هذا السؤال فى أصله موجه إلى عامة المسلمين وخاصتهم، كما انه
موجه إلى كل العالم وفى القلب منهم أحراره..
والسؤال هو: ماذا تعرف عن عاشوراء؟
بالتأكيد لم يكن هذا السؤال من بنات أفكار كاتب هذه السطور،بيد
أنه استجابة للسؤال وجهته أحدى الصحفيات المصريات لي فى المحرم من
هذا العام وكان السؤال كالتالي: هل يحتفل الشيعة المصريون بعاشوراء
وما شكل هذا الاحتفال وأين يتم؟.
هذا السؤال بصيغته الماضية لا يدل بأي حال من الأحوال إلا على
ضعف شديد لدى مؤسساتنا الإعلامية – التي من واجبها أن تكون إحدى
نوافذ المعرفة للناس- بكافة أشكالها، هي لا تعلم أن المسلمين جميعا
لا يحتفلون بعاشوراء حتى الذين يقولون بحرمة الحزن فيه !!
ولكن كيف هذا من المعروف أن العامة – أهل السنة أو مدرسة
الخلفاء – يصومون فى عاشوراء، والصيام عبادة لا تؤدى لله فى أيام
العيد.. ألا ترى أن كل مذاهب أهل الإسلام صح عندهم حرمة صيام يوم
الفطر – عيد الفطر، وأيام التشريق الثلاث و يوم النحر وهم أتام عيد
الأضحى، كما انه حرم صيام يوم الجمعة منفردا لأنه عيد، إذا اتفقت
مذاهب الإسلام بأنه لا توافق بين العيد والصيام، والصيام عكس
البهجة والاكتحال والتزين والتوسع فى الطعام والشراب والشماتة فى
مصابهم، لان مصاب آل البيت ليس بالمصاب المذهبي بل هو مصاب
النبي،ومصاب النبي هو مصاب أمته.
وهذا الفعل – الصيام – ليس من فعل النصب والعداء لآل البيت،
وربما صام العامة وفق للأحاديث التي اشتهرت لديهم، وحتى إن كان
السبب هو نجاة أو مصاب يونس ونوح وإبراهيم وموسى وكل الأنبياء فى
السابق،فهذا لا ينفى مصاب أبى عبد الله الحسين (سلام الله عليه)
ونجاة الأمة لاحقا، وربما أخفى الناس هذا الأمر قديما حتى لا
تستوقفهم السلطات الغاشمة والمستبدة وتحاكمهم باعتبارهم من شيعة آل
البيت، ويكون هذا الإخفاء والتكتم فى السبب نوعا من التكيف
الاجتماعي الناجح الذي هو الذكاء الاجتماعي أو هو نجاح الفرد فى
التكيف مع ظروف الحياة الجديدة، ونحن نعلم مدى المعاناة التي
لاقاها آل البيت وشيعتهم طوال التاريخ.
ونعلم أيضا أن الذين اظهروا الفرح بمصاب آل البيت وخاصة فى
عاشوراء هم الأمويين نكاية فى آل البيت،ومن بعدهم الأيوبيين فى مصر
نكاية فى استئصال الدولة الفاطمية وشعائرها المادي والمعنوي، وما
خلا هذا فلم نعلم أحدا اظهر الفرح والسرور فى هذا اليوم.
أما نحن الامامية فالمشهور عندنا هو عدم الصيام يوم عاشوراء
لأنه يوم استشهاد الإمام أبى عبد الله الحسين (سلام الله عليه
)،بيد أنه هناك روايات كثر صح أكثرها فى صيام هذا اليوم، وليس كل
المشتهر صحيح وليس كل الصحيح مشتهر.
إذا من خلال المدخل هذا أوضحنا أن كل أهل الإسلام يقف معظما
لهذا اليوم، واحد أشكال التعظيم هو الصيام، ألا ترى معي أن شهر
رمضان شهرا معظما وجميعنا نعظمه بالصيام، ونختلف من شخص إلى آخر فى
باقي الطاعات ومقدارها من صلاة ودعاء وتلاوة وذكر... بيد أن الفعل
الجامع فى التعظيم هو الصوم.
وأنت ترى أن البعض يعظمه بالصيام – العامة والزبدية والاباضية،
والآخرين يعظمونه بالانقطاع عن الطعام والشراب حتى الزوال مع
إتيانهم بمراسم العزاء، والجميع يشتركون فى الحزن نعم الحزن،
فالعبادة والصيام والطاعة مقامها مقام حزنا للجوارح وفرحا فى
القلوب، ألا ترى معي أن النبي الأعظم كانت جوارحه تتألم من العبادة
وتعظيم شعائر الله، وكان دائما وأبدا فى حالة صلاته يأمر أصحابه
بان يصلوا صلاة مودع، وكان اغلب العلماء والعباد إذا اقبل على
العبادة يتغير وجهه ويتلون خشية الله، وأنهم يتوجهون فى عباداتهم
برفع الأكف وإبداء الخشوع والتضرع والاضطرار ويبكون سجدا، إذا فان
مقام الصيام مقام تعظيم ومقام التعظيم لا يؤتى إلا بالحزن والخشوع،
والسؤال هل هناك صائم يلعب ويلهو ويفرح أم يتبتل ويخشع ويبكى حتى
يتقبل الله منه عبادته.
وهذا هو الدرس الأول من دروس عاشوراء وهو العبادة والصيام
والتبتل والخشوع والبكاء والحزن.
الدرس الثاني من دروس عاشوراء، أو هو السؤال الاصلى فى هذا
الموضوع:
ماذا تعرف عن عاشوراء؟
إن عاشوراء كان يوم مصيبة لأهل الدنيا ومصيبة للشكل المذبحة
والمجزرة الدموية التي تعرض لها الحسين وأبنائه وأصحابه، بيد أنها
كانت لهم فرحا لان الشهيد أو الشهداء الذين قضوا حياتهم من اجل
نصرة الحق أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من قدر
ورفعة ومنزلة، لكن ما هو السبب الذي دفع بالإمام الحسين أن يقوم
بثورته أو نهضته؟
هل خرج الإمام الحسين خروج من أحب الدنيا وطلب الملك والسلطان
والدنيا؟
أم خرج الإمام الحسين فى شيء آخر؟
شكلا – اى بالنظر إلى قلت العدد واصطحاب النساء والأطفال – لم
يخرج الإمام طالبا الدنيا ولا الملك ولا السلطان والا لما خرج بهذا
الشكل، إذا لماذا خرج الإمام الحسين وما هو هذا الشيء الآخر؟
من المعلوم يقينا أن المسلمين جميعا واغلب المعمورة – على
اعتبار أن الدولة الإسلامية التي سيطر عليها الأمويين كانت دولة
إمبراطورية تسيطر على مساحة كبيرة من المعمورة – كانت واقعة تحت
سلطان سلطة غاشمة مستبدة تحتقر الإنسان وتحتكره لصالح نزواتها
وشهواتها وسلطانها، فضل المسلمين شعائرهم وخافوا على أنفسهم
وأهليهم وكره الناس – غير المسلمين – هذا الشكل من السلطة وما
ورائها – إسلام بنى أمية – وأصبح الجميع فى حالة انتظار لقادم يحرر
الإنسان من قيد القهر والاستعباد، حتى وان بذل نفسه وأهله من اجل
أن تتحرر العباد والبلاد، وإذا كان الناس تخشى السلطة وتحاول أن
تتكيف معها على اى وجه على أن لا يقع فى الهلاك، فإن مقام التضحية
هنا هو مقام الأبطال والمصلحين والأئمة الذين جعلهم الله أئمة
لأنهم يهدون بأمره...
إذا كانت اللحظة الزمنية ترشح خروج الإمام الحسين إلى ساحة
التغيير والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، حتى يقتل العزيز الغالي
الشريف سيد شباب أهل الجنة، فيحصل للناس ما يسمى بعقدة الذنب،
لماذا لأنهم ضيعوا من بين أيديهم رجلا بهذه المواصفات المثالية
إضافة إلى انه ابن النبي الذي أمرهم القرآن أن يبروه ويطيعوه
ويوقروه، بيد أنهم تركوه وحيدا شريدا غريبا عطشانا مذبوحا ولم
ينصروه.
هذه الحالة سوف تتلبس الأحرار والأخيار وكل من فى صدره قلب، ومع
الوقت يجتمع حول المصيبة المصابين، ويجتمع حول القهر المقهورين،
ويجتمع حول الظلم المظلومين، فتكون هذه القلوب المحترقة والأنفس
المتعطشة نار تحرق الأرض تحت أقدام الظالمين....
هل عرفت الآن ماذا تعنى عاشوراء للمسلمين، إنها نقطة النار التي
تحرق الظلم والطغيان والاستبداد، ونقطة النور التي تفتح آفاقا
جديدة للوحدة، تفتح الباب للفجر الجديد، وتنير طريق الناس نحو غد
مشرق.
إذا ماذا تعنى عاشوراء إنسانيا؟
إذا ما صح عند كل أهل الإسلام حديث رسولنا – صلى الله عليه وآله
وسلم – بلغوا عنى ولو آية، فهل علمت ما هي الآية هنا، الآية هنا أن
رسولنا علمنا أن نكون أحرارا لا نقبل ظلم ولا الطغيان ولا
الاستبداد، وكان اكبر دليل على هذا انه علم أبنائه وأحفاده وذريته
هذا المبدأ والقانون فكانوا جميعا شهداء على طريق الحرية، فإذا كان
جيفارا هو رمزا لمقاومة الإمبريالية والرأسمالية والاستكبار الغربي
والامريكى الجديد، فان الحسين آية فى التحرر من الظلم والظالمين
حتى وان كان هذا الظالم ينتسب زورا وبهتانا إلى نفس الدين ونفس
الكتاب، ثار الإمام الحسين من اجل إحياء الدين الذي يؤمن بالحرية
الإنسانية وبالعدل الالهى، لقد ثار أبو عبد الله وقضى نحبه شهيدا
راضيا من اجل فجر الحرية الذي يتجدد كلما طلعت الشمس
فهل يا ترى هل يستحق عاشوراء أن يعظم؟
* مدير مركز النور للدراسات الإنمائية –
القاهرة |