شبكة النبأ: ها هو هلالُ المُحرّم
قد لاح بِحُمرَتِه في الأفق، فاتشحت القلوب المؤمنة بالحزن والأسى
لرؤيته، وهلت العيون الدموع من مآقيها حسرة وحرقة على مصاب أبا
الأحرار وسيد الشهداء فعانقت أرواحهم علياء الحسين منفلتة من أسر
الرؤى الضيقة التي حُبست فيها بعض القلوب العفنة التابعة لبني
أمية، هذه القلوب التي خلت من ذِكر الله تبارك وتعالى فكسحت حياتها
أركمة العفن والزيف الأموي الذي جعلهم يرتدون لباس الحقد ويتسلحون
بالقنابل والمفخخات مرددين عبارات التكفير في حق الضمائر التي عاشت
العطاء الحي لفيوضات الحسين (ع) فسفكت دمائهم للقضاء على الروح
الحسينية الكربلائية التي تحتضنها ضمائرهم الإيمانية النابضة
بالعشق الحسيني المقدّس.
إنهم يغفلون حقيقة شعلة هذا الإيمان الحي النابض، فهم كلما
حاولوا إخمادها وإذا بها تشتعل أكثر فأكثر فيعلو سناها في الآفاق
فاتحاً لأصحابه حياة زاهرة بالحياة والفيض كحياة الحسين (ع).
إنهم سلسلة تكفيرية ذات هدف شيطاني واحد، كلهم يحملون على
أكتافهم شعار لينين " اقتلوا كربلاء" يريدون قتل كربلاء المعنوية،
فتجديد قضية عاشوراء يعني إحياء الإسلام، يعني بث روح الثورة ضد
الظلم والاستبداد، يعني انتصار الحق على الباطل، يعني أن تتعلم كيف
تكون مظلوما فتنتصر.
إنهم جنود معسكر يزيد بن معاوية، الذي لا يملكون إلا العنف،
فإذا ذكر العنف ذكروا لأنهم أهله ومنبعه.
على العكس من جنود المعسكر الحسيني الذي يمثل خط اللاعنف
والسلام، فكيف لا يكون كذلك والحسين ابن علي( صلوات الله وسلامه
عليهم) قائده ؟! هذا القائد العظيم سبط رسول السلام والمحبة محمد
ابن عبدالله (ص).
فواقعة الطف وإن كانت معركة إلا أنها حملت بين طياتها الكثير من
الدروس والعبر الأخلاقية التي تدل على إنسانية الحسين (ع) العظيمة
الشامخة.
الحسين بحق شخصية إنسانية متميزة، إنه من رجالات السماء، الذين
صنعوا العظمة في التاريخ. فمن أخلاقه (عليه السلام): لما التقى
الحسين (عليه السلام) وأصحابه مع الحر بن يزيد التميمي حتى وقف هو
وخيله مقابل الحسين في حَرّ الظهيرة والحسين وأصحابه معتمون متقلدو
أسيافهم، فقال الحسين لفتيانه: اسقوا القوم وارووهم من الماء،
ورشِّفوا الخيل ترشيفاً فقام فتيانه فرشفوا الخيل ترشيفاً، فقام
فتية وسقوا القوم من الماء حتى أرووهم، وأقبلوا يملؤون القصاع
والأتوار والطِّساس من الماء ثم يدنونها من الفرس، فإذا عبَّ فيه
ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً عزلت عنه، وسقوا آخر حتى سقوا الخيل
كلها. ولما حضر وقت الصلاة قال الحسين (عليه السلام) للحر: (عليه
السلام)أتريد أن تصلي بأصحابك؟ قال: لا، بل تصلّي ونصلّي بصلاتك.
(1) (1): أنساب الأشراف: ج 3 ص 169
هذه هي أخلاقيات الحسين، حسين الرحمة والعفو.. حسين الرفق
واللين.. هذه السلوكيات التي كانت يمارسها حتى مع عدوه، فحريٌ بنا
أن نتعامل مع بعضنا البعض بهذه السلوكيات، سلوكيات المحبة والسلام.
إنها أخلاق الهداية والصلاح فبهذه الأخلاق الحسينية والروح
الإنسانية الطيبة استطاع الحسين(ع) أن يشعل فتيل النور في قلب الحر
بن يزيد الرياحي فأنقذه من الضلالة وحيرة الجهالة.
ولنا في الحسين أسوة حسنة فإذا أردنا أن نختار مواقعنا في واقعة
الطف، وكنا لا نرضى إلا بأن نكون مقاتلين في صفوف المعسكر الحسيني
علينا أن نجعل سلوكنا كسلوك الحسين، لتكون قلوبنا أوعية طاهرة
للعشق الحسيني ولنمارس أسلوب الهداية علينا أن نتسلح بسلاح الحسين
" اللاعنــــــف" فلا سلاح أقوى منه فها هو صادق آل محمد يقول:( من
كان رفيقاً في امره نال ما يريد من الناس). وشهر عاشوراء خير فرصة
لهداية الناس إلى طريق الحق.. طريق الحسين.. ولن نوفق لذلك إلا
بالكلمة الطيبة.. (من لانت كلمته وجبت محبته) كما قال أمير
المؤمنين سيدي ومولاي علي ابن ابي طالب عليه السلام. |