عندما قرر الحسين (ع) ان يرفع صوته ويقرن هذا الصوت المؤمن
بالفعل القوي، ليقول للظلم كفى، فإنه بذلك انما يجسد صوت الحق
وفعله للإنسانية جمعاء وليس للمسلمين فحسب، اذ اننا نقر بأن الظلم
واحد بكل انواعه واشكاله عندما يتقصد الانسان او الكائن الحي
المسالم على وجه العموم، وما يعطي لثورة الامام الحسين (ع) ميزة
جوهرية هي تلك الروح المؤمنة القوية التي تتمتع بأقصى معايير
التضحية التي رافقت رحلته مع ذويه وصحبه من الحجاز الى العراق.
ولعل الصمت على اهدار الحق والمحاباة والتملق للقوة الظالمة
كانت ولا تزال ترافق سلوك الانسان (المصلحي التوفيقي) وبالتعبير
الديني (الانسان الدنيوي) أي ذلك الذي يحب الدنيا ويخشى المستقر
الاخير حيث الاعمال البشرية تطفوا على السطح وتظهر العيوب كلها
امام الملأ ليبدأ يوم الحساب.
هذا الصنف من الناس كان موجودا في زمن الحسين (ع) ولذلك كان
هناك من خذله عندما بدأت المواجهة بين الحق والباطل ومع ان الكثرة
الكاثرة كانت تصطف الى جانب الباطل وتقارع أصحاب الحق بسبب
المحاباة والتملق والخوف إضافة الى الدافع النفعي الذي يندرج ضمن
اهدافهم، لكن الحسين وذويه وصحبه لم تهز ايمانهم لا الكثرة الكاثرة
ولا الخوف من الموت ولا كل الاسباب الدنيوية الاخرى من نفعية شخصية
او غيرها.
لقد ارتكزت مبادئ الحسين (ع) أولا واخيرا على دعامة ومرتكز
مقارعة الظلم والطغيان أو الانحراف بدين الله الى مسارات اخرى لا
تليق بالانسان، حيث حوَّل يزيد بن معاوية الخلافة الاسلامية الى
ساحة للهو والعبث وتسييد الظلم على كل شيء وباتت مقدرات الاسلام
والمسلمين بيد رجل ليس ظالما فحسب بل ومستهترا بأبسط مبادئ الاسلام
الحنيف التي تتميز في أهم ما تتميز به انها تنصف الضعيف وتقويه ضد
القوي الظالم الذي لايعرف قلبه طريقا الى الله جل وعلا.
لذلك كانت وقفة الامام (ع)، ولذلك ايضا أخذت طابعها الانساني
الشامل لأنها تنطبق على جميع الاحداث التي ينتهك فيها الحق وتنتهك
فيها الحرمات، وهذا هو بالضبط ما اعطى عمقا شاملا لمبادئ الفكر
الحسيني، فجعله بين يد الانسان في كل زمان ومكان دريئة للظلم ودرعا
يتوقى به شر الظلم البشري الذي لم يتوقف على مر الدهور.
فحري بمن لا يدرك مبادئ الفكر الحسيني ان يتنبّه لها ويأخذ منها
جوهرها ويطبق هذا الجوهر الانساني العميق على مفردات واقعه اليومي
(العملي) لكي يحقق ما يصبو اليه في حياته ومماته على حد سواء. |