الصفحة الرئيسية

مجلة النبأ

ملف عاشوراء

 
عاشوراء الحسين 1430هـ
 عاشوراء الحسين 1429هـ

  عاشوراء الحسين 1428هـ

  عاشوراء الحسين 1427هـ

  عاشوراء الحسين 1426هـ

  من نبض عاشوراء 1425هـ

  من نبض عاشوراء 1424هـ

  عاشوراء في ذاكرة النبأ

 مجالس عاشوراء

 صور عاشوراء

 مواقع عاشوراء

اتصل بنا

 

 

الإمام الحسن (ع) في ذكرى استشهاده: صرخة ضمير المصلحين

فاضت عبقريته الوقادة بترميم الانشقاق الخطير في المسلمين

الباحث/ عبد الكريم العامري

شبكة النبأ: في ارجاء يثرب، تفتّحَ نور، وفاضت نفحة، فترنحت لها الافئدة جذلاً، وأنطلقت الحناجر شكراً، يومها تألقت طلعة، كدرّة الندى في اجفان الفجر، اذ تفتق البرعم عن أزكى اصل في التاريخ، فسمّاه الرسول المصطفى (ص) (حسناً) لا يمسه قبيح، وأعطاه اكبر شحنة من معاني البر والأخلاق، عندما أفرغ في أذنيه الاذان والاقامة، لتكون كلمة الله أول تغذية تجري في عروقه وتشع في ثناياه، وأول صرخة تجلجل في مسامعه، لتوقظ مشاعره على تكبير الله تعالى، وتردد أصداؤها في اعماقه، وتصقل ذاته الواعية، فتبرعم اذناً جامعة، وعيناً حكيمة، وقلباً تتيه فيه الابعاد والآفاق، فيدخل الدنيا ويخرج منها على كلمة: (الله اكبر)

المولود الاول:

استقبل الوجود أول مولود أنجبه عبد المطلب مرتين، كما كان علي (ع) أول مولود أنجبه هاشم مرتين، فاحتفل الكون والحياة، بعبقرية تمثّل تراث الاكرمين في وليد ومفهوم العظمة في انسان.

يومها تألقت في البيت النبوي شخصية كرست مراحل ثورة الإسلام في عنفوانها، فكان مشرقاً عميقاً، تهلل في أساريره بشائر الفتوحات، وتتكسر أهوال الحروب، حيث كان جنيناً في بطن أمه، تتابع بلهفة وارتباك، ما يدور حول رسالة ابيها من انتصارات فتأثرت بخواطرها، كما يتأثر القلم بما يواجه من مناظر، وترسبت على ذاته الطرية وعقله المرن الفذ نفس مطمئنة بالايمان..

الرعاية:

ترعرع المجتبى (ع)، نقي البال في بيئة مرهفة، تدافعت اليها روافد النبوغ والجلال، مغموراً برعاية جد لم تشغله اعباء الرسالة، عن مناغاة حفيده ومناجاته، كما عكف والده على صقله وترويضه بأشرف التعاليم، وأمداده بالمواهب والطاقات الايمانية، وهو رغم حداثته كان يلتقم ما يتفجر من قلب مدينة العلم، ويلتهم ما ينبعث على لسان أمير الكلام، فيروي لأمه آيات الوحي التي نزلت على جده المصطفى والخطب التي يلقيها (ص) على المسلمين.

بين قلبين

بدأ الحسن حياته، بين قلب الرسول، الساهر على حفيده، وقلب الزهراء، الواجد على نجلها، على مثل هذا المشهد تفتحت عيناه للنور، فكان يستوحي الكمال من أساتذته الثلاثة، شخوص النبوة والإمامة والعصمة، ليفيض على الناس ما تلقف منهم من مثل وقيم.. وصحّت فيه اقوال الرواة:(كان الحسن أشبه الناس برسول الله).

كان الرسول (ص) يعلم أن الحسن (ع) سيكون الإمام المصلِح، الذي يسجل مصدر جريان التاريخ، وأن الآراء والأداب تتحطم حواليه للتحكم في مصير المسلمين، لم يتردد في أستخدام منبر النبوة، ليذيع من ذروته مكانة الحسن (ع)، رغم انه لا يرمي الكلام على عواهنه، ولا يسترسل مع الرغبات، ولكن أهل البيت، بما هم وكما هم، جزء حيوي من الرسالة لم يغفله الرسول (ص). ولذلك، ما فتىء عن التحدث الى الجموع المتزاحمة حوله قائلاً صلى الله عليه واله:( من سرّه أن ينظر الى سيد شباب أهل الجنة، فلينظر الى الحسن وأما الحسن فأنه مني، أمره أمري، وقوله قولي، فمن تبعه فأنه مني، ومن عصاه فليس مني).

وقوله (ص): (الحسن والحسين أبناي، من احبهما احبني، ومن احبني احبه الله ومن احبه الله ادخله الجنة، ومن ابغضهما ابغضني، ومن ابغضني ابغض الله، ومن ابغض الله ادخله النار).

النبوغ وجاذبية الشخصية

نبغ الحسن (ع) تحت رعاية أبيه امير المؤمنين (ع)، الذي كان يوليه اشد الاهتمام، ويغمره بثقافاته الغزيرة، وان غاب واصل تغذيته الفكرية، يملي عليه الرسائل حتى اصبح ثاني رجل في الدولة الإسلامية، وخاض حروب ابيه قائداً ومثيراً، يحمل اللواء، ويخوض الغمار الاول، فيكتب النصر بذئابة السيف، ويناقش أباه الرأي، حتى يقول السامع: (الحسن مصيب وأبوه مصيب).

وقد توفرت فيه (ع) عناصر الجاذبية وقوة الشخصية، حتى ان احد خصومه الشاميين رآه في يثرب، فطفق يكيل له القذف والسباب البذيء، حتى أستنفذ سخائمه، فرد عليه الامام: (أيها الشيخ، أظنك غربياً ولو سألتنا اعطيناك أو استرشدتنا أرشدناك، وان كنت محتاجاً أغنيناك).

فأنهار الشامي تجاه ذلك الشموخ النبيل، معتذراً: (الله أعلم حيث يجعل رسالته فيمن يشاء).

كريم اهل البيت عليهم السلام

كان سخاؤه العاصف لا يبقي ولا يذر، حتى لقِّب بكريم أهل البيت، وقد خرج من جميع ما يملك مرتين، وقسّم أمواله نصفين ثلاث مرات فأنفق نصفاً وأبقى نصفاً، وكان يبادر السائل بالعطاء، قبل ان يفاتحه بالسؤال، وبينا هو في مجلسه ارتاده إنسان فدفع اليه عشرين الفاً، فنادى الرجل الذي دهشه جلالة الموقف قائلاً: ( يا مولاي، الا تركتني أبوح بحاجتي وأنشر مدحتي، فارتجل الامام:

نحن أناس نوالنا خضل      يرتع فيه الرجاء والامل

تجود قبل السؤال انفسنا     خوفا على ماء وجه من ان يسل

لو علم البحر فضل نائلنا    لفاض من بعد فيضع حجل

النصوص والحجج

تكفي الإمام الحسن (ع) نصوص القرآن، وتصريحات الرسول الاكرم (ص)، فهو من أهل البيت الذين قال الله فيهم: (ويطهركم تطهيراً) الاحزاب 33.

وهو من الذين تحدى بهم الرسول (ص) أعداءه في المباهلة، فأنزل فيهم: (فمن حاجك فيه من بعد ما جائك من العلم، فقل تعالوا ندع أبنائنا وأبنائكم ونسائنا ونسائكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين).. آل عمران 61.

تاريخ البطولة

الامام الحسن (ع) هو البطل المحنك الموهوب، الذي عاش أعنف الازمات السياسية، فصان البقية من آل الرسول (ص)، وحصن المسلمين، بسياسته الحكيمة المعبرة عن الايمان بالله، ولئن لقي الجفوة من التاريخ والدراسات، فهو النبعة التي لن تخمد اشراقها كثرة الروايات أو قلتها.

والواقع الذي يُستطلع من خلال التاريخ، وتؤكده احداث الحقبة التي عاشها الحسن (ع)، رغم انها مرتبكة جداً إلا ان الإمام (ع) كان واضحاً فيها. فالواقع ان الامام اعتزم للحق ولوجه الله _ لا جشعاً في الملك والزعامة _ أن يحرر الامة من الاغلال المفروضة عليها، فرأى بنظره الثاقب الذي أسعفه تسديد الله، أنه يقابل جيشاً من عبدة المادة، قد تحيزوا لمن يدر عليهم الذهب والفضة والمناهب مدراراً، فعليه اما ان يصمد فيُقتل وتُفنى بقية الله في الارض أو يُصلح ويبقى ليفضح الظالم الاثيم ويجمع الاشعاعات النبوية، ويعدها لفضل آخر من الادوار الحياتية.

فجعل يتطلع الى الافق البعيد، يفكر كثيراً بعقله الوفير، وقلبه الذي لم يجد اليه غير وحي الضمير سبيلاً، ففاضت عبقريته الوقادة، بأن يرمم الانشقاق الخطير في المسلمين، ويعبئ للمستقبل أصلب الابطال... فأختار الصُلح، وأجّل الثورة لأخيه الحسين (ع) واثقاً من ان نهجه ونهج اخيه سيد الشهداء يكمِّلان الإسلام، كما أنبأ الرسول (ص) عنهما حينما قال:(الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا).

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 7/شباط/2009 - 11/صفر/1430

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م

annabaa@annabaa.org