وفّـقت قبل 10 سنوات للالتقاء بالشيخ الورع الزاهد العالم حسين
الكسنزاني، شيخ الطريقة الكسنزانية حيث استضافني في تكيته وبيته
عدة أيام كنا نتناقش ونتحاور خلالها في شتى الأمور والمسائل
المذهبية..
كان اللقاء الاول، لقاء تعارف، وعندما عرف وقتها أنني قادم
اليه من ايران وانني من ابناء مدينة الموصل، سألني مستفهما بلطافة،
ان كنت سنيّا او شيعيا ؟... فأجبته بشئ من خباثة وجدتني مضطرا
اليها هربا من المزيد من الاستفسارات قائلا (ماذا تظن انت ؟) فضجر
قليلا لجوابي وكان ضجره فاتحة خير لمناقشات ومناظرات طويلة مازلت
استمتع بفصولها المنقوشة في ذاكرتي وبصفائها ونقائها بسبب سعة صدر
وتفهم ولطافة الشيخ وقال لي (انا لم أسألك تفريقا بين المذهبين.
ولكني استغربت قليلا من وجودك في ايران الشيعية وانت من اهالي
الموصل السنيّة مع علمي بوجود شيعة في الموصل) فابتسمت معتذرا وقلت
(انا شيعي) فلاطفني.. وفي المساء اراد ان يؤكد لي موقفه من الشيعة
فقال لي سأحكي لك حكاية جرت علي لتدرك بعدها موقفي ونظرتي من
مذهبك.. ثم راح يسرد لي حكايته، وللامانة اقول اني سأورد كل ما
ذكره الشيخ مترجما الى العربية، فسماحته لم يكن يتكلم العربية
بطلاقة وانا لم أكن اجيد اللغة الكردية ولكننا كنا نتكلم اللغة
الفارسية معا بطلاقة.
قال الشيخ حسين الكسنزاني:
(في زمن الحرب العراقية التي شنها النظام الصدامي على ايران
وبسبب قرب مدينتا عن الحدود العراقية الايرانية هاجرنا الى مدينة
مريوان الايرانية والتي يقطنها أهل السنة الاكراد، وفيها شيعة ايضا
وهم الموظفون والعسكريون والشرطة.. كان هؤلاء يقيمون مواكب العزاء
في الشوارع، كنت اشاهدهم واستنكر بكاءهم ولطمهم ومراسيمهم التي
رفضها قلبي وعقلي ولم أجد لها مبررا، ودفعني ذلك الى سؤال ابي
الشيخ كاكه حمه وكان وقتها هو شيخ الطريقة وشيخي.. عما يدور في
فكري من استنكار لممارسات الشيعة، ففاجأني ابي بقوله.. (انهم يابني
يبكون ويلطمون على جدك _ ينتهي نسب الشيخ الى الامام الحسين ع _،
وعلى ما جرى له ولأهل بيته من ظلم وقتل في كربلاء.. ثم أكد لي بعد
كلام طويل خلو هذه المراسيم والشعائر من كل حرام أو خطأ أو شبهة،
وأمرني بأخذ صندوقين من شراب عصير البرتقال –نادر- والذهاب الى هذه
المواكب مع الخليفة عثمان _ الخليفة هو نائب الشيخ في القصبات
والمدن والدول _ واهدائهم الصندوقين والمشاركة في مسيراتهم
وعزائهم.. امتثلت لأمر الوالد الشيخ وذهبنا وسلمنا الصندوقين الى
أحد مسؤولي المواكب فاستلمها داعيا الله لنا بالموفقية وقبول
الاعمال.. ثم سرنا مع السائرين في مواكب العزاء، ولكن بدون بكاء
ولطم مثل الشيعة.. ولكن كان الاطمئنان يملأ قلبي بعد توضيح ابي لي
عما كنت محتارا فيه من امر هذه المراسم.. بقينا نسير حتى وصلنا الى
ساحة كبيرة نسبيا، كان الشيعة قد نصبوا فيها خيمتان، واشتد البكاء
والصريخ واللطم، وللحظة احرقت الخيم وتصاعد اللهيب والدخان، وتصاعد
معها البكاء واللطم بشكل ارعبني، وكأن اللاطمين قد وصلهم للتو خبر
استشهاد الامام الحسين عليه السلام، خفق قلبي بشدة وخفت ان يموت
احدهم من شدة البكاء واللطم، فادرت رأسي الى الخليفة عثمان متعجبا،
فوجدته ذاهلا وهو يحدق الى جمع اللاطمين على الصدور والرؤوس، ثم
جحظ عيناه وراح يرتعد فهززته سائلا عما جرى له،, لم يرد علي اولا
ولكني كررت سؤالي له فصرخ.. اما ترى، فقلت وماذا أرى.. فتعجب مشيرا
الى وسط اللاطمين قائلا (هناك.. انظر.. انظر.. اما تراه ؟)
قلت من أرى ؟ فهزّني صارخا (انه هو.. هو. والله العظيم انه
هو،,) ازداد ارتجافا حتى ظننت انه سيغشى عليه وازداد استغرابي..
فصرخت (ماذا بك.. ماذا ترى ؟) فقال باكيا منتحبا (انه الحسين بن
علي.. واقف وسط اللاطمين....) ولأني أعرف من هو عثمان واي مكانة له
عند ابي اهّلته لأن يكون خليفته في ضواحي المدينة فقد صدقت ما رأى
بكل يقين.
نعم.. كان الامام الحسين حاضرا لأنه شهيد حي، وهذا ما جعلني
ادرك جيدا ان ما يقوم به الشيعة ايام محرم وعاشوراء ليس كما كنت
أظن، فهي مراسم عزاء على سيد شباب اهل الجنة، الذي قتل مظلوما هو
واهل بيته تلك القتلة التي لم ير التأريخ ابشع منها.....).
سكت الشيخ قليلا فلم استطع ان اخفي دموعي فبكيت، وبكى الشيخ..
واذهلني ان الشيخ ردد (اللهم العن يزيد) فقلت ولكن من علماء اهل
السنة من يترحم على يزيد ويعتبره من اهل الجنة.. فقال (لا، هذا خطأ
والصحيح ان على المسلمين كافة لعن هذا الظالم الفاسد.... !!) ثم
دارت بيننا احاديث ومناظرات اتمنى ان يعطيني الله الصحة لكتابتها. |