الصفحة الرئيسية

مجلة النبأ

ملف عاشوراء

 
عاشوراء الحسين 1430هـ
 عاشوراء الحسين 1429هـ

  عاشوراء الحسين 1428هـ

  عاشوراء الحسين 1427هـ

  عاشوراء الحسين 1426هـ

  من نبض عاشوراء 1425هـ

  من نبض عاشوراء 1424هـ

  عاشوراء في ذاكرة النبأ

 مجالس عاشوراء

 صور عاشوراء

 مواقع عاشوراء

اتصل بنا

 

 

أنواع الشعائر الحسينية؛ حركة عفوية أم مدروسة؟!

عمار عز الدين الفائزي

للعزاء الحسيني (عليه السلام) مسيرة طولها أكثر من ألف وثلاثمائة عام بدأ منذ إستشهاد سيد الشهداء (عليه السلام) وأصحابه الأبرار في كربلاء، وفي هذه المسيرة عشرات بل المئات من الأمور التي تستدعي التأمل والتوقف والدقة، وتستحق كل واحدة منها دراسة عميقة من زوايا متعددة.

 أهم ما يدعو إلى التأمل هو أن في كل عام تزداد وتتنوع سعة هذا العزاء سواء من ناحية الكم أو الكيف، ويُلاحظ أن كل الشرائح ومن مختلف المستويات والأعمار من الشيخ الكبير وحتى الطفل الصغير والرجل والمرأة والفقير والغني والمثقف والعامي والعالم والأمي والجميع يشاركون في هذا العزاء، وبحق وصدق يمكن القول إن العزاء الحسيني (عليه السلام) هو أكبر تجمهر ومهرجان على الإطلاق قد شهده العالم طوال التاريخ منذ البدء وإلى هذا اليوم ولم ينافسه أي تجمع آخر في أي مجال كان.

فقليل من التأمل يثبت على أنه لا يوجد في أي نقطة من نقاط العالم ولا في أي زمان من الأزمنة ولا في أي دين ومذهب، ولا في أية ثقافة أو تقاليد، تجمهر مشابه لتجمهر العزاء الحسيني بل لا يوجد معشار ما يحصل في العزاء الحسيني.

ولو لاحظنا المؤسسيين لحركة العزاء نراها وسيعة إلى درجة بحيث لو أرادت أية مؤسسة بل دولة بأكملها أن تؤسس واحداً بالمائة من هذه الحركة  لإحدى مراسيمها الحكومية أو الوطنية ومع تحشيدها لكافة الإمكانيات والوسائل المتاحة لها، ومع تخطيطات تستغرق شهوراً، ومع تأسيس اللجان والمجالس والمؤتمرات ومع صرف الميزانيات الطائلة لم تكن قادرة على أن تحشد معاشر الواحد بالمائة بما يجري في العزاء الحسيني (عليه السلام)، أما الجمهرة الحاصلة منها لا يخرج عن كونها تجمهراً تصنعياً لا أثر له ولا مفعول كأثر العزاء الحسيني (عليه السلام).!

ولم تنته الدهشة إلى هنا بل إن إقامة الشعائر الحسينية الإلهية والعظيمة تستحق المزيد من التأمل من حيث أن المقيمين لها يقومون بها بطواعية تامة وإقناع تام ودون أي إجبار أو دون الإنتفاع بأي مكسب مادي. إنها المراسيم الوحيدة التي يشارك فيها الطفل ذو الثلاثة أعوام من العمر وحتى الرضع أو الطاعنين في العمر، ومع كل الفروقات والخلافات الموجودة بين الأعمار والشرائح والمستويات إلا أن هذا المراسيم تلغي كل تلك الفروقات بل تحوّلها إلى وحدة في الرأي وتلائم وتنسيق تام في كل شئ.

لا يوجد أي تجمع إجتماعي آخر يحمل هذا القدر من المشاركة، فلوأعلنت أضخم مؤسسة دولية وعالمية  بيوم عالمي لأمر ما ووافقت عليها كل الشعوب والدول على أن تشاركها في ذلك اليوم العالمي وحشّدت كل طاقاتها وإمكانياتها المادية والمعنوية على أن تقيم ذلك اليوم وبرمجت كل البرامج لتقسيم الأعمال ووضع المسؤوليات، لم يكن بمقدورها أن تصل إلى ذلك الإنجاز والنظم والترتيب الذي يحصل في الحسينيات والهيئات والمواكب في أيام عاشوراء.

ومن العجائب الأخرى في العزاء الحسيني (عليه السلام) هو أن كل شئ قد عُرف مسبقاً، فالجميع يعرف ما دوره، وكل فرد بقدر استطاعته وموهبته ورغبته يساهم ويؤدي دوره، وكل شيء حاضر في وقته وينفذ في موعده الخاص.

 في أي تجمهر ومؤتمر آخر يحصل ما يحصل في العزاء الحسيني؟ وأية قوة أخرى تستطيع أن تحشد ما يُحشد في عاشوراء؟ وما الامر الذي يربط القلوب ويدعو هذه الحشود ويصنع كل هذه العظمة؟

ومن العجائب الأخرى هو توفير الميزانيات والإمكانيات وطبخ الطعام والنذورات، ففي العشرة الأولى من محرم الحرام أو على الأقل في تاسوعاء وعاشوراء يُضيّف المئات الملايين من الناس يومياً أكثر من مرة ويأكلون من طعام أعدّ لهم دون نقص وتعب، فأي كادر وأية طاقات وإمكانيات وسيعة تتعبأ لتفرش مأدبة يجلس عليها أكثر من 500 ميليون إنسان في أنحاء العالم؟ وبذاك النظم والجمال والإعتبار والشرف وبتساوي دون تكلفات ومجاملات؟! وهل لأضخم مؤسسة مالية عالمية القدرة على أن تصنع 1% من مأدبة سيد الشهداء (عليه السلام) ؟!

أما لإنشاد الأشعار والمراثي وقراءة المآتم وبمختلف اللغات واللهجات وبترتيب وتنسيق وجمال حكاية أخرى، ففي يوم عاشوراء تخرج المواكب والهيئات الكبيرة مع أدوات العزاء كالطبول والزناجير والأعلام والمشاعل والسيوف مع ذاك الحضور الواسع، في أي مؤتمر أومجلس أومسيرة أومظاهرة أوحتى نشيد وطني يحصل كل هذا الترتيب؟ وأية مؤسسة إعلامية أوإذاعة وفضائية عالمية أن تكوّن لنفسها 1% من هذا الإعلان؟

والأهم من كل ذلك، الآثار العاطفية  التي تتجلى في النفوس من بكاء ولطم وشج وضرب وجرح وإدماء، آثار وحالات عفوية بكل معنى الكلمة، فلا يمكن لأي حزن أن يكون مدروساً وإنما هي حركة عاطفية تخرج تلقائياً ولا شعورياً وتتجلى في تلك الافعال، في أي حزن وفاجعة ومجزرة وحادثة اخرى وقعت وتقع يخرج رد الفعل بهذه الحدة والوسعة؟!

كما لا يمكن لأية قوة أن تمنع التجمهر الكبير في هذا المصاب، وكما لا يمكن لأي مانع أن يمنع الكوادر من العمل في هذا الأمر، وكما لا يمكن لأي معرقل ان يصادر الإمكانيات والميزانيات التي تصرف لهذا العزاء، وكما لا يمكن لأي مؤسسة إعلامية أن تنافس هذا المنبر، فلا يمكن لأية سلطة أن تمنع ردود الأفعال العاطفية التي تصدر من المعزين لمصاب أبي الأحرار (عليه السلام) المتجلّية في الشعائر الحسينية بكافة أنواعها وبمختلف اللغات والأصداء والأبعاد.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 5/كانون الثاني/2009 - 8/محرم/1430

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م

[email protected]