تمر هذه الايام احداث فاجعة الطف في كربلاء ويستذكر ذكراها كل
احرار العالم من جميع ابناء البشرية لا من المسلمين فحسب بل من
محتلف الاديان والمذاهب والاديان والاعراق والملل والنحل ولا نبخل
حق من شاركوا بهذه الواقعة التي آلمت بإسرة تعد من اشرف الآسر في
الجزيرة العربية قاطبة وهي اسرة نبي الرحمة محمد بن عبد الله (ص)
وسلالته الطاهرة فحين يكون الامام القاسم سليل اشرف الانبياء من
الحسن بن علي بن ابي طالب يحتاج ان تقف الانسانية له اجلالا لما
قدمه لعمه الامام المظلوم المسالم ( الامام الحسين –ع-) الذي اعترف
بحقه القاصي والداني في اعادة رشد الامة الاسلامية الى وعيها.
والامام القاسم أمه أم ولد ويقال لها رملة، كان غلاما لم يبلغ
الحلم بعد..أخذته الشيمة الهاشمية ان يقف مع عمه الامام الحسين(ع)
في هذه المحنة، وأية محنة ؟ محنة ام المحن، محنة ملحمة كربلاء التي
غيرت وجه التاريخ الاسلامي عبر القرون والازمان وما زال ذكرها يصدح
في ضمائر الامم والقوميات.. هل سمعتم بإمة قتلت ابن بنت نبيها مع
أسرته، هل سمعتم بإمة فتكت باطفال اخر الانبياء، هل سمعتم بإمة
حملت رؤوس قادتها الذين وطدوا الاسلام في كل معاركها ان تمثل بهم ؟
ومن هؤلاء ؟ انهم سلالة نبيهم.. سلالة نبي المودة والمحبة.. النبي
محمد (ص)، فنادى هذا الشاب ان يقف مع عمه في محنته فأشفق الامام
الحسين(ع) ولم يجبه، وقبل ان يمنح اذن الصولة في المعركة أشفق
عليه وسأل القاسم بن الحسن بن علي بن ابي طالب (ع) كيف الموت يا
بني في رأيك؟ فأجاب القاسم(ع) يا عم في نصرتك أحلى وأجل واعظم فداء
!! وهذا عهد آل بين النبوة، لم يجادل هذا الشاب عمه او تشتت خواطره
لذة الحياة او تثنيه عن نصرة اهله في محنة الامام الحسين(ع) ولسان
حاله يقول لقد تعلمت منه وانا ابن العقيدة والالتزام ابن الحسن (ع)
ابن الملتزم بدين ابيه وجده، تعلمت من ابي معنى الالتزام بمنهج جدي
الرسول محمد (ص) كمنهج في وموقف من الحياة..
جاء القاسم اليه وقال : يا عم أريد الأذن لامضي الى هؤلاء ناكثي
العهود، سلالة الكفر والفسق والفجور، سلالة قوم حاربت جدي محمد (ص)
في اولى دعوته ومن بعده جدي علي بن ابي طالب (ع) في السر والعلن،
فقال يا ابن اخي أنت من أخي أمانة واريد ان تبقى لي من ابيك رمزا
وذخرا لان الامام الحسين (ع) يعرف تماما ذلك العنصر القوي الذي
امتزج بشخصية هذا الشاب مما جعلها فريدة في بناءها وجعل منها لواء
يحمل الراية ويناصر المظلوم، ولم يمنحه الموافقة في مقاتلة جيش بني
أمية وقادته المارقين على دين محمد ومعرفتهم حق المعرفة من يقاتلون
بغير حق في كربلاء، انهم يقاتلون اسرة رسول الله واهله ومن آمن
بدينه الصحيح بلا تورية او تزييف، هم سلالة علي بن ابي طالب ( امام
المتقين ) هذا الامام التقي الذي عرفته الرجال فأمنوا بمبدأيته،
فكان مزيجاً نادراً من الايمان الصادق بمبدأ محمد (ص) ومقاتلا شهدت
له جميع ساحات الوغى من بداية الدعوة حتى استشهاده، وهو ابا الحسن
والحسين وجد القاسم، فكيف لا يكون الامام القاسم (ع) ان يتدخل
تدخلا سافرا ومعلنا الجهاد لنصرة عمه الحسين (ع) لاتضيع لديه فرحة
نصرته وهو الابن الذي لا زال ضعيفاً لايقدر على مقارعة هؤلاء
جبابرة الكفر وتحريف دين جده. فلم يسمح له الامام الحسين(ع) ان
يبرز لقتالهم فكانت لحظات الحزن بألم بادية عليه وعلى عمه الذي
يتألم من تصرفات هؤلاء الرجال ناكرة للجميل، ولكن الامام الحسين
واهله لم يغير احساسه او يتوانى عن زجر من يشط عن الطريق حتى وان
قدم نفسه واهله فداءا لاصلاح دين جده محمد، فكان زجره لهؤلاء
القوم زجر الوقور الى صوابه دون ايذاء او إهانة فكان يقول اردت
اصلاح دين جدي محمد، انهم قوم لا يعرفون ما يفعلون، اراد ان يعيد
لهم الرشد في عقولهم وبث الشعور بالاثم في نفس كل فرد، وهذا
الشعور الذي يتحول الى نقد ذاتي من الشخص لنفسه يقوم على ضوئه
موقفه من الحياة والمجتمع. اراد ان يبعث الروح النضالية في الانسان
المسلم من اجل ارساء المجتمع على قواعد جديدة ومن اجل رد اعتباره
الانساني اليه.
ان ثورة الامام الحسين ضد الاسلام المزيف عدت البادرة الاولى
لتحطيم الاطار الديني الذي بنى عليه الامويون دولتهم.. وهو الرياء
من أجل السلطة والمال والنفوذ وايهام الناس بانهم افضل من يطبق
شريعة رسول الله ويكون القرآن مصدرهم في الحكم، حتى انهم اوهموا
الجميع انهم خلفاء رسول الله الى يوم الدين،جاء الحسين الى كربلاء
لا لحربهم وانما جاء لكشف زيفهم.
واخيرا اجاز الامام الحسين (ع) لابن اخيه ان يقاتل هؤلاء
القوم، فعانقه عناق الابطال الشجعان لا الخائفين وهذه شيم أهل بيت
الرسول وسلالة علي بن ابي طالب.. وقاتل هذا الشاب هؤلاء الخارجين
عن دين محمد قتالا شديدا وكان يعرف نفسه بهذه الابيات الشهيرة :
أن تنكروني فأنا نجل الحسن
سبط النبي المصطفى والمؤتمن
هذا حسين كالاسير المرتهن
بين أناس لاسقوا صوب المزن
فقاتل هذا الشاب قتالا شديدا شهد له الاعداء واعاد التاريخ
لذاكرتهم صولات علي والحسن والحسين في معارك المسلمين جميعها
فوجدوا فيه وهو اليافع الشخصية المقدرة والاصيلة في سمات النبي
محمد (ص)، وجدوا فيه في يوم كربلاء ثراء ما بعده ثراء في التضحية
والفداء لا من اجل الدفاع عن عمه في محنته فحسب وانما في الدفاع عن
دين جده فكانت الشجاعة تصدر عنه اكثر مما تصدر منه ولعل ذلك الذي
بقى لنا عبر هذه القرون من ذكريات نعيدها كل عام نستذكرها في واقعة
الطف بكربلاء لتبقى علامة مميزة للدين الصحيح وليس للدين المزيف
فتركت الواقعة (واقعة كربلاء) واستشهاد الامام الحسين واهله آثاراً
لا تمحى، لان الامام الحسين واهله منح دمه ودماء اهله جزءا من نفسه
منحه بسخاء واعطاه لابنائه ليبنوا عليه دينهم الصحيح لذا كتب له
خلود من نوع آخر ينقلونه شيعته وكل احرار العالم جيلا بعد جيل،
ورحل به البعض الى المشارق والمغارب ليمدوا من أثر واقعة كربلاء
واستشهاد الامام الحسين واهله ما هو ناصع من رسالة النبي محمد (ص)
بدون تزييف او تلويث.
* باحث اسلامي
[email protected] |