الصفحة الرئيسية

مجلة النبأ

ملف عاشوراء

 
عاشوراء الحسين 1430هـ
 عاشوراء الحسين 1429هـ

  عاشوراء الحسين 1428هـ

  عاشوراء الحسين 1427هـ

  عاشوراء الحسين 1426هـ

  من نبض عاشوراء 1425هـ

  من نبض عاشوراء 1424هـ

  عاشوراء في ذاكرة النبأ

 مجالس عاشوراء

 صور عاشوراء

 مواقع عاشوراء

اتصل بنا

 

 

الإعلام الحسيني واقع وطموح

نظرة استشرافية لمستقبل الإعلام الحسيني

الشيخ ياسر الصالح

يشع في كل عام نور الحسين(ع).. وتضئ قضيته الخالدة الدروب المعتمة.. وكأنها إشراقة الشمس في كل صباح، تزيح الظلام وتنشر الضياء.. حاملة معها في كل عام مجموعة من المعاني والكلمات والتي ارتبطت بها ارتباط النور بالشمس فلا تكاد تنفك عنها.. ولا تبرحها إلا لتعود إليها.. كالتضحية والوفاء والشجاعة والشهادة والبطولة والصدق.. وغيرها الكثير..

وانتشار النور الحسيني اخذ أشكالاً متنوعة وطرقاً مختلفة في واقعنا الراهن، فإن كان المنبر والقصيدة في السابق أوسع وسائل نشر القضية الحسينية، فإن الفضاء الرحب اليوم راح يلهج بذكر الحسين(ع)، ووصل صوت ثورته الخالدة إلى كل بيت في كافة أرجاء المعمورة، فهوكشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها.

ما هوالاعلام؟

إن تتبع التعاريف التي أطلقها العلماء والباحثين في مفهوم "الإعلام" تقودنا إلى مجموعة من التعاريف لكلمة "الإعلام"، فيعرف الدكتور حسين عبد الحميد الإعلام في كتابه "العلاقات العامة والإعلام": (الإعلام هوالعمليات التي يترتب عليها نشر المعلومات، وأخبار معينة، تقوم على أساس الصدق، والصراحة، واحترام قول الجماهير، وتكوين الرأي العام عن طريق تنويره..).

 أما العالم الألماني "اتوجروت" فيعرفه بأنه: (التعبير الموضوعي لعقلية الجماهير ولروحها وميولها واتجاهاتها في نفس الوقت)، بينما يعرفه الدكتور نبيل عشوش في كتابه "المهارات الإعلامية للعلاقات العامة" بأنه: (نشاط اتصالي هادف إلى تزويد الجمهور بالحقائق عن الأمور والقضايا المعلنة، وبدون أي زيادة أومبالغة، مما يسهم في النهاية إلى خلق رأي عام واعي، ومحيط بجميع الأبعاد والزوايا) ويمكن لملمة خيوط هذه التعريفات في تعريف واحد وهو: (الإعلام هوأسلوب إبلاغ الناس بالحقائق الصادقة، وهوكل النشاطات التي تمارس لنقل الصورة الصادقة للناس جميعاً..)، وباختصار أكثر: (هوفن توصيل المعلومة إلى الناس والتأثير فيهم)، وتطلق على التكنولوجيا التي تقوم بمهمة الإعلام والمؤسسات التي تديرها اسم وسائل الإعلام.

ولابد أن نشير إلى عناصر عملية الاتصال، والتي يعد الإعلام فرعها الأساس كما بينها "هارولد لازويل " حيث يقول: (إن أي عملية اتصال حقيقية لابد أن تتضمن العناصر التالية:

المرسل: وهومصدر المعلومات.

الرسالة: وهي المضمون.

الوسيلة: وهي القناة أوالأداة المستخدمة للاتصال.

المستقبل: وهوالمتلقي.

وأخيراً النتيجة: والتأثير ويضيف إليها شانون وويفر منعلماء الاتصال: قياسالنتيجة بالهدف المراد الوصول إليه من العملية الاتصالية، وفي كل الأحوال فإن عناصر الاتصال الأساسية أربعه هي: المرسل والمستقبل وما بينهما الرسالةوالوسيلة.

أهمية الإعلام

لقد فطن الإنسان ومنذ القدم إلى أهمية الإعلام، ولذلك أولى وسائل الإعلام أهمية كبيرة، ومع تطور وسائل الإعلام في العصر الحديث ازدادت أهمية الإعلام في الاتصال بالجماهير، وتقوية عملية الحراك الاجتماعي والتأثير على الرأي العام، حتى أن وسائل الإعلام أصبحت بديلاً لانتقال الفرد من مكان إلى اخر, إذ أنها تدخل إلى المجتمعات فتنقل لها العالم الخارجي, مما يؤدي إلى تغيير الثقافات، وتلون المجتمعات بأصباغ وطباع غريبة عنه، كما ويؤدي إلى تغيير الثوابت لدى الرأي العام، ورسم اتجاهات جديدة تخدم سياسات مبرمجي وسائل الإعلام، وتَسوقُ الرأي العام نحوالطريق المرسوم له بغض النظر عن كون المؤثر يبحث عن التأثير الايجابي أوالسلبي.

ولذلك فإننا نرى الدول والمؤسسات تولي الإعلام اهتماماً كبيراً لأنه: (يعد الأداةالرئيسية في صناعة وتوجيه الرأي العام وتشكيل القناعات، بما يلائم أوينسجم معتوجهات وأيديولوجيات وسياسات كل دولة أومؤسسة) كما يقول "سامي البدري".

وليست تجربة فوز الرئيس الأمريكي أوباما ببعيدة عنا، حيث لعب الإعلام دوراً كبيراً في تحقيق هذا الفوز، فقد كشفت قناة الـ "CNN" الستار عن الدراسة التي أجراها "مركز الشؤون العامة والإعلام" وأوضحت أن معظم التعليقات الصادرة عن قنوات التلفزة الأمريكية، ومنها ABC وCBS، وNBC، كانت إيجابية عن أوباما بواقع 65 %، مقابل 31 % لغريمه الجمهوري، ومن جانبه قال رئيس المركز "روبرت ليتشر": (لسبب ما، الإعلام يصور أوباما بأنه الاختيار الأفضل كرئيس.. فإذا شاهدت الأخبار المسائية فأول ما سيتبادر إلى ذهنك إنه يجب التصويت لأوباما)، ومن جهة أخرى عملت "أوبرا وينفري" كمؤسسة إعلامية تتكاتف مع مصالح أوباما الانتخابية، وسعت أوبرا لتوظيف برنامجها الحواري الشهير في التلفزيون والذي يتابعه حوالي 8.4 مليون متفرج، ووظفت موقعها على شبكة الإنترنت، الذي يبلغ زواره 2.3 مليون زائر، وكذلك استغلت شعبية مجلتها "أو" للغرض نفسه. واستطاعت في ليلة واحدة جمع مبلغ ثلاثة ملايين دولار في ولاية كاليفورنيا دعماً لأوباما.

ومثال اخر على قوة الإعلام ودوره في صناعة التغيير هو"معهد دراسات إعلام الشرق الأوسط" (Memri) والذي يقوم بترجمة انتقائية لمجموعة من المقالات التي تصدر في الصحف العربية، ومن ثم يتم إرسالها عبر البريد الإليكتروني إلى الساسة، والشيوخ، وممثلي الشعب، وصانعي الرأي، والأكاديميين، والصحفيين في أمريكا، ويتم اختيار المقالات المترجمة بعناية وهي غالباً ما تكون مقالات إما تعكس بطريقة سيئة خصائص العرب، أوأنها تعزز بطريقة ما الأجندة السياسية لإسرائيل، يقول إبراهيم هوبر من مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية للواشنطن تايمز: (إن Memri"" تسعى لانتقاء أسوأ المقتطفات من العالم الإسلامي لتقوم بنشرها على أوسع نطاق ممكن". ولقد كان لهذا المعهد الدور الكبير في تغيير الكثير من السياسات الأمريكية إضافة إلى صناعة الرأي العام الأمريكي باتجاه سياسات معينة تخدم الأجندة الإسرائلية.

الإعلام الفضائي.. لماذا؟

تتعدد وسائل الاتصال، ولكل نوع تأثيره، وتتنوع مستويات التأثير بتنوع الوسائل إلا أننا سوف نتناول في بحثنا هذا الإعلام الفضائي بالخصوص، وذلك للتأثير العميق للصورة حيث أن الإنسان يتأثر بما يشاهد ويعلق ذلك في ذهنه أكثر بكثير مما يقرأ، حيث أن الناس يتذكرون 10 % مما يقرؤون بينما يتذكرون 80 % مما يشاهدون، هذا إضافة إلى التطور الهائل الذي حصل في مجال البث الفضائي، وانتقال الصورة، والكم الكبير من القنوات الفضائية التي غزت العالم، ودخلت إلى غرف نومنا، حيث تشير إحدى الدراسات إلى أن 69% من الجمهور العربي يشاهد الفضائيات لمدة 4 ساعات يومياً..

 ومن جهة أخرى نرى أن ثقافة الفضائيات استطاعت أن تقود الناس، وتؤثر فيهم فكرياً، وسياسياً، واجتماعياً، بشكل كبير وكأنهم يتغيرون بشكل جماعي وبتوقيت واحد، ولن ندخل في تفاصيل الأرقام والإحصائيات التي تؤكد هذا التغيير سواء السلبي منه أوالايجابي. وأخيراً إن الصورة قد تخدع الجمهور وتقنعه بأنها هي الحقيقة بذاتها سواء طابقت الواقع أولم تطابقه فهي: (لا تكتفي ببراعة الانتقال إلينا والتسرب إلى بيوتنا.. بل إنها، على المستوى المعرفي، تخدعنا عندما توحي لنا بأنها هي العلم عينه، والمعرفة عينها، والثقافة ذاتها" كما يقول محمد سبيلا.

الإعلام الحسيني

ثورة عاشوراء ثورة إعلامية ضخمة، أحدثت هزة كبيرة في ضمير الأمة الإسلامية منذ لحظة تفجرها، وإلى يومنا الحاضر.. فقد أرسل الحسين(ع) رسالة إلى كل البشرية مضمونها:الإصلاح على كافة الأصعدة.. ولم تنتهي تلك الثورة الإعلامية بمقتل الإمام الحسين(ع) فقد حملت من بعده أخته السيدة زينب(ع) هذه الراية لتخبر العالم كله بأن الحسين قد قُتل مظلوماً وهوينادي بالإصلاح.. وهكذا فإن القضية الإعلامية هي أهم المفردات التي تتجلى في هذه المناسبة والواجب يحتم علينا العمل لنشر القضية بكل الوسائل الإعلامية الممكنة، وخاصة الحديثة منها: (..ومن المعلوم أن هذا الإعلام يجب أن ينسجم مع المبدأ.. ويجب أن نثبت صمودنا في الإعلام الحسيني، ويجب أن يكون إعلامنا بمستوى الرسالة التي يحملها.. ليكون إعلاماً حسينيا بمعنى الكلمة) كما يقول سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي دام ظله.

 توصيف الواقع الراهن

إعلامنا الإسلامي - فضلاً عن الإعلام العربي- مازال ضعيفاً دون المستوى المطلوب (فللأسف لا يزال الإعلام الإسلامي غائباً، ولازال المسلمون يفتقدون إلى الوسائل الإعلامية الكافية والفاعلة والتي تتناسب ومتطلبات العصر) كما يقول سماحة الشيخ عبد الله ابراهيم الصالح في دراسته الإعلام الإسلامي رؤية قرآنية.

ولغة الأرقام تقودنا إلى حقائق مذهلة ومرة، فمن بين الكم الهائل من القنوات تشكل قنواتنا الشيعية ما نسبته اقل من 2.2 % فقط، في حين أن عدد القنوات المتخصصة في الغناء والرقص والناطقة باللغة العربية بلغ 58 قناة، أما الرياضية فهي 35 قناة، وهنالك 26 قناة متخصصة في الرسائل النصية القصيرة SMS، وفي دراسة عجيبة أجراها أحد مراكز الأبحاث حول المحتوى الثقافي للقنوات العربية، حيث اجري البحث على خمسة من كبار القنوات العربية، فكانت النتائج أن هنالك ما نسبته 1% فقط محتوى ثقافي..يقول الكاتب فهمي هويدي: (لقد عجزنا بالرغم من كل ما يتوفر لنا من إمكانيات إعلامية عن نشر روح الإسلام في الداخل فضلاً عن الخارج).

فواقعنا دون الطموح الذي ننشده، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار حجم الرسالة السماوية التي جاء بها النبي(ص)، وبلغها من بعده الأئمة الأطهار، والثقل الملقى على عاتق العاملين في الفضائيات الدينية والعاملين في الإعلام الحسيني يزداد يوماً بعد يوم، خاصة مع الكم الهائل من القنوات المنافسة والتي تبث كل أنواع اللهووالمتعة، وتعمل بإمكانات هائلة لتغيير الأفكار، وإعادة صياغة شخصية الإنسان وفق أجندات بعيدة كل البعد عن روح الأديان السماوية.

لكن هذا لا يعني خلوالساحة من النقاط المضيئة، والمحاولات الجادة هنا وهناك، لكن كل هذا لا يكاد يمثل نقطة في بحر، وتبقى محاولات يتيمة دون حجم الرسالة الحسينية، والتي يجب أن تكون عالمية، ونحن من خلال هذا البحث نحاول أن نساهم في الارتقاء بهذا الواقع نحومستقبل مشرق، حاملين جميعاً هذه المسؤولية الكبيرة، فلوتقاعسنا اليوم في أداءها، فإن النتائج ستكون وخيمة علينا وعلى أبناءنا، وحيث أن أجدادنا لم يقصروا في إيصال صوت الحسين(ع) لنا بمختلف الوسائل الممكنة في عصورهم، وتحملوا شتى أنواع المشاق من القتل والتشريد وغيرها، لكي تبقى راية الحسين(ع) خفاقة في سماء الحرية، واليوم هذه الراية مرهونة بعمل أبناء الأمة للحفاظ عليها.

أهداف ورسالة الإعلام الحسيني

كانت بدايات انطلاق الإعلام الحسيني مع خطابات الإمام الحسين عليه السلام، والتي أعلن فيها مواقفه بصراحة، وخططه، ثم بعد واقعة الطف كانت خطابات السيدة زينب(ع)، والإمام السجاد(ع) الامتداد الإعلامي للثورة الحسينية، ثم توسع هذا الإعلام، وانتشر وتطور، ويمكن للمتتبع لهذه الخطابات أن يسجل الأهداف التي أراد الإمام الحسين(ع) إيصالها عبر ثورته، وحيث لا يمكن تسليط الضوء في هذه العجالة على كل الأهداف والرسائل التي أطلقها الإمام عبر هذه الثورة الخالدة ولكن نحاول إبراز بعضها:

- الإصلاح هدف محوري: قال الإمام عليه السلام: (إني لم اخرج أشراً ولابطراً ولا مفسداً ولاظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن أمر بالمعروف، وانهي عن المنكر وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب)، لذا لا يمكن التخلي عن الإصلاح في الأمة، ويجب إبراز هذه الرسالة عبر الإعلام الحسيني في هذا اليوم عبر التأكيد على أهمية الإصلاح على مختلف الأصعدة سواء الاجتماعية منها أوالسياسية اوغيرها.

- مرجعية الحق: قال الإمام الحسين(ع): (فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رد علي هذا صبرت حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق...) حيث أكد السبط الشهيد: أن المرجعية للحق في أي تحرك أوعمل فمنهج الحق هوالحاكم على كل الأجندات في مختلف ميادين الحياة.

- رفض الباطل : كما أكد الإمام على أهمية التمسك بالحق، فقد أكد أيضاً على رفض الظلم، والباطل، فلا يكفي أن تقبل بالحق دون أن ترفض الباطل، وتتبرأ منه، قال (ع): (ألا ترون إلى الحق لا يعمل به وإلى الباطل لا يتناهى عنه.. ليرغب المؤمن في لقاء ربه..).

- الحقيقة ناصعة في كبد السماء: يحاول الكثير تبرير وقوفه إلى جانب الباطل بعدم وضوح الرؤية، وعدم تشخيص الحق، وهذا ما أراد الإمام الحسين(ع) دحضه وبيان عكس ذلك حينما قال: (الحق أبلج لا يزيغ سبيله والحق يعرفه ذووا الألباب)

 - خلود الرسالة رغم محاولات التعتيم الاعلامي: وهذا ما أكدته السيدة زينب وبينته بوضوح حينما قالت: (فكد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك، فوالله لا تمحوذكرنا، ولا تميت وحينا.. وهل رأيك إلا فند وأيامك إلا عدد، وجمعك إلا بدد، يوم ينادىالمنادي ألا لعنة الله على الظالمين).

- ميزان العاطفة: البكاء على الإمام الحسين(ع) رابطة قوية لا تنفصم.. تربط قلوب المؤمنين بمبادئ الحسين(ع) وقيم الثورة لكي يغسلوا أعينهم دوماً بالدموع.. فيبصروا نور الحقيقة.. وينجلي الحق أمامهم.. وتظهر الحقوق لهم ساطعة.. فالعاطفة بحد ذاتها ليست قيمة من القيم بل إن قيمتها في ما تعبر عنه من قيم الحق والعدل والحرية لذلك نرى كيف أن السيدة زينب(ع) ترفضه وبشدة فما هذه الدموع الا لتقوية الرابطة بقيم الثورة الحسين فهي تخاطب أهل الكوفة : (أتبكون؟ فلا رقأت الدمعة ولا هدأت الرنة، إنما مثلكم كمثل التينقضت غزلها من بعد قوّة أنكاثاً، تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم،.. ألا ساء ما قدّمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون..)

نحوإعلام حسيني متميز

بعد التأكيد على أهمية الإعلام الفضائي في هذا العصر الراهن، وانطلاقاً من الواقع الحالي لإعلامنا كان لابد لنا أن نقف وقفة جادة، يقف فيها كل العاملين والمثقفين لوضع النقاط على الحروف، والانطلاق بقوة نحوإعلام حسيني متميز حاملاً للرسالة الحسينية، وموصلاً للصوت الزينبي إلى كل أصقاع العالم.

إن التخطيط الاستراتيجي لأي عمل إعلامي -كما يقول المتخصصون في هذا المجال- يعتمد على مجموعة من الركائز والتي تسمى "ديناميكية العلاقات العامة " والتي تكون البنية الصحيحة للانطلاق في بناء إعلام مبدع ومتميز وهذه الركائز هي:

1 - استراتيجيات البحوث وجمع المعلومات وإيجاد الحقائق:

لا شك أن أي بناء لا يبنى على أساس سليم سيكون مصيره بلا شك الانهيار، والبحوث تعتبر حجر الأساس في كل المشاريع الإعلامية فلكي تستطيع الخوض في مجال إيصال الرسالة للناس عبر وسائل الإعلام لابد من إعداد البحوث الأولية لتحديد الأهداف المطلوبة من الرسالة وتحديد الآليات، إضافة إلى جمع المعلومات عن الواقع الراهن وما يعتريه من نقاط قوة أوضعف، يقول الدكتور نبيل عشوش: (تعتبر البحوث الأداة الحيوية للحصول على معرفة موضوعية موثوق بها، وينظر إليها باعتبارها عملية مخططة منظمة متشابكة متعددة الأبعاد للبحث عن المعلومات وإيجاد الحقائق).

لذا كان لابد من إنشاء مراكز دراسات متخصصة ترفد مراكزنا الإعلامية بالبحوث والتجارب، والتي تكون بمثابة حجر الأساس الذي يعتمد عليه العاملون في مجال الإعلام الحسيني يقول الدكتور أحمد محمد اللويمي: (إن بناء مراكز بحثية متخصصة على غرار معاهد ومراكز الدراسات الاستشراقية لإرساء قواعد معرفة موسوعية دقيقة ومفصلة تدعم الأعلام الإسلامي أمر لا مفر منه كشرط أساسي في إنجاح الرسالة الإعلامية التبشيرية للفضائيات الدينية).

وهنا لابد أن نشير إلى أهمية التفكير الجدي في الرسالة المراد طرحها للجمهور خاصة وأن رسالة الحسين عالمية وليست مختصة بفئة دون أخرى، فهل نريد نقل الحالة العاطفية فقط والشعائرية ؟- وهي مهمة بلا شك- أم نريد أن ننقل القيم والمبادئ التي استشهد من أجلها الإمام الحسين(ع)؟ ونعولم القضية الحسينية بكل تفاصيلها ومبادئها وقيمها.

ومن جهة أخرى فلكي تكون الرسالة مؤثرة فلابد أن تلامس الواقع الاجتماعي بحيث يستشعرها الجمهور ويدرك أبعادها. ومراكز البحوث المتخصصة في الإعلام والتي ندعوإلى تأسيسها تجنب قنواتنا من الوقوع في الكثير من الأخطاء، نذكر بعضها:

· غياب الأهداف الواضحة المحددة.

· عدم تحديد فئات الجمهور المستهدف تحديداً واضحاً.

· اختيار اللغة التي لا تتناسب مع فئات الجمهور المستهدفة.

· النقص في الجوانب الشكلية التي تقدم بها المادة الإعلامية.

2- استراتيجيات التخطيط والبرمجة:

وهي المرحلة التي تجيب على السؤال: كيف نوصل الرسالة؟ حيث يتم وضع الآليات المناسبة، والأفكار الخلاقة لتنفيذ البرامج، ووضع خطط العمل، والبرنامج هو الخطة التفصيلية الدقيقة المعدة للتنفيذ، فبدون وضع لائحة بالأهداف، وبدون وضع خطط عملية لتنفيذها لن نصل إلى ما نصبوا إليه.. (ذلك أنك مع تحديد أهدافك على خطر أن لا تستطيع تحقيقها، فكيف إذا لم تحددها) كما يقول سماحة آية الله السيد هادي المدرسي.

والخطط تكون على نوعين: خطط طويلة الأجل (الخطط الإستراتجية): وهي التي تزيد عن سنة وقد تصل إلى أكثر من خمس سنوات. أما النوع الأخر فهو الخطط قصيرة الأجل: والتي تقل عن السنة، والهدف من تقسيم الخطط إلى قصيرة وطويلة هو سهولة الوصول إلى الهدف الكبير بتجزئته إلى أهداف صغيرة يسهل الوصول إليها.

وفي هذه المرحلة لابد من الاهتمام بالكيف والنوعية التي نريد إخراج الرسالة إلى الجمهور، فلابد أن نبحث عن أفكار جديدة بعيدة عن الجمود والسرد الممل، فالمشاهد لديه اليوم الكثير من البدائل ليتابعها لذلك لابد من التفكير الجاد في كيفية تقديم الفكر الحسيني إلى المتلقي في هذا الزمن، سواء عبر الفلم السينمائي، أو عبر الأفلام الوثائقية، أو البرامج التفاعلية، أو غيرها مع محاولة إشراك المشاهد وليس فقط تلقينه المعلومات. 

3- استراتيجيات الاتصال والتنفيذ:

وتعتبر هذه المرحلة مرحلة جوهرية ومهمة لأنها تكون صلة الوصل المباشرة مع الجمهور، وهي التي سوف تخرج الرسالة، وتبثها إلى المشاهدين، ولا تقل أهمية هذه المرحلة عن أهمية مرحلة التخطيط والبرمجة ذلك أنها المرحلة المفصلية التي نكتشف فيها قدراتنا وإمكانياتنا على تنفيذ الخطط التي قمنا برسمها ومدى تقبل الجمهور لها.

4 - قياس النتائج وتقويم البرامج:

وهي مرحلة جداً مهمة، ولكنها -ومع الأسف- تكاد تكون مهملة في واقعنا الإعلامي، فنحن نفتقر إلى الوقفة الجادة في مراجعة نشاطنا السابق، وتقييمه لتصحيح الأخطاء وتطوير الأداء لأنه: (لن يستطيع أي ممارس للعلاقات العامة، وعمليات الاتصال تحسين أدائه دون أن يقوم بتقويم الأنشطة التي مارسها) كما يقول الدكتور نبيل عشوش. وتتم عملية التقويم عبر مرحلتين هما:

· التقويم المرحلي: وهو الذي يتم أثناء التنفيذ وعلى امتداد الفترة الزمنية المحددة.

· التقويم النهائي أو الشامل: وهو الذي يتم بعد تنفيذ البرنامج بهدف التعرف على مواطن القوة والضعف فيه والاستفادة من ذلك في المخططات القادمة لبرامج أخرى.

واهم سؤال يجب طرحه في هذه المرحلة هو: هل وصلت الرسالة المراد إرسالها إلى الجمهور بالشكل الصحيح والكامل؟ ذلك أن الهدف الرئيسي من كل هذه العمليات الإعلامية هو إبلاغ الجمهور بالرسالة المختارة.

إعلامنا بين تحديات النجاح ومواجهة الصعوبات

لا أحد يحب وجود العقبات، والمشاكل في طريقه.. ولكن لا أحد ينجو منها! فالمشاكل والعقبات والتحديات جزء من الحياة شأنها في ذلك شأن الليل الذي هو جزء اليوم.. وإذا كانت شبكات إعلامية ضخمة تعاني من مشاكل، وتشتكي فكيف بشبكاتنا الإعلامية الوليدة؟!! فالدكتور نبيل الخطيب مدير التحرير بقناة العربية الإخبارية يقول: (إن التحدي الذي تواجهه الفضائيات الإخبارية العربية تحدي كبير خاصة مع حجم المنافسة الكبير وضعف الإمكانيات من عدد محدود للموظفين وقدرات إنتاجية خجولة إضافة إلى ضعف الدعم المادي..)، ولذا فإن العقبات والتحديات كثيرة ولكن نقف عند أهم هذه العقبات:

1. التحدي المالي: المال عصب الحياة المعاصرة، وبدونه لا يمكن صنع أي شيء، وخاصة في مجال الإعلام الفضائي، والذي يحتاج إلى ميزانيات ضخمة جداً، فعلى سبيل المثال تم صرف مبلغ سبعة وثمانين مليون دولار على تأسيس قناة الحرة، إضافة إلى ميزانية تشغيلية تقدر بسعة ملايين دولار سنوياً، بينما كانت ميزانية قناة الجزيرة عند تأسيسها أكثر من أربعين مليون دولار. والواقع يشير إلى ضعف في تمويل قنواتنا، مما يؤثر بشكل سلبي على إنتاجيتها، بل وعلى استمراريتها أصلاً.. إلا انه يمكن تجاوز هذا التحدي من خلال الاهتمام في الجانب الدعائي والرعائي في القنوات بشكل أكثر جدية، ومن خلال توجيه التجار للاستثمار في هذه المشاريع (وليس فقط التبرع) والعمل على خلق مشاريع استثمارية تدعم العمل الإعلامي.

2. نقص الكفاءات: إن ضعف الكوادر العاملة في وسائل إعلامنا، وقلة خبرتها وعدم احترافيتها يعد عائقاً كبيراً يحول دون تطور هذه القنوات، خاصة إذا أيقنا بأن الإعلام المنافس يشحذ أفضل الكفاءات لكي ينتج أفضل ما يمكن.. فعلى سبيل المثال قناة الجزيرة عند انطلاقتها وظفت أكثر من 120 موظف من أصحاب الخبرات الإعلامية العريقة. وهذه العقبة يمكن تجاوزها من خلال التخطيط الجاد لتدريب الكوادر العاملة بشكل احترافي، ولا ضير من الاستفادة من تجارب عمالقة الإعلام العالمي والتدرب على أيديهم، كما انه لا مانع من استقطاب شركات إنتاج عالمية لديها الخبرة، والكفاءة في الإنتاج، للحصول على إنتاج يضاهي وينافس الإنتاجات المضادة.

3. التخطيط: اشرنا فيما مضى إلى أهمية التخطيط والذي بدونه سنبقى ندور ضمن دوامة مفرغة دون الوصول إلى بر الأهداف الكبيرة المرجوة، وهنا نؤكد على أهمية مراكز البحوث والدراسات الإعلامية المتخصصة مرة أخرى والتي يجب أن ترفد إعلامنا بالدراسات والخطط التي يحتاجها، لنستطيع بذلك الوصول إلى الغايات السامية التي ننشدها من هذه الوسائل. يقول سماحة السيد محمود الموسوي: (الحاجة إلى مراكز دراسات هي الحاجة إلى رؤى تأصيلية جادّة بعرض إسلامي واضح وقائم على الأسس والقيم الدينية العليا، إضافة إلى بلورة الخطاب الديني بشكل يتوافق مع الواقع القائم، طولاً وعرضاً).

4. الإرادة الحقيقة والجادة: قد لا نمتلك تلك الإرادة الجادة للنهوض بإعلامنا إلى مستوى الإعلام العالمي أو حتى العربي، وقد تكون لدينا الإرادة دون العزيمة الحقيقة.. وهذا لا يقتصر فقط على العاملين بل لابد أن تكون هذه الإرادة جمعية تشمل كل فئات المجتمع، فكثيراً ما نسمع المثبطين والانهزاميين والذين يبعثون فينا إرادة الفشل، ولكن إذا استطعنا وضع النجاح أمام أعيننا فإننا سنصل إليه دون شك (فما رام امرئ شيئاً إلا ناله أوما دونه) كما يقول أمير المؤمنين عليه السلام، ولسماحة آية الله السيد هادي المدرسي كلمة رائعة يقول فيها: (المشكلة الأولى لدى الفاشلين لا تتمثل في أنهم لا يريدون لأنفسهم النجاح وإنما تتمثل في أنهم يريدون لها الفشل).

الأطفال ذلك الغائب في الإعلام الحسيني

ليس الأطفال بمنأى عن تأثير الإعلام الفضائي الايجابي منه والسلبي، ومع الأسف فان التأثير السلبي هوالغالب والأرقام والدراسات تندر بواقع خطير يحيط بالجيل الصاعد عبر غرس أفكار في لا شعور الأطفال وترسيخها بشكل كبير، وهدم عقائدي مبرمج ابتداء من عقيدة التوحيد ومروراً بباقي العقائد والأخلاقيات، فعلى سبيل المثال: قامت جمعية للعلوم النفسية في أمريكا, بدراسة عن ظاهرة العنف عند الإحداث فتبين أن الطفل الذي يشاهد التلفزيون 72 ساعة في الأسبوع سيشاهد 8000 مجرم و100.000 عمل من أعمال العنف من سن الثالثة حتى العاشرة, وطبقاً لما كشفت عنه الإحصاءات فإن المواطن الأمريكي ببلوغه سن الثامنة عشرة يكون قد شاهد 200.000 عمل من أعمال العنف منها 40.000 قاتل, كما أعلن "المعهد القومي للصحة العقلية" أن هنالك ما يزيد عن 700 دراسة وتقرير علمي أجريت في 19 دولة, تؤكد هذه الأرقام بنسب متفاوتة.

وعلى الرغم من أن الطفولة كانت حاضرة في كربلاء إلا أننا نراها -ومع الأسف- غائبة اليوم عن الإعلام الحسيني، لذا نحن بحاجة إلى إدراج برامج الأطفال ضمن خططنا للإعلام الحسيني، لنساهم في صناعة جيل جديد يتحلى بالثقافة الحسينية المطلوبة، وإلا فإن التيارات القادمة من كل حدب وصوب سوف تجرف عقول وأدمغة صغارنا دون أن نشعر بذلك.

الخاتمة:

الحسين لم ينته ولا يمكن أن ينتهي وثورته ممتدة ونحن نجدد ذكرى كربلاء وعاشوراء كل عام بل كل يوم لأن الحسين يعيش بيننا، وندائه يملأ آذاننا، ودمه يجري في عروقنا، ولذلك فعلينا أن نهتم بالإعلام الحسيني من أجل ترسيخ المسيرة الإيمانية ونشر قيم الثورة الحسينية.

* عالم دين- البحرين

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 20/كانون الثاني/2009 - 22/محرم/1430

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م

[email protected]