الصفحة الرئيسية

مجلة النبأ

ملف عاشوراء

 
عاشوراء الحسين 1430هـ
 عاشوراء الحسين 1429هـ

  عاشوراء الحسين 1428هـ

  عاشوراء الحسين 1427هـ

  عاشوراء الحسين 1426هـ

  من نبض عاشوراء 1425هـ

  من نبض عاشوراء 1424هـ

  عاشوراء في ذاكرة النبأ

 مجالس عاشوراء

 صور عاشوراء

 مواقع عاشوراء

اتصل بنا

 

 

كُلنا حُسينيون

محمد علي جواد تقي

في الطريق من العاصمة بغداد الى كربلاء المقدسة، وعلى مسافة بضعة كيلومترات من نهاية الطريق، تصطف السرادق والمواكب على مدّ البصر وهي تتنافس وتتسابق على إستضافة الزائرين من رجال ونساء بممختلف الاعمار، وتتخلل هذه السرادق مشاهد وتماثيل رمزية لأبطال واقعة الطف، بما يشبه (البانوراما)، حيث تُعرض على الزائرين، لقطات أو مواقف حيّة من الواقعة، فهناك الحسين والعباس وآخرين في حالات مختلفة، بين مطعون برمح أو سيف أو مرمي على الأرض، ويشاهد الزائرون الجثث الرمزية مدماةً ومقطوعة الرأس والدماء مسفوحة على الأرض ضمن مساحة محددة أعدت لهذا الغرض.

هذه المشاهد ربما تكون للبعض الذي يحثّ الخطى شوقاً للوصول الى كربلاء، غير ذات أهمية لأنه يدخر صبراً وتجلداً ليصل الى مرقد الحبيب والملجأ والشفيع، ولا تجذبه الجثة الرمزية، لكن إمرأة انبعثت من بركان الألم والمعاناة يحملها الولاء والإيمان العميقين، شقت الصفوف وصولاً الى إحدى هذه المشاهد المعروضة على الأرض، وتتجه صوب جسدٍ رمزي مرمي على التراب مقطوع الرأس، وقد رفعت يديها الى السماء ضاجة بالبكاء والعويل، ثم حثت التراب على رأسها وسط ذهول الزائرين المتجمهرين واستعبارهم، لكن لم يسمع أحد من القريبين من هذا المشهد المفاجئ ما كانت تطلبه وتريده تلك المرأة الجريحة والمهضومة من وراء هذا الاندفاع العفوي والإلتجاء الى ما يُرمز الى الإمام، رغم انها على مسافة ليست بالبعيدة عن مرقد الإمام الحسين (عليه السلام)، إنها لم تشأ إشراك الآخرين همها وحاجتها "إنما أبث همي وحزني الى الله..."، كما قالها نبي الله يعقوب عندما غاب عنه ابنه يوسف.

وعندما تصل هذه المرأة ومعها قوافل الزائرين السائرين على الإقدام أرض كربلاء المقدسة، تجد أن الدوائر الحكومية قد سبقتها في إعلان الولاء للحسين (عليه السلام)، من خلال إعداد قدر لا بأس به من وسائل الضيافة مثل الماء والكهرباء المستمرين، والوقود والأمن وغيرها، وهذا يعني مما يعنيه أن المسؤولين المنتخبين من قبل هذا الشعب بدأوا يستوعبون الدرس الاجتماعي من الإمام الحسين (عليه السلام)، وكيف انه بكى على أعدائه قبل أن يبكي عليه أحبائه، ويتخذون المفاهيم الانسانية والقيم الاخلاقية منهجاً وسلوكاً في الحياة، فقد جرب الناس الأئمة والأولياء الصالحين غير مرة في قضاء حاجاتهم لاسيما المتسعصية منها، واليوم يجدون أمامهم إعلاناً يفصح عن الانتماء الى الامام الحسين (عليه السلام)، وربما هذا يخفف من حدة الاخفاقات في مجالات مختلفة خلال السنوات الماضية، والتي تكاد تكرس حالة اليأس والعبثية وحتى الفوضوية في النفوس.

من هنا يمكننا التفاؤل ونحن نستشرف المستقبل انطلاقاً من مدرسة كربلاء، حيث نرفع خطوة جديدة الى الأمام، ونتقدم نحو تفعيل التشكيلات والهيئات الحسينية على طريق إحياء الشعائر الحسينية والأبقاء على جذوتها المتّقدة في النفوس، وهذه الهيئات أو التشكيلات وبغض النظر عن المسميات، ليس بالضرورة ان ينحصر نشاطها في ظرف زمكاني معين، كأن يتمثل في إعداد الطعام للزائرين في ايام محرم وصفر، او تنظيم مواكب العزاء المختلفة خلال الشهرين المذكورين، وإنما تنطلق في رحاب النشاط الاجتماعي والثقافي لتقدم للفرد والمجتمع الصورة الحقيقية والكاملة للقضية الحسينية، التي لم تدع زاوية في حياة الانسان إلا وسلطت عليه الضوء، فهي نافذة نحو الحياة وما بعدها، يتطلع من خلالها الرجل والمرأة والشاب والشابة وحتى الطفل الصغير والشيخ الهرم.

هذا التفاؤل ربما ينسحب  على جميع الزائرين سيراً على الأقدام نحو كربلاء، بل المؤمنين في كل مكان، بان الشعائر الحسينية التي نعيش طقوسها المعهودة منذ مئات السنين، مثل مجالس التأبين واللطم على الصدور والضرب على الظهرو وعلى الرؤوس وغير ذلك، كلها قادرة على أن تصنع الحدث، وليست مجرد تعبير عن حدث تاريخي، لاسيما وان هناك شعوراً سلبياً سائداً إزاء المدعين حمل القيم الاخلاقية والمفاهيم الدينية وإمكانيتهم على تحقيقها لاسيما في ظروف يكون صاحبها ذو مالٍ أو سطوة أو منصب حكومي مرموق، فعندما نقول بـ(أننا حسينيون)، يعنى أننا على قدر كبير من الشجاعة والإقدام والاصرار لخوض غمار الحياة حاملين على اكتافنا الأمانة الألهية وهي الخلافة في الارض، مقتدين في ذلك بأئمتنا المعصومين، وإذن؛ كل مسعىً وحركة ونشاط سيكون محمولاً على الأخلاق والانسانية، وليس على النفعية والتطاول والظلم والاضطهاد وغيرها من المفردات السيئة والمقززة للنفوس البشرية والمثيرة للحساسية عند النفوس الحسينية.

وما نذكره ليس من باب الترف الفكري او التحليل القابل للخطأ والصواب، وإنما هو من وحي التجربة التاريخية لكن المنسيّة في تاريخنا الحديث والقريب، فقد انطلقت من نفس مدينة كربلا المقدسة في عقد الستينات من القرن الماضي، حملة ثقافية شاملة لإحياء الدين والعقيدة في النفوس، بعد أن ظهرت بودار تهديد ماحقة، وكانت الانطلاقة من الشعائر الحسينية ومن نهضة الامام الحسين (عليه السلام)، ومن فقرات تلك الحملة، تعبئة الزائرين في شهري محرم وصفر بالمفاهيم والقيم التي نهض بها الامام الحسين (عليه السلام) وضحى بدمه الشريف من أجلها، وقد حملت المرجعية الدينية الرشيدة لواء هذه الحملة ممثلة في شخص المرجع الديني الراحل السيد محمد بن المهدي الحسيني الشيرازي (قدس سره)، وهذه الحملة كانت نقطة الاصطدام مع المفاهيم والقيم المناقضة التي تمثلت في أنظمة الحكم المختلفة، حيث شاءت الأقدار أن تحتك التجربة الفتية بالنهج الماركسي ومن بعده القومي ومن ثم البعثي الذي حاول بالتقاطيته وازدواجيته ان يجد له موطئ قدم في الواقع الاسلامي العراقي، وعندما شعر بالخيبة منذ ايامه الأولى سارع الى ممارسة القسوة والدموية ليكون مصداقاً للسارق الجبان الذي يخشى دائماً أن يتخطفه الناس، فيضرب يميناً وشمالاً بطريقة جنونية.

واليوم حيث الموالين لأهل البيت (عليهم السلام) يشعرون أنهم يتقدمون سنة بعد أخرى في نشاطهم الحسيني على ضوء استتباب الأمن والاستقرار في عموم البلاد، فانهم لا يرغبون بأي حال من الأحوال خوض التجارب الفاشلة في العهود الماضية، بقدر ما يطمحون لتجربة جديدة تحملها قيم أصيلة ومفاهيم سامية تتخطى أطر المصالح الشخصية والحزبية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 15/شباط/2009 - 19/صفر/1430

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م

[email protected]