الصفحة الرئيسية

مجلة النبأ

ملف عاشوراء

 
عاشوراء الحسين 1430هـ
 عاشوراء الحسين 1429هـ

  عاشوراء الحسين 1428هـ

  عاشوراء الحسين 1427هـ

  عاشوراء الحسين 1426هـ

  من نبض عاشوراء 1425هـ

  من نبض عاشوراء 1424هـ

  عاشوراء في ذاكرة النبأ

 مجالس عاشوراء

 صور عاشوراء

 مواقع عاشوراء

اتصل بنا

 

 

العمل المدني والتطوعي في عاشوراء

جميل عودة/مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث

ارتبطت الايام العشرة الإول من شهر محرم من كل عام، بذكرى استشهاد الامام الحسين بن علي بن أبي طالب "ع"، ومعه كوكبة من أهل بيته وأصحابه، في واقعة الطف، المعروفة تاريخيا. 

ولواقعة الطف في كربلاء، أهمية وأثر بالغ في نفوس المسلمين - رغم مضي حوالي ألف وثلاثمائة وسبعين سنة على وقوعها-  وذلك لكونها كانت تمثل صراعا شاخصا بين أنصار الحق وأنصار الباطل، بين دعاة الصلاح ودعاة الفساد، بين إمام مفترض الطاعة وسلطان جائر ومستبد.

ولكون ضحايا الطف كانوا من أحفاد وأبناء أحفاد رسول الله"ص"، وبعضهم شباب وأطفال ونساء، ولان رسالة عاشوراء كانت رسالة قيم واصلاح ، كما حددها الإمام الحسين (ع) -وهو الضحية الأكبر-  اثناء إعلان بيان هدف نهضته الاجتماعية، وسبب خروجه عن طاعة الحاكم الجائر، بقوله : (إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً.. إني خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدّي ولآمر بالمعروف ولأنهى عن المنكر). و بقوله عليه السلام: (إن كان دين محمدٍ لم يستقم إلاَّ بقتلي فيا سيوف خذيني).

فقد أحيا الحسين"ع" وأهل وبيته وأصحابه في واقعة كربلاء، تلك القيم الصالحة التي دعا الله إليها، والتي من أجلها بعث رسوله وأنبيائه، والهم أوليائه للسير على خطاها، فما كان أمام البشرية إلا تحيي ذكرى الحسين في كل عام. ليس هذا فحسب، بل أصبح الحسين "ع " منهجا يُلهم أتباعه التحدي والصبر، وشعارا يرفعه المظلومون والمتشبثون بقيم الحق والعدل. 

وبحسب المجدد الامام محمد الشيرازي "قدس" فان رسالة عاشوراء هي:  (إحياء الإسلام، وإرجاع القرآن إلى الحياة. وهذا هو ما كان يستهدفه الإمام الحسين عليه السلام من نهضته وشهادته؛ وذلك لأن الإسلام الذي أنزله الله تعالى في كتابه، ونطق به قرآنه، وبلّغ له رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وضحّى من أجله أهل البيت عليهم السلام، وخاصة الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء يوم عاشوراء، هو الدين الكامل، والقانون الشامل، الذي باستطاعته وفي كل عصر وزمان أن يسعد الإنسان، والمجتمع البشري، ويضمن له التقدم والرقي، والتطلع والازدهار).

وباعتبار أن يوم عاشوراء، من الأيام التي غيرت مجرى التاريخ؛ لما جرت فيه من مصائب على أهل بيت رسول الله (ص) ؛ فقد اهتم أئمة أهل البيت(ع) به اهتماماً كبيراً، وحثوا شيعتهم ومحبيهم على إحيائه. وقد نقل لنا التاريخ الكثير من الوقائع والأحداث التي تحكي شيئاً من هذا الإهتمام من قبل المعصومين(ع)؛ فعن الإمام جعفر بن محمد الصادق(ع) أنه قال لفضل بن يسار: (تجلسون وتتحدثون؟ فقال: نعم، فقال: إن تلك المجالس أحبها الله، فرحم الله من أحيا أمرنا؛ فإن من جلس مجلساً يحيى فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب).

منذ  ذلك الوقت أخذت واقعة الطف الكربلائية أبعادا دينية وسياسية واجتماعية وثقافية وإنسانية في حياة المسلمين عموما، والطائفة الشيعية منهم خصوصا، وتعدت هذه الواقعة مكانها وزمانها التاريخيين، لتكون شعارا يرفعه المسلمون وغير المسلمين في كل بقاع العالم للمطالبة بحقوقهم. فهذا غاندي - مثلاً - في كلمته الشهيرة يقول: "تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوماً فأنتصر". وهذا أحد كبار القساوسة، يقول : (لو كان لنا نحن المسيحيين الإمام الحسين؛ لاستطعنا أن ننصِّر العالم كله تحت رايته).

ومن هذا الفهم الانساني للواقعة الحسينية، فقد اضحت لها شعائر ومراسم متعددة، تميزها عن غيرها من الوقائع والاحداث التاريخية، وقد تحولت تلك الشعائر بمرور الزمن إلى أعراف وتقاليد اجتماعية، تتوارثها المجتمعات جيلا بعد جيل، كما يتوارثها الافراد أبا عن جد. وذلك من منطلق أنه (مثلما ثار الإمام الحسين عليه السلام في طريق تطبيق الإسلام والعمل بقوانين القرآن، يتوجب علينا كذلك أن تكون خطانا إثر خطاه عليه السلام، وأن نسعى لتطبيق أحكام الإسلام في بلدان العالم الإسلامي).

واليوم، يؤدي الملايين من المسلمين؛ يتبعهم بعض غير المسلمين، الشعائر والمراسم الحسينية المختلفة من تلقاء انفسها، حبا بالحسين وأهل بيته وإحياء لمظلوميته، وعظة وعبرة لهم من حيث أنها تمثل مرتكزا لأبناء مستقبل خالي من الظلم والعنف،  والحرب والدمار، فكانت الاعمال التطوعية والخيرية، الفردية والجماعية، المنظمة أو الآنية هي المائز لتلك الشعائر.

ومن الشعائر الحسينية التي يؤديها المسلمون سنويا هي إقامة مجالس العزاء التي تقام في المساجد والحسينيات، ومواكب الزنجيل "الضرب على الأكتاف بالسلاسل الحديدية". وتعليق النشرات الضوئية في الأماكن العامة وفي المنازل والشوارع، ورفع الرايات على واجهات المنازل، وفوق السطوح بألوان متعددة الغالب فيها اللون الأسود والأحمر والأخضر.

يقول السيد عبد الكريم شاوي إن: "رفع الرايات هي للدلالة التاريخية على راية القتال التي كان الامام الحسين وآل بيته يرفعونها في أثناء واقعة الطف. والرايات لها الوان؛ فاللون الاسود هو الاكثر انتشارا، وله سمة مميزة في الدلالة على الحزن، بينما اللون الاخضر يرمز الى راية بني هاشم، والاحمر راية الامام العباس، وهكذا تعطي الرايات دلالاتها ومعانيها.

وتابع الشاوي " ليس الرايات وحدها ترفع، بل، اللافتات وهي لاتختلف عن الرايات من حيث الالوان وتكتب فيها كلمات وشعارات كلها تدلل على المأثرة التاريخية لواقعة الطف.  إضافة الى اللافتات السوداء التي تحمل عبارات تحيي ذكرى مقتل الأمام الحسين وتعيد المآثر التاريخية لواقعة كربلاء".

كما أن الرجال والنساء والاطفال الصغار يحرصون على ارتداء اللون الاسود، فمنهم من يرتديه في الايام العشرة الاولى، وهناك من يفضل أن يرتدي اللون الاسود حتى أربعينة الامام الحسين. كما تعد مظاهر احياء عاشوراء مناسبة لمحو آثار الفوارق الاجتماعية بين الافراد، من خلال حرص العراقيين كلهم لاحياء هذه المناسبة .

ومن الشعائر الحسينية هو نصب الخيم وإنشاء الهيئات، وخروج المواكب في مسيرات مليونية، وإعداد الاطعمة وتوزيعها، والمشي على الاقدام أميالا متعددة إلى ضريح الحسين "ع" في كربلاء المقدسة، تضامنا معه وتلبية لنداء الائمة من ولده .

وأيضا من مراسم عاشوراء هي غلق أصحاب الدكاكين والمحال التجارية أبواب دكاكينهم ومحالهم، وتحويلها طواعية إلى أمكان للهيئات والمواكب ومطابخ للطعام والخضار والفواكه والمشروبات والشاي والتبرعات. ويقوم الميسرون من المسلمين الشيعة بالتبرع بملايين الدنانير إلى الفقراء والمساكين وأبناء السبيل، وشراء الاضاحي، وتوزيع اللحوم على زوار الحسين "ع". وتُفتح البيوت على مصراعيها، سواء في كربلاء أو غيرها من مناطق الشيعة امام الزوار للاستراحة والغسل والمنام.

وبالمحصلة، فان أهم ثمار إقامة شعائر الحسين "ع" وبحسب ما أشار إليه السيد حسين الشيرازي نجل المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي " أنّ إحدى ثمار إقامة مجالس العزاء الحسينية تنشئة جيل مبارك وأبناء بررة وصالحين... ومن نشأ على إحياء الشعائر الحسينية وبذل الغالي والنفيس في سبيل الإمام الحسين سلام الله عليه، لن يُعدم عطف الإمام ورعايته له، ويقيناً أنّه سلام الله عليه سيأخذ بيده إلى الصراط المستقيم".

وتظل هناك مجموعة حقائق لا يعرفها الكثير عن شعائر الحسين "ع" وواقعة عاشوراء، لعل أهمها:

أولا: أن عدد المتطوعين للاعمال الخيرية الحسينية يصل إلى أكثر من " 200 " مليون متطوع سنويا، بمال أو جهد أو وقت. ومن مختلف البلدان العربية والاسلامية كالهند وباكستان وبنغلادش، وإيران وافغانستان، وتركية وإيران، وبعض جمهوريات الاتحاد السوفاتي سابقا، والعراق ولبنان وسوريا، والمغرب والجزائر وليبيا ومصر والسودان ودول الخليج وغيرها،  ناهيك عن الجاليات الاسلامية في أوربا وأمريكا وكند. وهذا العدد الكبير من المتطوعين يتزايد عاما بعد عام. ولم نشهد أو نسمع بظاهرة دينية أو أجتماعية أو سياسية في العالم أجمع، حظيت بمثل هذا العدد من المتطوعين!.

وثانيا: أن النفقات النقدية وغير النقدية التي تنفق في المناسبات الحسينية التي يقيمها المسلمون والمسلمون الشيعة تبلغ الملايين من الدولارات، تنفق على إنشاء الحسينيات والجوامع والابنبية والمواكب والاطعمة، وإصدارات الكتب وغيرها. وإذا  ما حولنا المجهودات المجانية والاوقات التي ينفقها الحسينيون إلى أموال؛ فان حجم الميزانية الحسينية الشعبية التي تصرف في مراسم وشعائر الحسين"ع"  لا توازيها ميزانية العديد من الدول العربية والاسلامية الفقيرة. 

وثالثا:  أن ذكرى إحياء واقعة عاشوراء تعتبر من أكبر التجمعات والتظاهرات في العالم كله، حيث تعجز اي دولة من الدول، كبرت او صغرت، اغتنت أو افتقرت، أو أي حزب من الاحزاب السياسية المتنفذة في العالم الغربي أو الاسلامي أو العربي، عن تجميع ستة ملايين محب ومريد في ساحات وإمكانيات متواضعة، كما هو الحال في كربلاء المقدسة، حيث يجتمع محبو الحسين "ع" في وقت واحد، وزمان واحد، وهدف واحد، وإرادة واحدة.

رابعا: بإسم الشعائر الحسينية، ومحبة الحسين والتقرب إلى الله عز وجل به، كونه سيد شباب الجنة وولي صالح من أوليائه، تُبنى المدارس والمستشفيات والبيوتات، وتُعبد الطرق والشوارع، وتُؤسس المؤسسات الخيرية للايتام والارامل والضعفاء،  وتُكتب وتنشر الملايين من الكتب، وتُفتح العديد من وسائل الاعلام أبوابها، وتبث القنوات الفضائية برامجها.

* مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث

http://shrsc.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 11/كانون الثاني/2009 - 14/محرم/1430

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م

[email protected]