شبكة النبأ: لقد أعطى الإمام
الحسين (عليه السلام) لله تعالى كل شيء وبلا حدود وقدم التضحيات
التي لم يشهد التاريخ ولن يشهد مثيلا لها، فكان عطاؤه بلا حدود
وبلا نهاية، فكان علينا أن يكون عطاءنا للإمام الحسين (عليه
السلام) ومشاركاتنا ومواساتنا بلا حدود، حتى نكون بمستوى الحب
والولاء للعظمة الحسينية.
يرى الفقيه المقدس آية الله السيد محمد رضا الحسيني
الشيرازي(أعلى الله درجاته) في الكتاب الصادر اخيرا (الامام الحسين
عظمة الهية وعطاء بلا حدود) الذي جمع في دفتيه مجموعة من محاضراته
القيمة، إن العظمة التي نجدها في الإمام الحسين (صلوات الله عليه)
لا نجدها في أي شخصٍ آخر على مر التاريخ ــ علماً أن رسول الله
(صلى الله عليه وآله) والإمام علي وفاطمة الزهراء (صلوات الله
عليهم) أعظم من الإمام الحسين (صلوات الله عليه) ــ وهذا التعظيم
ليس خاصاً بنا نحن الشيعة، بل إن كافة المسلمين ومن غير المؤمنين
يعظمون الإمام الحسين (عليه السلام) أيضاً.
ويرى الفقيه المقدس الشيرازي ان سبب العظمة هو الارتباط بالله
سبحانه تعالى حيث نقرأ في زيارة الأربعين: (فبذل مهجته فيك...)،
فهذه العظمة هي عظمة إلهية لذا تكون باقية. لذلك علينا السعي ما
أمكننا للارتباط بالله سبحانه وتعالى حتى نضمن البقاء، فبالقدر
الذي نربط أموالنا بالله نكون باقين، كما أنَّ الذين ربطوا أنفسهم
بالإمام الحسين (صلوات الله عليه) من خلال بناء الحسينيات فإن
ذكراهم تبقى بعد موتهم، فالإنسان يموت وتذهب أمواله، لكن المسجد
والحسينية تبقى له في هذه الدنيا، وتبقى أيضاً عند الله سبحانه
وتعالى وهو الأهم.
ويضيف الفقيه الشيرازي: لذلك نلاحظ بقاء قبر سيد الشهداء الإمام
الحسين (صلوات الله عليه) فبالرغم من أنه كان في ظل عدو التشيّع
وعدو سيد الشهداء (عليه السلام) وعدو الدين وعدو الله سبحانه
وتعالى وحتى عدو الإنسانية، من دون أن يتمكن من فعل شيء، فإنَّه
بقي مكاناً يؤمُّهُ الزائرون من مُختَلف البلاد، والسبب هو أن
المسألة خارجة من يد العدوِّ، فإرادة الله أقوى من أيّة إرادة
اُخرى.
تميّز شخصية سيد الشهداء وتضحياته
لقد شهد التاريخ تضحيات كثيرة، كما شهد العهد الراهن تضحيات
كثيرة أيضاً، لكن لماذا هذا التميّز الذي تختص به هذه القضية؟
يرى الفقيه الشيرازي قدس سره إن النظر إلى التضحية تارةً يكون
نظراً تجزيئياً، يقيّم التضحية من خلال ذاتها، وهو تقييم ناقص
وربما يكون تقييماً خاطئاً، أما التقييم الصحيح فهو التقييم
الشمولي الذي ينظر إلى التضحية من خلال جميع أبعادها، فثمة عوامل
متعددة ومؤثرة في تقييم التضحية بشكل صحيح، منها:
شخصية المضحي التي تُعدّ عاملاً مهماً، بل إن العامل الإنساني
مهم في كل عمل يقوم به عامل، فشخصية العامل تؤثر في قيمة العمل عند
الله سبحانه وتعالى، إذن فشخصية العامل مؤثرةٌ في قيمة العمل، فقد
روي عن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) انه قال: (حسينٌ مني
وأنا من حسين)، وهذه الكلمات تُعَرِّفُ لنا جانباً من شخصية الإمام
الحسين (عليه السلام).
ومنها هدف التضحية حيث إن الإمام الحسين (صلوات الله وسلامه
عليه) لم يكن هدفه الدنيا، وكان هدفه هو الله سبحانه وتعالى،من هنا
جاءت هذه الأبيات على لسان الإمام الحسين (صلوات الله عليه):
تركتُ الخلق طرّاً في هواك وأيتمتُ العيال لكي
أراكـا
فلو قطّعتني في الحب إرباً لما حنّ الفؤاد
إلى سواكــــا
ومنها طبيعة التضحية فقد يكون الهدف هو الآخرة والله سبحانه
وتعالى، ولكن هذا لا يكفي، إذ ربما تكون التضحية لله، ولكنها لا
تكون في خط الله، فلا تخدعنّكم الشعارات، ولا يخدعنّكم البريق، إذ
ربما يكون القائم بالتضحية والعمل يعيش حالة جهل مركب، أي إنه يظن
أنه يعمل لله مثل الخوارج.
ومنها حجم التضحية فقد ضحّى سيد الشهداء (عليه السلام) بلا حد،
ولم تكن لتضحيته حدود، فقد اختار التضحية التي لا مثيل لها في
التاريخ.
ومنها نتائج التضحية اذ ان كُلَّ صلاة يصليها كُلُّ مسلم فوق
الكرة الأرضية فهو مدين فيها لتضحيات الإمام الحسين (صلوات الله
عليه) فبعد أن وجد بنو أمية أنهم غير قادرين على الانتصار في الحرب
ضد بني هاشم، دخلوا إلى الدين الإسلامي ليحطّموه من داخله، وعندما
سمع معاوية المؤذن يقول: أشهد أن محمداً رسول الله قال: (لا والله
إلاّ دفناً دفناً...)، أما يزيد فقد قال: لعبت هاشم بالملك
فلا خبرٌ جاء ولا وحيٌ نزل
فقد أنقذ الإمام الحسين (صلوات الله عليه) الإسلام بدمائه من
براثن بني أمية.
الخصائص الاستثنائية
يرى الفقيه الشيرازي (اعلى الله درجاته) ان إحدى الاستثناءات
الكبرى من السنن الإلهية الثابتة هي قضية سيد الشهداء (صلوات الله
وسلامه عليه)، ولعل هذا الاستثناء الإلهي نابعٌ من أن العمل الذي
قام به سيد الشهداء (عليه السلام) كان عملاً استثنائياً، فنحن لا
نجد في التاريخ مثيلاً لهذا العمل ولن نجد في التاريخ مثيلاً لهذا
العمل.
إن النبي إبراهيم (عليه وعلى نبينا وآله الصلاة والسلام) يمثل
قمةً في التضحية، وأن الله تعالى أعطاه مقام الإمامة على أثر
ابتلائه بتلك الكلمات، أي امتَحَنه في نفسه وامتَحَنه في ولده
وامتحنه في أهله، ولكن أين الامتحان الذي قدمّه نبي الله إبراهيم
(عليه السلام) من الامتحان الذي قدمه سيد الشهداء (عليه السلام)؟،
هل يمكن أن نقارن الامتحان الذي ابتلى الله به نبيّه إبراهيم (عليه
السلام) في أهله مع الامتحان الذي ابتلى الله به الحسين (عليه
السلام) في أهله؟ فالإمام السجاد (صلوات الله عليه) كان يقول:
كلما نظرت إلى عماتي وأخواتي خنقتني العبرة وتذكرتُ فرارهنّ من
خيمة إلى خيمة فأين ذلك الامتحان وهذا الامتحان؟
ويضيف الفقيه الشيرازي ان عمل الإمام الحسين (صلوات الله عليه)
كان عملاً استثنائياً في جميع أبعاده، فقد ذهب الإمام الحسين
(صلوات الله عليه) إلى النهاية في هذا الامتحان، أما نبي الله
إبراهيم (عليه السلام) فقد كان لامتحانه حد، إلى اللحظة التي يأخذ
فيها السكين ويحاول أن يذبح ولده، لماذا لم يأمره الله سبحانه
بأكثر ؟ لماذا يقف هذا الامتحان إلى هذا الحد؟
ولهذه التضحيات الكبرى وهذا العمل الاستثنائي، فإن الله سبحانه
وتعالى عوّضه بتعويضٍ استثنائي، فقد عوضّه الله بجزاءٍ استثنائي في
ميدان التشريع، حيث إن الجزع كله مكروه ما خلا الجزع على الحسين
(صلوات الله عليه)، وإن هذا الاستثناء خاصّ بسيد الشهداء (عليه
السلام).
ويرى الفقيه الشيرازي ان من التعويضات الالهية للامام الحسين
عليه السلام الإستثناءات التكوينية من السنن الإلهية، فهذا التراب
الذي تأكلونه محرّم من الناحية التشريعية، ومن الناحية التكوينية
ضار، ولكن تراب قبر سيد الشهداء (عليه السلام) يمثل استثناءاً
تكوينياً وتشريعياً معاً، فهو شفاء وأمان.
كذلك هناك إستثناء في مجال المجتمع وهو الحب والإنشداد الذي
تجدونه في القلوب نحو سيد الشهداء (عليه السلام) الذي ليس قضية
طبيعية، فهو موجود حتى قبل مقتل سيد الشهداء (عليه السلام)..
فالشيء الذي يظهر من بعض الروايات أنه يعود ذلك حتى قبل وقوع
القضية ربما بآلاف الأعوام، فقد ذُكِرَ في الروايات أن أحد
الأنبياء عندما سمع اسم الحسين (صلوات الله عليه) حزن وبكى، في حين
أن قضية الإمام (عليه السلام) لم تكن قد وقعت بعدُ.
ويختم آية الله الفقيه السيد محمد رضا الشيرازي (اعلى الله
درجاته) كلامه بانه لهذه التضحيات والاستثناءات ينبغي يكون عطاؤنا
للإمام الحسين (عليه السلام) استثنائياً، وأن لا نفكر في الحدود،
وأن نفكر وأن نعمل، كلٌ في مجاله، بعيداً عن حسابات الربح والخسارة
والنفع الشخصي والضرر الشخصي، أن نفكر ماذا نصنع لسيد الشهداء
(عليه السلام). |