شبكة النبأ: بالأمس غادرتنا حشود
الزائرين المليونية بعد أن أمّتْ مرقد سيد الشهداء أبي عبد الله
الحسين (ع) وبعد أن عطّرت أنفاسها وأرواحها وأجسادها بأريج كربلاء
المقدسة، فقد عشنا على مدى أكثر من عشرة أيام شعيرة حسينية خالدة
أحياها الملايين من مسلمي العراق والعالم أجمع، حيث توافدت
الملايين من جميع مدن العراق ومن بلدان العالم لتقبّل روح الامام
الحسين (ع) وتجدد بيعتها الصادقة لثائر الانسانية الاعظم.
إن الانسان ليُحار حقا حين يرى بأم عينيه أجساد الزائرين
المؤمنين الكرام وهي تغطي وجه الأرض، ويتساءل في سره، كيف لبقعة
صغيرة من الارض أن تحتوي كل هذه الحشود المليونية في مدة زمنية
قياسية؟، ولعلنا لا نجانب الحقيقة إذا قلنا، بأن أية بقعة من أرض
المعمورة برمتها لم ولن تشهد مثل هذا الزخم البشري الهائل الذي ظل
يتدفق على مدينة النور الحسيني (كربلاء) على مدى أيام متتالية
كالسيل الذي لايتوقف، ولعل هذا وحده يعطي دليلا قاطعا على قدسية
هذه المدينة التي أخذتها وتشرّفت بها من دم السبط النبوي المقدس
ومن جسده ودمه الأطهر الذي طهّر أرض كربلاء ومنحها قدسية أزلية
متصاعدة في قيمتها الدنيوية والأخروية على حد سواء.
وما يثير في النفس من بهجة وصفاء وسمو، هو ذلك التصاعد الروحاني
العظيم في نفوس الحشود التي طرقت باب الحسين (ع) موالية معزية
معاهدة على نصرة الحق مابقيت الحياة قائمة على رأس الوجود، ولعل
مايبهج المؤمنين والشرفاء من العالم هذه الآفاق الجديدة المتجددة
التي رافقت طقوس هذه المناسبة المخلدة في قلب الزمان، فلقد فوجئ
العالم بعدد الزائرين الذي تجاوز لأول مرة في تأريخ الطقوس البشرية
حاجز العشرة ملايين في بقعة أرض قد تختنق بمليون من البشر لو أنها
لا تمتلك قدستها الخالدة.
ومن آفاق هذه الزيارة الجديدة المتجددة هو تدفق الزائرين من
بقاع العالم المختلفة بوسائل المواصلات المتعددة برا وجوا وبحرا،
حيث استقبل (مطار النجف) على سبيل المثال وليس الحصر آلافا من
الزوار، أجانب وعربا، من اوربا وتركيا وايران واذربيجان وباكستان
والهند واندنوسيا ودول الخليج والدول العربية والاسلامية الاخرى،
وهو أفق جديد لم تشهده آفاق الزيارات الأربعينية الماضية على مدى
عقود وعقود، ولعل هذا الأفق الجديد يشكل مؤشرا شديد الوضوح على
ثبات النهج الحسيني الاسلامي الانساني في نفوس وارواح أبعد الناس
جغرافيا عن كربلاء المقدسة، وهذا ما يدل بصورة قاطعة على ان الحسين
عليه السلام هو (صوت الانسانية على مدى الدهور والأزمان) وحين
نتحدث بهذه الصغية فإننا ندعم أحاديثنا بالدلائل التي لا تقبل
التشكيك او التغاضي من لدن الآخرين، لأنها مستقاة من أرض الواقع
الذي عرض للقاصي والداني تفاصيل اداء هذه الشعيرة المقدسة .
وما يشكل أفقا مهما ورائعا في الوقت نفسه، هو تأدية طقوس الولاء
لثائر الاسلام الأعظم في عموم ارجاء العالم وليس العراق فحسب، ولعل
ذلك العرض الموكبي المقدس والمذهل الذي زرع حضوره في قلب مدينة
الضباب لندن خير دليل على وصول المبادئ الحسينية الى معظم بقاع
العالم بغض النظر عن طبيعة أديانها او معتقداتها، فقد تابعنا بخليط
من الفرح والبهجة والخشوع والذهول ايضا، عبر عدد من الفضائيات،
موكبا اسلاميا حسينيا مؤتلفا من الرجال والنساء والاطفال وهو يجوب
شوارع لندن ويؤدي تراتيل الولاء للحسين الخالد (ع) وموقفه الانساني
الأزلي، ولَكَمْ كانت دهشة العيون (الانكليزية) محبة ومتعاطفة حين
احتشدت على الأرصفة وهي تتطلع لهذا الموكب الحسيني الرائع الذي راح
يجدد الولاء لسبط النبي محمد (ص).
ومن الآفاق الجديدة ايضا لهذه الزيارة العظيمة، هي توحيد
العراقيين ايمانا ومبادئ وأهدافا انسانية خالصة، ولعل الأفق الأروع
هو ذلك التكاتف بين جموع الزائرين الآيبة الذاهبة وبين الأجهزة
الامنية بجميع اصنافها وتشكيلاتها، من خلال خدمات الحماية والنقل
والتطبيب والاطعام المقدمة للزائرين، ولعل جميع الوزارات والدوائر
الرسمية تشترك في صنع هذا الأفق الجديد الذي يصب أولا وأخيرا في
صالح العراقيين والمسلمين والعالم الانساني أجمع.
وهكذا يتجدد الألق الحسيني العظيم سنة بعد آخرى، وتتسع آفاقه
وتتجدد مع الزمن من خلال الاقبال المتعاظم (ليس من لدن العراقيين
وحدهم، بل من لدن عموم الشرفاء الصادقين في العالم أجمع) على إحياء
موقف الحسين (ع) وفكره الانساني الهادف الى سعادة البشر قبل كل
شيء، فالامام (ع) هو القائل على رؤوس الأشهاد (لم أخرج بطرا ولا
أشرا، انما خرجت أريد الاصلاح في أمة جدي) وطالما ان الصراع بين
قوى الخير والشر قائمة الى أن يشاء الله تعالى، فإننا جميعا بحاجة
دائمة ومستمرة للوقوف الى جانب أنفسنا وذلك بالوقوف في صف الحسين
(ع) من خلال توسيع الآفاق الحسينية الاسلامية الانسانية وتجديدها
مع تجدد الزمن والى الأبد. |