الصفحة الرئيسية

مجلة النبأ

ملف عاشوراء

 
عاشوراء الحسين 1431هـ
عاشوراء الحسين 1430هـ
 عاشوراء الحسين 1429هـ

  عاشوراء الحسين 1428هـ

  عاشوراء الحسين 1427هـ

  عاشوراء الحسين 1426هـ

  من نبض عاشوراء 1425هـ

  من نبض عاشوراء 1424هـ

  عاشوراء في ذاكرة النبأ

 صور عاشوراء

اتصل بنا

 

 

الذين يُحرّفون الحسينَ عن مواضعه

الإنتماء المقدّس

السيد محمود الموسوي

إن عملية التحريف مهمة العلماء والكبراء في المجتمعات التي ترفض الحق والهدى، وهي أخطر من الضلال الفردي، لأن الجاهل يتخطى بجهله الهدى ونور العلم ويضل عن الطريق القويم بمفرده، ولكن عملية التحريف هي إفراز إرادة السوء، ونتيجة خبث السريرة، وطموح الفاسد في الإفساد، ومن يباشرها فإنما يباشرها عن علم ودراية بالحقائق، إلا أنه اكتشف أن تلك الحقائق لا تنصبّ في قالبه، ولا تخدم أهدافه، ولا تلبي رغباته في الإستحواذ والهيمنة، فلا يقتصر على الضلال وحيداً، بل يسعى لإضلال الناس، وتخدير عقولهم، وتكبيل نفوسهم بالآصار والأغلال، لأن ضلال الناس مصدر قوته وبقاء رغباته التي يروم أن يشبعها بالشهوة والسلطة والمال.

وهذا العمل لاريب أخطر وأقبح من الأول، لذا وجب فضحه، وتعرية خططه، لكي يتحصّن المجتمع من أعماله، فلا تلتبس عليه اللوابس، ولكي يبصر الناس الحقائق كما هي محفوظة مكنونة دون تحريف أو تزييف.

يحرفون الحسين

من الحقائق الربانية التي يعمل العاملون على تحريفها، هي حقيقة "الحسين إماماً" وحقيقة أن "الإمام الحسين إنتماء مقدس".. كيف؟

الإمام الحسين (ع) إمام حق مفترض الطاعة، معصوم عن الزلل، مطهّر من كل دنس، سليل الإمامة الإلهية، وثالث أئمة الهدى بعد النبي (ص)، ومن صلبه بقية الله من الأئمة المعصومين التسعة عليهم أفضل الصلاة والسلام.. وهو عليه السلام وارث الأنبياء والأئمة، قتيل العبرة، وبهداه يجب الإعتبار..

هذه الحقيقة الناصعة، الحقيقة التي تضع الإمام الحسين (ع) موضعه الذي وضعه الله فيه، ومرتبته التي رتبه الله فيها، ومكانته السامقة التي تبوأها بتشحطه بدمه باذلاً مهجته في سبيل الله خالصاً مخلصاً، هذه الحقيقة يراد لها أن تحرّف، لذا يعمل العاملون على مساس خصائصها الربانية، وتوهين جوانبها الإلهية.

هكذا رأينا في الآونة الأخيرة أن هنالك بعض الخطوط أو الخيوط ممن هي على غير الولاية لأهل البيت (ع)، تحاول أن تطرح الإمام الحسين (ع) في خطابها الدعوي والثقافي، وتحاول أن تستجدي عقول الناس باسم الإمام الحسين، متاجرة بقضيته المقدّسة، في سوق فاسدة، وهي تجارة بائرة خاسرة، أمام نور العقل وهدى المعرفة.

فبعد أن سكتوا عن الإمام الحسين (ع) وعن فضائله القرون، هاهم ينطقون كفراً، ويلحدون ألسنتهم عن حق الإمام الحسين (ع)، بعدما رأوا أن الناس تنجذب بالحس الحسيني نحو ساحة الحق، وقد أيقنوا أن الإمام الحسين (ع) يثير بحركته دفائن عقول الأحرار، ويزكي نفس الإنسان ويعزز فطرته التي فطره الله عليها، فلم يكن بد لهم إلا أن يعمدوا إلى التحريف فيما يمكن أن توجبه الثورة الحسينية من الإيمان، فيصبح المجتمع ـ حسب ما يطمحون ـ في ظاهره محباً للحسين ومتعاطفاً مع قضيته، ومؤيداً لأهدافه، ولكنه في الحقيقة والواقع مخالفاً لمنهجه، متبايناً مع مقاصده، فذلك هو الإيمان الكاذب الخادع، وذلك هو الإنتماء الذي يحادّ الإنتماء المقدّس للإمام الحسين (ع)، وذلك هو التحريف.

مواضع الحسين

ولكي لا ننخدع بأباطيل المحرفين، ولكي نبيّن وهن مسارهم، وهشاشة حجتهم، علينا أن نكشف الحق والحقيقة في الموضع الأسمى للإمام الحسين (ع) والإعتبار الرباني الذي رتّبه الله فيه، وتلك المدارج التي تسنّمها وتربّع عليها خالداً في إمامته لا يحيد فيها عن الحق قيد أنملة، ولا يركن إلى شيء من الغلط والشطط في كل تحركاته وكلماته.

فنظرة سريعة، وتأمل عابر، على بعض الروايات التي وردت عند غير الشيعة الموالين، يمكن للعقل النظيف والفطرة الصافية أن تدرك أن موضع الإمام الحسين (ع) هو موضع المعصوم الذي يفترض طاعته وموالاته كإمام، لا كرجل صالح عادي، فهذه صحاح أهل السنة والجماعة والأسفار التي تروي لهم التاريخ، تصدح بالحق والحقيقة كالشمس في رابعة النهار.

وهنا ندرج القليل مما ورد في تلك الأسفار التي يؤمنون بصحة صدورها عن النبي (ص)، إلا أنها تحتاج إلى إلتفاتة بسيطة ليدرك الإنسان بعقله الحقائق، ويشع قلبه بنورها.

 ففي صحيح الترمذي، في الجزء الثاني، في الصفحة 306، يقول: " روى بسندين عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنّة".

 فإذا كانا سيدا شباب أهل الجنة، أليس ذلك تعبيراً عن مسيرتهما في الحياة، بأنها كانت متطابقة مع الحق؟.. وإذا عرفنا أن أهل الجنة كلهم شباباً فإن الإمام الحسين هو سيد أهل الجنة.

وفي تاريخ بغداد للخطيب البغدادي في الجزء الثاني في الصفحة 238 "روى بسنده عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لما استقر أهل الجنّة في الجنّة قالت الجنّة: ياربّ أليس وعدتني أن تزيّنني بركنين من أركانك؟ قال: ألم أزيّنك بالحسن والحسين؟ قال: فماست الجنّة ميساً كما تميس العروس".

 والحديث الذي لا يختلف فيه اثنان كما في صحيح الترمذي في الجزء الثاني منه "روى بسنده عن يعلى بن مرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسيناً حسين سبط من الأسباط".

وهذا مسلم في صحيحه يدرج حديثاً واحداً فقط تحت عنوان "باب فضائل أهل بيت النبي (ص)، وهذا الحديث دال على أنه لايمكن أن يدعي مدع أن أهل بيت النبي (ص) هم غير فاطمة والحسين والحسين وعلي (ع)، إلا مفتر قد أخذ الباطل منه مأخذه.

يقول مسلم في هذا الحديث: "خرج النبي (ص) غداة وعليه مِرط مُرحل، من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثم جاء الحسين فأدخله معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء عليٌ فأدخله، ثم قال: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً). صحيح مسلم باب فضائل أهل بيت النبي (ص).

فكل هذه الأحاديث وكثير مثلها، تثبت مما لا يدع مجالاً للشك في مكانة الإمام الحسين (ع) وموضعه، الذي أصبح حبه عنواناً لحب الله، أي أنه قيمة ثابتة لا تتغير مع الزمان، وإلا فكيف يعلّق الرسول (ص) حبه وحب الله لشيء سوف يتغير أو ينحرف، وهذا معنى العصمة، وفرض المحبة، ودلالة وجوب الطاعة، وكذا الآية التي جاءت صريحة في أهل البيت (ع) ومنهم الإمام الحسين (ع) في التطهير من كل رجس، تدل على نفس الدلالات وتؤكد الحقائق لكل من ألقى السمع وهو شهيد.

الحسين كلمة الله

إن الإنتماء للإمام الحسين (ع)، هو إنتماء مقدس، لا ينبغي أن يمسّه الغلو، ولا يصيبه القلو، فهو كلمة الله، وقد طهره الله وأذهب عنه الرجس، حيث قال تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)، فعندما غالى أهل الكتاب في عيسى (ع)، بيّن لهم الله تعالى أن عيسى هو رسول الله وكلمة الله، كما في قوله عز وجل: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ). [النساء: 171]

 فالإيمان بأن عيسى بن مريم هو كلمة الله التي ألقاها إلى مريم، هو الإيمان الحقيقي الذي لا يشوبه الغلو ولا القلو، والإمام الحسين (ع) هو أيضاً الكلمة الطيبة التي ذكرها الله تعالى في قوله "أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء. تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ" [إبراهيم:24/ 25]

 حيث روى الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين، في الجزء الثالث، في الصفحة 160، بسنده عن مولى عبد الرحمن بن عوف، "سمعت رسول الله (ص) يقول: "أنا الشجرة، وفاطمة فرعها، وعلي لقاحها، والحسن والحسين ثمرها، وشيعتنا ورقها، وأصل الشجرة في جنة عدن، وسائر ذلك في الجنة".

وفي قول الله تعالى: "وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ" [البقرة: 124]، فقد روى الحافظ القندوري (الحنفي) في ينابيع المودة في الصفحة 25 بإسناده عن المفضل، قال سألت جعفر الصادق (رضي الله عنه) عن قوله عز وجل: وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات..الآية، قال هي الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه، وهو أنه قال (يارب أسئلك بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين (لا تبت علي)، فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم، فقلت له: يابن رسول الله فما يعني بقوله فأتمهن؟

قال: يعني أتمهن إلى القائم المهدي اثنى عشر إماماً تسعة من الحسين".

مع كل تلك الحقائق الساطعة، نجد أن كلمات الله تعالى تتعرض للتحريف والتزييف المعنوي، فلم يستطع أحد أن يحرّف كلام الله تعالى في ظاهره ورسمه، لكنهم عمدوا إلى تحريف معانيه، وأخذوا يأولونه ابتغاء الفتنة، وكذا كلمة الله التامة وهو الإمام الحسين (ع)، القرآن الناطق والترجمان الحق، عمدوا إلى تحريفه عن مواضعه، كما في قول الله تعالى: "فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ". [المائدة: 13]

فبعض نقضوا ميثاق الإمامة يوم الغدير، وبقسوة قلوبهم عمدوا على التحريف، ألم يعلموا أن "كلمة الله هي العليا" و "كلمة الذين كفروا هي السفلى" إذ "لا تبديل لكلمات الله"؟..

وإننا نردد في زيارتنا للإمام الحسين (ع) "أشهد أنك كلمة التقوى، وباب الهدى والعروة الوثقى"، فهو عليه السلام كلمة التقوى.

 وكما أن الله تعالى لعن الذين يحرفون الكلم عن مواضعه، وقال في كتابه: "مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ اللّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً". [النساء: 46]

كذلك جاءت زيارة عاشوراء معززة التوجه القرآني بلعن الذين يحرفون الحسين عن مواضعه، حيث جاء في زيارته (ع): "وَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً دَفَعَتْكُمْ عَنْ مَقامِكُمْ وَأزالَتْكُمْ عَنْ مَراتِبِكُمُ الّتِي رَتَّبَكُمُ اللهُ فِيها.. بَرِئْتُ إلى اللهِ وَإلَيْكُمْ مِنْهُمْ وَمِنْ أشْياعِهِمْ وَأتْباعِهِمْ وَأوْلِيائِهِمْ".

فينبعث بعد تلك الحقائق نور الحق من القلب ليشع إيماناً وإنتماء مقدساً، وصداه يتردد في الآفاق معلناً الموقف الختامي بقوله:

 "إني سلم لمن سالمكم وحرب لمن حاربكم وولي لمن والاكم وعدو لمن عاداكم فاسأل الله الذي أكرمني بمعرفتكم ومعرفة أوليائكم ورزقني البراءة من أعدائكم أن يجعلني معكم في الدنيا والآخرة وان يثبت لي عندكم قدم صدق في الدنيا والآخرة".

www.mosawy.org

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 22/كانون الاول/2009 - 5/محرم/1431

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م

[email protected]