شبكة النبأ: تتصاعد وتيرة حماس
العراقيين في المشاركة بإحياء الطقوس والشعائر الحسينية، لا سيما
في هذه الايام التي تشهد ذكرى أربعينية استشهاد الامام الحسين ابن
علي عليهما السلام، فقد توشحت كربلاء المقدسة بمظاهر الحزن المقترن
بقيام التكايا والمواكب والمجالس الحسينية التي غصَّت بها شوراع
وساحات كربلاء المركز والاحياء عامة، ناهيك عن محافظات العراق
الأخرى وأريافها وقصباتها، ثم هذا التدفق البشري المتواصل من أرجاء
العراق والدول الاسلامية على أرض الحسين (ع) المطهرة، بما يسجل
رقما متصاعدا عن الاعوام القليلة الماضية.
ولعل المتابع يعرف بأن معظم الزوار الذين يتوجهون الى كربلاء
المقدسة لا يستخدمون وسائل النقل الحديثة بل يسيرون على أقدامهم
مسافات طويلة ومتعبة طلبا لشفاعة الامام (ع) عند الله سبحانه
وتعالى، وحين نبحث في هذه الشعيرة الحسينية التي ترسَّخت عبر مئات
السنين ونشهد تصاعدا متواترا لأعداد الزائرين، فإننا سنجد أنفسنا
في موقعين متناقضين هما الباحث والمسؤول معا !!.
فأما الباحث فهو يتساءل عن طبيعة القوى الروحية العظيمة التي
تقف وراء توجّه ملايين المؤمنين الى مرقد الامام الحسين في هذه
المناسبة وغيرها، وما يثير في هذه الشعيرة هو تحمل عناء المشي
لمسافات تتجاوز مئات الكلومترات من الامتار، كما ان هناك من بين
الزوار القادمين من يتجاوز عمره سن الشباب والقدرة على تحمّل مثل
هذا الجهد الجسدي الكبير، في حيث تشهد الشوراع والمسافات الطويلة
بوجود المعاقين جسديا من بين هؤلاء الزوار. فالسؤال هو: كيف يُتاح
لكبار السن والمعاقين على قطع كل هذه المسافات الطويلة وصولا الى
أرض سيد الشهداء (ع)؟.
إن هذه الاشارات اذا دلت على شيء إنما تدل على توافر القوى
الروحية العظيمة في هذه الاجساد المليونية التي تعتني مقام أبي
عبدالله الحسين (ع)، الأمر الذي يقودنا الى نقيض السائل وهو
المسؤول، حيث نتطلع بكثير من الامل الى المسؤولين على اختلاف
انواعهم ومشاربهم لكي يستثمروا هذه المناسبات في تنمية طاقات الشعب
وتنمية إستعداده لفعل الخير بما يعود بالفائدة الجمعية على جميع
الناس.
إن الخدمات التي تقدمها السرادق الحسينية من مأكل ومشرب ومحطات
استراحة للزائرين هي نوع من انواع العمل التطوعي الذي يدخل في مجال
التعاون والتكافل والخدمة الطوعية لأبناء الشعب، كما أن هناك
كثيرا من بيوت الناس تستقبل الزائرين وتوفر لهم غرفا للراحة
والاستراحة والإطعام، بل هناك منهم من يصبح (مدلكاً) لأرجل وأقدام
الزوار ومنهم من يوفر الماء الدافئ لهم كي يخفف عنهم من وطأة السير
الطويل ومشقته.
إن هذه الاعمال التي تشكل جزءً من الشعائر الحسينية إنما تدل
على استعداد جماعي للعمل التطوعي، ونرى ان تنمية مثل هذا الشعور
والاستعداد النفسي للمواطنين أمرا مناطا بمن يتصدر قيادة القوم،
رسميا كان أم أهليا.
وهذا هو الجانب الثاني الذي يتعلق بالمسؤول، ولعل مثل هذا العمل
الجماعي العفوي يشكل نوعا من التحريك الاجتماعي وينبذ الخمول أو
اللجوء الى السبات الذي يعود بالضرر على الجميع قطعا، فلقد سمعنا
ان ثمة مؤسسات ومنظمات انسانية تقدم اعمالا وخدمات طوعية في بعض
دول العالم لشعوبها او لغيرها، ومع ان جهدها يقتصر على خدمات بسيطة
لكنها تأخذ طابعا مميزا من الرعاية الرسمية والشعبية اضافة الى
تسليط الضوء الاعلامي عليها بما يجعلها قدوة يحتذى بها.
ولذلك نقول إن بامكان من يهمهم الامر والمسؤولين منهم أن
يستثمروا مظاهر الوحدة بين الشعب العراقي في مثل هذه المناسبات
المقدسة التي تدفع بالملايين الى القيام بأنشطة منسجمة ومتماثلة،
وذلك من اجل تنمية المؤشرات الايجابية التي تتوافر لديهم، سواء من
حيث الاعمال الطوعية لخدمة زوّار الامام الحسين (ع) التي تنم عن
استعداد نفسي للتكافل الاجتماعي، أو من حيث مظاهر التوحد بين
المؤمنين لأداء هدف واحد هو زيارة كربلاء المقدسة، حيث يمكن
استثمار هذا التوجه في زيادة لحمة الشعب وتنمية تطلعاته في بناء غد
أفضل.
إننا كمؤسسة ثقافية نؤمن بوجوب الافادة القصوى من أي مظهر من
مظاهر تنمية قدرات الشعب الطوعية والايمانية، ونعتقد بأن مناسبة
الزيارة الأربعينية لاستشهاد الامام الحسين (ع) وما يرافقها من
طقوس وشعائر جماعية لقادرة على تنمية نزعة العمل التطوعي الفردي
والجماعي لدى الجميع بما يزيد من لحمة الشعب وترصين وحدته شريطة أن
يرافق ذلك إهتمام من لدن الجهات ذات العلاقة، ويجب أن لا ينحصر
إستثمار مظار التوحد والتعاون والتكافل بجهة دون غيرها، إذ أن
الهدف ينبغي أن يكون ذا نزعة جماعية رسمية وأهلية لكي يتحقق الغرض
من هذا الاسثمار لطاقات الملايين التي تقوم بعمل عفوي لكنه في حالة
التوجيه والافادة سيزيد من لحمة الشعب وقوته من خلال تنمية القدرات
الفردية والجماعية على إشاعة تقاليد وقيم التعاون والتكافل والمحبة
والتسامح وما شابه، لتسموا بالشعب الى ما يستحقه من مراتب الحياة
الحرة الكريمة. |