لم تحفل قضايا في التأريخ العام للأمم والتأريخ الخاص بالإسلام
والمسلمين من التشكيك والسخرية والهجوم على القضية أكثر مما نالته
قضية الامام الحسين عليه السلام! بل وأصبح التندّر يصل الى من
يسمون إسلاميين ويرتقون المنابر التي تلعنهم بلا شك ولا ريب! وهم
يلقون بالشك على تلك القضية وتاريخها وشخوصها بل ومحاولة إسقاطها
بعد أن يفرغوها من مضمونها. وهم يلعبون على رغبات خبيثة قد تنطلي
على بعض العموم من الناس(خاصة والكثير يعيش دوامة الجهل والتجهيل
والاتكاء على وسائد القوّالين والمتقوّلين)!
لقد تعرّض آل البيت النبويّ للكثير من الهجوم والتشكيك ولكن ما
أريد التشكيك به من عقائد وسلوكيات طبقا للشريعة العظيمة السمحاء
قد ولّى عبر التأريخ الى أماكن تستحق! لكنّ الذي بات مؤلما الى حدّ
ما هو إندفاع مجاميع بائسة مائجة الى هذا التشكيك مستندين على أناس
قد أبدوا آراء من وجهة نظر ضعيفة لا تستحق ان تكون حجة على دين
قويم وتأريخ كبير عظيم ومن وحي(ما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم
عنه فإنتهوا).
الشيء العجيب عند قدوم شهر الأحزان شهر آلام رسول الله صلى الله
عليه وآله، تبدأ الهجمة على طقوس الشهر والتشكيك بقول الخطباء
ورواياتهم وعناوينهم بل وإسقاط مضمون ما يقولون بل ومحاولة
الإستخفاف حتى بالبكاء على سيد الشهداء حتى وصل الامر الى إخراج
برامج أسموها (تنويريّة!) للهجوم على طقوس عاشوراء بتفاصيلها! ورمي
خطباء المنبر بالجهل والتزوير والتحريف والتخلف وضعف الدين وغير
ذلك!
وليس سرا أنّ كلّ الذين بدأوا بهذا العمل المشين هم أهل التخلف
وبتر الحقائق والاستخفاف بكل ما هو تدين بدين الحق. لا يعني ذلك
أنّ ما يقوله البعض هو من هذا المعين مختلف التعابير ومختلف اللغات
ومختلف الأساليب ولا غرابة فهناك الشعر المتباين في المستويات
وهناك النثر المتباين في الأساليب الادبية فلم هذا الهجوم على ما
يرتبط بكل ما هو دين وطقس من الطقوس؟!
((وقد اشتمل هذا الحدث نفسه بالإضافة إلى إرهاصاته، وتردداته،
وآثاره، على مئات الحوادث، والتفصيلات، والخصوصيات الصغيرة،
والكبيرة، والمؤثرة على أكثر من صعيد، وفي أكثر من مجال.
ولكن.. وبرغم هذا الاتساع والشمول، فان أحداً لم يستطع، ولن
يستطيع ـ مهما بلغ به الجد ـ أن يثبت علمياً أياً من حالات التزوير
أو الخرافة ، إلا الشاذ النادر الذي يكاد لا يشعر به أحد بالقياس
إلى حجم ما هو صحيح وسليم، رغم رغبة جهات مختلفة بالتلاعب
بالحقيقة، وبالتعتيم عليها، وذلك لشدة حساسية هذا الحدث، وتنوع
مراميه، وتشعب مجالاته، واختلاف حالاته وتأثيراته))1.
هؤلاء هم أنفسهم يرددون أنّ(الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة:
( فرائد السمطين ج2 ص155 واحقاق الحق، قسم الملحقات ج14 ص62 وكمال
الدين وتمام النعمة ج1 ص265 وعيون اخبار الرضا ج1 ص60 والبحار ج36
ص 205)) فلو أنّكم تؤمنون بذلك فكيف يهتدى بهذا المصباح العظيم وسط
هذا التشكيك الذي أدّى إلى زعزعة في تأثير هذا النور في قلوب
البعض! فكيف يصحّ ذلك التناقض عندكم!؟
المنبر الحسيني
إنّ المنبر الحسيني منبر تعليميّ ومدرّج جامعيّ تغترف منه
الجموع العلم والمعرفة والأخلاق والعادات الحميدة وإن إختلفت اللغة
التي يخطب بها الخطباء ويرويها الرواة. لقد جلس تحت هذا المنبر
ومازال أهل العلم والفكر وهم مخلصون لله في حياتهم من قول وفعل
وحياء وطهارة. لقد كان ومازال وسيبقى سيد الشهداء عليه السلام محطة
يقف بها الناس من كلّ حدب وصوب لمراجعة النفس وتطهير الروح بالشعور
بالأسى والألم للمصيبة والبكاء على حاله وحال الأمّة التي خذلته
وهو المصلح أخو المصلح إبن المصلح وحفيد المصلح والموجّه لهذه
الأمّة لكلّ خير وعلم ومعرفة.
والبكاء الذي يرافق الذكرى ليس فقط كما يصورها أصحاب الضمائر
الميتة أنه فقط للشعور بالذنب! إنّما هو لخشية الله من الذنب ومن
المعاصي وهل أفضل للانسان من الرجوع الى المولى الكريم تحت هذا
المنبر أو في أيّ زمان ومكان:
((إن أطعتنا أحببناك، وإن تركتنا أمهلناك، وإن عصيتنا سترناك
وإن عدت إلينا تائبا في أي لحظة قبلناك)).
إنّ البكاء على سيد الشهداء بكاء لحال الأمّة ومحاولة غسل
للأدران التي تعلق بالنفس كلّ حين من معاناة وجهل ونكوص وهجوم
الفساد والإفساد بكلّ أسلحته على الأمّة وظهور هذا الجمع العجيب من
المشكّكين أهل الغيرة الناقصة التي تريد بهذه الأمّة الضياع
والإنهيار كما أرادها وخطط لها أهل صهيون في صفحاتهم وكتبهم!
فسلاحهم إن دافعت الأمة وأهل الشرف فيكون التشكيك ولا أقل من ظهور
من يرتدي لباس الدين والدين منه براء!
أنظر وإسمع ما يقول هذا الإمّعة الذي يشكّك حتى بنزول القرآن من
لدن الحكيم العليم ليجعله من رسول الله صلى الله عليه وآله ثمّ
يقول ما كان في زمن الرسول لا يتكيّف مع زماننا وليس يتناسب مع
زمننا زمن العلم والتكنولوجيا!! ويريد أن يسوّق الشكّ حتى في كتاب
الله فماذا بقي لنا من أثر السماء؟!!
وذاك الذي يشكّك بوجود الحجّة المنقذ عليه السلام! فماذا بقي من
رجاء لنشر الخير على يديه المباركتين وجمعه الخيّر!؟
((أما بالنسبة للبكاء على الإمام الحسين عليه الصلاة والسلام،
فما هو إلا للتعبير عن توفر حالة من الإثارة العاطفية، التي تعني
استجابة المشاعر والأحاسيس ليقظة وجدانية، وحياة ضميرية، أثارتها
مأساة لا يجد أحد في فطرته، ولا في عقله، ولا في وجدانه أي مبرر
لها.
إذن فحياة الوجدان، ويقظة الضمير، تجعل المنبر الحسيني قادراً
على الإسهام الحقيقي في صنع المشاعر، وفي صقلها، وبلورتها،
باعتبارها الرافد الاساس للايمان، والحافظ له من ان يتأثر بالهزات،
أو أن ينهار أمام الكوارث والأزمات))2.
نعمل كلّ العمل الى أن نجعل من هذا المنبر المبارك ثورة على
الفساد الذي جاء بأسلوب جديد مؤطّر هذه الأيام في العراق بثوب
الثقافة والأدب كما يدّعي أدعياء الثقافة والذين يحاولون أن
يهرّجوا حين قامت قرارات جديدة بكبح جماح الفساد وبؤره في بغداد من
خمر وميسر ودعارة وسوء أخلاق ليظهر أحدهم الى أن العراقيين أهل
خمرة وإن لم يشربوا!! (هكذا!).
كيف لشعب ضحّى ويضحّي في طريق الصلاح والإصلاح أن يتّخذ من سلاح
الشيطان سلاحا! لنشر الثقافة والعلم. ونسي هؤلاء أن الامم التي
ينتشر فيها هذا الطريق(طريق الخمر والدعارة والفساد) تحاول بكلّ
دراسات وبحوث للتخفيف من هذا الوباء الذي نشر الرذيلة والتحلّل بل
ومن ضمن الدراسات التي تنشر هنا وهناك تشير الى هبوط حاد في
المستوى العلمي للشباب وإرتفاع نسبة الجريمة بين صفوفهم بشكل واضح
ويوعزون هذا من ضمن ما يوعزون من أسباب هو الادمان على الكحول
والمخدّرات والإنحرافات الأخلاقيّة! فهل يريد أدعياء الثقافة
لمجتمعنا بلوغ هذا التدنّي!؟
الآن وليس غداً نطالب أصحاب المنابر الحسينيّة التركيز على هذا
الجانب كون المنبر منبر الاصلاح والايمان والتقوى. حيث أنّ الدين
عموما طريق الخير والأخلاق والعلاقات الإجتماعية المثلى.
.......................................
1- كربلاء فوق
الشبهات. السيد جعفر مرتضى العاملي. إصدار المركز الإسلامي
للدراسات ـ بيروت، الطبعة الثالثة ـ 2009 م
2- المصدر السابق |