شبكة النبأ: لا تزال تفصلنا أيام
عديدة عن الذكرى المتجددة لزيارة أربعينية الامام الحسين (ع) ومع
ذلك تراصفت سرادقات المواكب الى جانب بعضها في عموم طرق وشوراع
وساحات مدينة كربلاء المقدسة معلنة عن ترحيبها الكبير بالزائرين
الكرام القادمين مشيا على الاقدام من جميع مدن وقصبات العراق
لاحياء هذه الذكرى العظيمة في فعالية جماعية يذوب فيها الخاص في
العام وتتوحد فيها الضمائر والاعمال ليبدو العراق من اقصاه الى
اقصاه خلية واحدة كبيرة تشعّ بالحماس والحركة والايمان المتوهج في
قلوب الجميع.
وفي نظرة متأنية لهذا الطقس السنوي المتجدد، نحاول أن نستجلي
معانيه بتؤدة ونأخذ منه ما يؤسس لمستقبلنا وحدة إيمانية إنسانية لا
يطولها الانفصام ولا يدنو منها التقاطع او الخصام وذلك ببركة سيد
الشهداء (ع) وتمجيدا لإيثاره العظيم وهو يقدم نفسه وذويه وصحبه
الطاهرين قرابين لرفعة الانسان ومجد الاسلام وأهله.
لقد بدأت طلائع الزوار تدخل مدينتنا المقدسة منذ ايام فتجد كل
ما تحتاجه في حلها وترحالها، في نومها وقيامها، وفي أكلها وما
يعوزها من جوانب أخرى وكل هذا يُقدَم للزائرين الكرام عن طيب خاطر
ومحبة واحترام، كونهم أصحاب المبادرة في المشاركة والترسيخ لمبادئ
سيد الشهداء (ع) لهذا كلما كانت هذه الجهود المشتركة حاضرة في
كربلاء الحسين كلما اعطى ذلك مؤشرا واضحا على وحدة هذا الشعب وأمة
المسلمين تحت راية آل البيت عليهم السلام وقيمهم ومبادئهم السمحاء.
وهذا ما يتطلب منا جميعا أن نستثمر هذه المناسبة الخالدة وما
تنطوي عليه من فعاليات مجسدة على ارض الواقع لكي نؤسس من حاضرها
مرتكزات المستقبل القائم على معانيها الانسانية الخالصة، بمعنى
أننا حين ننظر الى جموع الملايين القادمة الى كربلاء المقدسة ينبغي
ان لا نؤطر ذلك بالنظرة الواقعية الصماء، وانما يجب استجلاء ما
يُخفى منها من دلالات ومعان كبيرة، يمكننا فيما لو استثمرناها
بالطرق المناسبة أن نبني مستقبلا باهرا قائما على وحدة الهدف
والايمان والضمير والرؤية التي توحد المسلمين أبدا.
ولعل الوصول الى مثل هذه الاهداف الكبيرة يتطلب تعاضدا شعبيا
وحكوميا متواصلا لكي يحقق المسلمون رفعتهم بين الامم الاخرى، ولا
نخطئ حين نقول ان مثل هذه المناسبات لا نجدها لدى غيرنا من الامم
او انها قليلة وذات طابع مختلف، ولذلك تعدّ مثل هذه المناسبات ميزة
مهمة وسمة من سمات وحدة الامة الاسلامية في آن واحد، ولهذا ينبغي
إستثمارها بالطرق المناسبة التي يمكن أن تحقق أهدافنا في السلام
والتعايش والتطلع الى حياة متوازنة يسود فيها الحق على الباطل
والمساواة على الغبن والأمل على اليأس والرفعة على الخنوع
والاذلال.
وهنا سيُطرح التساؤل التالي، تُرى هل يمكننا أن نستمد من حاضر
هذه المناسبة العظيمة رؤى تفعيلية واضحة تسدد خطانا نحو حياة أكثر
عدلا واستقرارا وأمنا ؟، لا سيما أننا نعيش في ظل حالات غمط غير
مسبوق للحقوق وتداخل خطير للمصالح والاهداف والاجندات المختلفة،
مما قد يشيع نوعا من اليأس او القنوط في نفوس المسلمين عامة وفي
العراق خاصة، ولعل الخطوة الاولى التي يمكن ان نستثمرها من زيارة
الاربعين في هذا المجال، هي تطوير حالة التماسك والتكاتف بين عموم
الناس، بمعنى أقرب، إن الناس الذين يسهمون بالملايين في إحياء هذه
الزيارة الخالدة إنما يتمتعون بروح التوحد والمشاركة والقبول ببعض
وإبعاد التقاطع بين مختلف الجهات التي كانت ولا تزال على استعداد
للتوحد والتكاتف في مثل هذه المناسبات، ولهذا يمكن استثمار زيارة
الاربعين في تدعيم الوحدة بين الناس عموما وتقليص هامش الخلافات
الى اقصى حد.
أما الخطوة الأخرى فهي تنمية حالة التكافل بين الجميع، فهؤلاء
الزوار الكرام الذين تجمعهم محبة الامام الحسين (ع) لا شك في انهم
على استعداد دائم للتضحية والايثار بكل شيء من أجل الآخرين، وهذا
وحده كفيل بتقليص حالة الفقر مثلا او العوز او الضعف او الجهل
العلمي وما شابة، فالكل مع الكل والكل يمكنه أن يرفع شعار (لا فقر
ولا جهل ولا ضعف بعد اليوم ) تحت راية أبي عبد الله الحسين (ع)
الذي ضحى بالغالي والنفيس من اجل هذه الاهداف العظيمة.
بيد أن هذا الهدف الكبير بحاجة الى سعي وعمل وتواصل وتضافر جهود
وتفعيل لكل الحالات الانسانية التي من شأنها تبئير الجهود واطلاقها
من بؤرة واحدة نحو تحقيق الاهداف المبتغاة.
وهنا نعود فنقول، إن مناسبة زيارة أربعين الامام الحسين (ع) وما
تنطوي عليه من علامات وإشارات واضحة على إمكانية التعاون والتكافل
والايثار ووحدة الهدف، دليل على استعداد المسلمين لتحقيق اهدافهم
هذه، ولكن يبقى الامر متعلقا بالاجراءات العملية التي تقع على كاهل
الجميع من ساسة ورجال دين ووجهاء ومثقفين وعموم الناس، لكي تتحول
فحوى هذه الزيارة الخالدة الى عامل دفع باتجاه تحقيق الأهداف
المرجوة. |