا أن ليلة أمس
ونهار اليوم “هما من أكثر أوقات الزيارة التي تدفقا للزوار على
المدينة لإحياء ليلة العاشر من محرم فضلا عن نهار اليوم والمشاركة
في ركضة طويريج التي أداها نحو مليوني زائر بينهم 250 ألف امرأة”.
وأعرب الهر عن “شكره لإدارة العتبتين المقدسين الحسينية
والعباسية كونها الجهتان التي استوعبتا هذه الأعداد الغفيرة مثلما
شكر الأجهزة الأمنية ومنتسبي الصحة والدوائر الخدمية لما بذلوه
طوال عشرة أيام كانوا فيها في حالة استنفار”، معربا عن الشكر أيضا
لـ”أهالي المدينة الذين كانوا مناصرين للخطتين الأمنية وخير عون
للكثير من المعلومات الأمنية فضلا عن تحملهم لإطعام الملايين من
الزوار وإيوائهم في منازلهم”. بحسب اصوات العراق.
وطالب بضرورة “زيادة التخصيصات للمدينة كي تتمكن من تعمير بناها
التحتية التي لم تعتد تستوعب أعداد الزوار الذين يفدون إليها في
المناسبات الدينية المختلفة”.
إلى ذلك قال مدير العلاقات والإعلام في شرطة ميسان، عن نجاح
الخطة الأمنية الخاصة بحماية المواكب والحسينيات والجوامع في
المحافظة.
وأضاف غسان عدنان حمودي، إن الشرطة “لم تسجل أي خرق أمني خلال
الأيام العشرة الأولى من شهر محرم في ميسان (مركزها مدينة العمارة،
التي تبعد 390 كم جنوب العاصمة بغداد) بفضل الخطة التي طبقتها
القوات الأمنية في المحافظة من جيش وشرطة”، مشيرا إلى أن الخطة
“تضمنت نشر 10 أفواج من شرطة الطوارئ وقوات من الجيش ضمن مركز
المحافظة وأقضيتها ونواحيها مع غلق الشوارع الرئيسة التي تمر منها
المواكب الحسينية أو تدخل لاسيما شارعي بغداد وحي الحسين القديم
فضلا عن نشر مفارز حماية للحسينيات والجوامع”.
وتحرص الأسر الميسانية من أنحاء المحافظة، من مختلف الطوائف،
على التواجد قرب المواكب الحسينية التي ينحصر وجودها في اليوم
العاشر من محرم في شارعي بغداد وحي الحسين القديم (وسط العمارة)،
والتي يقدر عددها بالمئات ويستمر تدفقها إلى ساعات الصباح الأولى
التي تشهد إقامة العروض التمثيلية التي تجسد واقعة (معركة الطف)
التي جرت عام 61هـ ويحتفل المسلمون بهذه المناسبة كل عام في جميع
أنحاء العراق.
وفي محافظة كركوك (يقع مركزها على بعد 280 كم شمال شرق العاصمة
بغداد)، أقامت حسينية “أهل البيت” في منطقة تسعين، وحسينية الزهراء
في واحد حزيران، وحسينية خزعل التميمي في شارع أطلس، مراسم دينية
خاصة بمناسبة العاشر من محرم بحضور الآلاف من محبي آل البيت من
السنة والشيعة عربا وتركمانا وكردا، فضلا عن علماء الدين وأعضاء
مجلس المحافظة، من بينهم تحسين كهية وقاسم همزة البياتي، وضباط من
القوات الأمنية في المحافظة، بينهم المدير العام لشرطة كركوك
اللواء جمال طاهر، ونائبه اللواء طورهان عبد الرحمن.
وانطلقت المواكب منذ ساعات الصباح الأولى في مسيرات منظمة اكتظت
بجموع من الرجال والنساء والشباب والأطفال رافعين رايات السوداء من
أمام حسنيه أهل البيت في بداية شارع تسن (تسعين) المعروف بشارع
التربية (وسط كركوك)، إلى نهاية الشارع بالقرب من كراج بغداد ثم
تجمعوا أمام الحسينية.
وقال اللواء جمال طاهر، إن قوات الشرطة “أغلقت غالبية المنافذ
المؤدية إلى منطقة تسعين وسط المدينة وفي منطقة واحد حزيران جنوب
غربي المدينة وشارع الأطلس مركز المدينة لحماية المواكب الحسينية
التي تجوب عادة الشارع الرئيس المؤدي إلى حسنيه أهل البيت وحسينية
الزهراء وخزعل التميمي لممارسة الطقوس والشعائر الحسينية”، مشيرا
إلى أن الخطة الأمنية “نفذت بنجاح ودون أي خرق بمشاركة قوات من
منتسبي شرطة كركوك من الطوارئ والنجدة وشرطة بلدة ومن عناصر
التحقيقات الوطنية والأمن الوطني ورجال الإطفاء وصحة كركوك تحسبا
لأي عمل إرهابي”.
من جانبه قال مدير شرطة الأقضية والنواحي، العميد سرحد قادر، إن
القوات الأمنية المتمثلة بـ “قوات الجيش التابعة لفرقة 12 وقوات
البيشمركة (حرس الإقليم) التابعة للواء الأول “أحكمت السيطرة على
مداخل كركوك في الأقضية والنواحي ولم يحدث فيها أي خرق أمني خلال
الأيام الماضية”.
على صعيد متصل حث إمام جامع وحسنيه أهل البيت الشيخ علي
الموسوي، في كلمته بالمناسبة على ضرورة “استلهام الدروس من ملحمة
استشهاد الإمام الحسين لزرع بذور المحبة والسلام والتوحيد
والابتعاد عن الطائفية التي لا تخدم العراق والعراقيين”، مشددا على
ضرورة “نبذ الفرقة والوقوف صفا واحداً بوجه جميع التحديات
والمؤامرات والإرهاب”.
وفي خطبة الجمعة، قال إمام وخطيب جامع الإسكان شمالي المدينة،
سوران احمد مولد، إن العاشر من محرم “شهد أحداثا مفرحة منها تقبل
الله تعالى توبة آدم ونجاة نوح بسفينته ويونس من بطن الحوت وموسى
من الفرعون ثلما شهد أحداثا محزنة للمسلمين جميعا تمثلت باستشهاد
الإمام الحسين وأهل بيت النبوة في أرض كربلاء”، مبينا أن الإمام
الحسين “علم الإنسانية أن تفضل العيش مظلومة على أن تكون ظالمة”.
وفي قضاء تلعفر (60 كم شمال غرب مدينة الموصل)، قال مدير شرطة
القضاء، إن نحو 30 ألف شخص “أنهوا مراسيم إحياء ذكرى عاشوراء في
ثلاثة مواقع رئيسة من مركز القضاء دون وقوع أي خرق أمني وفي ظل
إجراءات مشددة فرضتها القوات العراقية والقوة الجوية”.
وأضاف العميد علي هادي عبيد، أن المشاركين في إحياء المناسبة
“تجمعوا في في مزار خضر الياس (4 كم جنوب تلعفر) ومرقد الإمام سعد
بن عقيل في حي الطليعة (وسط تلعفر) وساحة السايلو (غرب تلعفر) حيث
جابت المواكب الحسينية شوارع القضاء لتتجمع في هذه المواقع الثلاثة
وتقدم فعاليات وتمثيليات تجسد واقعة الطف وما بعدها”.
وأوضح عبيد، أن مسيرات هذه السنة “تميزت بالمشاركة الواسعة من
النساء إلى جانب عدد من أعضاء مجلس النواب وفي مقدمتهم الشيخ محمد
تقي المولى كما حضر قائد عمليات محافظة نينوى اللواء حسن كريم خضير
للإطلاع على الإجراءات الأمنية”. مبيناً أن دوائر القضاء الأمنية
منها والخدمية “استنفرت طاقاتها لتقديم خدماتها للمواطنين الذين
أقاموا بدورهم موائد غذاء كبيرة لتوزيعها على أفراد المواكب التي
جابت الشوارع”.
وتسكن قضاء تلعفر، أغلبية تركمانية من السنة والشيعة، وشهد خلال
السنوات الماضية أعمال عنف وتفجيرات عديدة خلفت آلاف القتلى
والجرحى، وحملت بعضها طابعاً طائفياً.
من جانبه قال النائب عن الائتلاف الوطني ورئيس الهيئة العليا
للحج والعمرة، الشيخ محمد تقي المولى، الذي حضر جانباً من مراسيم
إحياء ذكرى عاشوراء في تلعفر، إن الحضور الجماهيري الكبير في مدينة
شهدت أعمال عنف كثيرة كتلعفر “يدل على تلبية سكانها لنداء الحق
ورغبتهم في ترسيخ الأخوة والمحبة بينهم ورفضهم الذل والظلم
والهوان”.
وأفاد المولى، أن المسلمين من السنة والشيعة “شاركوا في هذه
المراسيم التي لا بدّ من استثمارها في تحقيق الوحدة الوطنية لأن
الإمام الحسين مدرسة عظيمة والأجيال مهما تأخرت عنه تستفيد من
مدرسته الخالدة”.
القوات العراقية تنجح
فيما يبدو ان القوات العراقية نجحت في اختبار الحفاظ على الامن
في يوم عاشوراء حيث انتهت المراسم وشارك فيها نحو اربعة ملايين من
الزوار الشيعة الى مرقد الامام الحسين واخيه العباس في مدينة
كربلاء دون اية حوادث.
وانتهت مراسم احياء ذكرى مقتل الامام الحسين، ثالث الائمة
الاثني عشر المعصومين لدى الشيعة، دون حوادث وذلك فيما تستعد
البلاد الى رحيل القوات الاميركية الكامل من العراق بعد عام.
وقالت السلطات انها القت القبض على 73 شخصا يشتبه في انهم خططوا
للقيام باعمال عنف واحداث الفوضى في كربلاء التي كانت هدفا للكثير
من هجمات المسلحين خلال مواكب عاشوراء.
وصرح الرائد علاء عباس الناطق باسم شرطة كربلاء "سارت الامور
بشكل جيد في ما يخص ممارسة المواكب الحسينية لطقوسها بكل يسر
وأمان". واكد "عدم حدوث أي خرق امني طيلة الايام العشرة من محرم"
لعام 1432 هجرية. بحسب فرانس برس.
واشار الى ان "اجراءاتنا الامنية ما زالت في اعلى درجاتها
وقواتنا بحالة استنفار شديد لمنع أي استغلال لحالة الاسترخاء او
الاطمئنان من قبل القوات الامنية"، مشيرا الى ان "هذه الاجراءات
ستستمر حتى بعد انتهاء الزيارة لتأمين عودة الزائرين الذين قدموا
من بعض المحافظات".
وذكرت السلطات ان المعتقلين ال73 على علاقة باشخاص يشتبه بانهم
يرتبطون بالقاعدة وبانهم خططوا لهجمات ضد الزوار في كربلاء.
وتظهر هذه الاعتقالات الخوف من وقوع اعمال عنف خلال احياء
المراسم العاشورائية، حيث فرضت اجراءات امنية مشددة خلال موكب
عاشوراء.
وتوقفت حركة العربات في كربلاء فيما سار الزوار نحو ضريح
الامامين، وجرى تفتيش جميع الزوار عند نقاط التفتيش.
وقال محمد الموسوي رئيس مجلس كربلاء انه "لو تمكن المسلحون من
شن هجماتهم خلال الاحتفالات، لاحدث ذلك فوضى عارمة"، مضيفا ان
كربلاء هي هدف رئيسي للارهابيين خلال عاشوراء.
واكد الموسوي "مشاركة مليوني زائر في احياء مراسم عاشوراء خلال
الايام العشرة الماضية بينهم اكثر من مئتي الف زائر عربي واجنبي".
ونشرت السلطات في سياق خطتها الامنية 28 الف عنصر من الشرطة
والجيش لحراسة كربلاء، كما وضع سبعة الاف عنصر اخرين على اهبة
الاستعداد، طبقا للجيش. وستبقى تلك القوات منتشرة عدة ايام لضمان
الامن اثناء عودة الزوار الى ديارهم.
وهذا هو اول عام تتولى فيه القوات العراقية لوحدها المسؤولية
الامنية التامة عن امن عاشوراء. فرغم ان الجيش الاميركي لم يكن
يساهم في جنود على الارض، الا انه كان يقدم المساعدة في عمليات
الاستطلاع والمراقبة.
ولا يزال نحو 50 الف جندي اميركي متمركزين في العراق، الا انه
عليهم ان ينسحبوا من البلاد بنهاية 2011 بموجب اتفاق امني بين
بغداد وواشنطن.
وصرح الكابتن دان تشرتشل المتحدث باسم القوات الاميركية في
العراق ان "قوات الامن العراقية لا تزال تظهر انها تستطيع ان تخطط
وتنفذ عمليات امنية واسعة ومهمة بنجاح، وهم يفعلون ذلك هذا العام
في ذكرى عاشوراء والاربعين".
واستهدفت مراسم عاشوراء خلال السنوات الماضية هجمات عدة خصوصا
في آذار/مارس 2004 عندما قتل اكثر من 170 شخصا في انفجارات في
بغداد وكربلاء.
كما استهدف الزوار بهجمات مماثلة على طول الطريق المؤدي الى
كربلاء التي تقع على بعد 110 كلم جنوب بغداد.
وهذا العام قتل 18 من الزوار منذ بدء مراسم عاشوراء في 8 كانون
الاول/ديسمبر، بحسب الشرطة. الا انه لم يقتل اي منهم في مدينة
كربلاء.
100 ألف زائر من 25 دولة
من جهته قال مدير الأمن السياحي في محافظة كربلاء إن عدد الزوار
الأجانب بلغ أكثر من 100 ألف زائر حتى نهار، الخميس، قادمين من
أكثر من 25 دولة.
وأوضح المقدم حسن فاضل أن “عدد الزوار العرب والأجانب الذين
وفدوا إلى مدينة كربلاء خلال الأيام الماضية وحتى نهار اليوم
والمسجلين لدى دوائر السياحية بلغ أكثر من 100 ألف زائر من 25
دولة”.
وأضاف أن “الزوار قدموا من إيران والباكستان والكويت والبحرين
ودول الخليج وسوريا ولبنان ومصر وتركيا ودول جنوب شرق آسيا
وافريقية وأوربية وأمريكية”.
وأشار إلى أن “الزوار الأجانب والعرب لم تستوعبهم فنادق المدينة
التي يصل عددها إلى أكثر من 350 فندقا والتي تستوعب كحد أعلى نحو
35 ألف زائر فضلا عن عشرات الدور التي تستخدم كشقق للإيجار”.
وأفاد بأن “أهالي كربلاء فتحوا منازل بيوتهم وافرغوا غرفا منها
لمبيت الزوار خاصة مع انخفاض درجات الحرارة بعد منتصف الليل في
كربلاء إلى درجات قليلة فوق الصفر”.
وتبعد مدينة كربلاء، مركز المحافظة، مسافة 108كم جنوب العاصمة
بغداد.
مئات المواكب تتدفق على الكاظمية
وتواصلت مراسم “عاشوراء” في العديد من أحياء بغداد، وسط اجراءات
امنية مكثفة، وبينما تدفقت عشرات المواكب نحو مدينة الكاظمية مشيا
على الاقدام او باستخدام المركبات أحيا الآلاف المناسبة باعداد
طعام خاص وتوزيعه، بينما اتشحت غالبية جدران المنازل والاسواق في
بغداد بالسواد.
وسيقضي عشرات الآلاف من الشيعة الذين يحيون المناسبة في أحياء
بغداد المختلفة ليلتهم ساهرين حتى صبيحة العاشر من محرم، حيث يصوم
البعض منهم ويقوم آخرون بممارسة شعائر خاصة واعداد أطعمة محددة في
ذكرى مقتل الامام حسين بن علي، فيما تعلو اصوات المكبرات وهي
تستعرض قصة “المقتل” التي يقرأها رجال دين بصوت حزين.
ويحيي المسلمون، في مراسم خاصة يغلب عليها الحزن، في مختلف
مناطق العراق وعدد من دول الجوار ذكرى عاشوراء (العاشر من محرم
الحرام) وهي ذكرى وفاة الإمام الحسين بن علي بن ابي طالب واخوته
واصحابه في واقعة الطف، ورغم الجانب الروحي الديني والبعد المذهبي
في هذه المناسبة الا ان للسياسة حضور فيها.
وشهدت مدينة الصدر، شرقي بغداد، والتي يقطنها نحو مليونا شيعي،
الحضور الأكبر للمواكب والمجالس الحسينية والتي يرافقها طهي طعام
خاص يوزع على الفقراء، ويتضمن الطعام عادة (الرز والقيمة) وهي
عبارة عن لحم مهروس مخلوط بالصلصلة والحمص المهروس، وكذلك
(الهريسة) وهي حبة القمح المطهية مضافا لها اللحم والتوابل
والدارسين والسكر.
كما انتشرت على الطرقات الرئيسية السرادق والتي توفر الخدمات
للزوار المتجهين الى الكاظمية، والتي حملت صورا ولافتات تنعى
الامام الحسين، وعلت اصوات القصائد الحسينية عبر مكبرات الصوت،
فيما انتشرت الاعلام السوداء على الجدران والمنازل والاسواق
والمحال التجارية، حيث بدت جميع المناطق الشرقية والجنوبية وبعض
الاحياء الغربية من العاصمة متشحة بالسواد”.
وجابت دوريات من الجيش والشرطة الشوارع، فيما وضعت وزارة الصحة
سيارات اسعاف في معظم التقاطعات والشوارع العامة، تحسبا لأي طارئ
او هجمات يتعرض لها المحتشدون في يوم عاشوراء وكما كان الحال في
السنوات الماضية، بينما قامت وزارة النقل بوضع المئات من سيارات
النقل العام في خدمة المتوجهين الى العتبات المقدسة في النجف
وكربلاء.
وقال ابو زهراء (45 عاما) المسؤول عن موكب في مدينة الصدر، ان
“اليوم هو التاسع من محرم وسيكون الاكثر حشدا من حيث عدد الذين
يحيون ذكرى عاشوراء، وستستمر مواكب (الزنجيل) و( التطبير) حتى
الصباح الباكر، وسنجوب الشوارع والأزقة ونضرب على اكتفنا بالسلاسل
حزنا على مقتل الامام الحسين”. بحسب اصوات العراق.
“بدأنا منذ اليوم الأول لشهر محرم الحرام بأداء المراسم،
وسنستمر حتى يوم غد العاشر من محرم، حيث وفرت لنا الدولة والهيئات
غير الحكومية معظم المستلزمات التي نحتاج اليها”، اضاف وهو يوجه
تعليماته لتحرك الموكب مجددا نحو الكاظمية، مبينا أنهم “في المواكب
يلقون قصائد في حب الحسين وواقعة كربلاء، فضلا عن قراءة المقتل
بصوت الشيخ الراحل عبد الزهرة الكعبي الذي سجله لاذاعة العراق عام
1967″.
الى جانب قراءة “المقتل”، تتردد عشرات القصائد الشعبية المغناة،
ولعل اكثرها شهرة قصيدة “حسين بضمايرنا” للشيخ ياسين الرميثي،
والتي ظلت عبر الزمن تجدد، فلا يكاد يخلو بيت يحيي عاشوراء الا
وصوت الرميثي يصدح فيها.
ولا يكتمل مشهد عاشوراء في العراق دون العروض التمثيلية الشعبية
التي تجسد واقعة الطف، والتي تقوم منظمات اسلامية، غير حكومية وغير
ربحية، بالاعداد وتجسد مقتل الامام الحسين وآل بيته، والتي تعرض في
ساحات كبيرة يوم العاشر من محرم ويطلق عليها “التشابيه”، والتي
تستقطب آلاف العوائل التي تتفاعل معها في مشهد يطغى عليه الأسى،
وهي عروض غابت لعقود في حقبة حكم الرئيس العراقي صدام حسين الذي
كان يمنع بشدة إقامتها.
مشاركة سنية
ولا تقتصر احياء ذكرى مقتل الامام الحسين في معركة الطف على
المسلمين الشيعة، بل تشمل ايضا المسلمين السنة، حيث يحيي العديد
منهم المناسبة بطهي الطعام او بزيارة الكاظمية والقاء الأشعار
الخاصة بالمناسبة.
وقال جاسم عمر، الذي ينتمي الى المذهب السني، وهو يقف امام قدر
كبير “للهريسة” “نحن ايضا نحيي ذكرى عاشوراء ونطبخ الطعام ونوزعه
مثل اخواننا الشيعة على الفقراء والجيران، كما يقيم البعض مجالس
خاصة بالمناسبة تلقى فيها قصائد في مدح الامام الحسين واستعراض
قصته، بل اني اعرف بعض السنة الذين يتوجهون الى الكاظمية في مثل
هذه الأيام”.
يقول امجد ابراهيم (20 عاما) وهو يحمل سلسلة ضمن موكب حسيني
“انها ليست المرة الأولى التي اشارك فيها في هذه المراسيم، فقد
اعتدنا ذلك منذ سنوات ونحن نتمنى المشاركة في كل مراسيم عاشوراء”.
ويشير ابراهيم الى ان “الموضوع لا يرتبط باظهار الحزن فقط
بالضرب على الأكتف بالسلاسل، بل بالتعلم من القيم التي ارساها
الامام الحسين في معركته ضد الظلم”، مبينا “الحسين امام لكل
المسلمين، بل ان قضيته صارت مع الزمن قضية انسانية تثير اهتمام كل
شعوب العالم على إختلاف اديانهم واطيافهم، لأنها تجسد انتصار الدم
على السيف، والتعامل مع الظلم والإستبداد”.
وشدد على ان ما يقومون به “لا علاقة له بالسياسة، بقدر ما هو
واجب ديني ودليل وفاء للامام الحسين”.
استعراض سياسي
لكن مراقبين يرون ان الحضور الشيعي في هذه المناسبات والمشاركة
القوية للاحزاب الشيعية فيها، وان كان يعكس الاحساس بالظلم
التاريخي الذي وقع عليهم مذهبيا، فانه يطلق في جانب آخر اشارات
سياسية الى الوجود القوي للشيعة في هذا البلد، فضلا عن المنافسة
بين الحركات الشيعية ذاتها في اثبات الولاء للمذهب.
ويتفق محمد عباس، شيعي من الكرادة وسط بغداد، مع هذا الرأي،
قائلا “الجميع يشارك في هذه المناسبات حتى من الشيعة غير الملتزمين
دينيا او مذهبيا، ومن الطبيعي وبعد عقود من الظلم والتهميش ان
يحاول الشيعة كمواطنين لهم حق التعبير عن انفسهم، باستغلال هذه
المناسبات لاظهار قوة وجودهم، كما ان من الطبيعي قيام بعض الاحزاب
الشيعية بالترويج السياسي لفكرها في هذه الايام”.
ويلفت عباس، الذي يعتبر نفسه علمانيا، ان “المنافسة بين الاحزاب
لدوافع سياسية وان لم تكن معلنة في مثل هذه المناسبات، لكنها
موجودة وواضحة من خلال الجهات الراعية للكثير من المواكب”.
وتحدث مناسبة عاشوراء تحولا كبيرا في حياة الناس خلال ايام
احيائها العشرة، حيث يتوقف الكثيرون عن مزاولة اعمالهم الاعتيادية،
فيما تنشط الحركة الاقتصادية في المناطق التي تضم العتبات المقدسة،
مع تزايد الطلب في الاسواق على المواد التي تدخل في اعداد الاكلات
الخاصة بالمناسبة، مع تزايد الاعمال الخيرية.
ويتوقف الكثير من اصحاب سيارات نقل الركاب والحمل عن العمل في
خطوطهم المعتادة، ويقوم بعضهم بنقل الزائرين والمؤن مجانا خلال تلك
الايام الى الكاظمية او كربلاء التي يقصد فيهما مرقد الامام الحسين
واخيه العباس.
وقال علاء سعيد (28 عاما) صاحب سيارة لنقل الركاب نوع كوستر
تحمل 21 راكبا، انه يقوم منذ عدة ايام ” بنقل الزائرين مجانا حبا
بالامام الحسين، وهو ما اعتدنا عليه في كل عام، حيث كان والدي من
قبل يقوم بذلك”.
وتقدم في مدينة الصدر، ذات الغالبية الشيعية، يوميا وجبات طعام
من خلال متبرعين، حيث تنتشر قدور الطهي الكبيرة في مداخل المدينة
وشوارعها وقرب المنازل ويشرف عليها طهاة من الرجال، وتوزع أطباق
الطعام على عامة الناس وخصوصا الفقراء منهم فضلا عن تقديم العصائر
والشاي والقهوة العربية.
لكن للنساء ايضا حضورا فالسيدة ام كرار من منطقة المشتل جنوب
شرقي بغداد، تقوم مثل عشرات النساء بطهي الطعام امام منزلها في
قدور اصغر حجما من التي يستخدمها الرجال، لتقوم بتوزيعه على
الفقراء.
وتقول ام كرار “انه نذر، علينا ان نقوم في ليلة عاشوراء من كل
عام باعداد الطعام وتوزيعه على الفقراء، وفي كل عام نضيف قدرا
جديدا على القدور السابقة وحسب امكانياتنا المتاحة لتوزيعه على
اكبر عدد من الفقراء في المنطقة، فيما اعتدنا ان نقيم مجالس عزاء
للنساء طيلة الايام العشرة الاولى من شهر محرم”.
وتضيف أن “مجالس النساء تتضمن القاء قصائد حسينية من قبل
شاعرات، فيما تردد معها النساء القصائد، ويقوم البعض باللطم على
الصدور حدادا على الامام الحسين واخيه العباس واولاده وآل بيته
واصحابه الذين استشهدوا بابشع مجزرة عرفها التاريخ في ارض كربلاء”.
الصحة والنقل تعلنان نجاح خطتهما
الى ذلك قالت وزارة الصحة، إن الوزارة حققت نجاحات كبيرة في
الخطة الصحية التي وضعتها خلال زيارة عاشوراء، وكذلك الحال بالنسبة
لوزارة النقل التي اعلنت نجاح خطتها عبر نقل من 7-8 الاف زائر.
وأوضح مدير إعلام وزارة الصحة وكالة نزار الهلالي أن الوزارة
“وضعت خطة متكاملة للفرق الصحية الثابتة والمتحركة وتهيئة سيارات
الإسعاف في محافظة كربلاء والمحافظات المجاورة كالنجف وبابل وواسط
وتهيئة مستشفى الحسين وتهيئة الطرق البديلة للإخلاء”.
وأضاف الهلالي أن “وزير الصحة صالح الحسناوي زار المستشفيات
واطلع على سير الأعمال المقدمة فيها واستمع إلى شرح مفصل من قبل
المحافظ وريئس مجلس المحافظة وأطلعهم على تفاصيل الخطة التي وضعتها
الوزارة والخطة البديلة في حال حصول إي خلل فيها”.
وبين أن “المستشفيات تلقت حالة وفاة واحدة فقط ومعالجات بسيطة
لبعض المرضى وعدد من حالات الولادة وهي حالات طبيعية جدا”.
من جانبه قال مدير إعلام شركة السكك الحديد جواد الخرسان إن
“الشركة نقلت خلال مراسم الزيارة من 7_8 الاف زائر من بغداد إلى
المسيب، ومن البصرة والسماوة والناصرية إلى مدينة الحلة وبالعكس
عبر قطاراتها الصاعدة من بغداد إلى المسيب والبصرة إلى الحلة”.
وبين أن “الشركة نقلت في اليوم الأول 1500 زائر، وفي اليوم
الثاني أكثر من 2000 زائر، اما في اليوم الثالث فنقلت أكثر 2600
زائر، والحال ينطبق على إعداد الركاب من البصرة والمدن الجنوبية
إلى الحلة”. |