-
لا يمكننا ان ندّعي انتماءنا لمدرسة عاشوراء ما لم نرخص الغالي
والنفيس في سبيل ديمومة اهدافها العالية وأن نسلَّم هذه الامانة
الى الاجيال اللاحقة لاتشوبها شائبة... المرجع الشيرازي
- ان أولى مهام محبّي اهل البيت
هي إعلاء شأن عاشوراء ونشر ثقافتها وبرامجها واحياء المجالس،
والمواكب، بل احياء كل ما يتعلق بها من شعائر ليخلد ذكراها
شبكة النبأ: مرة اخرى يطل علينا
شهر محرم الحرام وذكرى عاشوراء التي ما فتئت مشعلاً يهتدي به
الانام منذ استشهاد سيد الشهداء الإمام الحسين سلام الله عليه والى
يومنا هذا، وفي كل مرة تحيى فيها هذه المناسبة ينهل اتباع اهل
البيت قيماً ومفاهيم جديدة من مدرسة عاشوراء الخالدة، هذه الملحمة
الخالدة العظيمة المضيئة للأجيال على مر العصور، والتي جعلت
الاغيار يطأطؤون رؤوسهم أجلالاً لعظمة صاحب الذكرى، والمؤمنين
يتزودون من دروسها القيمة لدنياهم وأخراهم.
لا ننسى بأن ذكرى عاشوراء مرّت بمسيرة طويلة من التحولات وان
التضحيات التي قدمها الاسلاف والوالهون بسيد الشهداء هي التي أوصلت
الينا هذه المدرسة العاشورائية المناهظة للظلم بأهدافها المقدسة.
لذلك يقول المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني
الشيرازي (دام ظله): لا يمكننا ان ندعي انتماءنا لهذه المدرسة ما
لم نرخص الغالي والنفيس في سبيل ديمومة اهدافها العالية، وان نسلم
هذه الامانة الحسينية السماوية، الى الاجيال اللاحقة لا تشوبها
شائبة.. وفي الوقت نفسه فاعلة وبعيدة عن اي زيغ أو حرف، طبعاً اذا
خلصت النوايا وأبعدت المصالح الشخصية، ليحل محلها تحقيق مرضاة الله
عزوجل.
مهام محبّي أهل البيت
ان أول مهام محبّي اهل البيت هي إعلاء شأن عاشوراء ونشر ثقافتها
وبرامجها، واحياء المجالس، والمواكب، بل احياء كل ما يتعلق بها من
شعائر ليخلد ذكراها، ولا يخفى أنها مسألة محفوفة بالمشاق والصعاب،
لكنها مشاق تكون عاقبتها الثواب الجزيل والاجر الوفير، فالذين
قدموا في هذا الطريق الخدمات الجليلة للأمام الحسين (ع) وتحملوا في
سبيله العناء والعذاب، سيسجل لهم ذلك بأحرف من نور في سعر التاريخ،
وفي المقابل ستكتب اسماء الذين ادنى أهانة المواكب العزاء والمأتم
الحسينية بأحرف من نار وهوان، أولئك الذين تصدوا المراسيم العزاء
على سيد الشهداء، وكل من وضع عقبة في طريق أقامة الشعائر الحسينية،
سيسجل عليهم صغيراً كان ام كبيراً.
المأتم الحسينية
أن لمواكب العزاء الحسينية منزلة رفيعة ومقاماً سامياً جعلت
جهابذة العلماء وكبار الوجهاء والشخصيات يفخرون بالمشاركة فيها.
على سبيل المثال يذكر السيد صادق الشيرازي: تقام سنوياً في
كربلاء المقدسة، وفي يوم عاشوراء بالتحديد مراسيم عزاء تعرف بعزاء
طويريج. كان يشارك فيها الألاف، مهرولين، حفاة، وضاربين بايديهم
على روؤسهم ووجوههم.
كان يشارك فيها مراجع كبار وهم يؤدون هذه المراسيم مع الجموع
المهرولة، كما كان يشارك فيها بعض الوزراء والوكلاء والاعيان.
وهؤلاء لم يكونوا يفعلون ذلك حتى في مجالس عزاء آبائهم، ولم
يكونوا ليجزعوا هذا الجزع حتى لو فقدوا أموالهم وثرواتهم، فهنيئاً
لهم ثم هنيئاً.
ان مقيمي المآتم الحسينية أنما هم في الحقيقة يعزون رسول الله
(ص) يقول الامام أبو عبد الله الصادق (ع) في ما جرى على الحسين
وأهل بيته (ع) يعز على رسول الله (ص) مصرعهم، ولو كان في الدنيا
يومئذ حياً لكان هو المعزى بهم في الحقيقة، لا يمكننا مطلقاً ان
نتصور ما كابد سيد الشهداء في يوم عاشوراء قد تراود الإنسان
احياناً بعض الخطرات ولكن لا يمكن مطلق تصور ما جرى في ذلك اليوم
فعلاً، وليس لنا أن نختصر القضية بالقول: أنه إمام، والامام يتمتع
بالصبر ورباطة الجأش، لا شك ان الامام المعصوم أرقى و أعقل خلق
الله، وله روح عالية تعلو على جميع المخلوقات لكن له قلباً يطفح
بعاطفة تسمو على عواطف جميع البشر وان كانت مقصودة بأكمل العقول.
لقد ذرف الرسول الكريم (ص) الدمع حزناً على فقد ولده أبراهيم،
الذي لم يتجاوز الرضاع، وكان يجهش بالبكاء لدرجة كان كتفاه يهتزان
حتى قال بعض اصحابه: يا رسول الله، تأمرنا بالصبر وتبكي لهذه
المصيبة؟ فقال صلى الله عليه وآله: تدمع العين ويحزن القلب ولا
نقول ما يسخط الرب وإنا بك يا أبراهيم لمحزونون.
فالرسول الاعظم (ص) يبكي كل هذا البكاء لفراق ولده الرضيع، في
حين فقد الامام (ع) في يوم عاشوراء اعز الناس وأقربهم اليه كأبي
الفضل العباس وعلي الاكبر والقاسم... سلام الله عليهم ولو كان
هؤلاء افراد عاديين لهان الامر... ولكنهم قد ترعرعوا في حجر
الامامة الطاهرة وكانوا بعد الإمام المعصوم قدوة في الوفاء والنخوة
والاصالة ولا مثيل لهم على وجه الارض مطلقاً، وأننا لنعجز عن أداء
حقهم وفي وصف مكانتهم.
في اقل من نصف يوم تجرع الامام الحسين (ع) كل هذه المصائب وتحمل
ما لا يطيقه بشر، وكل ذلك كان بعين الله التي لا تنام ولكن ستحل
الساعة التي يقرر الله سبحانه بحكمته التامة انتهاء آمر الصبر لتصل
التوبة لعدل الله تعالى الذي يعد الانتقام من الظالمين أحد فروعه.
عطاءات عاشوراء
في الواقع، أن جل ما نملك من مثل وقيم هو من بركات تضحيات سيد
الشهداء سلام الله عليه، فعاشوراء هي التي غرست في اعماقنا مبادئ
الانسانية والعبودية لله عزوجل والإيثار وخدمة الآخرين والعطف على
المستضعفين والدفاع عن المظلومين، ولأجل هذا كله يجب ان نبقى جذوة
ملحمة عاشوراء متقدة على الدوام، وأن نبذل مهجنا دونها لنضمن
الرفعة والشموخ لنا وللأجيال من بعدنا.
إننا ننفق في حياتنا اليومية الكثير من الاموال في مختلف
الشؤون، وكذلك نصرف الكثير من الجهد والوقت مع الاولاد والزوجة وفي
البيت والعمل والتجارة وما إلى ذلك، ولكن لنعلم ان ما ينفق ويبذل
في سبيل الإمام الحسين (ع) هو الافضل حيث يحظى بمكانة ارفع وقيمة
اكثر، ولنعلم ايضاً بأن اي خطوة نخطوها في خدمة أهل البيت (عليهم
السلام) ستشاب عليها من قبلهم بافضل الثواب.
المكاسب الكبيرة
أن للمدرسة الحسينية عطاء لا ينفذ، ومكاسب لا تبلى، وهي تجسد
عظمة سيد الشهداء، فهو إمامنا ومثلنا الأعلى، فلنر ماذا قدم لنا
حتى نسلك طريقه ونتبع اثره، وهاهنا نستعرض بعض المكاسب التي جادت
بها المدرسة الحسينية على الإنسانية، علنا ننتفع بها في حياتنا
والسيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) يختصر لنا تلك العطاءات:
أولاً: احد الاعمال التي قام بها الإمام الحسين (ع) هو تقديمه
الماء لأصحاب الحر الرياحي، فمن هم يا ترى اصحاب الحر؟ انهم جماعة
كلفهم ابن زياد بمهمة اقتياد الأمام الحسين (ع) أليه، وكان الأمام
قد قال: (حتى لو استسملت لهم، فلن يتورعوا عن قتلى).
نعم إنهم جاءوا لمحاربة الحسين (ع) وقتله في حال عدم استسلامه،
لكن الحر رجع الى نفسه وتاب في يوم عاشوراء بعد الذي بدر منه في
البداية، فتاب الله عليه وكذلك عفا عنه الامام (ع).
والإن لنر ماذا فعل اصحاب الحر؟
فريق منهم رمى الامام بوابل من سهامه، وفريق اخر حاربه بالرمح
والسيف واولئك الذين لم يكن معهم سلاح امطروه بقطع الخشب والحجارة،
كما ساهم بعضهم في قتل علي الاكبر، ومنهم من رمى ابا الفضل العباس
بالسهام، وكان الامام يعرفهم ويعرف نواياهم، لكن مع ذلك سقاهم
الماء، وهنا نسال غير معترضين: (يا أبا عبد الله لماذا سقيتهم
الماء؟) فيكون الجواب : هو أن الله تعالى يريد من الإنسان ان يخدم
اخاه الإنسان صالحاً كان أم شريراً، كافراً أم مسلماً، عادلاً أم
فاسداً، ولكن بشرط ان لا تكون تلك المساعدة علامة على تأييد مسلكهم
الخاطىء.
ثانياً: لنحاول تعلم هذه الدروس من الإمام الحسين (ع) وهي ان
نستعمل السنتنا ومواقفنا في فعل الخير دائماً ومع الجميع دون
استثناء، فأذا كان بأستطاعتنا التفريج عن كربة مكروب فلا نتردد في
ذلك، وأذا كان بأمكان المرء ان يساعد بماله أو لسانه أو التوسط
للمساعدة لصالح من يعرفه أو حتى من لا يعرفه، فليفعل.
ثالثاً: ان بعض محبي اهل البيت (عليهم السلام) هم من الذين
يقطنون في مختلف بلدان العالم غير الاسلامية، وهم بأمس الحاجة الى
الحسينيات و المساجد والمدارس والكتب لأبنائهم، فأذا كنتم لا
تستطيعون بناء الحسينيات والمساجد، فعلى الاقل شجعوا الآخرين على
هذا العمل النبيل، أو المساهمة في الاعمال الثقافية المتعلقة
بمواكب الامام الحسين (ع)، فقد يتصل بكم احد الاقارب أو الاصدقاء
أو يبعث لكم برسالة، أو قد تتصلون أنتم بهم، فهذه فرص مناسبة
لتشجيع الأخرين على تقديم الخدمات في سبيل الامام الحسين (ع) حتى
لو بدأ المرء من نقطة الصفر، والامام الحسين هو الكفيل بأن يأخذ
بيده ليصل بعمله الى النتيجة المطلوبة.
ابدأوا العمل في هذا الطريق بأقلامكم وألسنتكم وتشجيعكم، وأذا
كانت لديكم استطاعة مالية، مهما كانت متواضعة فبادروا ولا تترددوا،
فأن اعمالاً كهذه كبيرة عند الامام الحسين (ع).
رابعاً: يمكنكم ان تضيئوا مصباح الهداية الحسيني في بيوتكم،
وذلك من خلال أقامة مجالس العزاء الحسينية العامة، فمن تمكن من فعل
ذلك فهنيئاً له، ومن لم يتمكن فليقم مجالس عزاء خاصة في بيته، واذا
تعذر ذلك ايضاً فيمكنه إقامة مجلس عزاء لأسرته فقط مع شاركة جار أو
قريب، ولهذا العمل بركات دنيوية جلية تسبق بركاته الاخروية.
خامساً: ان الحضور في الحسينيات والمجالس العامة له اهمية
كبيرة، لكن من الافضل ان ينقل المرء هذه البركات الى داخل بيته،
وأذا لم يستطيع تحمل اعباء هذه المجالس، فليكثف بأقلها. وسترون بأم
اعينكم كيف ان الله سيبارك بها وستتمكنون حتى من الاطعام.
الاقتداء بالامام الحسين (ع)
ان المشاركة والخدمة في المجالس الحسينية فيها ثواب عظيم، ولكن
الامر لا ينتهي عند هذا الحد، فلم يكن يوم عاشوراء مناسبة للندب
والتعزية فحسب، بل كان وما يزال وقفة للتأسي بدروسه والاقتداء
بأبطاله، وعليه يجب علينا ان نقتدي بسيد الشهداء وان نتأسى به في
جميع شؤوننا، كما يؤكد ذلك السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله
الوارف) بقوله: ان قضية الامام الحسين (ع) تتميز بميزتين هما
العبرة والعبرة، ومن هنا فأن الذي يحظى بمنزلة أرفع وحرمة اكبر عند
سيد الشهداء هو الاقدر على اخذ العبرة منه وذرف الدمعة والعبرة
عليه، وعلى قدر السعي يكون الثواب والجائزة.
ان الامام الحسين (ع) استشهد من اجل ثلاثة اهداف: اصول الدين،
والاحكام الشرعية، والاخلاق الاسلامية، فمن اراد تقديم الولاء لسيد
الشهداء (ع) عليه ان يسعى لتحقيق هذه الاهداف الثلاثة، وان يضعها
على راس أولياته، لتقر عين الامام الحسين (ع). |