ذكرى عاشوراء وتجدد القيم الانسانية العظيمة

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

شبكة النبأ: في كل عام جديد نعيش فيه ذكرى عاشوراء، فتتجدد القيم الانسانية النبيلة وتسمو بنا روحيا بما ينعكس على الفكر والسلوك الذي يؤدي بالنتيجة الى مخافة الله تعالى وهي رأس الحكمة التي تجعل من الانسان في حالة انتباه دائم بعدم التجاوز على حدود الله تعالى، ممثلة بعدم التجاوز على حقوق الآخرين وهو مطلب يقع على رأس قائمة متطلبات الايمان الحقيقي والإلتزام بقيم عاشوراء التي رسّخها فينا الامام الحسين (عليه السلام) مقابل التضحية بروحه الطاهرة وأهله وذويه وصحبه عليهم السلام أجمعين.

نعم كل المسلمين بل كل شرفاء العالم يتفقون على أن الامام الحسين (عليه السلام) يتصدر الاحرار في أي زمان ومكان وأن مبادئه وما دعا إليه من قيم خالدة جاءت لخير الانسان وإصلاحه ممثلة بمقارعة الانحراف والتسلط والهيمنة الفردية على جموع البسطاء من الناس واستلاب حرياتهم وآرائهم وأموالهم لصالح الفرد الحاكم وحاشيته ومصالحه التي لا تعدو كونها مصالح دنيوية آنية زائلة.

وقد جاء في إحدى المحاضرات القيمة لسماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي بهذا الصدد:

(مرة أخرى يطلّ علينا شهر محرّم الحرام وذكرى عاشوراء حيث تمّ إحياء هذه المناسبة منذ استشهاد سيد الشهداء الإمام الحسين سلام الله عليه إلى يومنا هذا ألفاً وعدّة مئات من المرّات، وفي كل مرّة ينهل فيها محبّو الإمام قيماً ومفاهيم جديدة من مدرسة عاشوراء الخالدة، وهو ما أبقى على قبس هذه الملحمة العظيمة مضيئاً يخطف الأبصار عبر العصور، وجعل الأغيار يطأطئون رؤوسهم إجلالاً لعظمة صاحب الذكرى، والمؤمنين يتزوّدون من هذه المدرسة الغنية لدنياهم وأخراهم) .

إن هذه الذكرى الانسانية المضمخة بدماء الحسين (عليه السلام) وذويه وصحبه الأكرمين، إنما حفرت أحداثها وحيثياتها وقيمها في أنصع صفحات التأريخ، حيث الامتداد المتنامي لهذه المدرسة الحسينية التي وجد فيها الانسان ضالته في تقويم الحياة ومشاربها ومساراتها الشائكة والمتداخلة، وقد قدم المؤمنون أنفس وأغلى ما يملكون من أجل هذه المدرية ومن أجل أن تتنامى في نهجها التنويري الذي يهدفي في اول ما يهدف إليه، زيادة وعي الناس بحقوقهم وشحذ هممهم على مقارعة الأنهاج الخاطئة من الساسة المتجبرين او غيرهم، ولعلنا لا نأتي بجديد حين نقول، إن رسوخ هذه الذكرى العظيمة جاء على خلفية مساع وتضحيات جسام من لدن المؤمنين، حيث يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذه المحاضرة:

(لا ننسى بأنّ ذكرى عاشوراء مرّت بمسيرة طويلة من التحوّلات، وأنّ التضحيات التي قدّمها الأسلاف والوالهون بسيّد الشهداء سلام الله عليه هي التي أوصلت إلينا هذه المدرسة العاشورائية المناهضة للظلم العريقة بأهدافها المقدسة).

ولا يمكننا أن ندّعي انتماءنا لهذه المدرسة ما لم نرخص الغالي والنفيس في سبيل تحقيق أهدافها العالية، وأن نسلّم هذه الأمانة الحسينية، السماوية، إلى الأجيال اللاحقة مصونة لا تشوبها شائبة، وفي الوقت نفسه فاعلة ومحفوظة من أي زيغ أو حرف، طبعاً إذا خلصت النوايا، وذابت المصالح الشخصية، ليحلّ محلّها تحقيق مرضاة الله عزّ وجلّ) .

وهكذا يبدو لنا الهدف جليا وواضحا، فعاشوراء كذكرى متجددة إنما تهدف الى تجديد القيم العظيمة وترسيخها في النفوس تحقيقا للهدف الأسمى الذي يتمثل بالوصول الى مرضاة الله تعالى وهي غاية الغايات لكل بني البشر، أو ينبغي أن تكون كذلك، وبهذا تتمظهر الغاية بالفائدة العامة لعموم البشر، بمعنى أن ما تهدف إليه المدرسة العاشورائية هو نشر ثقافة القيم الانسانية العظيمة التي ينبغي أن تسود على كل القيم الاخرى كونها تهدف في اول ما تهدف إليه الى تحصين الانسان من الزلل وإسعاده في الدنيا بما يقترن بمرضاة الله جلّ وعلا،.

من هنا تبدو الاهداف واضحة، ولهذا ينبغي السعي في هذا الاتجاه عبر مسالك متعددة تعمل على ترسيخ عاشوراء (ذكرى ومبادئ وقيما خالدة) ويؤكد سماحة المرجع الشيرازي على هذا الجانب فيقول في محاضرته القيمة نفسها:

(أولى مهام محبّي أهل البيت سلام الله عليهم إعلاء شأن عاشوراء وثقافة عاشوراء، وبرامج عاشوراء، ومجالس عاشوراء، ومواكب عاشوراء وإحياء كل ما يتعلّق بها ويخلِّد ذكراها، ولا يخفى أنّها مسألة محفوفة بالمشاقّ والصعاب، لكنّها مشاقّ عاقبتها الثواب الجزيل والأجر الجميل).

وبطبيعة الحال كل الاهداف الانسانية العظيمة تحتاج الى همم وارادات قوية توازي عظمة الاهداف المراد تحقيقها، وفي هذا المجال تحديدا ينبغي أن تتوهج إرادات ومساعي المؤمنين الخيرين الذين يعملون بصفاء النوايا وقوة الارادات المؤمنة على خدمة الانسان من خلال خدمتهم لمبادئ الامام الحسين (عليه السلام) في ذكرى عاشوراء التي ما لبثت تتجدد مع تجدد الزمن.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 16/كانون الثاني/2009 - 30/محرم/1431