ليس جديداً على أهالي كربلاء المقدسة استقبال زوار الإمام
الحسين (عليه السلام) يوم الأربعين، فقد أضحوا مثالاً يحتذى به في
الضيافة والتفاعل والحيوية مع الشعائر الحسينية ومع القائمين عليها
طيلة السنين الماضية، وهذه شهادة للتاريخ والأجيال على الدروس
البليغة التي استلهمناها من مدرسة الطف وفي مقدمتها العطاء
والايمان الصادق بالقيم والمفاهيم التي ضحّى من أجلها الامام
الحسين مع أهل بيته وصحبه في صحراء كربلاء.
لذا يعرف بين الكربلائيين بان زيارتهم تكون في أيام عاشوراء على
الأغلب، فيما عليهم إفساح المجال في زيارة الأربعين أمام أهالي
المدن الأخرى في البلاد، بل وجميع المؤمنين من جميع أنحاء العالم،
فعندما تنصب الخيام للمواكب على الطرقات العامة، نجد كثير من أبواب
البيوت مفتوحة ويقوم ابناؤها باستقبال الزائرين لمن يحتاج لأي
خدمة، كما لو ان ثمة إقتداء أو اصرار للالتحاق بأصحاب الخيم
والسرادق وحتى التنافس معهم لتقديم الخدمات للسائرين مشياً على
الاقدام صوب مرقد ابي عبدالله الحسين (عليه السلام).
وكما ان النهضة الحسينية متجددة مع الزمن وحدث متفاعل في العقول
والوجدان الشعبي، فان الشعائر الحسينية وفي مقدمتها زيارة
الأربعين، لاتبرح تقدم لنا الدروس الجديدة ذات الصلة بالواقع الذي
نعيشه، ولعل هذا ما يجعل الجميع صغاراً وكباراً ملتصقين بكل شئ
يرتبط اسمه بالحسين، فهو يعيش معهم، لذا هم يعيشون معه بالمقابل،
ومثالاً على ذلك زيارة الاربعين الأولى بعد ايام من سقوط الطاغية،
بل وسقوط النظام البعثي الجائر على كل ادعاءاته وقسوته، فسجلت
الزيارة درساً جديداً لمدى شمولية القضية الحسينية لمتطلبات
المرحلة من أستتباب الأمن والاستقرار و التكافل الاجتماعي، وبات
حديث الجميع ان غياب الاجهزة (الأمنية) القمعية للنظام السابق لم
يؤد الى اي خلل او حوادث تذكر في المسيرات الهادرة للسائرين على
الاقدام من كل مكان في العراق نحو كربلاء، بل حتى في ظل غياب معظم
الخدمات.
واليوم وبعد مضي حوالي ست سنوات من زيارة الاربعين سنة 2003
نحن أمام درس جديد ضمن المرحلة الجديدة من البناء الشامل في عراق
المقدسات، فبعد الاستقرار، نشهد الحراك الثقافي باتجاه الوعي
والايمان، لتنطوي مرحلة الشعارات والأقاويل والافكار المستوردة،
وتبقى المبادئ الحسينية المستقاة من أصل الدين الحنيف الذي شعّ
نوره على الانسانية جمعاء وما يزال.
وكما ان الثورات والانتفاضات عبر التاريخ انطلقت من كربلاء
الأرض أو من عاشوراء اليوم وهزّت عروش الطغاة والظالمين، فان الوعي
واليقظة والبناء الثقافي ستكون سمات المرحلة الجديدة في مسيرة
القوافل الحسينية نحو تجديد البيعة والولاء لأبي الأحرار الامام
الحسين (عليه السلام). |