الصفحة الرئيسية

مجلة النبأ

ملف عاشوراء

 
عاشوراء الحسين 1431هـ
عاشوراء الحسين 1430هـ
 عاشوراء الحسين 1429هـ

  عاشوراء الحسين 1428هـ

  عاشوراء الحسين 1427هـ

  عاشوراء الحسين 1426هـ

  من نبض عاشوراء 1425هـ

  من نبض عاشوراء 1424هـ

  عاشوراء في ذاكرة النبأ

 صور عاشوراء

اتصل بنا

 

 

نورٌ في زمن الديجور

الإمام الحسين (عليه السلام)

الشيخ ياسر الصالح- البحرين

تتلاطم الأفكار في أذهاننا وكأنها الأمواج العالية، قد لعبت فيها رياح عاتية، فحولتها إلى ركام، تلعب به مياه البحر الهائجة، وتبقى الأفكار باحثة لها عن مرفأ أمان في زمن ضُيقت فيه مساحة التفكير، بحجة قطعية العلم، وتقدمه الكبير، فرأينا العالم يتخبط هنا وهناك، فيخطئ في أفكار وجودية، وفي أخرى سياسية، وفي ثالثة اجتماعية، فيُضيعُ البوصلة، في وقت هو أحوج ما يكون فيه لمعرفة اتجاه الحقيقة.

ولكن الأمل يبقى هو الفسحة الأخيرة للتنفس، ويبقى العالم باحثاً عن لحظة خلاص في زمن الديجور.

سراب أم حقيقة:

وفي خضم هذا البحث العميق عن حقيقة ضائعة عادة ما يختلط السراب بالحقيقة، فبين هذا وذاك خيط رفيع من ضوء، يجعل الناس التائقين إلى الحقائق يركضون خلف سراب، لن يوصلهم إلى بساتين المعرفة، ولا إلى شطآن الحقيقة، بل سرعان ما يصلون إلى شاطئ مظلم، مياهه ضحلة، وتربته صحراوية، لا زرعٌ فيه ولا ضرع، والمشكلة حينما يتحول السراب في نظر الكثيرين إلى حقيقة، فيبذلون الكثير للوصول لهذه الحقيقة المزعومة، ثم يصدمون حينما تنكشف الحقائق.

الإنسان بطبعه يبحث عن ضالته من الحقيقة، ولذلك فإن الأنبياء جاؤوا "ليثيروا دفائن العقول" كما يقول أمير المؤمنين (عليه السلام)، فالعلم غاية ينشداها الإنسان، ويظل يبحث عنها في مشرق الأرض وفي مغربها، وهذا العلم – كما يقول الأديب سليمان كتاني - هو" حقيقة معرفة، وحقيقة إدراك، وحقيقة صدق، وحقيقة مجتمع وإنسان.. وهو كفيل دائما بإجتراح المعجزة " المنبثقة من نور الحقيقة، فإذا ما وصل الإنسان إلى نور العلم، استطاع أن يجلي به كل ظلمة، ويبدد السراب والوهم، ويحيلهما إلى حقائق ووقائع.

جذوة الحقيقة:

وهكذا تبقى الحقيقة ضائعة، ويبقى طلابها تائهون، قد أعيتهم المذاهب، وأتعبهم طول المسير، ولان جوهر الشيء وأصله لا يكون إلا عند أهله، كان لابد لنا أن نبحث عن ذلك النور العظيم، نور الحقيقة، ثم نقتبس منه جذوة تضيء لنا دروبنا المعتمة.

والإمام الحسين (عليه السلام) مصباح للهداية كما وصفه النبي (ص)، ونوره يشع علينا دوماً، وخاصة في ذكراه الحزينة، في أيام محرم الحرام، لذلك كان حريا بنا أن نقتبس من نوره جذوة ننطلق بها في حياتنا، فتنقشع عنا سحب الضلال، وويتبدد عنا ديجور الظلام.

المعارف الربانية:

تناقشت ذات يوم من أيام الدراسة الجامعية مع مدرس الفلسفة حول معرفة الله عز وجل، وما يقوله الفلاسفة في ذلك، فكان يشرق ويغرب بأفكار كثيرة، ومصطلحات متعددة، وكلما قلت له لماذا لا نأخذ الحقيقة كاملة من مصدرها فنهتدي، كان يقول لي قال الفيلسوف.. وقال الأستاذ.. وأنت لا تفقه من الفلسفة شيء، عندها قلت له: قال الإمام الحسين (عليه السلام): ".. إلهي.. متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك.. ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك.. عميت عين لا تراك عليها رقيباً.." ثم قلت له: إن كنا نريد الحقيقة الكاملة، والمعرفة الحقة؛ فهي عند أهلها، والإمام الحسين (عليه السلام) هو النور، وهو المصباح، فلماذا نبحث هنا وهناك؟! ونأخذ من أناس قد يصيبون وقد يخطأون؟!

إن معرفة هذه الحقيقة تجعلنا متمسكين بالمنبع الحقيقي للمعرفة، وهذا المنبع والنور بدوره يوصلنا إلى رب الأرباب، الم يقل الإمام الحسين (ع): " إلهي.. أنت كهفي حين تعييني المذاهب في سعتها، وتضيق بي الأرض برحبها، ولولا رحمتك لكنت من الهالكين". وهكذا فإن الاستضاءة بنور الحسين (عليه السلام) هي استضاءة بنور الله تعالى، وتمسك بحبله المتين.

حقيقة الحياة:

غالباً ما تضيع حقيقة الحياة في كومة المغريات، كما وتضيع الغايات والقيم في معترك الحياة، لذلك تختلف النظريات والأفكار البشرية في فهم الحياة وفي معرفة الغاية منها، وتختلف التفسيرات لمجريات الحياة، وهو ما يؤثر بدوره على عملية الاختيار الصعبة في مفترق الطرق، وهذا ما جعل البشرية تتخبط في مراحل كثيرة بين فكرة هنا ونظرية هناك.

ولكن حينما نأتي إلى مدرسة النور الحسيني نرى أن الإمام الحسين ( عليه السلام) بيّن للعالم المعاني الحقيقية للحياة، والغاية من الوجود، كاشفاً بذلك الزيف الذي يلف الأفكار المقولبة بقوالب الحقيقة.. فلا قيمة لهذه الحياة إذا ضاعت فيها القيم، وتحكم الظلم في مصير العباد، وضاع العدل بين أرجل الظالمين، وكلمة الإمام الحسين (عليه السلام): "إني لا أرى الموت إلا سعادة ولا الحياة مع الظالمين إلا برما " تختزل المعاني الكبيرة لحقيقة الحياة.

ثم إن الحسين (عليه السلام) قد اختزل كل معاني الحياة في يوم واحد، وهو اليوم العاشر من المحرم، فقدم للعالم ملامح واضحة في منهاج الحياة، حينما أرخص نفسه الزكية، وأنفس أصحابه وأولاده، وقدموها قرابين على مذبح الحقيقة.

بوصلة النجاة:

إن كان العالم يحمل في روحه فسحة أمل للتغيير، ولكنه يجهل دروب الخلاص..

وإن كان يحلم بعالم يسوده العدل، ولكنه لا يعرف كيف يحول تلك الأحلام الوردية إلى واقع..

فالحسين (عليه السلام) هو بوصلة النجاة في زمن الضياع، وبنوره فقط تنكشف لنا دروب الحقيقة في زمن الديجور.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 26/كانون الاول/2009 - 9/محرم/1431

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م

[email protected]