التكامل:
يتوقف المشرع الاسلامي كثيرا أمام قضية الوعي باعتبارها أحدى
أهم قضايا إدراك قيمة الرسالة السماوية ومناهج غائيتها، ومن هنا
يمكن إعتبار ثورة الامام الحسين عليه السلام ثورة في الوعي الفردي
والاجتماعي على السواء وهي في هذا المنحى لا تبتعد عن مفاهيم ثورة
جده الرسول الخاتم صلوات الله عليه وآله، ولما كان الوعي عملية
تراكمية يتفاعل فيها عامل الزمن مع بقية العوامل التاريخية في
عملية التطور، فقد سعى النبي الاكرم على إنماء هذا الوعي لدى بعض
خواص الصحابة الذين استخلصهم ليكونوا شهودا على الامة.
لاشك إن فقدان الامة للوعي الجمعي تجاه الفكر الرسالي قد أدى
إلى تنامي عملية الانحراف، وبالتالي ظهور شخصيات لاتتمتع بالاهلية
والكفاءة كما تفتقر إلى الاصالة التي حدد معاييرها القرآن الكريم
(التقوى) قد اصاب الامة في الصميم، فشخصية مثل يزيد بن معاوية
لايمكن إعتباره ممثلا لوعي الامة إلا ذا اعتبرنا تأثيره في الجانب
السلبي، وهو لا يختلف في ذلك فرعون مصر، فكلاهما قد أسسا وعيا
منحرفا بعد أن تبنيا ۥمثلا دنيا إتخذت مسارات تتباعد عن غائية
الوجود.
فأحد مهام الرسالات السماوية كانت إيقاض الوعي الفردي والجمعي
والانتقال بالمجتمعات من الحالة السلبية إلى الموقف الايجابي من
الخالق تعالى، وهذا الانتقال لا يخلو من منفعة للانسان نفسه
باعتبار الموقف الايجابي للشريعة من الانسان، لقد أرادت الشريعة
السماوية أن يصبح الانسان عاملا فاعلا في حركة الوجود، مؤثرا فيها
ومتأثرا بها، أرادته أن يصبح قائدا لمسيرة الحياة ومشاركا في صناعة
التاريخ، ومن هنا يصبح الانسان جزء من حركة التاريخ وليس خارجها.
ثورة الوعي:
هل النبوة ثورة؟ للاجابة على هذا التساؤل بحثنا في بحوث سابقة
علاقة النبوة بالثورة وأوجه التقارب الموضوعي والفلسفي بينهما،
وقلنا أن كلاهما يبحث عن التغيير والتحول الايجابي، وهو يالتالي
تحول في الوعي، ونظوج في الادراك، ونظرة واقعية في اعماق الذات
الفردية والاجتماعية، ومن هنا نفهم أن التغيير الذي تحدثه الثورة
يتعالى عن المدرك السلبي، بإعتبار الثورة توجه العقل حتى قال الله
تعالى شانه: " أفلا يعقلون " وقال أيضا: " وتواصوا بالحق ".
العصر/3. وهي دعوة إجتماعية للنظر إلى الذات، فالله يدرك أن
المجتمع بطبيعته ينحو من الحياة مناحي سلبية وهو كاره للحق، حتى
قال: " لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون " الزخرف/78.
فالمجتمع بالمقابل يحتاج إلى ثورة تنطلق من السماء لتتغلغل إلى قاع
الواقع الاجتماعي والانساني، ثورة تحرك بركة السكون وتخرج
المجتمعات من قيعان الضحالة السلبية، ثورة تعيد تنظيم العلاقات
الانسانية وفق المفاهيم الرسالية وليس وفق رغبات الافراد أو أحكام
البناء الاجتماعي.
ظهرت ثورة الامام الحسين عليه السلام في ظروف تاريخية وسياسية
واجتماعية صعبة ومنحرفة، فعلى الرغم من ان المجتمع الاسلامي
لايفصله عن وفاة الرسول الخاتم صلوات الله عليه وآله سوى نصف قرن
(خمسين عاما)، إلا إن غالبية المجتمع الاسلامي كان يعيش حالة
إنفصال عن مفاهيم العقيدة الاسلامية وتطبيقات الشريعة، بل أن
الباحث في تلك الظروف سيتصور أن المسافة بين ثورة الحسين ووفاة جدة
الخاتم عليهما السلام قد تتجاوز عددا من القرون وليس مجرد خمسين
عاما كما ذكرنا، وما ذلك إلا بسبب ذلك الانحراف القاسي الذي قاده
البيت الاموي تاسيسا على الفكر القبلي والعشائري الذي ظهر منذ رزية
يوم الخميس ثم تفعيله في حركة السقيفة التي سجلت ارتدادا عن
الشريعة، والتي مثلت بدورها إنهيارا للوعي الاجتماعي تجاه مفاهيم
الرسالة.
لاشك إن ثورة الامام الحسين عليه السلام قدمت معنى في ثورة
الوعي، فيه ثورة المثل العليا ضد المثل الدنيا، فالانهيار الفكري
هو غالبا يعد نتاجا لتبني مثل دنيا، فالانسان يتبع الحق بالفطرة،
واذا أمسك بدليل يصبح الدليل حجة عليه، فكيف إذغ كان الامام الحسين
عليه السلام هو ذاته دليلا وحجة على إتباع الحق كما كان جده الرسول
الخاتم صلوات الله عليه وآله. فالنبوة ثورة والامامة ثوره يقودها
اليقين، والمجتمعات عامة تعاني من فكرة إدراك اليقين، وهي تحتاج
على الدوام لشخصيات كالانبياء والرسل والائمة للخروج بالامة من
المستويات الدنيا للوعي والاتقاء بها الى مستويات عليا.
إنهيار المثل الدنيا:
ينظر أصحاب المدرسة التاريخانية إلى إن عوامل ظهور الدول
باعتبارها هي ذاتها عوامل أنهيارها، فالملك يحاول الانفراد بالسلطة
والمجد، تقوده الطبيعة الحيوانية إلى الانفة والتكبر، وهو على نقيض
المصلح الذي يشارك الاخرين في ألامهم، فالملوك يبغون التأله
والاستئثار حتى وإن اضطر ليجدع انوف عشيرته وذو قرابته ليحقق
التفرد، وكل ذلك يمثل شيئا من عناصر بداية الانهيار، والدولة
الاموية وإن قامت في بداية الامر على اكتاف الامويين وذي القربى
لكنها في المرحلة الثانية استعانت بعناصر خارجية شكلت نوعا من
الصراع التاريخي الداخلي، لم يظهر بشكل فاعل إلا في زمن الدولة
العباسية التي انتهجت ذات النهج، قد تكون هذه النظره صحيحة بعض
الشيء لكنها لاتمثل سببا واقعيا لتقييم إنتصار الامة أم أنهزامها،
فالامة الاسلامية كانت تعيش مخاضا سببه تبني القيادات لمثل دنيا
حاولوا تعميمها على الامة، فاحدثت إضطرابا داخليا نتيجة
للصراعالاجتماعي بين مفاهيم الحق والباطل، ولما كانت الطبيعة
الاجتماعية العامة تبحث عن قيم عليا تقودها الفطرة، فان المجتمع
الاسلامية في عصر الثورة الحسينية كان واقعا تحت سلطة المفاهيم
السلبية اللارسالية التي اوجدتها الدولة الاموية وبالتالي فان
إنهيار المثل الدنيا عبر الثورة الحسينية كان إنهيارا حتميا.
* المملكة المتحدة – لندن
wsialbayati50@hotmail.com |