الصفحة الرئيسية

مجلة النبأ

ملف عاشوراء

 
عاشوراء الحسين 1431هـ
عاشوراء الحسين 1430هـ
 عاشوراء الحسين 1429هـ

  عاشوراء الحسين 1428هـ

  عاشوراء الحسين 1427هـ

  عاشوراء الحسين 1426هـ

  من نبض عاشوراء 1425هـ

  من نبض عاشوراء 1424هـ

  عاشوراء في ذاكرة النبأ

 صور عاشوراء

اتصل بنا

 

 

الأربعين بداية المسيرة

العّلامة الشيخ محمد حسن الحبيب

دأب أهل البيت (ع) ومن تبعهم من المسلمين، وخصوصاً من شايعهم، على تخليد نهضة عاشوراء على مر العصور، واعتبروها المرجع في مقاومة الظلم والطغيان، والملهم في استنهاض الإنسان نحو التغيير والإصلاح.. فكانت كذلك، وعلى الدوام.. كربلاء الأرض الصلبة التي يتكأ عليها المصلحون، والباعث الحق نحو قيم الله التي أرخص الحسين (ع) نفسه وعياله وأصحابه دونها.

وكان من تخليدهم لهذه النهضة المباركة الدعوة إلى الحضور عنده في كربلاء وزيارته (ع) بالزيارات المأثورة عن المعصومين (ع).

قال الإمام الباقر(ع) ﴿مُرُوا شِيعَتَنَا بِزِيَارَةِ قَبْرِ الْحُسَيْنِ (ع) فَإِنَّ إِتْيَانَهُ مُفْتَرَضٌ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ يُقِرُّ لِلْحُسَيْنِ بِالْإِمَامَةِ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ﴾.(1)

وقال الإمام الصادق(ع) ﴿حَقٌّ عَلَى الْغَنِيِّ أَنْ يَأْتِيَ قَبْرَ الْحُسَيْنِ (ع) فِي السَّنَةِ مَرَّتَيْنِ وَحَقٌّ عَلَى الْفَقِيرِ أَنْ يَأْتِيَهُ فِي السَّنَةِ مَرَّةً ﴾.(2)

ومع عدم التمكن من السفر إلى قبره الشريف تكون الزيارة حينئذ حيث يكون الإنسان.

روى سدير أن الإمام الصادق (ع) سأله ﴿يَا سَدِيرُ تُكْثِرُ زِيَارَةَ قَبْرِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ (ع)؟ قُلْتُ إِنَّهُ مِنِّي بَعِيدٌ. فَقَالَ: أَلاَ أُعَلِّمُكَ شَيْئاً إِذَا أَنْتَ فَعَلْتَهُ كُتِبَتْ لَكَ بِذَلِكَ الزِّيَارَةُ؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: اغْتَسِلْ فِي مَنْزِلِكَ وَانْزِلْ إِلَى سَطْحِ دَارِكَ وَأَشِرْ إِلَيْهِ بِالسَّلاَمِ تُكْتَبْ لَكَ بِذَلِكَ الزِّيَارَةُ﴾.(3)

وكان من تخليدها أيضاً ذكرى عاشوراء التي تتكرر كل عام في يوم  العاشر من شهر محرم الحرام، وذكرى الأربعين وهي أيضاً تتكرر كل عام في العشرين من شهر صفر، أي بعد مرور أربعين يوماً على استشهاده (ع).

وقد حث أئمة أهل البيت (ع) على إحياء هاتين المناسبتين (عاشوراء والأربعين) بالزيارة والعزاء والبكاء والرثاء.. وغيرها مما يدخل في تخليد القيم التي جاهد من أجلها الإمام الحسين (ع) بين الناس وعلى مر العصور.

روى علقمة عن الإمام الباقر (ع) في حديث زيارة الإمام الحسين يوم عاشوراء من قرب وبعد. قال(ع) ﴿ثُمَّ لْيَنْدُبِ الْحُسَيْنَ (ع) وَيَبْكِيهِ، وَيَأْمُرُ مَنْ فِي دَارِهِ مِمَّنْ لاَ يَتَّقِيهِ بِالْبُكَاءِ عَلَيْهِ، وَيُقِيمُ فِي دَارِهِ الْمُصِيبَةَ بِإِظْهَارِ الْجَزَعِ عَلَيْهِ، وَلْيُعَزِّ بَعْضُهُمْ بَعْضاً بِمُصَابِهِمْ بِالْحُسَيْنِ (ع) وَأَنَا ضَامِنٌ لَهُمْ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ جَمِيعَ ذَلِكَ يَعْنِي ثَوَابَ أَلْفَيْ حَجَّةٍ وَأَلْفَيْ عُمْرَةٍ وَأَلْفَيْ غَزْوَةٍ. قُلْتُ: أَنْتَ الضَّامِنُ لَهُمْ ذَلِكَ وَالزَّعِيمُ؟ قَالَ: أَنَا الضَّامِنُ وَالزَّعِيمُ لِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ. قُلْتُ: وَكَيْفَ يُعَزِّي بَعْضُنَا بَعْضاً؟ قَالَ تَقُولُ عَظَّمَ اللَّهُ أُجُورَنَا بِمُصَابِنَا بِالْحُسَيْنِ (ع) وَجَعَلَنَا وَإِيَّاكُمْ مِنَ الطَّالِبِينَ بِثَأْرِهِ مَعَ وَلِيِّهِ وَالإِمَامِ الْمَهْدِيِّ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ، وَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا تَنْشُرَ يَوْمَكَ فِي حَاجَةٍ فَافْعَلْ فَإِنَّهُ يَوْمُ نَحْسٍ لاَ تُقْضَى فِيهِ حَاجَةُ مُؤْمِنٍ وَإِنْ قُضِيَتْ لَمْ يُبَارَكُ لَهُ فِيهَا وَلاَ يَرَى فِيهَا رُشْداً، وَلاَ يَدَّخِرَنَّ أَحَدُكُمْ لِمَنْزِلِهِ فِيهِ شَيْئاً فَمَنِ ادَّخَرَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ شَيْئاً لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيمَا ادَّخَرَ وَلَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِي أَهْلِهِ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ كَتَبَ اللَّهُ لَهُمْ ثَوَابَ أَلْفِ حَجَّةٍ وَأَلْفِ عُمْرَةٍ وَأَلْفِ غَزْوَةٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ (ص) وَكَانَ لَهُ كَثَوَابِ كُلِّ نَبِيِّ وَرَسُولٍ وَصِدِّيقٍ وَشَهِيدٍ مَاتَ أَوْ قُتِلَ مُنْذُ خَلَقَ اللَّهُ الدُّنْيَا إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ﴾.(4)

وفي خصوص زيارة الأربعين ورد عن الإمام الحسن العسكري (ع) أنه قال ﴿عَلاَمَاتُ الْمُؤْمِنِ خَمْسٌ، صَلاَةُ الْخَمْسِينَ، وَزِيَارَةُ الأَرْبَعِينَ، وَالتَّخَتُّمُ فِي الْيَمِينِ، وَتَعْفِيرُ الْجَبِينِ، وَالْجَهْرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾.(5)

يوم الأربعين

قالوا إن في هذا اليوم من سنة إحدى وستين للهجرة كان يوم اللقاء، حيث عاد آل الحسين إلى كربلاء بعد رحلة العذاب بين الكوفة والشام.

فكان اللقاء مع النور المنبعث من القبور، وكان اللقاء أيضاً مع الذكريات ... العزة، الكرامة، البطولة، الطهر، الإيمان ... تزدحم الذاكرة بهذه الصور، وتضطرب في ترتيبها.

وتزداد ازدحاماً واضطراباً حين يمازجها الحزن والألم ... أعزتهم قتلى! وأية قتلة؟ ربما يعجز القلم عن ذكر تفاصيلها، ولكنها سيدة الموقف فكل تلك التفاصيل كانت حاضرة في الذاكرة.

شيء واحد من تلك المعركة لم يُستدع من الذاكرة، بل كان الرفيق طوال هذه الرحلة؛ فمع كل إطلالة نحو السماء كان يطل عليهم وكأنه يُسمعهم مقولة "رضا بقضائك".

ذلك الشيء هو: الرؤوس المرفوعة بالأرماح.

وقالوا إنه بالإضافة إلى ذلك هو يوم الالتصاق، أو "رد الرؤوس" فبعد أن طيف بها من مكان إلى آخر، تمكن الإمام علي بن الحسين (ع) من ضمها إلى الأجساد.

وفي ذلك يقول السيد هاشم الستري البحراني:

قم جدد الحزن في العشرين من صفر

ففيه ردت رؤوس الآل للحفر

آل النبي التي حلت دماؤهم

في دين قوم جميع الكفر منه بري

يا مؤمنون احزنوا فالنار شاعلة

ترمى على عـروة الإيمان بالشرر

ضجوا لسفرتهم وابكوا لرجعتهم

لا طبتِ من رجعةٍ كانت ومن سفر

وقالوا إنه يوم العودة إلى أرض الوطن، والعودة لا تعني انتهاء المعركة، بل استمرارها ولكن بشكل آخر، فقيم الحسين وأهدافه هي قيم السماء، وقيم السماء خالدة رغم كل الظروف، وباقية على مر الدهور، وكما أن حامليها لا يتأثرون بالإرهاب والقتل والسبي والتشريد، كذلك لا يتأثرون بالعودة والترغيب.

وفي طريق العودة إلى مدينة النبي (ص)، وعند اقترابهم منها، حط الإمام السجاد (ع) رحله وضرب فسطاطه وأنزل نسائه، ثم توجه إلى بشير بن حذلم وقال له: يا بشير رحم الله أباك لقد كان شاعرا، فهل تقدر على شي‏ء منه؟

قال: بلى يا ابن رسول الله إني لشاعر.

قال: فادخل المدينة و انع أبا عبد الله (ع).

قال بشير: فركبت فرسي وركزت حتى دخلت المدينة فلما بلغت مسجد النبي (ص) رفعت صوتي بالبكاء و أنشأت أقول:

يا أهل يثرب لا مقام لكم بها

  قتل الحسين فادمعي مدرار

الجسم منه بكربلاء مضرج

والرأس منه على القناة يدار

قال: ثم قلت هذا علي بن الحسين (ع) مع عماته و أخواته قد حلوا بساحتكم و نزلوا بفنائكم و أنا رسوله إليكم أعرفكم مكانه.

فما بقيت في المدينة مخدرة و لا محجبة إلا برزن من خدورهن مكشوفة شعورهن مخمشة وجوههن ضاربات خدودهن يدعون بالويل و الثبور فلم أر باكياً أكثر من ذلك اليوم و لا يوماً أمر على المسلمين منه وسمعت جارية تنوح على الحسين فتقول:

نعى سيدي ناع نعاه فأوجعا

وأمرضني ناع نعاه فأفجعا

فعيني جودا بالدموع وأسكبا

و جودا بدمع بعد دمعكما معا

على من دهى عرش الجليل فزعزعا

فأصبح هذا المجد و الدين الجدعا

علي بن نبي الله و ابن وصيه

وإن كان عنا شاحط الدار أشسعا

ثم قالت: أيها الناعي جددت حزننا بأبي عبد الله، وخدشت منا قروحا لما تندمل، فمن أنت رحمك الله؟

قلت أنا بشير بن حذلم وجهني مولاي علي بن الحسين عليهما الصلاة والسلام، وهو نازل في موضع كذا و كذا مع عيال أبي عبد الله (ع) ونسائه.

قال: فتركوني مكاني وبادروا، فضربت فرسي حتى رجعت إليهم فوجدت الناس قد أخذوا الطرق والمواضع فنزلت عن فرسي وتخطيت رقاب الناس حتى قربت من باب الفسطاط، وكان علي بن الحسين (ع) داخلاً ومعه خرقة يمسح بها دموعه، وخلفه خادم معه كرسي فوضعه له، وجلس عليه، وهو لا يتمالك من العبرة، وارتفعت أصوات الناس بالبكاء وحنين الجواري والنساء.

والناس من كل ناحية يعزونه فضجت تلك البقعة ضجة شديدة فأومأ بيده أن اسكتوا، فسكنت فورتهم، فقال(ع) ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ بَارِئِ الْخَلَائِقِ أَجْمَعِينَ الَّذِي بَعُدَ فَارْتَفَعَ فِي السَّمَاوَاتِ الْعُلَى وَقَرُبَ فَشَهِدَ النَّجْوَى نَحْمَدُهُ عَلَى عَظَائِمِ الْأُمُورِ وَفَجَائِعِ الدُّهُورِ وَأَلَمِ الْفَجَائِعِ وَمَضَاضَةِ اللَّوَاذِعِ وَجَلِيلِ الرُّزْءِ وَعَظِيمِ الْمَصَائِبِ الْفَاضِعَةِ الْكَاظَّةِ الْفَادِحَةِ الْجَائِحَةِ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ وَلَهُ الْحَمْدُ ابْتَلَانَا بِمَصَائِبَ جَلِيلَةٍ وَثُلْمَةٍ فِي الْإِسْلَامِ عَظِيمَةٍ قُتِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَعِتْرَتُهُ وَسُبِيَ نِسَاؤُهُ وَصِبْيَتُهُ وَدَارُوا بِرَأْسِهِ فِي الْبُلْدَانِ مِنْ فَوْقِ عَامِلِ السِّنَانِ وَهَذِهِ الرَّزِيَّةُ الَّتِي لَا مِثْلَهَا رَزِيَّةٌ أَيُّهَا النَّاسُ فَأَيُّ رِجَالاتٍ مِنْكُمْ يُسَرُّونَ بَعْدَ قَتْلِهِ أَمْ أَيَّةُ عَيْنٍ مِنْكُمْ تَحْبِسُ دَمْعَهَا وَتَضَنُّ عَنِ انْهِمَالِهَا فَلَقَدْ بَكَتِ السَّبْعُ الشِّدَادُ لِقَتْلِهِ وَبَكَتِ الْبِحَارُ بِأَمْوَاجِهَا وَالسَّمَاوَاتُ بِأَرْكَانِهَا وَالْأَرْضُ بِأَرْجَائِهَا وَالْأَشْجَارُ بِأَغْصَانِهَا وَالْحِيتَانُ وَلُجَجُ الْبِحَارِ وَالْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَأَهْلُ السَّمَاوَاتِ أَجْمَعُونَ أَيُّهَا النَّاسُ أَيُّ قَلْبٍ لَا يَنْصَدِعُ لِقَتْلِهِ أَمْ أَيُّ فُؤَادٍ لَا يَحِنُّ إِلَيْهِ أَمْ أَيُّ سَمْعٍ يَسْمَعُ هَذِهِ الثُّلْمَةَ الَّتِي ثُلِمَتْ فِي الْإِسْلَامِ أَيُّهَا النَّاسُ أَصْبَحْنَا مَطْرُودِينَ مُشَرَّدِينَ مَذُودِينَ شَاسِعِينَ عَنِ الْأَمْصَارِ كَأَنَّا أَوْلَادُ تُرْكٍ وَكَابُلَ مِنْ غَيْرِ جُرْمٍ اجْتَرَمْنَاهُ وَلَا مَكْرُوهٍ ارْتَكَبْنَاهُ وَلَا ثُلْمَةٍ فِي الْإِسْلَامِ ثَلَمْنَاهَا ما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ وَاللَّهِ لَوْ أَنَّ النَّبِيَّ تَقَدَّمَ إِلَيْهِمْ فِي قِتَالِنَا كَمَا تَقَدَّمَ إِلَيْهِمْ فِي الْوَصَاءَةِ بِنَا لَمَا ازْدَادُوا عَلَى مَا فَعَلُوا بِنَا فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ مِنْ مُصِيبَةٍ مَا أَعْظَمَهَا وَأَوْجَعَهَا وَأَفْجَعَهَا وَأَكَظَّهَا وَأَفَظَّهَا وَأَمَرَّهَا وَأَفْدَحَهَا فَعِنْدَ اللَّهِ نَحْتَسِبُ فِيمَا أَصَابَنَا وَمَا بَلَغَ بِنَا إِنَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ﴾.(6)

والسؤال هو هل يمكن أن نعتبر أحد هذين القولين، أو هذه الأقوال الثلاثة جواباً لتسميتها بهذا الاسم؛ أعني الأربعين؟

والجواب

أولاً

من المستبعد جداً تطابق هذه الأقوال مع العشرين من صفر (الأربعين) لضيق الزمان على هذه الرحلة الطويلة، خصوصاً مع رداءة الوسائل المستخدمة التي استخدمها الأعداء كالنياق الهزل وما أشبه، والتفاصيل التي رافقت الرحلة وعرض من كانوا فيها على البلدان الواقعة بين الكوفة والشام مما يستوعب زماناً أكثر من السفر الاعتيادي، ويتأكد هذا إذا علمنا أن عملية السبي يراد منها تحقيق بعدين:

1. إعلامي يقصد منه حشد التأييد وإرهاب المخالفين.

2. نفسي يراد منه إلحاق الأذى والمهانة بآل الحسين (ع) وعيالاته.

قال العلامة المجلسي مستدلاً على الاستبعاد:

إن عبيد الله بن زياد لعنه الله كتب إلى يزيد يعرفه ما جرى ويستأذنه في حملهم ولم يحملهم حتى عاد الجواب إليه، وهذا يحتاج إلى نحو عشرين يوماً أو أكثر منها، ولأنه لما حملهم إلى الشام روي أنهم أقاموا فيها شهراً ... وصورة الحال تقتضي أنهم تأخروا أكثر من أربعين يوماً من يوم قتل (ع) إلى أن وصلوا العراق أو المدينة . وأما جوازهم في عودهم على كربلاء فيمكن ذلك ولكنه ما يكون وصولهم إليها يوم العشرين من صفر. (6)

ثانياً

قال الشيخ الكفعمي إنما سميت بزيارة الأربعين لأن وقتها يوم العشرين من صفر وذلك لأربعين يوماً من مقتل الحسين (ع)، وهو اليوم الذي ورد فيه جابر بن عبد الله الأنصاري صاحب النبي (ص) من المدينة إلى كربلاء لزيارة قبر الحسين (ع) فكان أول من زاره من الناس. (7)

وقال العلامة المجلسي:

ولعل العلة في استحباب الزيارة في هذا اليوم هو أن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه في مثل هذا اليوم وصل من المدينة إلى قبره الشريف وزاره. (8)

وبغض النظر عن الحدث المصاحب لهذا اليوم إلا أنه من المؤكد أن أحداثا جمة وخطيرة حدثت منذ يوم العاشر إلى يوم الأربعين ويظهر من تلك الأحداث أن هناك تحولاً في أسلوب المواجهة، وهذا التحول لا يمس الأسس والقيم التي ارتكز عليها الإمام الحسين في نهضته، وإنما يقتصر على شكل وأسلوب المواجهة.

ومما لاشك فيه أن استشهاد الإمام (ع) أحدث هزة عميقة في نفوس أبناء الأمة الإسلامية مما أدى إلى بروز فرص جيدة للعمل والتحرك.

فكان لا بــد من استثمار ذلك بوسـائل أخـرى تجتمع مع باقــي وسائل النهوض للوصول إلى الهدف الذي قام من أجله الحسين، وضحى بكل غال ونفيس.

وهكذا أصبح يوم عاشوراء درساً مهما في مواجهة الباطل، وأصبح يوم الأربعين درساً في فضح الباطل وتركيز القيم والمفاهيم النهضوية في الأمة.

كشف الزيف وتبديد الاوهام

انتهت معركة كربلاء، وظن الأعداء أن كل شيء قد انتهى، فراحوا يطوفون ببنات الرسالة على البلدان فرحة وابتهاجاً بوهم النصر العظيم، ولإشراك أكبر قدر ممكن من أبناء الأمة وتوريطهم تحت شعار النصر ... فليس يزيد وحده هو من سطر ملحمة الانقلاب على قيم الرسالة والانفلات من حدودها وضوابطها، بل قسم من أبناء الأمة أيضاً اشتركوا معه في هذه الملحة.

هكذا أرادوا ... أن تكون الردة من الجميع، وهذا هو شأن كل الطغاة وفي كل العصور لا يفكرون في النجاة إلا لأنفسهم! لكنهم إذا ما تعرضوا للغرق والهلاك فإنهم يعملون بكل ما في وسعهم لإغراق من معهم! والمتفرجين أيضاً، بل وكل من يتمكنون منه.

ومن أجل هذا عملوا... ولكن كانت المفاجأة من حيث لا يشعرون... أن بدأت المسيرة نحو النجاة من عبادة الإنسان للسلطان، وظلم الإنسان للإنسان.

وكان رمز هذه المسيرة عاشوراء وكربلاء، فكل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء.

إلى الكوفة

الكوفة عاصمة الدولة الإسلامية في أيام أمير المؤمنين (ع) وهي تحتضن المعارضين للدولة الأموية، والموالين لأهل البيت (ع).

ونظراً لما تمثل من ثقل عمد بنو أمية إلى التركيز عليها وتمييع أهلها، بالترهيب والترغيب... قبل وأثناء المعركة... وبعد حسم المعركة عسكرياً توجهوا إلى توظيفه في إدخال الرعب في البقية الباقية من أصحاب الضمائر الحرة، من خلال عمل استعراضي يبرز المهانة والانكسار لآل بيت الوحي!!.

فكانت الكوفة هي المحطة الأولى للموكب الحسيني المؤلف من النساء والأطفال، وليس معهم من الرجال إلا رجل واحد هو الإمام السجاد (ع)، وقد أعدوا لحملهم إلى الكوفة أربعين جملاً بغير وطاء ولا غطاء، ونقل بعض المؤرخين أن الإمام السجاد (ع)، كان يترشح من فخذيه الدم، وقال بعضهم أن أوداجه كانت تشخب دماً وكان (ع) يقول:(10)

يا أمة السوء لا سقيا لربعكم

يا أمة لم تراع جدنا فينا

لو أننا ورسول الله يجمعنا

يوم القيامة ما كنتم تقولونا

تسيرونا على الأقتاب عارية

كأننا لم نشيد فيكم دينا

بني أمية ماهذا الوقوف على

تلك المصائب لا تلبون داعينا

تصفقون علينا كفكم فرحا

وأنتم في فجاج الأرض تسبونا

أليس جدي رسول الله ويلكم

أهدى البرية من سبل المضلينا

يا وقعة الطف قد أورثتني حزنا

والله يهتك أستار المسيئينا

ومع دخولهم إلى الكوفة كانت هناك مواقف كثيرة؛ الأهم منها ماكان بادياً على وجوه الأطفال من آثار الجوع والعطش مما أثار شفقة الكوفيين، فراحوا يناولون الأطفال بعضاً من التمر والخبز، وكان الرد: رفض الشفقة، وتوجيه الأنظار نحو طريقة التعاطي مع قادة النهضة وذويهم.

قالت أم كلثوم: يا أهل الكوفة: تقتلنا رجالكم، وتبكينا نساؤكم!! فالحاكم بيننا وبينكم الله يوم فصل القضاء. (11)

ولعل الموقف الأكثر ألماً وحرقة مفاجأة النساء بالرؤوس؛ يتقدمهم رأس الإمام الحسين (ع)، حينها ضربت السيدة زينب (ع) جبهتها بمقدم الأقتاب فخرج الدم منها حتى رأوه يسيل من تحت قناعها، ولم يكن ذلك حباً في إسالة الدماء ولكن لبيان رسالة مفادها أن سلاح الدم الذي يمتلكه كل إنسان أمضى من أي سلاح، وأقوى من كل عتاد، وما من أمة تسلحت بهذا السلاح إلا وانتصرت على ظالميها ولو بعد حين.

وفي مجلس ابن زياد أدخلت الرؤوس أولاً، وأحضر الرأس الشريف بين يدي ابن زياد، فنظر إليه وتبسم!! ثم رفع قضيباً كان في يده وأخذ يضرب ثنايا الإمام الحسين (ع).

لم يكن حينها أحد من الموكب، والهدف من هذه العملية زرع الخوف واستكشاف المخالفين وإبعادهم عن جلسة الموكب.

وهذا ما حصل فعلاً فقد قام الصحابي الجليل زيد بن أرقم وقال لابن زياد: ارفع قضيبك عن هاتين الشفتين، فوالله الذي لا إله غيره،  لقد رأيت شفتي رسول الله (ص) عليهما مالا أحصيه كثرة، تقبلهما.

ثم انتحب زيد باكياً... فقال له ابن زياد: أبكى الله عينيك، أتبكي لفتح الله؟ والله لو لا أنك شيخ كبير قد خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك!!. (12)

وأمام هذا التهديد والوعيد انصرف الصحابي زيد بن أرقم عن مجلسه وهو يقول: أيها الناس أنتم العبيد بعد اليوم، قتلتم ابن فاطمة، وأمَّرتم ابن مرجانة، والله ليقتلن خياركم وليستعبدَّن شراركم فبعداً لمن رضي بالذل والعار. (13)

ثم أُدخل الموكب على ابن زياد. فقال لهم بحقد وشماتة: الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم!!

فتصدت له السيدة زينب (ع) فقالت: الحمد لله الذي أكرمنا بنبيه محمد (ص)، وطهرنا من الرجس تطهيراً، إنما يفتضح الفاسق، ويكذب الفاجر، وهو أنت يا عدو الله وعدو رسوله.

فقال لها: كيف رأيت صنع الله بأخيك الحسين وأهل بيته؟

فقالت: إن الله كتب عليهم القتال فتبادروا أمر ربهم وبرزوا إلى مضاجعهم، فقاتلوا ثم قتلوا في الله وفي سبيل الله، وسيجمع الله بينك وبينهم، وتتحاجون وتتخاصمون عند الله، وإن لك موقفاً فاستعد للمسألة جواباً، إذا كان القاضي الله، والخصم جدي رسول الله (ص)، والسجن جهنم .(14)

ثم توجه ابن زياد إلى الإمام السجاد (ع) وقال له: من أنت؟

فقال الإمام (ع): أنا علي بن الحسين.

فقال اللعين: أليس قد قتل الله علياً بن الحسين.

فقال الإمام (ع): قد كان لي أخ يسمى علياً قتله الناس.

فقال اللعين: بل الله قتله.

فقال الإمام (ع): الله يتوفى الأنفس حين موتها.

فغضب ابن زياد وقال: وبك جرأة لجوابي، وفيك بقية للرد علي، اذهبوا به فاضربوا عنقه.

هنا تدخلت السيدة زينب (ع) وقالت: يا ابن زياد حسبك من دمائنا، واعتنقته وقالت لا والله لا أفارقه، فان قتلته فاقتلني معه.

فقال الإمام (ع): لعمته اسكتي يا عمة حتى أكلمه، ثم اقبل عليه فقال: أبالقتل تهددني يا ابن زياد، أما علمت أن القتل لنا عادة وكرامتنا الشهادة.(15)

لم يكن كل ما جرى بالشيء السهل فهو أمر خطير جداً، وقد شكل بمجموعه انعطافة حادة في تاريخ الأمة، وفي المنعطفات عادة تستدعى القوى الكامنة في الأمة أو ما يسمى في الجيوش بقوات الاحتياط.

عبد الله بن عفيف الأزدي واحدٌ من تلك القوى التي دخلت وبفاعلية للتخفيف من حدة هذا المنعطف الخطير.

وابن عفيف هذا كان زاهداً من زهاد الكوفة وعابداً من عبادها، وكان ملازماً للمسجد الأعظم إلى الليل، وهو أيضاً المجاهد بين يدي أمير المؤمنين (ع) حتى فقد عينيه، إحداهما في الجمل والأخرى في صفين.

كان في المسجد على العادة فسمع عبيد الله بن زياد يخطب:

الحمد لله الذي أظهر الحق وأهله، ونصر أمير المؤمنين يزيد وحزبه، وقتل الكذاب بن الكذاب وشيعته.

فقام إليه ابن عفيف وقال له: يا ابن مرجانة؛ إن الكذاب ابن الكذاب أنت وأبوك، ومن استعملك وأبوه يا عدو الله.

أتقتلون أبناء النبيين وتتكلمون بهذا الكلام على منابر المسلمين؟

فغضب ابن زياد وقال: من هذا المتكلم؟

فقال: أنا المتكلم يا عدو الله؛ أتقتل الذرية الطاهرة التي قد أذهب الله عنها الرجس وطهرهم تطهيراً، وتزعم أنك على دين الإسلام واغوثاه ... أين أولاد المهاجرين والأنصار ينتقمون منك ومن طاغيتك اللعين ابن اللعين على لسان محمد رسول رب العالمين؟

فازداد غضب ابن زياد حتى انتفخت أوداجه.. وتوجه إلى جلاوزته قائلاً: علي به فتبادرت إليه الجلاوزة من كل ناحية ليأخذوه، فنادى بشعار الأزد "يا مــبرور" وفي الكـوفة يومئذ من الأزد سبعمائة مقاتل فاجتمعوا وانتزعوه من الجلاوزة.(16)

إلى الشام

الشام عاصمة الحكم الأموي، وفيها نشأت قوتهم ونما سلطانهم، ومنها انبعثت الأوامر والعدة والعتاد لقتل الإمام الحسين (ع)، وبعد المعركة صدرت الأوامر بحمل الرؤوس والنساء والأطفال إلى الشام، وعرضهم على جميع البلدان الواقعة بين الكوفة والشام على طريق الفرات.

ومن الواضح أن الهدف من ذلك ليس الاعتذار لأهل بيت النبوة، أو تقديم واجب العزاء لمخدرات الرسالة، وإنما التنكيل بهم وإنزال المزيد من الإذلال والإهانة عليهم.

وبنو أمية ليسوا بدعاً من الطواغيت والظلمة والمحتالين على مر التاريخ، فكل شيء يوظف لتثبيت الولاء لهم، وزرع الخوف في نفوس الأبرياء ضعافاً أو أحراراً، وهم في ذلك من أمهر الناس وأبرعهم، ألا ترى أنهم يوظفون حتى الوهم؟

أليس في قتل الإمام الحسين (ع) تتجلى حقيقة الجريمة والاعتداء على أصول الدين وفروعه وقيمه وأركانه وتعاليمه وأحكامه.

ومع ذلك توهموا أن ذلك نصراً عزيزاً وفتحاً مبيناً فراحوا يستثمرونه في تثبيت أركانهم وحشد التأييد لدولتهم.

ولكن نور الموكب الحسيني بدد أوهامهم، وفتت أحلامهم، وكشف زيف انتصاراتهم.

قبل وصول الموكب إلى دمشق كان يزيد في بلدة تقع في الأطراف يقال لها جيرون، وفيها التقى الحاضر بالماضي ليكشف عن حقيقة متصلة بعمق التاريخ، ففي الماضي زفنت (رقصت) امرأة بين يدي الملك. فقال لها ماحاجتك؟ قالت رأس يحيى بن زكريا! فأعظم ذلك. فقال له جلساؤه: امض لها ما جعلت لها، فأتى إلى يحيى بن زكريا (ع) وهو في جيرون قائم يصلي فضرب رأسه(17)، وأعطي إليها.

وبعد مئات السنين يقف يزيد في ذات الموقع الذي قطع فيه رأس يحيى بن زكريا (ع) وهو يصلي، ليرى قبيح فعله وأمره! وما اقترفت يداه من الإثم والعدوان على آل البيت (ع)، وليته اتعظ بل تمادى في طغيانه وراح ينشد لنفسه:

لما بدت تلك الحمول وأشرقت

تلك الشموس على ربا جيرون

نعب الغراب فقلت صح أولا تصح

فلقد قضيت من الغريم ديوني(18)

والحقيقة التي كشفتها "جيرون" أن أولياء الله في صراع مستمر مع أولياء الشيطان، فأولياء الله يضحون من أجل مبادئ السماء، وقاتليهم يعملون للنزوات والشهوات فمن أجل سهرة برقص ماجن يَقتل، ومن أجل كرسي لبضع سنوات يفتك ويبطش. والعاقبة للمتقين.

الموكب الحسيني والدخول إلى الشام

يروي لنا الصحابي الجليل سهل بن سعد الساعدي الأنصاري مشاهداته في دمشق لحظة وصول الموكب الحسيني:

قال: خرجت إلى بيت المقدس حتى توسطت الشام فإذا أنا بمدينة مطردة الأنهار كثيرة الأشجار قد علقوا الستور والحجب والديباج، وهم فرحون مستبشرون، وعندهم نساء يلعبن بالدفوف والطبول، فقلت في نفسي: لعل لأهل الشام عيداً لا نعرفه نحن!.

فرأيت قوماً يتحدثون. فقلت: يا هؤلاء ألكم بالشام عيد لا نعرفه نحن؟!

قالوا: يا شيخ نراك غريبا!.

فقلت: أنا سهل بن سعد، قد رأيت رسول الله (ص) وحملت حديثه.

فقالوا: يا سهل؛ ما أعجبك، السماء لا تمطر دماً! والأرض لا تخسف بأهلها!.

قلت: ولم ذاك؟

فقالوا هذا رأس الحسين عترة رسول الله (ص) يهدى من أرض العراق إلى الشام، وسيأتي الآن.

قلت: واعجباه؛ أيهدى رأس الحسين والناس يفرحون؟! فمن أي باب يدخل؟

فأشاروا إلى باب يقال له: باب الساعات، فسرت نحو الباب، فبينما أنا هنالك، إذ جاءت الرايات يتلو بعضها بعضاً، وإذا أنا بفارس بيده رمح منزوع السنان، وعليه رأس من أشبه الناس وجهاً برسول الله، وإذا بنسوة من ورائه على جمال بغير وطاء.

فدنوت من إحداهن فقلت: يا جارية من أنت؟

فقالت: سكينة بنت الحسين.

فقلت لها: ألك حاجة إلي؟ فأنا سهل بن سعد ممن رأى جدك وسمع حديثه.

قالت: يا سهل قل لصاحب الرأس أن يتقدم بالرأس أمامنا حتى يشتغل الناس بالنظر إليه فلا ينظرون إلينا ! فنحن حرم رسول الله.

فدنوت من صاحب الرأس وقلت له: هل لك أن تقضي حاجتي وتأخذ مني أربعمائة دينار؟ !

قال: وما هي؟

قلت: تقدم الرأس أمام الحرم، ففعل ذلك ودفعت له ما وعدته.(19)

هذه الرواية وغيرها مما رواه المؤرخون عن حال العاصمة الأموية أثناء دخول الموكب الحسيني يكشف أن الكذب والإفترء وإخفاء الحقيقة أدوات مهمة يستخدمها الطواغيت في إعلامهم المضلل، وعادة لا يلجأ إليها إلا الضعفاء من بني البشر، ويزيد بن معاوية وبالرغم من امتلاكه لأسباب القوة إلا أنه ضعيف حتى في عاصمته، لأن بنيانه قام وامتد واستطال على الوهم والكذب والخداع، ولا يمكن الاستمرار إلا به.

 فالزينة والاحتفال والابتهاج ليس لقتل سيد من سادات أمة الإسلام وسبي نسائه وأطفاله، وإنما هو خارجي خرج على الشرعية فلاقى حتفه وأخذ جزاءه.

هكذا صور لهم، وأضلهم.ولكن أليس الصبح بقريب؟

ففي الطريق إلى مجلس الخلافة يتوقف الركب في موقع مختص بالسبي عند درج المسجد، فيأتي رجل مسن، يقترب من الركب قليلاً ثم يخاطبهم قائلاً:

الحمد لله الذي قتلكم وأهلككم وأراح الرجال من سطوتكم وأمكن أمير المؤمنين منكم!.

فقال له علي بن الحسين (ع): يا شيخ هل قرأت القرآن؟

فقال: نعم قد قرأته.

قال: فعرفت هذا الآية ﴿قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾. سورة الشورى، آية 23

قال الشيخ : قد قرأت ذلك.

قال علي بن الحسين (ع): فنحن القربى يا شيخ.

فهل قرأت ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ﴾. سورة الإسراء، آية 26

قال الشيخ: قد قرأت ذلك.

فقال علي (ع): نحن القربى يا شيخ.

ولكن هل قرأت هذه الآية ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى﴾. سورة الأنفال، آية 41

قال الشيخ: قد قرأت ذلك.

قال الإمام (ع): فنحن ذو القربى يا شيخ.

ولكن هل قرأت هذه الآية ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾. سورة الأحزاب، آية 33

قال علي (ع): فنحن أهل البيت الذين خصصنا بآية التطهير.

فبقي الشيخ ساعة ساكتاً نادماً على ما تكلمه، ثم رفع رأسه إلى السماء وقال: اللهم إني تائب إليك مما تكلمته، ومن بغض هؤلاء القوم، اللهم إني ابرأ إليك من عدو محمد وآل محمد من الجن والإنس.(20)

وتنتقل المعركة من أرض كربلاء إلى مجلس الملك الأموي، فيزيد يسعى إلى كسب الناس بإخفاء الحقيقة وطمسها عن أعين الناس، بينما موكب الرسالة يعرون أباطيله وزيفه وكذبه.

ويبدأ المجلس بحضور أشراف الشام، فيأمر يزيد بإحضار الرؤوس،  ولما وضعت الرؤوس بين يديه تمثل ببيت من قصيدة للحصين بن الحمام  فقال(21):

يفلقن هاما من رجال أعزة

علينا وهم كانوا أعق وأظلما

وجعل ينكت عليه بالخيزران! ويتمثل بأبيات ابن الزبعري قائلاً(22):

ليت أشياخي ببدر شهدوا

وقعة الخزرج من وقع الأسل

قد قتلنا القرن من ساداتهم

وعدلنا ميل بدر فاعتدل

وزاد عليها يزيد فقال:

لعبت هاشم بالملك فلا

خبر جاء ولا وحي نزل

لست من خندف إن لم انتقم

من بني أحمد ما كان فعل

ثم أمر بإدخال الموكب الحسيني والصبيان والصبيات من آل رسول الله موثقين في الحبال(23)، فقال الإمام علي بن الحسين (ع) ليزيد: أتاذن لي في الكلام؟

فقال: قل ولا تقل هجراً!.

فقال الإمام (ع): لقد وقفت موقفاً لا ينبغي لمثلي أن يقول الهجر، ما ظنك برسول الله لو رآني في غل؟ فقال لمن حوله: حلوه.(24)

ثم أمر يزيد بمنبر وخطيب ليخبر الناس بمساوي الحسين وعلي عليهما السلام وما فعلا، فصعد الخطيب المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم أكثر الوقيعة في علي والحسين، وأطنب في تقريظ معاوية ويزيد لعنهما الله فذكرهما بكل جميل.

فصاح به علي بن الحسين (ع) : ويلك أيها الخاطب اشتريت مرضاة المخلوق بسخط الخالق، فتبوأ مقعدك من النار.

ثم قال علي بن الحسين (ع): يا يزيد ائذن لي حتى أصعد هذه الأعواد فأتكلم بكلمات لله فيهن رضا، ولهؤلاء الجلساء فيهن أجر وثواب.

فأبى يزيد عليه ذلك.

وبعد أخذ ورد بينه وبين الناس، وبينه وبين خاصته أذن للإمام (ع) بارتقاء المنبر فقال  (ع)بعد أن حمد الله وأثنى عليه:

﴿أَيُّهَا النَّاسُ: أُعْطِينَا سِتّاً وَفُضِّلْنَا بِسَبْعٍ أُعْطِينَا الْعِلْمَ وَالْحِلْمَ وَالسَّمَاحَةَ وَالْفَصَاحَةَ وَالشَّجَاعَةَ وَالْمَحَبَّةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ، وَفُضِّلْنَا بِأَنَّ مِنَّا النَّبِيَّ الْمُخْتَارَ مُحَمَّداً وَمِنَّا الصِّدِّيقُ وَمِنَّا الطَّيَّارُ وَمِنَّا أَسَدُ اللَّهِ وَأَسَدُ رَسُولِهِ وَمِنَّا سِبْطَا هَذِهِ الْأُمَّةِ، مَنْ عَرَفَنِي فَقَدْ عَرَفَنِي وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْنِي أَنْبَأْتُهُ بِحَسَبِي وَنَسَبِي.

أَيُّهَا النَّاسُ: أَنَا ابْنُ مَكَّةَ وَمِنَى، أَنَا ابْنُ زَمْزَمَ وَالصَّفَا، أَنَا ابْنُ مَنْ حَمَلَ الرُّكْنَ بِأَطْرَافِ الرِّدَا، أَنَا ابْنُ خَيْرِ مَنِ ائْتَزَرَ وَارْتَدَى، أَنَا ابْنُ خَيْرِ مَنِ انْتَعَلَ وَاحْتَفَى، أَنَا ابْنُ خَيْرِ مَنْ طَافَ وَسَعَى، أَنَا ابْنُ خَيْرِ مَنْ حَجَّ وَلَبَّى، أَنَا ابْنُ مَنْ حُمِلَ عَلَى الْبُرَاقِ فِي الْهَوَاءِ، أَنَا ابْنُ مَنْ أُسْرِيَ بِهِ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، أَنَا ابْنُ مَنْ بَلَغَ بِهِ جَبْرَئِيلُ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، أَنَا ابْنُ مَنْ دَنا فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى،‏ أَنَا ابْنُ مَنْ صَلَّى بِمَلَائِكَةِ السَّمَاءِ، أَنَا ابْنُ مَنْ أَوْحَى إِلَيْهِ الْجَلِيلُ مَا أَوْحَى، أَنَا ابْنُ مُحَمَّدٍ الْمُصْطَفَى، أَنَا ابْنُ عَلِيٍّ الْمُرْتَضَى، أَنَا ابْنُ مَنْ ضَرَبَ خَرَاطِيمَ الْخَلْقِ حَتَّى قَالُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَنَا ابْنُ مَنْ ضَرَبَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ بِسَيْفَيْنِ وَطَعَنَ بِرُمْحَيْنِ وَهَاجَرَ الْهِجْرَتَيْنِ وَبَايَعَ الْبَيْعَتَيْنِ وَقَاتَلَ بِبَدْرٍ وَحُنَيْنٍ وَلَمْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ، أَنَا ابْنُ صَالِحِ الْمُؤْمِنِينَ وَوَارِثِ النَّبِيِّينَ وَقَامِعِ الْمُلْحِدِينَ وَيَعْسُوبِ الْمُسْلِمِينَ وَنُورِ الْمُجَاهِدِينَ وَزَيْنِ الْعَابِدِينَ وَتَاجِ الْبَكَّائِينَ وَأَصْبَرِ الصَّابِرِينَ وَأَفْضَلِ الْقَائِمِينَ مِنْ آلِ يَاسِينَ رَسُولِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، أَنَا ابْنُ الْمُؤَيَّدِ بِجَبْرَئِيلَ الْمَنْصُورِ بِمِيكَائِيلَ، أَنَا ابْنُ الْمُحَامِي عَنْ حَرَمِ الْمُسْلِمِينَ وَقَاتِلِ الْمَارِقِينَ وَالنَّاكِثِينَ وَالْقَاسِطِينَ وَالْمُجَاهِدِ أَعْدَاءَهُ النَّاصِبِينَ وَأَفْخَرِ مَنْ مَشَى مِنْ قُرَيْشٍ أَجْمَعِينَ وَأَوَّلِ مَنْ أَجَابَ وَاسْتَجَابَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَأَوَّلِ السَّابِقِينَ وَقَاصِمِ الْمُعْتَدِينَ وَمُبِيدِ الْمُشْرِكِينَ وَسَهْمٍ مِنْ مَرَامِي اللَّهِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ وَلِسَانِ حِكْمَةِ الْعَابِدِينَ وَنَاصِرِ دِينِ اللَّهِ وَوَلِيِّ أَمْرِ اللَّهِ وَبُسْتَانِ حِكْمَةِ اللَّهِ وَعَيْبَةِ عِلْمِهِ سَمِحٌ سَخِيٌّ بَهِيٌّ بُهْلُولٌ زَكِيٌّ أَبْطَحِيٌّ رَضِيٌّ مِقْدَامٌ هُمَامٌ صَابِرٌ صَوَّامٌ مُهَذَّبٌ قَوَّامٌ قَاطِعُ الْأَصْلَابِ وَمُفَرِّقُ الْأَحْزَابِ أَرْبَطُهُمْ عِنَاناً وَأَثْبَتُهُمْ جَنَاناً وَأَمْضَاهُمْ عَزِيمَةً وَأَشَدُّهُمْ شَكِيمَةً أَسَدٌ بَاسِلٌ يَطْحَنُهُمْ فِي الْحُرُوبِ إِذَا ازْدَلَفَتِ الْأَسِنَّةُ وَقَرُبَتِ الْأَعِنَّةُ طَحْنَ الرَّحَى وَيَذْرُوهُمْ فِيهَا ذَرْوَالرِّيحِ الْهَشِيمِ لَيْثُ الْحِجَازِ وَكَبْشُ الْعِرَاقِ مَكِّيٌّ مَدَنِيٌّ خَيْفِيٌّ عَقَبِيٌّ بَدْرِيٌّ أُحُدِيٌّ شَجَرِيٌّ مُهَاجِرِيٌّ مِنَ الْعَرَبِ سَيِّدُهَا وَمِنَ الْوَغَى لَيْثُهَا وَارِثُ الْمَشْعَرَيْنِ وَأَبُو السِّبْطَيْنِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ ذَاكَ جَدِّي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. ثُمَّ قَالَ: أَنَا ابْنُ فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ أَنَا ابْنُ سَيِّدَةِ النِّسَاءِ فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُ أَنَا أَنَا حَتَّى ضَجَّ النَّاسُ بِالْبُكَاءِ وَالنَّحِيبِ وَخَشِيَ يَزِيدُ لَعَنَهُ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ فِتْنَةٌ فَأَمَرَ الْمُؤَذِّنَ فَقَطَعَ عَلَيْهِ الْكَلَامَ. فَلَمَّا قَالَ الْمُؤَذِّنُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ.

قَالَ الإمام (ع): لَا شَيْ‏ءَ أَكْبَرُ مِنَ اللَّهِ.

فَلَمَّا قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ.

قَالَ الإمام (ع): شَهِدَ بِهَا شَعْرِي وَبَشَرِي وَلَحْمِي وَدَمِي.

فَلَمَّا قَالَ الْمُؤَذِّنُ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ.

الْتَفَتَ الإمام (ع) مِنْ فَوْقِ الْمِنْبَرِ إِلَى يَزِيدَ فَقَالَ: مُحَمَّدٌ هَذَا جَدِّي أَمْ جَدُّكَ يَا يَزِيدُ فَإِنْ زَعَمْتَ أَنَّهُ جَدُّكَ فَقَدْ كَذَبْتَ وَكَفَرْتَ وَإِنْ زَعَمْتَ أَنَّهُ جَدِّي فَلِمَ قَتَلْتَ عِتْرَتَهُ﴾.(25)

وتحدثت عقيلة بني هاشم السيدة زينب (ع)فقالت:

﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَآلِهِ أَجْمَعِينَ صَدَقَ اللَّهُ كَذَلِكَ يَقُولُ: ﴿ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا السُّوأَى أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُون﴾. سورة الروم، آية10

أَظَنَنْتَ يَا يَزِيدُ حَيْثُ أَخَذْتَ عَلَيْنَا أَقْطَارَ الْأَرْضِ وَآفَاقَ السَّمَاءِ فَأَصْبَحْنَا نُسَاقُ كَمَا تُسَاقُ الْأُسَارَى أَنَّ بِنَا عَلَى اللَّهِ هَوَاناً وَبِكَ عَلَيْهِ كَرَامَةً وَأَنَّ ذَلِكَ لِعِظَمِ خَطَرِكَ عِنْدَهُ فَشَمَخْتَ بِأَنْفِكَ وَنَظَرْتَ فِي عِطْفِكَ جَذْلَانَ مَسْرُوراً حِينَ رَأَيْتَ الدُّنْيَا لَكَ مُسْتَوْسِقَةً وَالْأُمُورَ مُتَّسِقَةً، وَحِينَ صَفَا لَكَ مُلْكُنَا وَسُلْطَانُنَا، مَهْلًا مَهْلًا، أَنَسِيتَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْماً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾. سورة آل عمران، 178

أَمِنَ الْعَدْلِ يَا ابْنَ الطُّلَقَاءِ تَخْدِيرُكَ حَرَائِرَكَ وَإِمَاءَكَ وَسَوْقُكَ بَنَاتِ رَسُولِ اللَّهِ سَبَايَا قَدْ هَتَكْتَ سُتُورَهُنَّ وَأَبْدَيْتَ وُجُوهَهُنَّ تَحْدُو بِهِنَّ الْأَعْدَاءُ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ وَيَسْتَشْرِفُهُنَّ أَهْلُ الْمَنَاهِلِ وَالْمَنَاقِلِ وَيَتَصَفَّحُ وُجُوهَهُنَّ الْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ وَالدَّنِيُّ وَالشَّرِيفُ لَيْسَ مَعَهُنَّ مِنْ رِجَالِهِنَّ وَلِيٌّ وَلَا مِنْ حُمَاتِهِنَّ حَمِيٌّ وَكَيْفَ يُرْتَجَى مُرَاقَبَةُ مَنْ لَفَظَ فُوهُ أَكْبَادَ الْأَزْكِيَاءِ وَنَبَتَ لَحْمُهُ بِدِمَاءِ الشُّهَدَاءِ وَكَيْفَ يَسْتَبْطِئُ فِي بُغْضِنَا أَهْلَ الْبَيْتِ مَنْ نَظَرَ إِلَيْنَا بِالشَّنَفِ وَالشَّنَآنِ وَالْإِحَنِ وَالْأَضْغَانِ ثُمَّ تَقُولُ غَيْرَ مُتَأَثِّمٍ وَلَا مُسْتَعْظِمٍ‏

وَأَهَلُّوا وَاسْتَهَلُّوا فَرَحاً

ثُمَّ قَالُوا يَا يَزِيدُ لَا تُشَلُّ

مُنْتَحِياً عَلَى ثَنَايَا أَبِي عَبْدِ اللَّهِ سَيِّدِ شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ تَنْكُتُهَا بِمِخْصَرَتِكَ وَكَيْفَ لَا تَقُولُ ذَلِكَ وَقَدْ نَكَأْتَ الْقَرْحَةَ وَاسْتَأْصَلْتَ الشَّافَةَ بِإِرَاقَتِكَ دِمَاءَ ذُرِّيَّةِ مُحَمَّدٍ(ص) وَنُجُومِ الْأَرْضِ مِنْ آلِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَتَهْتِفُ بِأَشْيَاخِكَ، زَعَمْتَ أَنَّكَ تُنَادِيهِمْ فَلَتَرِدَنَّ وَشِيكاً مَوْرِدَهُمْ وَلَتَوَدَّنَّ أَنَّكَ شَلَلْتَ وَبَكِمْتَ وَلَمْ يَكُنْ قُلْتَ مَا قُلْتَ وَفَعَلْتَ مَا فَعَلْتَ اللَّهُمَّ خُذْ بِحَقِّنَا وَانْتَقِمْ مِنْ ظَالِمِنَا وَأَحْلِلْ غَضَبَكَ بِمَنْ سَفَكَ دِمَاءَنَا وَقَتَلَ حُمَاتَنَا فَوَاللَّهِ مَا فَرَيْتَ إِلَّا جِلْدَكَ وَلَا جَزَزْتَ إِلَّا لَحْمَكَ وَلَتَرِدَنَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ بِمَا تَحَمَّلْتَ مِنْ سَفْكِ دِمَاءِ ذُرِّيَّتِهِ وَانْتَهَكْتَ مِنْ حُرْمَتِهِ فِي عِتْرَتِهِ وَلُحْمَتِهِ حَيْثُ يَجْمَعُ اللَّهُ شَمْلَهُمْ وَيَلُمُّ شَعَثَهُمْ وَيَأْخُذُ بِحَقِّهِمْ وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ حَسْبُكَ بِاللَّهِ حَاكِماً وَبِمُحَمَّدٍ خَصِيماً وَبِجَبْرَئِيلَ ظَهِيراً وَسَيَعْلَمُ مَنْ سَوَّى لَكَ وَمَكَّنَكَ مِنْ رِقَابِ الْمُسْلِمِينَ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا وَأَيُّكُمْ شَرٌّ مَكاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً. وَلَئِنْ جَرَّتْ عَلَيَّ الدَّوَاهِي مُخَاطَبَتَكَ إِنِّي لَأَسْتَصْغِرُ قَدْرَكَ وَأَسْتَعْظِمُ تَقْرِيعَكَ وَأَسْتَكْبِرُ تَوْبِيخَكَ لَكِنَّ الْعُيُونَ عَبْرَى وَالصُّدُورَ حَرَّى أَلَا فَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ لِقَتْلِ حِزْبِ اللَّهِ النُّجَبَاءِ بِحِزْبِ الشَّيْطَانِ الطُّلَقَاءِ فَهَذِهِ الْأَيْدِي تَنْطِفُ مِنْ دِمَائِنَا وَالْأَفْوَاهُ تَتَحَلَّبُ مِنْ لُحُومِنَا وَتِلْكَ الْجُثَثُ الطَّوَاهِرُ الزَّوَاكِي تَنْتَابُهَا الْعَوَاسِلُ وَتَعْفُوهَا أُمَّهَاتُ الْفَرَاعِلِ وَلَئِنِ اتَّخَذْتَنَا مَغْنَماً لَتَجِدُنَا وَشِيكاً مَغْرَماً حِينَ لَا تَجِدُ إِلَّا مَا قَدَّمْتَ وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ فَإِلَى اللَّهِ الْمُشْتَكَى وَعَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ فَكِدْ كَيْدَكَ وَاسْعَ سَعْيَكَ وَنَاصِبْ جُهْدَكَ فَوَاللَّهِ لَا تَمْحُو ذِكْرَنَا وَلَا تُمِيتُ وَحْيَنَا وَلَا تُدْرِكُ أَمَدَنَا وَلَا تَرْحَضُ عَنْكَ عَارَهَا وَهَلْ رَأْيُكَ إِلَّا فَنَدٌ وَأَيَّامُكَ إِلَّا عَدَدٌ وَجَمْعُكَ إِلَّا بَدَدٌ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَتَمَ لِأَوَّلِنَا بِالسَّعَادَةِ وَلِآخِرِنَا بِالشَّهَادَةِ وَالرَّحْمَةِ وَنَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُكْمِلَ لَهُمُ الثَّوَابَ وَيُوجِبَ لَهُمُ الْمَزِيدَ وَيُحْسِنَ عَلَيْنَا الْخِلَافَةَ إِنَّهُ رَحِيمٌ وَدُودٌ وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾.(26)

وتستمر المسيرة، شاء من شاء وأبى من أبى.

فمن التحق بها نجا وأنجى، ومن تخاذل عنها هلك وأهلك.

فهل إليها نصير؟ أم عنها نحيد؟

.............................................

(1) وسائل‏الشيعة ج 14 ص 443.

(2) وسائل‏الشيعة ج 14 ص 532.

(3) وسائل‏الشيعة ج 14 ص 578.

(4) وسائل‏الشيعة ج 14 ص 509.

(5) تهذيب‏الأحكام ج 6 ص 52.

(6) بحار الأنوار ج 45 ص 148، 149.

(7) بحار الأنوار -العلامة المجلسي ج 89   ص 334.

(8) مصباح الكفعمي ص 489 .

(9) بحار الأنوار - العلامة المجلسي ج 89   ص 334.

 (10) العوالم، الإمام الحسين (ع) – الشيخ عبد الله البحراني ص 373.

(11) المصدر السابق.

(12) الإرشاد – الشيخ المفيد ج2 ص 114.

(13) لواعج الأشجان- السيد محسن الأمين  ص 208.

(14) ينابيع المودة لذوي القربى - القندوزي ج 3 ص 86.

(15) لواعج الأشجان- السيد محسن الأمين  ص 211.

(16) لواعج الأشجان- السيد محسن الأمين  ص 212.

(17) تاريخ مدينة دمشق-ابن عساكر ج 49 ص 329.

(18) تذكرة الخواص ج 2 ص 148.

(19) مقتل الخوارزمي ج 2 ص 60، 61.

(20) معالم المدرستين - السيد مرتضى العسكري ج 3   ص 157. نقلا عن تاريخ ابن اعثم ج 5 / 242 -243، والرواية أوردها الطبري متفرقة في تفسير الآيات بتفسيره وبعضه بتفسير ابن كثير 4 / 12 ، ومقتل الخوارزمي 2 / 61، و اللهوف ص 7 ، وآمالي الصدوق ص 116.

(21) تذكرة خواص الأمة ص 149.

(22)معالم المدرستين - السيد مرتضى العسكري ج 3   ص 161.

(23) تاريخ مدينة دمشق – ابن عساكر ج 68 ص 95.

(24) مثير الاحزان ص 78 .

(25) بحار الأنوار - العلامة المجلسي ج 54   ص 137، 138.

(26) اللهوف في قتل الطفوف – السيد ابن طاووس الحسني ص 105 -108.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 8/شباط/2010 - 23/صفر/1431

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م

[email protected]