في كربلاء بلغ الصراع مداه بين الحق والباطل, وارتسمت ملامح
العلاقة بين الطاغوت الجائر والانسان المناضل والثائر.
في كربلاء ظهرت صورة الثلة القليلة المخلصة, وصورة الجماعة
الكبيرة المفتونة والمضللة, صورة لثلة جمعها التقوى والايمان والحب
والاخلاص والتوكل, وصورة للجماعة التي جمعها الشيطان تحت راية
الطمع, والمال, والترف, والجهل...
صورة لثلة اميرها الحسين, وصورة لجماعة اميرها الشيطان واضلاعها
–الطاغوت-ووعاظ السلاطين والمترفين.
فبما توحي ارض الصراع؟
لاشك انها توحي بنبل الحق, وصفائه واشراقه وعزته, وتوحي بعظمة
المبادئ وثباتها رغم شدة العاصفة, وحجم غشاوة الظلال والتيه.
توحي بقسوة الجلادين والمترفين حين تلين الامة عن حقها, وتوحي
بالانحراف عن الخط المستقيم حين ينتشر الجهل ويتمدد.
وتوحي بالهوان والمسكنة حين تصبح الهمم العالية لقمة عيش ودعة
على الفرش الوثيرة, توحي بجمال الصبر والصمود والتوكل والثقة
بالله..
فماذا نتعلم من وحيك يا كربلاء؟
نتعلم قول لا للظلم, والجهل, والخذلان.. نتعلم ضرورة نصرة الحق
ونصرة المطالبين به حتى لا يصيبنا ندم المفرطين في نصرة الحسين
عليه السلام. نتعلم الصمود والكرامة في سبيل العقيدة والدين,
والتمسك بحريتنا وحقنا, نتعلم ان الكثرة لا تغني ولا تسمن من جوع,
وانها ليست ميزانا للحق.. ولا شفرة الانتصار مادامت متسربلة في
جهلها وغيها...
فلماذا نبكي عليك ياكربلاء؟
نبكي اسوة برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, كما اثبتها ائمة
السلف في مروياتهم كما في مستدرك الحاكم (3/176) ومجمع الزوائد
للحافظ الهيثمي (9/188).. وغيرها... ونلطم استعظاما لحجم المصاب
والماساة... ولن يبكي غيرنا مادام يقرأ التاريخ بعين واحدة, ويقلب
صفحاته بعشوائية..
ولن يلطم سوانا مادام لا يستشعر المأساة والالم كما اشتعرها
النبي وآله... لان سيرته (ص) كما يراها ماثله في الاشياء وليست في
القلوب, في الصور وليست في الضمائر والذمم.
وعقل الخرافة ليس في البكاء على الحسين.. بل في التمسك بخشبه او
جذر شجرة تلامس اسنانك صباح مساء في عصر اضحت فيه فرشاة الاسنان
الكترونيه وظهرت معها ادوات التجميل والتنظيف بمختلف اشكالها
والوانها بحجة التأسي بهدي المصطفى!! فهلا بكيت على الحسين كما
تستاك يااستاذنا !!؟؟
والمنائح الجنائزية ليست في البكاء على الحسين واللطم على
مصرعه, بل في العقول المستلبة التي لا تستوعب الذكرى, ولا تفرق بين
نهج الحق والباطل, اية بصيرة تلك التي ترى ان القاتل والمقتول في
الجنة.. وكانه مضى يحتضن ضحيته لا ليقتلها, ويهدر دمها الذي حرمته
شهادة التوحيد والنبوة. |