لا تقف الكماشة المعادية لأهل بيت العصمة والطهارة (ع) من طبيعة
الاستفزاز، فتارة تمنع الجهر بإحياء الشعائر لتبقى الحريات مختنقة
داخل قاعة ضيقة، وتارة تضايق القائمين على المآتم بالاستدعاء
المتكررة، أو عرقلة حرية أعمالهم السلمية التي هي تخليداً لأبطال
الإسلام الخالد، كإحياء ذكرى شهادة سيد شباب أهل الجنة الإمام
الحسين (ع)، أن هذه الأفعال وغيرها تركز في مجتمعاتنا حالة عدائية
بين الطوائف الإسلامية، ويكرس حالة التمييز المذهبي، فحتى متى
سنقبل بتعددية المذاهب ونجرم كل تحيز عنصري لمذهب على آخر؟!
الشباب يعتنقهم الولاء وتسيرهم عاطفتهم وقناعاتهم الدينية
والعقدية المحافظة، فلماذا يرش الزيت فوق النار؟!، العقلية القمعية
التي يتخذها البعض، تعرقل حركة الأمن والسلم الأهلي في مجتمعاتنا
المسالمة، وهذه التصرفات المستغربة تعكس حالة غير حضارية في
مجتمعاتنا الآمنة، تدلل على غياب لغة الحوار وتدشين قوة المنطق
المفروضة قهراً، وتسيير القانون بمنطق القوة والعجرفة الذي يرفضه
كل مجتمع متحضر وكريم، وإن كل هفوة في هذا الطريق تؤدي إلى عواقب
وخيمة سيدفع فاتورتها الجميع.
ان هذه المضايقات التمييزية مشكلة قائمة لا نجد حلا لها من قبل
المسئولين إلا بكلمة "سوف" التي لا نجني منها غير الشوك والتعب
فضلاً عن كونها من عمل الشيطان الرجيم، فإلى من يلجأ من تمارس ضده
هذه الانتهاكات وهذه الظلامات وهذه التمييزات غير المبررة، علماً
أن الوريد الشبابي في منطقة القطيف تحديداً، ينضح بالنصرة لهذه
الشعيرة التي توارثوها كابراً عن كابر، وكل مضايقة في هذا الشأن
تتحول إلى حركة عدائية تفجر الأوضاع دون أن تخدم أي أحد، سوى من
يلتهم الفرص من الخارج.
البحرين والكويت وغيرهم من منطقة الخليج لها تميزها في إتاحة
الممارسات الدينية لشعوبها، ولعل إتاحة الوصول إلى المناصب
الوزارية من مختلف المذاهب هو السبب، أما أبناء الجنسية الثانية
والثالثة و...فهم يماثلون حكاية "البطة السوداء" في خارطة المملكة
العزيزة، والحكمة التي نتمناها – على أقل التقادير – إبقاء ما كان
على ما كان، وإلا فإن المشاكل التي نحن في غنى عنها ستتفاقم، ويعود
وبال ذلك نحو هذه المنطقة الحبيبة، وهذا البلد الأمين..
تتنوع الوسائل العاشورائية وجميعها سلمية الهوى وإنسانية
المنطلق، لا تعود بالضرر على الآخرين، بينما العقدة التي تحملها
بعض الرؤوس لا تقبل التعددية وتجر العالم لآرائها قهراً وتعسفاً
والجبر محال ومرفوض في دين الله القويم، أن المواكب الشابة تصرخ
مدوية كموج هادر: (أبد والله ما ننسى حسيناه)، و(لو قطعوا أرجلنا
واليدين نأتيك زحفاً سيدي يا حسين) وغيرها من الشعارات التي تعمق
وتجذر تمسكها لإقامة هذه الشعائر والمراسيم..
هاهي الشوارع والأزقة ترتدي السواد وتتشح بالحزن والأسى،
ويعتليها جملة من الأحاديث والروايات التي تركز على إحياء موسم
عاشوراء، ويتفرغ الجميع نساء ورجالاً، صغاراً وكباراً للتفاعل
الحثيث في حضور هذه المحافل التي تنمي حالة التقوى والخلق الإسلامي
الرصين، ويفاجئنا خبر مدهش هذا الأسبوع بثته شبكة راصد الإخبارية
ينص أنه: (ذكر الأهالي في بلدة العوامية بمحافظة القطيف أن عناصر
من الشرطة أعاقوا مساء أمس عمل متطوعين يقومون بتجهيز ساحة وسط
البلدة استعدادا لإقامة مراسم عاشوراء)، وهذه المضايقة التي تعد
غريبة الأطوار منذ مطلع هذه الذكرى، والتي تعد غير مألوفة تهيج
الأوضاع وترفع من وتيرة الاستفزاز غير المقبول، ويضيف الخبر: (وذكر
أهالي أن القائمين على حسينية واحدة على الأقل واجهوا خلال الأيام
الماضي مضايقات)، وتضيف شبكة التوافق الإخبارية على ذات الخبر: (أن
مضايقات رجال الأمن بلباس مدني بدأت منذ مطلع الأسبوع الماضي في
مأتميّ الزهراء والولاية بالعوامية بحجة عدم وجود تصريح لإقامة
الشعائر العاشورائية).
فهل سيمنع مجتمع بأسره من إقامة شعائرهم التي يعتقدون بها؟!،
أم انه يلزمهم الوقوف طوابير لأخذ تصاريح لإقامة مراسمهم
العقدية؟!، أن هذه التحركات التي لم نشاهدها من قبل تعكس حالة وجود
تمييز طائفي ضد شيعة أهل البيت (ع)، وهذا التميز بلاشك يخدم طبقات
أخرى، كما صرح بذلك الدكتور السيف في حديثه لقناة الجزيرة في
برنامج (في العمق) الذي يقدمه علي الظفير، ويحضرني مثاله الرائع
حينما يتحدث عن " المظلة "، فكل عاقل حينما يلجه المطر الغزير
سيحتمي بأي شيء يقيه ويعصمه من الماء، إلا أنه لا عاصم إلا الله..
نأمل أن يتم وضع حل مناسب لنعيش في سلم وآمان كما جرت العادة
في أعوامنا الماضية.. |