الصفحة الرئيسية

مجلة النبأ

ملف عاشوراء

 
عاشوراء الحسين 1430هـ
 عاشوراء الحسين 1429هـ

  عاشوراء الحسين 1428هـ

  عاشوراء الحسين 1427هـ

  عاشوراء الحسين 1426هـ

  من نبض عاشوراء 1425هـ

  من نبض عاشوراء 1424هـ

  عاشوراء في ذاكرة النبأ

 مجالس عاشوراء

 صور عاشوراء

 مواقع عاشوراء

اتصل بنا

 

 

فلسفة الهجرة وشريعة الثورة

بحث في فلسفة التاريخ، ثورة الحسين عليه السلام مثالا

د. وليد سعيد البياتي

توطئة:

قال تعالى: " إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي انفسهم قالوا: فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الارض قالوا: إلم تكن إرض الله واسعة فتهاجروا فيها ". النساء/97.  ثم يطرح استثناء يمثل واقعية التشريع فيقول: " إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لايستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا * فؤلئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا ". النساء/ 98-99.

تتشكل فلسفة الهجرة عند جذور الصراعات الاجتماعية، السياسية، العقائدية وليس آخرا الصراعات الاقتصادية، فالجنس البشري لم يتوقف عن عملية الترحال منذ عصر الهبوط (هبوط آدم عليه السلام بحدود 6880 قبل الهجرة)، ومن هنا يمكن اعتبار هبوط آدم الغير إرادي من السماء (أو أي كوكب أخر خارج الأرض أو المجرة إلى الارض) يمكن اعتباره أول الهجرات البشرية، فالسكون والبقاء في مكان واحد مخالف لسنة الوجود باعتبار ان الشريعة قالت بتسخير الوجود للانسان لتتم عملية التكامل على سطح الارض، وكانت الهجرات على الدوام جزءا أساسيا من تركيبة الوجود الانساني وهي لم تنفصل عن حركة الوجود بل ربما شكلت احد اهم عناوينه.

التقابل الموضوعي بين مفهومي الهجرة والثورة:

لاشك أن ثمة تقابل بين مفهومي الهجرة والثورة باعتبار ان كلا المفهومين يعني تغييرا ما يحدث، كما انه ثمة نظرة مستقبلية بأن يكون التغيير ايجابيا: " ومن يهاجر في سبيل الله يجد مراغما كثيرا وسعة ". النساء/100.

فالهجرات سعت إلى تحول عقلاني ينقل الافراد والمجتمعات من حال إلى أخرى، من جانب آخر لايمكن إغفال ما يعني مفهوم الهجرة من تغيير للماضي إلى حد ما، وهو تغيير لابد وإن يترك آثارا سلبية نتيجة انفصال الافراد عن متعلقاتهم، فالهجرة إذن تحول زماني ومكاني ونفسي في آن، ومن هنا يمكن إدراك كيف ان تصبح الهجرة مكانية في حال وزمانية في موضع آخر وهجرة نفسية في حال ثبات الزمان والمكان. والافراد في كل هذه الحالات يتاثرون بكم هائل من المعطيات الاولية المؤدية إلى الهجرات، كما لايمكن إغفال الفشل والنتائج السلبية المترتبة على الهجرة.

أما الثورة فعملية تغيير واسعة، غالبا ما تشكل تغييرا جذرايا في الحياة والسلوك، فالاسس التاريخية للثورات تتأسس عند إشكالية الظلم، وهي ذاتها أحدى إلاشكاليات التي تؤسس للهجرات، فالثورة تشكل أحد منظورات الحتمية التاريخية باعتبار ان فلسفة التغيير هي ذاتها حتمية تاريخية في فكرة الوجود، ولايمكن الفصل بين فكرة الاستمرار والثورة، ومن هنا تصبح علاقة شريعة الثورة بالاستمرار علاقة مطردة، وليست علاقة عبثية عشوائية أو قائمة على اساس نظرية الصدفة.

الحتمية التاريخية بين الهجرة والثورة:

هذه الرؤية التي اقدمها تفسر العلاقة بين الهجرة والثورة، فالغاية من كلا الهجرة والثورة بالاضافة إلى التغيير هو الاستمرار وهذا الاخير لاينفصل عن مفهوم السببية الذي فسرناه في بحوث سابقة، ولما كان من مناهج السببية أن الاسباب نفسها لاتؤدي بالضرورة إلى نتائج متشابهة باعتبار ان سبب ما في ظروف زمانية ومكانية ونفسية واجتماعية ما قد يؤدي إلى نتائج ايجابية، لكنه قد يؤدي إلى نتائج سلبية في ظروف زمانية ومكانية أخرى.

لاشك ان فكرة الحتمية في السنن التاريخية هو تاكيد على المنهج العلمي، باعتبار ان الثوابت هي من مميزات المنهج العلمي، ومن هنا قال الحق سبحانه: " ولا مبدل لكلمات الله ". الانعام/34. وقوله:" ولن تجد لسنة الله تبديلا ". الاحزاب/62. وأيضا قوله تعالى: " ولاتجد لسنتنا تحويلا ". الاسراء/77.

كانت الثورات على الدوام سبيلا للتخلص من الظلم بكل مفاهيمة المادية والعقلية، ولما كان الظلم منهج مرتبط بالسلطة أكثر من ارتباطه بالافراد باعتبار ان الانظمة الفاسدة هي احد اكبر مصادر الظلم، فإن الافراد يتأثرون بدورهم مما يوسع دائرة الظلم، من جانب آخر لايمكن إنكار تعلق الظلم بالافراد وهذا يعكس طبيعة الخلق، وحركة النفس البشرية التي يغلب عليها أن تكون (أمارة بالسوء)، فقوله : " وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا انفسهم يظلمون " العنكبوت/40.

الظلم احد مصادر الثورة:

فالظلم حركة نفسية تنعكس كفعل إرادي، وهي تتخذ أشكالا مادية وأخرى فكرية، وعندما يتحول الظلم من الشكل الفردي ليصبح أحد أشكال الفعل الجماعي سيعني أنه يؤسس لبداية فنائه الذاتي، فالظلم ككل الجوانب السلبية في الحياة إذ انها تحمل جرثومة فنائها في أساسها التكويني، وبالتالي تكون الثورة لانهاء حالة الظلم ولعودة الحياة إلى مساراتها الاولى، فمع أن الظلم حالة طارئة على الحياة إلا إنها حالة قادرة على الاستمرار والتعايش في كل الظروف بما فيها ظروف العدل، حيث يبقى الظلم مستترا في اشكال متعددة ظاهرها العدل وباطنها الظلم، (كلمة حق يراد بها الباطل) ومن هنا تصبح الحاجة إلى الثورة حاجة لازمة، لما هناك من تلازم موضوعي بين الظلم والثورة، إلم نقل سابقا في فلسفة التاريخ: (إن ارهاب السلطة يؤدي إلى العنف الثوري).

ثورة الامام الحسين عليه السلام مثالا:

لاشك إن الظلم الذي ابدته الانظمة الحاكمة باسم الاسلام والتي تخلت عن المنهج الاسلامي الرسالي، قد أدى الى ظهور نشاط ثوري ديني ومدني في آن، فكانت ثورة الامام الحسين عليه السلام والتي يصر البعض على تسميتها بالنهضة، في حين إن كل ملامحها واصولها التاريخية والرسالية تؤكد أنها ثورة بكل المقاييس التاريخية والحضارية والتشريعية، وإني أؤكد قيمها الثورية باعتبارها حركة ضد الظلم والطغيان السياسي وهي ثورة باعتبارها حركة ضد الجمود الفكري والحضاري، فالامام الحسين قد جمع فكرتي الهجرة والثورة في آن واحد مما يؤكد التلاحم والاصالة التاريخية والتشريعية لكلتا الفكرتين. لقد هاجر الامام الحسين عليه السلام من مدينة جده الرسول الخاتم (صلوات الله عليه وآله) الى مكة ومنها إلى العراق – كربلاء ناشرا احكام ثورته، مناديا بشعاراتها في العودة إلى الاصالة الرسالية، فكانت هذه الثورة تعبيرا عن هجرته، وهجرته تاسيسا لثورته المباركة.

* المملكة المتحدة – لندن

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 30/كانون الثاني/2008 - 2/محرم/1430

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م

[email protected]