شبكة النبأ: تختصر مدينتا كربلاء
المقدسة والنجف الاشرف جميع ما يمكن ان يتعلق بالشيعة على امتداد
العالم، رغم وجود مدن واماكن تحتوي على مزارات مقدسة تشكل الوعي
الشيعي وامتداداته في التنظير والممارسة..
اضافة الى كون النجف هي العاصمة الدينية لشيعة العالم، وهي ترقى
الى مستوى الفاتيكان بالنسبة للمسيحين، وذلك لوجود مرقد الامام علي
عليه السلام، ووجود اكبر مقبرة فيها على مستوى العالم يقصدها
الملايين لدفن موتاهم في ترابها، اضافة الى حوزتها العلمية
الشهيرة.. وقد حاول الايرانيون ونتيجة لسياسات التضييق والحصار
والتهميش التي مارسها صدام حسين على شيعة العراق، اقول حاول
الايرانيون ان يوجدوا بديلا مدينيا مقدسا اخر بموازاة مدينة النجف
على الاقل من ناحية الحضور الحوزوي ومن ناحية التقديس بدرجة اقل
وهي مدينة قم المقدسة. الا ان الافئدة والعقول بقيتا تنشدّان
لمدينة النجف لعراقتها التاريخية ولوجود ذلك الضريح الشامخ فيها
وتلك الشخصية العملاقة التي تلقي بظلها وحضورها، وهو ظل الامامة
الذي تفتقر اليه اي مدينة بديلة.
فيما يتعلق بكربلاء وبعيدا عن المنافسة التاريخية التقليدية
بينها وبين توأمها مدينة النجف، تشكل تلك المدينة بما تضمه من
ضريحي الامامين الحسين والعباس عليهما السلام، تاريخ الوجع الشيعي
ووجودهم الاجتماعي الذي لا يمكن ان ينفصل عن هذه المدينة، فهي مقصد
الزائرين على مدار العام، فليس هناك بوم او موسم محدد لزيارتها كما
هو الحال مع بقية المدن التي تضم الاضرحة المقدسة، وقد تجد
الكثيرين من الشيعة لا يزورون تلك المدن الا زيارات معدودة في
حياتهم الا ان كربلاء تعتبر زيارتها من اوجب الموجبات لدى الشيعة،
لما تمثله من حجم الارث الضخم من المظلومية وقيم الثورة ضد التحريف
والزيف والطغيان وما تمثله من قيم الايثار والاستشهاد في سبيل
الحقل.
الكثير من المدن تحيا في الذاكرة بغض النظر عن حجمها وعن
ادوارها السياسية او الاجتماعية، فهي تخلد في الذاكرة نتيجة لحدث
معين في فترة من حياتها، وتعيد احيانا تمثلاته في حاضرها من خلال
العيش مجددا في هذا الحدث او جزءا منه عبر استذكاره واستدعائه في
مناسبات معينة.
وكثيرة هي تلك المدن (روما – قرطاج – بابل – تدمر –غرناطة – مكة
– المدينة المنورة - ستالينغراد – هيروشيما – ناجازاكي) الى اخر
تلك المدن التي انقرض قسم منها وبقيت اوابد واثار تحكي عظمتها في
زمن ماض بعيد، ومنها لا يزال مستمرا يرفض الاندثار رغم بعد الحدث
الذي شكل وجودها في وعينا وذاكرتنا.
وكربلاء إحدى مدن العراق الواقعة على شاطئ الفرات، تعددت الاراء
وتشعبت في معنى الكلمة فثمة نصوص تشير إلى أنها مؤلفة من كلمتي
(كرب) و (إل) بمعنى حرم الله، الموضع الإلهي المقدس، أو المقرّب،
أو (حرم الله)كما ورد في (موسوعة العتبات المقدسة).
ويرى اخرون أن كلمة (كربلاء) منحوتة من (كور بابل)العربية،
وتعني مجموعة قرى بابلية.
وذهب آخرون الى انها كلمة فارسية المصدر مركبة من كلمتين هما
(كار) أي عمل و(بالا) أي الاعلى فيكون معناهما (العمل الاعلى).
ويحتمل آخرون أن اسم كربلاء ربما كان ذا صلة باللغة الآرامية
والاشورية كربلاتو Karbalatu، وهو يعني نوعاً من غطاء الرأس.
اما ياقوت الحموي فقد أشار في معجمه إلى أن معنى كربلاء يحتمل
عدة وجوه منها: قوله: ـ كربلاء بالمد وهو الموضع الذي قُتل فيه
الحسين بن علي عليهما السّلام في طرف البرية عند الكوفة. فاما
اشتقاقه: فالكربلة رخاوة في القدمين، يقال جاء يمشي مكربلاً، فيجوز
على هذا أن تكون أرض هذا الموضع رخوة، فسميت بذلك، ويقال: كَرْبلتُ
الحنطة، إذا هززتها ونقّيتها، فيجوز على هذا ان تكون هذه الأرض
مُنقاةً من الحصى والدغل فسْمّيت بذلك. والكربل اسم نبت الحمّاض،
فيجوز أن يكون هذا الصنف من النبت يكثر وجوده هناك فَسُمّي به.
وربط بعض الكتّاب بين الاسم والفاجعة التي قُدِّر لها أن تصبغ
أرض المدينة بالدم، فهي مركب من كلمتين هما كرب وبلاء، وإلى هذا
أشار الشريف الرضيّ في قوله: (كربلا ما زلتِ كرباً وبلا).
ولبقاع كربلاء المختلفة أسماء متفاوتة منها: كربلاء أو (عقر
بابل) وهي في الشمال الغربي من الغاضرية، وكور بابل، ونينوى،
والغاضرية وتعرف اليوم بأرض الحسينية، وكربلة بتفخيم اللام وتقع
إلى شرقي كربلا وجنوبها، والنواويس وكانت هذه المنطقة مقبرة
للنصارى قبل الفتح الإسلامي ومكانها اليوم من أراضي ناحية الحسينية
قرب نينوى، إلى حدود روضته الشريفة أو حدود الصحن، والطف، وشفية،
والعقر، ونهر العلقمي، وعمورا، ومارية، وما شابه ذلك، وبعض هذه
الأسماء تعود إلى قرى وأراضي شاسعة في هذه المنطقة.
والحير ويعرف (بالحائر) وهو اليوم موضع قبر الحسين عليه
السّلام، والحائرتطلق اصطلاحاً على صحن سيّد الشهداء عليه السلام.
ولهذه الكلمة جذراً لغوياً، وجذراً تاريخياً. جاء في لسان العرب في
تعريف الحائر أنه: الموضع المطمئن الذي يحار فيه الماء(سفينة
البحار 1: 358)، وجاءت أيضاً بمعنى الشخص الحيران.
وكان يطلق على كربلاء قديماً اسم (الحير) ويعني المنطقة
المرتفعة الفسيحة،حيث كانت منذ القدم موضعاً لسكنى أقوام من العرب.
وتدل في المصطلح الفقهي والعبادي على ما يشتمل عليه الصحن
الشريف من ضريح وأورقة ومتحف و… الخ بأقسامها القديمة والجديدة.
أنّ للإقامة والعبادة في حائر أبي عبد الله عليه السلام فضيلة،
كما أنّه من جملة المواضع التي يخيّر فيها المسافر بين الصلاة
قصراً أو تماماً، وللعلماء فيها آراء مختلفة (بحار الأنوار 86: 88،
المزار للشيخ المفيد: 140).
كما ويطلق على أهالي كربلاء ومن يسكن إلى جوار الصحن الشريف اسم
(الحائري).
أمّا المناسبة التاريخية التي دعت إلى إطلاق هذا الاسم على صحن
الشهداء فهي أنّ المتوكّل العباسي لما أمر بهدم القبر ومحو آثاره
وتفريق جموع الشيعة من حوله لأنه كانت بمثابة مصدر إلهام يشكل
خطراً عليهم، أجروا الماء على موضع القبر إلاّ أنّ الماء حينما بلغ
ذلك الموضع توقف وتجمع وبقي حائراً في مكانه وتراكم حول القبر حتى
صار كالجدار، فيما بقيت باحة القبر جافة (الإعلام للزركلي30:8
(الهامش)، بحار الأنوار 50: 225، سفينة البحار 1: 358)، ولما كان
موضع تجمع الماء يسمى حائراً، فقد اتخذت باحة القبر هذا الاسم
أيضاً.
وقد سبق للإمام علي بن أبي طالب عليه السّلام أن نزل هذه الأرض
أثناء سفره إلى حرب صفين وشوهد فيها متأمّلاً فيما بها من أطلال
وأثار، فسئل في ذلك فقال: إن لهذه الأرض شأناً عظيماً... فها هنا
محطّ ركابهم، وها هنا مهراق دمائهم، فسُئل عن ذلك فقال: ثِقْلٌ لآل
محمد ينزلون ها هنا.
يبدأ تاريخ كربلاء كمدينة مقدسة في 12 محرم من عام 61 هـ بعد
واقعة الطف بيومين حيث دفن بنو اسد رفات الامام الحسين (ع) واخيه
العباس (ع) وصحبه الميامين (عليهم السلام).
وقد توسعت المدينة عمرانيا من خلال توسع الضريح والاهتمام به
عبر الفترات التاريخية اللاحقة.
* ففي سنة 247 هـ اعاد المنتصر العباسي بناء المشاهد في كربلاء
وبنى الدور حولها بعد قتل ابيه المتوكل الذي عبث بالمدينة وهدم
مافيها، ثم استوطنها اول علوي مع ولده وهو السيد ابراهيم المجاب
الضرير الكوفي بن محمد العابد بن الامام موسى الكاظم (ع).
* وفي سنة 372 هـ شيد اول سور للحائر وقد قدرت مساحته 2400 م2.
* في سنة 412 هـ اقام الوزير (الحسن بن الفضل بن سهلان
الرامهرمزي) السور الثاني للمدينة، ونصب في جوانبه أربعة ابواب من
الحديد.
* في سنة 941 هـ زار الشاه اسماعيل الصفوي كربلاء وحفر نهراً
دارساً وجدد وعمر المشهد الحسيني.
* سنة 953 هـ أصلح سليمان القانوني الضريحين فاحال الحقول التي
غطتها الرمال إلى جنائن.
* في اوائل القرن التاسع عشر الميلادي زار احد ملوك الهند
كربلاء (بعد حادثة الوهابيين سنة 1216 هـ) وبنى فيها اسواقا جميلة
وبيوتا، اسكنها بعض من نكبوا، وبنى سورا منيعا للبلدة.
* سنة 1217 هـ تصدى السيد علي الطباطبائي (صاحب الرياض) لبناء
سور المدينة الثالث بعد غارة الوهابيين وجعل له ستة ابواب عرف كل
باب باسم خاص.
* سنة 1860 م تم ايصال خطوط التلغراف واتصال كربلاء بالعالم
الخارجي.
* في سنة 1285 هـ 1868 م وفي عهد المصلح (مدحت باشا) بنيت
الدوائر الحكومية، وتم توسيع واضافة العديد من الاسواق والمباني،
وهدم قسماً من سور المدينة من جهة باب النجف، واضاف طرفاً اخر الى
البلدة سميت بمحلة (العباسية).
* سنة 1914 م وبعد الحرب العالمية الاولى انشئت المباني العصرية
والشوارع العريضة وجففت اراضيها وذلك بانشاء مبزل لسحب المياه
المحيطة بها.
تضم مدينة كربلاء الكثير من المراقد والمقامات المقدسة التي
تزار في مناسبات عديدة:
مرقد السيد إبراهيم المجاب (ع)، مرقد حبيب بن مظاهر الاسدي،
ضريح الشهداء من أصحاب الحسين (ع)، والقاسم بن الحسن (ع).
ومن المقامات والاماكن التي يتبرك بها الزوار: ـ نخل مريم، مقام
الحر بن يزيد الرياحي (ع)، المخيم الحسيني، مقام المهدي (عج)، مقام
تل الزينبية، مقام الكف الايمن للعباس (ع)، مقام الكف الايسر
للعباس (ع)، مقام الامام جعفر الصادق (ع)، مقام عون بن عبدالله،
مقام بن حمزة، مقام الحسين وابن سعد، مقام ابن فهد الحلي، مقام
فضة، مقام الامام علي (ع)، مقام موسى بن جعفر (ع)، مقام علي الاكبر
(ع)، مقام رأس الحسين (ع)، مقام أم البنين (ع)، مقام الاخرس بن
الكاظم (ع). |