الصفحة الرئيسية

مجلة النبأ

ملف عاشوراء

 
عاشوراء الحسين 1431هـ
عاشوراء الحسين 1430هـ
 عاشوراء الحسين 1429هـ

  عاشوراء الحسين 1428هـ

  عاشوراء الحسين 1427هـ

  عاشوراء الحسين 1426هـ

  من نبض عاشوراء 1425هـ

  من نبض عاشوراء 1424هـ

  عاشوراء في ذاكرة النبأ

 صور عاشوراء

اتصل بنا

 

 

ثورة الإمام الحسين  ثورة الأحرار والمستضعفين

حسين أحمد آل درويش

أن التصدي للطغاة والمستكبرين والظالمين تعتبر في الحقيقة أكبر تحدي وأخطرها..  وخاصة عند المواجهة والمبارزة والتي قد تنتهي في نهاية الطريق بالموت المحتم إلا أن القرآن الكريم يستهين بالموت في سبيل الحرية , ويدعو الإنسان إلى نبذ الخوف إلا من الله ويقول:{ الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا... }.

ولكي لا يتهيب الناس قدرات الطغاة والمستكبرين والظالمين , فيتكاسل عن مقاومتهم واستعادة حريته منهم , يستهين القرآن الكريم ويهزئ بهم ويضرب عنهم مثلا حين يقول: { مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون }.

أرأيت كيف ينهار بيت العنكبوت، كذلك ينهار كيان الطغاة والمستكبرين والظالمين , إن كيدهم كان ضعيفا , وإن الإنسان الذي يدافع عن حقه في الحرية أقوى منهم وامتن كيدا... كالإمام الحسين (ع) – يعتبر بحق نموذجا واضحا ورمزا حقيقيا – حيث رفض الذل والخنوع وفضّل الموت والشهادة بدلا من أن يعيش حياة الذل والهوان والعار... حيث يقول في كلمته الشهيرة:

 " ألا وإنّ الدّعـي بـن الدّعي (يعني ابـن زيـاد) قـدْ ركـز بــين اثــنتــين، بـين السـّلة والذّلة، وهـيهات مـنّا الذّلــة يـأبـى اللّه لنـا ذلك ورسـوله والمـؤمنون، وحـجـور طـابت وطهرت وأنوف حـمية، ونفوس أبـية من أن نؤثـر طـاعـة اللئام على مصـارع الكرام ألا وإنـي زاحـف بــهـذه الأسرة عـلى قـلة العدد وخـذلان الناصـر ".

هكذا هيأ الله الإمام الحسين (ع) للقيام بواجباته ومسؤولياته الكاملة , للمحافظة على حريته وهكذا يجعل الحرية ميزة الإنسان الحر , وهكذا بالتالي تتوفر للإنسان فرصة القيام بمسؤوليته اعتمادا على نعمة الحرية وهي تعتبر أهم نعمة وهبها الله للإنسان الحر..

فثورة الإمام الحسين (ع) المباركة وقضيته الإنسانية اتصفت وتميزت - من البداية وحتى النهاية -  بالإخلاص والتفاني والإيثار والتضحية والفداء... ولهذا كانت وما زالت باقية وخالدة إلى يومنا هذا متأججة وستبقى هكذا طوال السنين , تتناقلها القلوب والألسن ويجدد ذكراها الناس في كل عام بلا أن يملوا أو يتراجعوا عن ذلك أبدا أو يفترقوا عنها , لأنها تمثل في مضمونها وجوهرها البعد الإنساني والأخلاقي في الدفاع عن المبادئ والقيم (كالحرية والعدالة والكرامة والعزة والمساواة وغيرها... ) وكل هذه المبادئ والقيم السامية  يطلبها ويريدها كل شعب لكي يحيا ويعيش بحرية وكرامة معا , ولأنها كانت لله وفي سبيل الله , والشيء الذي يبذل في سبيل الله يحييه الله تبارك وتعالى وينميه , فإن ما كان لله ينمو وما كان للدنيا يخبو وينتهي.

يقول سماحة آية الله العظمى المحقق السيد صادق الشيرازي في إحدى محاضرته الأخلاقية: " إن تعاليم الإمام الحسين (ع) ومبادئه كانت منارا ووجوده مخلدا بين الناس , ففي كل بيت وفي كل بقعة من بقاع الأرض , يذكر ويقام له المآتم ويذكر اسمه , أما يزيد فقد مات واندثر ولم يبق له غير اللعنة , ولا أثر له يذكر فقد قتل الإمام الحسين (ع) باستشهاده كل بني أمية وكل الظالمين , ليمهد الطريق أمام الناس بالقيام بوجه الظالم , واتخاذ علما ومصباحا منيرا يهدي الثائرين إلى أهدافهم , فعلينا أن نهتدي بسيرته ونتخذ الإصلاح في المجتمع دربا يزينه اسم الإمام الحسين (ع) , فإنه لم يخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما , إنما خرج لطلب الإصلاح في أمة جده (ص) , وعلينا أيضا أن نعظم الشعائر الحسينية بكل قوة وفي كل مكان لتحيا بها الأرض كما تحيا بها السماء ".

حقاً وصدقا.. إن من يبلغ رسالات ربه عليه أن يخشى الله في ذلك , ولا يخاف في الله  لومة  لائم , كائنا من كان اللائم. فقد جاء عن الصادق (ع) أن بني أمية يسمحون لك أن تؤمن ولكن لا يسمحون لك أن تتحدث عمن يخالف أوامر الله أي بعبارة أوضح لا يمكنك أن تحاسبهم لفسادهم الأخلاقي والإداري والمالي وأن لا تعارضهم بالتي هي أحسن وبالتي هي أقوم أمام الملأ وأن توقفهم عند حدهم حتى لا يتمردوا ولا يزيدوا في الفساد وهذا هو ديدنهم ونرى في كل زمان وفي كل عصر من يمثل أفعال بني أمية أو أعظم من ذلك.

لقد عرف التاريخ طغاة وعرف ظلمة وفجرة ومجرمين , يسفكون دماء الناس الأبرياء والمساكين والضعفاء في الأرض , إلا أنهم لم يتمكنوا من الدخول إلى قلوب الناس أبدا , أما إذا حاولوا إكراه الروح الإنسانية للخضوع بقوة الترهيب والتعسف والاستبداد أو بالترغيب بالمال والمناصب والكراسي فهذا لن يفيد لهم شيئا ولن يفلحوا أبدا والتاريخ يشهد ذلك.

 وعلى سبيل المثال:   أولئك الذين أفتوا بقتل الإمام الحسين (ع) ومنهم ( شريح القاضي ) الذي أفتى بقتله وسفك دمه الطاهر... وهو القائل: ( الحسين خرج عن حده فليقتل بسيف جده ). وما أكثر هؤلاء العلماء ووعاظ السلاطين الذين يبيعون ضمائرهم ومبادئهم على دراهم ودنانير معدودات ومناصب وبيوت فاخرة وينسون أنفسهم بأن لهم يوما ما.... سوف يحاسبون على كل عمل يعملونه ويفعلونه في هذه الدنيا الفانية والزائلة إلى زوال.

إن الحكام الظلمة والخونة يسمحون للناس بأن يمارسوا العبادة كالصلاة والصوم والحج ولكنهم لا يسمحون لهم بالدخول في السياسة والمكاشفة الحقيقية والعلنية ولا أن يعارضوا أو أن يحاسبوا أمام الناس , وأيضا يحاولون في تزوير الحقائق ويقلبونها رأسا على عقب , فينظرون إلى الحسين (ع) بأنه خارج عن السلطة الشرعية ويرددها أصحابهم المثقفة والواعية في نظر عامة الناس ( أصحاب الأقلام المأجورة ) ويزيد بن معاوية هو الحاكم الشرعي وابن الإسلام البار. وقد سعى بعض المؤرخين إلى تبرئة يزيد الفاجر من كل جريمة ارتكبها , واضعين العلل والأسباب والتفسيرات الواهية لأعماله. وكما تفعل بعض حكومات اليوم عندما تحاول إلصاق الجرائم بالموظفين الصغار, سعى هؤلاء إلى إلصاق الجرائم التي ارتكبها يزيد ببعض الولاة والموظفين الذين عملوا معه أيام حكمه المليء بالظلم والجور والفساد والاستبداد.

 وهناك أربع جرائم عظمى حاول الموالون ليزيد إبعادها عنه , وهي جريمة شرب الخمر , جريمة قتل الإمام الحسين (ع) جريمة استباحة المدينة المنورة , جريمة هتك حرمة بيت الله الحرام.

ولقد رأيت موقفا غريبا وعجيبا من أحد الأساتذة الجامعيين (أعضاء التدريس في كلية التربية) عندما كنت طالبا في الجامعة حيث قال: نفس الحديث وهو أن الحسين (ع) قد أخطأ في الخروج على يزيد ومما سبب في إشعال وزرع الفتنة والفرقة بين المسلمين , وكثيرا ما نسمعه عند بعض الأكاديميين ورجال الدين والمتعلمين بحجة إن الحسين (ع) زرع الفتنة وأراد شق صف المسلمين والوحدة الإسلامية.

ومهما حاول الأعداء في تشويه صورة الإمام الحسين (ع) وتشكيك في ثورته المباركة وأهدافها الإنسانية وعدم إعطاء مكانتها الحقيقية فإن مخطط الأعداء في نهاية الأمر ينتهي بالفشل كزبد يذهب جفاء وأما ما ينفع الناس يبقى ولا يزول إلى يوم القيامة.. فالحسين (ع) يبقى وسيبقى حسينا ( نور الحق في وجه الباطل, والعلم في وجه الجهل , والحرية في وجه الاستبداد والظلم والجور... ) ويبقى ذلك يزيد وأمثاله في صورة الجميع الظالم والفاسد والفاسق والجائر والخارج عن حدود الله عز وجل.

فالإمام الحسين (ع) على كل حال.. كان ينطلق من منطق الواجب لا من منطق الممكن والمستحيل , وبهدف أداء المسؤولية وليس بهدف اكتساب المصلحة والمنفعة , والذي كان همه الأول والأخير في الحقيقة هي أداء ما عليه من واجبات. وتلك هي مسألة خطيرة تحدد مصير الإنسان في الحياة بل مصير أمة بأكملها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 31/كانون الاول/2009 - 14/محرم/1431

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م

[email protected]