يشهد المسافر لبعض البلاد العربية والإسلامية بقصد السياحة
الترفيهية أو الدينية مواقف متكررة تعلق بذاكرته فيما يتعلق بطرق
استغلال السائح بدءً من سيارة الأجرة التي تقله ومروراً بأسعار
الفندقة والمطاعم التي تصنف الأسعار لفئتين، الأولى للأسعار الخاصة
بأهل البلاد والأخرى للسائحين وليس انتهاءً بالمعاملة الصلفة مع
الزوار كما يصدر من أصحاب الفكر الديني المتشدد الذين يرون كل
ممارسة بدعة وشرك.
وكثيراً ما يتناقل الناس هذه المواقف ليرسموا للآخر تلك الصورة
القاتمة بكل تفاصيلها، الأمر الذي يجعل المسافر يتوخى الحذر لأي من
تلك الانتهازات. وهنا يحتاج المضيفون والمسئولون في البلاد
السياحية الاطلاع على العوامل الجاذبة للزوار وترغيبهم لزيارة
البلد من خلال الاطلاع على ثقافات الشعوب الأخرى في تعاملها مع
السائحين والزوار وتقديم ما يجعلهم يتناقلوه بالإيجاب دوماً
ويعيدون الزيارة مرة أخرى وبالمقابل يتعلم الزائر أيضاً كيف ينبغي
له أن يكون في ذاته ومع غيره الذي يجله ويحترمه ويقدم له كل
الترحاب والتقدير.
إن من النماذج الحية التي ترسم طريقة العلاقة بين الزائر
والمضيف والمتكررة عدة مرات خلال العام الواحد ذلك النموذج المتجدد
في مختلف محافظات العراق الواقعة على الطريق المؤدي إلى مدينة
كربلاء المقدسة حيث ضريح الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب (ع).
نموذج يستحق التوقف عنده للإشادة به وإبرازه من خلال عنصريه
الأساسيين: الزوار والمضيفون. فترى الزائرين يقطعون الطريق طوعاً
ومشياً على الأقدام مع النساء والأطفال أياماً قد تصل العشرين
يوماً إيماناً منهم بمبدأ ووفاء لشخص أعطاهم الحرية والصمود في وجه
الظلم والطغيان، فقاوموا كل العقبات من لهيب الصيف وقروسة الشتاء
محتملين أخطار الطريق من القتل والتفجير والاختطاف الذي تقوم به
القوى الظلامية.
أما العنصر الآخر الذي ينبغي التوقف عنده ملياً فهو تلك الجهات
التي قدمت مشهداً رائعاً يعطي الزائر أفضل كرامة وتقدير وهي
المواكب والمضافات الحسينية الخدمية المنتشرة على الطريق المؤدي
إلى مدينة كربلاء المقدسة بما تقدمه من خدمات فريدة بجهود فردية
منظمة.
فما إن يمر زائر الحسين (ع) على ذلك الطريق من أي محافظة من
المحافظات، مواطن كان أو من بلاد أخرى، مسلماً أو مسيحياً على حد
سواء إلا وتحتضنه أيدي الخادمين بتلك المواكب وتصر عليه للتفضل
وقبول الضيافة والخدمة المقدمة من قبلهم.
فبين من يقدم الإيواء المجاني للمشاة من الزوار للنوم وأخذ
قسطاً من الراحة وبين من يتوسل الزائر بإصرار أن يحل ضيفاً عليه
يأكل من "زاد الحسين" كما يتعارف على تسمية الطعام المقدم في تلك
المخيمات بكافة صنوفه والذي يعد بحق أكبر مائدة طعام في العالم
تتوزع على عشرات الكيلو مترات.
وفئات أخرى من المضيفين والخدام قد أعياهم الفقر والفاقة فقاموا
بشرف خدمة الزائرين المجانية بطريقتهم الخاصة، إذ البعض يجلس على
قارعة الطريق لخرازة أحذية المشاة التالفة نتيجة طول المسافة
المقطوعة مشياً وآخرين يعملون على تطبيب الجروح والتورمات الناتجة
من المشي. فترى الشيخ الكبير يدلك رجل الشاب أو المراهق والعكس،
والابتسامة وعبارات التشجيع والامتنان تخرج من نفوس مطمئنة في مشهد
يصعب حصوله في الأعراف العشائرية والقبلية والتي اشتهر شعب العراق
من بين الشعوب بها والتي تسمى في بعض البلاد بالقبائل. فلولا
الإيمان الحقيقي بمبادئ الإمام الحسين (ع) وخدمة ما يتصل به ويدل
عليه لما كانت هذه المشاهد والألفة بين مختلف الصنوف والأجناس.
إن الدرس الذي ينبغي الاعتبار به وتطبيقه في واقعنا هو ضرورة
بذل كافة الجهود لإعطاء صورة حسنة عن المناطق والبلدان التي يقصدها
الناس للزيارة والتعرف على معالمها، فما أجملها من حالة لو كنت في
مكة المكرمة، المدينة المنورة، سوريا أو إيران وأنت تلقى الترحاب
والتشرف بخدمتك كونك زائر بيت الله أو حرم رسوله أو أحداً من
أولياءه، لا أن يسعى أهل البلاد في المواسم بقصم ظهور الزائرين
وزيادة الثقل المادي عليهم كما يحدث في موسم الحج من المتاجرة
بخدمة الحجاج من خلال رفع قيمة أسعار التنقل بسيارات الأجرة لتقفز
من 15 ريال إلى 100 ريال في أحسن الحالات! أو التعمد في إهانة
الزوار وزجرهم لمجرد صدور مخالفة منهم قد لا تتفق وأعراف أو قوانين
البلد المضيف.
أما الدرس الآخر فهو لنا كمسافرين وسواح، بحيث ينبغي علينا أن
نكيّف أنفسنا في التعاطي مع مختلف الظروف والمواقف، فلشديد الأسف
أن منا من يتحول بركاناً ثائراً ما إن يسافر أو يحج فيجد طعاماً قد
نقص أو غرضاً له قد أُزيح من مكانه، ففي الحالة الفريدة السابقة في
مواسم زيارة الإمام الحسين (ع) تجد الزائر تجرد من كل مادياته
ومناصبه وأصبح إنساناً عادياً يقبل الزهيد وقد كيّف نفسه طوعاً
ليكون خادماً لأولئك الزائرين.
فما أجمل أن ينقل الإعلام العربي والعالمي هذه المظاهر
الإنسانية التي تتوحد فيها مختلف الأديان والطوائف والعرقيات
والجنسيات والأجناس في ظل بلد ينعدم فيه الاستقرار السياسي
والاقتصادي لتكون المعين على إشاعة حالة من القيم الرفيعة واحترام
الآخر وتقديره خاصة في الدول التي تنعم بأوضاع أمنية وسياسية
مستتبة فيكون الصبر وضبط النفس والدفع نحو إشاعة هذه الأعمال
الخيرة العامل المشترك بين الضيف والمضيف. |