شبكة النبأ: الحياة متاهة الانسان
من دون دليل، يستدل به على الصواب والطريق السليم، هكذا وصف
الحكماء طبيعة الحياة، وحال الانسان، الذي يجهل ما يفعل وما يقول،
وهو يتحرك في فضاءات شائكة، وواسعة يطلق عليها الانسان تسمية
(الحياة)، لذا فهو بحاجة الى من يدلّه على الصواب، و إيمان الانسان
وثقته بنفسه، تُعدّ أول بذور النجاح وتخطي مصاعب الحياة.
والايمان كما هو متعارف لن يأتي من فراغ، فهناك سبل ووسائل
ومعارف كفيلة بإيصال الانسان الى مرفأ الايمان كي يستقر فيه وينطلق
منه في رحاب الحياة فكرا وسلوكا، والشعائر الدينية هي أحد أهم
العوامل التي تساعد الانسان على الفهم والاستقرار، فالقلق لايأتي
إلا من الجهل والغموض، أما في حالة الوضوح والمعرفة، فإن القلق
يزول وتحل السطينة ويبدأ الانسان مشوار الحياة بثقة أكبر.
ومن أبعاد الشعائر الدينية التي تساعد الانسان على الاستقرار
النفسي والابداع، هي الصلاة، فهي الدافع الروحي الذي يوازن الحالة
المادية مع الحالة الروحانية، وكلاهما فيما لو اجتمعا بطريقة صحيحة
ومناسبة سيساعدان الانسان على التطور والانتاج الافضل، كما يدفعه
ذلك لكي يكون عنصرا ايجابيا في المجتمع، فيتعاون مع الجميع ويساعد
الجميع، فيشعر بالسعادة والاستقرار.
وقد ورد في كتاب (الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة) لمؤلفه
الإمام الراحل السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره) تأكيده على
الفعل الايجابي للشعائر الدينية، وقد أكدّ في كتابه المذكور على
أهمية:
(إقامة الصلاة وايتاء الخمس والزكاة وغيرها من شؤون العبادات
والأخلاقيّات والآداب وتعمير الحسينيّات والمساجد وتعمير أماكن
الزيارات والمشاهد المشرّفة وإطعام الطعام وتسبيل الماء وما إلى
ذلك).
وهذه الاعمال والنشاطات كما نلاحظ تنطوي على فعل ايجابي ازاء
المجتمع، ولذلك فهي محط ترحيب الجميع كثلما هي عامل تشجيع للتمثّل
بها من لدن الآخرين، كون الانسان يميل الى عمل الخير بالفطرة، ومثل
هذه الاعمال حين يبادر بها الانسان فإنها تحفّز على عمل الخير، وهو
أمر يصب في صالح الفرد (صاحب العمل) وفي صالح المجتمع عموما.
ومن الشعائر الدينية يوجد بعد تطبيق الاحكام الاسلامية، وهو
يتشمل كما ورد في كتاب الامام الشيرازي نفسه، على: (الشورى في
الحكم في انتخابات حرّة تنتخب الاُمّة حكّامها الذين تتوفّر فيهم
شروط الإسلام).
وهكذا تنتقل فوائد الشعائر من الفعل الايجابي الفردي الى
الجماعي، وذلك للاسهام في تنظيم الحياة السلطوية للمجتمع، فلا حاكم
من دون الاستناد الى مبدأ الشورى وهو ما يقابل مصطلح (الديمقراطية)
حديثا، وهذا يمنع الاستبداد الذي يشكل جوهر الطغيان الفردي للحكام
وبطاناتهم.
كذلك أكد الامام الشيرازي في كتابه الثمين نفسه على:
(إطلاق الحريّات كما أمر اللّه سبحانه حيث قال: وَيَضَعُ
عَنْهُــمْ إصْرَهُمْ وَالأغْلالَ الَّتــي كانَتْ عَلَيْهِمْ، مثل
حرّية الأحزاب الإسلاميّة التي تكون تحت إشراف المراجع، وحريّة
التجارة، وحريّة الصناعة، وحريّة الزراعة، وحريّة العمران، وحريّة
السفر والإقامة، وحريّة الطبع والنشر، وحريّة التجمّع، وحريّة
إبداء الرأي وسائر الحريّات).
ولعل نسيان هذه المبادئ يقود المسلمين الى ما هو أسوأ والدليل
كما ذكر الامام الشيرازي: (هذه الفوضى التي تشاهد في بلاد الإسلام
دليل على اليأس، بل حالها حال التثاؤب الذي يتّصف به الناعس بعد
نوم طويل).
إن اصلاح حياة المسلمين هو ما ذهب إليه الامام الحسين (ع) في
ملحمته الخالدة ضد الظلم والطغيان، وان الشعائر الدينية التي تنمي
الايمان وقوة الانسان وثباته في الدفاع عن الحق يمكن أن تقوده الى
حياة أفضل من خلال تطبيق برنامج اصلاحي فعلي يدفعه الى امام نحو
تطلعاته المشروعة، ولابد أن يجيء هذا البرنامج على هدي البرنامج
الاصلاحي الذي مضى إليه الامام الحسين (ع) والذي يمكن من خلاله كما
ورد في كتاب الامام الشيرازي:
(التغلّب على الصعاب، وتطبيق هدف الإمام الحسين عليه السلام من
ثورته وهو: طلب الإصلاح في اُمّة جدّه محمد صلى الله عليه وآله
وسلم حيث قال عليه السلام: (إنّي لَمْ أخرُجْ بَطِراً ولا أشِراً
وَلا مُفْسِداً وَلا ظالِماً وَإنَّما خرَجْتُ أطْلُبُ الصَّلاحَ
في اُمَّةِ جدّي مُحَمّد اُريدُ آمُرَ بِالمَعْروفِ وَأنْهى عَنِ
المُنْكَر أسير بسيرة جدّي وسيرة أبي عليّ بن أبي طالب). |