اتصبو بنا

ملف المناسبة

الصفحة الرئيسية

 

 

 

المرجعية الشيرازية وعالمية الرسالة

صباح جاسم

 

شبكة النبأ: ان اختيار المرجعية والتصدي لقيادة الامة انما هو خيار العبادة الراقية، وهي ان وقعت ضمن شروطها ومؤهلاتها فهي مهمة الأصفياء والأولياء الذين اختارهم الله أمناء لأمره، وأن دورهم في الناس هو دور الائمة، فهو دور عظيم وخطره جسيم ايضا، يُحسن اداؤه بمدى التأسي بالرسول الأعظم (ص) والائمة الاطهار (ع) وانتهاج منهجهم في امور الدين والدنيا.

وقد طبقت الآفاق سير المرجعيات الدينية الإسلامية الشيعية على امتداد القرون الخالية لما كان لها من دور فعال في نشر مفاهيم الإسلام وعلوم ومعارف وأخلاق الرسول (ص) وآل بيت النبوة الكرماء حتى وصلت تلك العلوم الى اقاصي الارض في اسيا وافريقيا واوربا وامريكا..

ولطالما تميزت المرجعيات الدينية في تنافسها على التأسي بالرسول الاكرم وسيرة اهل بيته من خلال التركيز على جانب معين دون الإغفال بالطبع عن الجوانب الاخرى، فمنها ما ركز على الجانب المعرفي ونشر الوعي الإسلامي ومحاربة الجهل والتطرف ومنها ما اضاف الى ذلك نهج الثورية والرسالية في مواجهة الطغيان والتجبر والسعي لإحقاق الحق وفضح الباطل، ومنها ما احسنَ وأجمل في اضافة صفة التصدي الشخصي المباشر من خلال الجهاد والتضحية بالنفس والمال والجهد والوقت.. في سبيل الإسلام والمسلمين.

وهنا يبرز اسم آل الشيرازي كنجم لامع في سماء المرجعيات الدينية الإسلامية على مدى مئات السنين السابقة، فهم من بين مرجعيات الإسلام التي خَلَطت حبر المعرفة بدم الشهادة وعرق الجبين وإبداع الفكر، ضمن سلسلة متوارثة من العلماء والمراجع، لتنتج من هذا الخليط وصفة التقرب الى الله تعالى ونوال الرفعة في الدنيا والآخرة..

هجرة ثورية وزرع رسالي

ليس هيناً، بل انه قد يكون مستحيلا ان تفكر اية مرجعية دينية في الإنتقال من بلد الى آخر وحتى من مدينة لأخرى، لإعتبارات اجتماعية وسياسية واقتصادية تتعلق برعاياها وأسباب اخرى تحتم عليها البقاء ومواصلة العطاء حتى في أصعب البيئات المجتمعية تعايشاً وتحت مطرقة أقسى النظم السلطوية، من اجل أداء الامانة وتبليغ الرسالة والتصدي للمسؤولية..

لقد كان غرة آل الشيرازي، المجدد الاول المرجع السيد الميرزا محمد حسن ابن السيد الميرزا محمود ابن السيد الميرزا اسماعيل الحسيني الشيرازي، المعروف بـ المجدد الاول، والمولود في سنة 1230 هجرية، والمتوفى بسامراء سنة 1312 هجرية، كان صاحب مشروع هجرة جهادية تميزت عمّا سبقها وعمّا تلاها بالثورية والإختلاف من خلال انتقاله الى سامراء ليجاور جدّيه الإمامَين المظلومَين العسكريَين (ع) ويبدأ من هناك إعادة صنع وتنظيم واحة الايمان التي أسسها وأشرف عليها في تلك البقعة الجرداء جدّيه سلام الله عليهما.

التميز والاختلاف واضح في هذه الهجرة الجهادية من خلال، ان المجدد الاول جازف متوكلاً على الله تعالى بالخروج الى منطقة غلب عليها طابع الولاء للعباسيين وحكوماتهم المتعاقبة، متحدياً بذلك، المنطق الذي يقول بضرورة توفر عناصر التلقّي والولاء والإحتضان من البيئة التي يعيشها المرجع كشرط من شروط النجاح والإبداع في ايصال الرسالة والتصدي للمسؤولية..

فكانت هجرته تلك تأسياً بهجرة الرسول المصطفى (ص) الى المدينة ملاقياً ما لاقاه حينما كانت لم ترَ بعد نور الايمان وهدي الرسالة حتى أذن الله بنصر نبيه وهداية كافة اهل المدينة على يده (ص).

لقد أثمرت جهود المجدد الاول (قده) في تلك البيئة البعيدة عن مراكز المسلمين الشيعة بما هو واضح ومؤثر من معالم الدين ومعارف اهل البيت (ع) لحد الان، ولا تزال آثار العطاء الثر والاخلاق الحميدة وعلوم الدين التي نشرها ذلك القائد والمعلّم ماثلة حتى اليوم يتداولها الأهالي في سامراء بفخر وإعتزاز، وهذا ما كان واضحا لدى زوار الإمامَين العسكريين في هذه السنة بالذات، سنة 2008 م، حيث كان محبي اهل البيت من رعايا المرجعية الشيرازية أول المبادرين لزيارة مرقدَي العسكريَين والمطالبة بإعادة إعمارهما بعد ان طالتهما أيدي شرار البشر من فلول البعث البائد وعصابات تنظيم القاعدة الموغل في الجرم والترهيب..

لقد جازى الله تعالى عبده المجدد الاول خير جزاء على زرعه الرسالي، حتى انه عندما رفعه الله سبحانه لرفقة الشهداء والصديقين، تداول حمل نعشه عامة الناس من اهل سامراء وما بينهما من المدن والقرى مشياً على الاقدام تبركاً ووفاءً له، حتى دفن في مقبرة جنب الصحن في الروضة الحيدرية المطهرة، تاركاً أبلغ الأثر وأرفعه سمواً.

قيادة ثورة العشرين

لمّا درجت عائلة آل الشيرازي على تأسيس نهج خاص بهم يتخذ من العالمية أفقاً رحباً غير محدود لنشر رسالة الإسلام وعلوم اهل بيت النبوة (ع) والدفاع عن حقوق الإنسان، لم يكن غريباً ان يتسنم احد أعلام هذه العائلة المعطاءة قيادة أهم ثورة في تاريخ العراق الحديث وهي ثورة العشرين. التي خرج على إثرها الانكليز مرغمين من العراق.

انه العالم الورع آية الله الإمام الشيخ محمد تقي الشيرازي (قده)، فكيف حفّز ذلك القائد اهل العراق للقيام بثورة لايزال صداها حتى اليوم يضرب في الآفاق؟ وكيف أستطاعت عشائر العراق التي كانت تفتقد حينذاك لأبسط مقومات التسليح والتكنولوجيا العسكرية الوقوف أمام آلة بريطانيا العظمى، الإمبراطورية التي كانت الشمس لاتغيب عن مستعمراتها..

إنه الإصرار والتحدي والحميّة المسلحة بالإيمان النابعة من حب الوطن وإتباع القيادة الدينية الفذّة التي كانت آنذاك متمثلة الى حد كبير بالإمام الشيخ محمد تقي الشيرازي (قده) الذي استطاع ومن خلال مرجعيته للشيعة في وقتها من ان يستقطب كافة اطياف العراقيين بما فيهم السنّة لأطروحته في النضال التي كانت وطنية وبعيدة كل البعد عن الإستقطاب الفئوي والطائفي...

كما ان الذي ساعد المرجع الشيخ الشيرازي في قيامه بالثورة ومن ثم تشكيل اول حكومة إسلامية في العراق، في مدينة كربلاء بالذات، عدة أمور كان منها:

- مرجعيته للشيعة في ذلك الوقت حيث كان امره مطاعا لدى المقلدين والأتباع يضاف الى ذلك أخلاقه الرفيعة المتأسية بأخلاق النبي الكريم (ص) والأئمة الاطهار من اهل بيت النبوة وزهده الذي كان مضربا للمثلن وكفى بذلك مثلا في انه لما توفي كان لا يملك حتى دارا لعائلته..

- حزمه الكبير ووسع مجال أطروحاته التي استطاع من خلالها ان يستقطب أبناء السنّة الى جانب الشيعة.

- تديّن العشائر العراقية تديّنا واقعيا، قبل ان تفسد الحضارة الحديثة قسماً من الشباب بواسطة التحلل الاخلاقي كالسفور والخلاعة والخمور وغيرها، فالعشائر ما كانت تدافع عن البلد بقدر ما كانت تدافع عن الدين والفضيلة والعدالة..

- تمكُن الشيخ الشيرازي (قده) من استقطاب العلماء في النجف والكاظمية المقدستين وبغداد بالاضافة الى علماء كربلاء، حيث تذكر المصادر إجتماع اكثر من سبعين مجتهداً وعالِماً حوله، جعلهم رسل الثورة الى مختلف قطاعات الشعب من العشائر والمدن..

كما ان تخوف الانكليز من الإضطرابات في الهند وايران وغيرهما، حيث كان فيهما الكثير من مقلّدي الشيخ الشيرازي (قده)، كان له الأثر الكبير في الانتصار من خلال دعم الأتباع الإعلامي في تلك الأصقاع للثورة في العراق.. الامر الذي لم تحتمله غطرسة بريطانيا العظمى حتى إغتالت أيدي عملائها الآثمين الشيخ الشيرازي من خلال دس السم له، فمات مسموماً شهيداً، بعد ان أدى رسالته لله والإنسانية..

التجديد صفة اخرى

بعد أن عرفنا تميز الأداء والتوجه وعدم إتخاذ سياق ممنهج واحد في طريقة ايصال آل الشيرازي رسالتهم للناس.. ليس من قبيل الصدفة ان يكون المجدد الثاني الإمام الشيرازي (قده) عالماً خاصاً بذاته، فهو من كبار مراجع التقليد والفتيا وقائد روحي كبير وفي مقدمة الفقهاء والمناضلين، ولد في النجف الاشرف ونشأ في كربلاء المقدسة، تفقه على يد والده والعديد من العلماء والمشايخ الكبار حتى بلغ درجة عظيمة في الفقه والأصول وسائر العلوم الاسلامية..

وبعد وفاة أبيه إلتف حوله اهالي كربلاء بجميع طبقاتهم وقد تصدى للمهام الشرعية والإجتماعية وتصدر كرسي تدريس البحث الخارج فقها وأصولاً في ديوان ال الشيرازي في الصحن الحسيني المطهر. بالغاً في ذلك درجة سامية لم يصلها احد من معاصريه.

لقد أغنى المجدد الثاني الإمام الشيرازي (قده) العلوم الحوزوية والمكتبات العامة والخاصة في العديد من الدول الإسلامية بتآليف وتصانيف قيّمة ومتنوعة، بلغت اكثر من خمسمائة عنوان في الف وثلاثمائة مجلّد بين كتاب ورسالة في التفسير والحديث والفقه والأصول والعقائد والتاريخ، اشهرها موسوعته الفقهية في مائة وستين مجلداً تميزن بكثرة التفريعات والمسائل المستحدثة.

ومن جهة ثانية نذر الإمام الشيرازي (قده) نفسه في سبيل إثبات نظريات إجتماعية وإنسانية كبرى من قبيل (شورى الفقهاء) وكذلك الدفاع عن حقوق الإنسان من خلال تبني نظرية ( اللاعنف) وهي النظرية الاكثر حساسية في عامل اليوم والأعقد في التطبيق في ظل صراع القوى الأقليمية والعالمية للإستفراد بالقوة والإستحواذ على مقدرات الاخرين من خلال العنف والترهيب والتجاوز بشتى أشكاله.

لقد عودنا الإمام الشيرازي ـ تغمده الله برحمته ورضوانه ـ في كتبه أن يتناول أعقد وأخطر المسائل بأبسط العبارات، وهي في مجموعها تثير دهشة الباحث بسعة علم الإمام ودقة وصفه. فنحن تارة أمام عالم فقيه ذي ثقافة متشعبة بيَّن دقة نظرياته وأهميتها، وتارة أمام اقتصادي عظيم مُنظِّر لنظريات علم الاقتصاد، وتارة أمام سياسي محنك تعددت طروحاته وأفكاره وتنبؤاته السياسية وتارة أمام عالم للاجتماع ومفسّرٍ وأديبٍ ذي أسلوب متميز وافتنان عجيب وابتكار غريب في تدوين وتأليف هذه العلوم، ويشهد له السبق في المعرفة بالعلوم الإسلامية.

الشهيد الشيرازي.. أسوة وقدوة

ان الدين الاسلامي الحنيف هو المتميز دائما في تكريم وإجلال الذين ضحّوا بانفسهم من اجل حياة فيها كرامة وعز وازدهار.. باعتبارهم النموذج الاصدق في التفاني والايثار والبعد عن مغريات الدنيا ولهوها ورياءها.

ويرتب الاسلام الناس في مراتب حسب عملهم وعلمهم وتقواهم والادوار التي يقومون بها، ويوجب لصاحب الدور المتميز في التضحية وعمل الصالحات حقوقا على غيره من الناس فيأمرهم باحترامه والاقتداء بعمله الصالح، وبمقدار ما يتقدم في هذه الادوار يؤمر غيره بتكريمه، ولذلك يوجه الاسلام الحنيف اتباعه الى الدرجات التي يستطيعون بواسطتها ان يسلكوا سبل التكامل.

وفي هذا المجال فان منزلة الشهيد منزلة خاصة تكتسب اهميتها من انه قد ترك وبرضاه كل شئ، واهمه حياته في سبيل رضا بارئه وخالقه، لذلك فانه يستحق كل تكريم واجلال واقتداء. لأن عمل البر الذي قام به يعتبر فوق كل بر، كما قال رسول الله(ص): فوق كل بر بر حتى يقتل الرجل في سبيل الله فاذا قتل في سبيل الله فليس فوقه بر، وكما قال الامام جعفر الصادق(ع): من قتل في سبيل الله لم يعرفّه الله شيئا من سيئاته.

وفي الوقت الذي تنتهي فيه الامم التي تشجع الهموم الفردية والمصالح الخاصة الى التفكك والتشرذم، فان المجتمعات التي تهتم بتاريخ التضحية الخاص بها تكون اكثر قابلية للتقدم والتماسك.

ولهذا السبب نجد اهتمام المجتمعات الحيّة بأبطالها الماضين حيث يدخلون ضمير الشعب كشعلة امل متقدة على الدوام، ونجد شخوصهم معبرا عنها في كل المفاصل التعليمية والحياتية اليومية. ومن بين اولئك العظماء الذين نشروا العلم، وحاربوا الشرك، وجاهدوا الدكتاتورية والاستبداد طوال النصف الثاني من القرن الماضي الشهيد آية الله السيد حسن الشيرازي (رحمه الله).

ليس من المفارقة ان يصاغ الشهيد الشيرازي بقالب العلم والإجتهاد والنضال في آن واحد، كونه ترعرع في ظل (البيت الشيرازي) الذي عرفت عنه جميع انظمة الحكم المتناقضة حمله لراية المعارضة وقيادته لرواد الفكر الاسلامي المنسجم مع حياة اسلامية تتناغم مع الواقع المعاش في اطار القيادة المرجعية الرشيدة.

من هذه الاسرة الفاضلة انحدر الشهيد السعيد اية الله السيد حسن الشيرازي، اذ ولد عام 1937م، ليكمل مسيرة العلم والجهاد والدرس على ايدي كبار علماء العراق، وانعكس هذا العلم مع نبوغه السريع مكونا خزينا فكريا قادرا على استنباط الاحكام الشرعية من الاصول الفقهية، فوصل الى درجة الاجتهاد، ووضع تعليقاته في شرح العروة الوثقى، ودرّس البحث الخارج في الحوزة الزينبية التي اسسها الشهيد في سوريا بجوار مرقد السيدة زينب (ع).

واضاف الى هذا العلم الحوزوي نفحات من اللوازم الهامة التي يحتاج اليها المفكر الثائر من اجل تزريق الجماهير المتعطشة بفكر اسلامي يواكب العصر الذي يعيشونه ويتفاعلون معه، ومن هنا نرى توجهه الى تكوين صيغة للادب الاسلامي الذي اندثر في غمار الادب الفارغ من الافكار الاسلامية الاصيلة، ولاضفاء بيان جميل يعطي مظهر الافكار الاسلامية رونقا وجمالا، ومن خطواته المشهودة في هذا المجال تاليف كتابي، العمل الادبي، والادب الموجه، اذ شرح فيهما صفات الادب الاسلامي الرصين، ليكون بذلك عميد الادب العربي الحديث في تلك الفترة.

ان فضيلة الشهيد السيد حسن الشيرازي التي تقرأ في ابيات شعره الكاشفة عن نفسيته العالية وروحه الجهادية أو كتبه التي تعكس صفاء فكره وخلوص نيته وسلامة خطه المنبثق من روايات اهل البيت عليهم السلام.. هذه الفضيلة تضاف عليها روح الوحدة وجمع الاطراف، فقد كان عمله مركزا من اجل تكوين جبهة اسلامية عريضة للتصدي للديكتاتورية المتسلطة.. تجمع كافة التوجهات والشخصيات السياسية والعسكرية والدينية والعشائرية، فقد كان رحمه الله ذو جهاد ثوري مرتبط وثيقا مع جهاد آخيه الامام الراحل السيد محمد الحسيني الشيرازي.

ولما كانت الانظمة الشمولية وخصوصا الحكم البعثي الديكتاتوري في العراق، خائفة على عروشها من  جهاد الثوار والمؤمنين، استمرت بالسعي الدؤوب لإعتقال هؤلاء الثوار والمجاهدين، وحبسهم من اجل منع التفاعل مع التموجات الجماهيرية الغاضبة بالاضافة الى محاولة التاثير النفسي على المعتقلين.. ليكون ذلك بداية تراجعهم عن العمل السياسي والثوري المعارض، وعندما ضاق حزب البعث البائد ذرعا باعمال السيد الشهيد الشيرازي لم يجد وسيلة اجدى من اعتقاله لتوقيفه عن نشاطاته السياسية والاعلامية المكثفة ضد النظام البائد، ولهذا فقد اقدم النظام على تنفيذ هذه الخطوة الجبانة حين اعتقل السيد الشهيد في اوائل ربيع اول عام 1389هجري، نقل على اثرها فورا لمركز التعذيب القاسي في قصر النهاية المعروف..

ولاقى الشهيد ألماً تعرض خلاله لـ44 نوع من انواع التعذيب البشع في سجون البعث الرهيبة، وسطر مجلداً خالدا باستقامته وصموده وعدم اعترافه على قائمة كانت تضم 300 شخصية اسلامية كان النظام ينوي اعتقالهم والتنكيل بهم وقتلهم.

بعد تلك التجربة المريرة مع البعث البائد فكر الشهيد بطريقة اخرى يكمل بها مسيرته الثورية والجهادية، فكانت فكرة الهجرة الجهادية الى خارج العراق والتي اعطت بعدا اقليميا وعالميا اوسع للحركة الاسلامية الثورية ضد البعث.

اما وسام الشهادة الذي ناله السيد الشهيد الشيرازي فكان في الطريق الى مجلس الفاتحة الذي اقامه على روح اية الله الشهيد السيد محمد باقر الصدر(قدس سره) واخته المظلومة، اللذان استشهدا برصاص الغدر البعثي في سجون العراق..

وللعلاقة الوثيقة التي كانت تربط السيدين الشهيدين الصدر والشيرازي فقد اقام السيد الشهيد الشيرازي مجلسا للفاتحة على روح الشهيد السيد الصدر في يوم الجمعة المصادف 2 مايو 1980م، وتوجه الشهيد الشيرازي الى مجلس الفاتحة في مدرسة الامام المهدي(عج) بمنطقة برج البراجنة بلبنان، وفيما كانت السيارة التي تقله تواصل سيرها وإذا بثلاث سيارات خصوصية تعترضه وسيارة رابعة تقوم بمراقبة وتصوير ما يجري، وراحت الأيدي الآثمة العميلة للبعث البائد التي خرجت من السيارات تمطر الشهيد الشيرازي برصاص الحقد حتى ذهبَ شهيداً غريباً مهضوماً مخضباً بدمه في سبيل الله.. على خُطى جده الإمام الحسين(ع).

خير خلف لخير سلف

لم تكَد شمعة المجدد الثاني الإمام الشيرازي (قده) تنطفئ حتى أوقدها من جديد آية الله العظمى المرجع السيد صادق الشيرازي (دام ظله الوارف) آخِذاً بدوره راية آل الشيرازي وحاملاً أياها بحزم وثقة ومواصلاً لدرب أجداده الائمة الطاهرين وأسلافه المراجع العظام.

السيد صادق الشيرازي (دام ظله) هو الشقيق الأصغر للإمام الراحل محمد الحسيني الشيرازي، تتلمذ في مدرسته، ومنه تعلم الاتساع العلمي المعرفي، والسير في ركاب الأسرة بمفاهيمها وعلومها وخطها الجهادي في الدين والعلم والمعارف.

ولد السيد صادق الشيرازي في كربلاء عام 1360هـ، وقام بتدريس العديد من العلوم الدينية في الفقه والاصول، أبرزها (الخارج) منذ العام 1398هـ في دولة الكويت ثم مدينة قم المقدسة، ومن أبرز مؤلفاته التي بلغت السبعين: كتاب القيم، شرح العروة الوثقى، وبيان الأصول (عدة أجزاء)، وعلي (ع) في القرآن (مجلدين)، وفاطمة الزهراء (ع) في القرآن، والمهدي (ع)  في القرآن، و الشيعة في القرآن، وأهل البيت (ع) في القرآن، وشرح السيوطي (مجلدين)، وشرح شرائع الإسلام (أربعة مجلدات)، وشرح التبصرة، وشرح الروضة البهية في شرح اللمعة (أكثر من عشر مجلدات)، وحقائق عن الشيعة، والسياسة من واقع الإسلام، والقياس في الشريعة الإسلامية، والمهدي (ع)  في السنة، والإصلاح الزراعي في الإسلام، والطريق إلى بنك إسلامي..

في أبهى صورة..التاريخ يعيد نفسه

بعد قرون من تلك الأحداث جدّد أهالي العراق بكافة اطيافهم من السنة والشيعة وحتى المسيحيين، جدّدوا حبهم وولائهم واحترامهم لهذه العائلة المعطاءة التي أنجبت العديد من المراجع العظام والعلماء الأجلاء من خلال إحتضانهم لجثمان الفقيه الفقيد آية الله السيد محمد رضا الشيرازي العالِم الرباني الورِع الذي توفي مؤخراً. وشيّع جثمانه عشرات الالاف من اهل العراق من واسط الى النجف الاشرف ثم الى مثواه الاخير في صحن جدّه الإمام الحسين (ع)..

وما كان ذلك إلا برهاناً على عالمية الرسالة التي حملها هؤلاء الأبرار، ودليل على إتساع أفق المرجعية الشيرازية التي جعلت منهم.. جوهر التحولات الخلّاقة في المجتمعات المختلفة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 6/تشرين الأول/2008 - 6/شوال/1429

اتصبو بنا

ملف المناسبة

الصفحة الرئيسية

 

 أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 6

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1428هـ  /  1999- 2007م

[email protected]