اتصبو بنا

ملف المناسبة

الصفحة الرئيسية

 

 

 

مشكلات البيئة ورؤية السيد الشيرازي

صباح جاسم/مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام

ان اغناء الحياة الإنسانية وخصوصا بأفكار التنمية المُستدامة، تكفل لجميع المخلوقات وليس البشر وحده حياة خالية من العيوب والمصاعب والتجاوزات، ومن هنا تتضح اهمية إبراز الافكار الاساسية التي نادى بها علماؤنا ولاسيما الامام الراحل السيد محمد الحسيني الشيرازي (قده) واهمية تطبيقها في هذه الايام، مثل مفهوم اللاعنف، ودعوته الى نزاهة العاملين الاسلاميين، وتحذيره من الكوارث البيئية التي أدت اليوم الى ظاهرة الاحتباس الحراري وتداعياتها على المستويين القريب والبعيد.

فالبنسبة لمسألة البيئة، طرحها الإمام الشيرازي منذ مايزيد على عقد من الزمن على انها مشكلة العصر التي عجز الإنسان ان يجد لها حلّاً، لكنه سبرَ غور هذه المشكلة عالمية التأثير، من خلال القاءه الضوء على ما أعدَّ الإسلام من وسائل لمكافحة مرض الحضارة، الذي يحمل إسم التلوث البيئي.. طارحاً حلولا مبتكرة تعتمد إحترام النفس والطبيعة والنِعّم التي أنزلها الله تعالى سبيلاً يزخر بالعديد من التفاصيل التي تحمل بين طياتها العلاج الأنجع لظواهر أخذت تلقي بظلالها القاتمة على مستقبل البشر والطبيعة والكائنات، من قبيل ظاهرة الإحتباس الحراري الناشئة عن تغيرات المناخ التي تسببها الإنبعاثات الصناعية السامة، وما تعنيه هذه الظاهرة من ازدياد حرارة كوكب الارض وذوبان طبقات الجليد في القطبين الشمالي والجنوبي وما يتبعهما من زيادة في مستوى المياه في البحار والمحيطات ما يؤدي لتصاعد تاثير الفيضانات في انحاء كثيرة من العالم ويهدد بإختفاء جزر ودول بأكملها، ناهيك عما يسببه ارتفاع درجات الحرارة من اختلال في الموازنة البيئية لأنواع المحاصيل والحيوانات والحياة البرية الخاصة بكل منطقة في انحاء العالم وتأثيرات الإنبعاثات السامّة على الصحة العامة...

والبيئة كلمة عربية، مصدرها بَوَءَ، ويقال تبوّأَ بمعنى نزل وأقام، وفي الغالب تُستعمل البيئة بما يكون في مرمى السمع او البصر او الشم او الذوق من غير فرق في ان يكون ظاهرة طبيعية من صنع الله تعالى او من صنع الإنسان. وهي بالمعنى العام، عبارة عن مجموعة الظروف والمؤثرات الخارجية والداخلية، فالبيئة المحيطة بأي كائن تشمل الظروف السلبية وتشمل الآثار الطبيعية بمختلف مشاربها، وهي –الظروف والمؤثرات- مترابطة بعضها بالبعض الاخر، ومتفاعلة تأثيرا وتأثّرا.

وفي رؤيتنا للبيئة، وضّح الإمام الشيرازي بأن الإسلام قد بين أحكام البيئة سلباً وايجاباً ووجوباً وحرمة وندباً وكراهة وتكليفاً ووضعاً، مبينا ان للبيئة سقف واحد هي السماء ولها قاع واحد هي الارض وسائر ما يتكون منهما من الماء والمرعى بليلها ونهارها هي التي تكون هذه المجموعة المختلفة الأبعاد حتى يعيش الإنسان فيها عيشا تتوفر فيه كافة مصادر الديمومة له ولما حوله..

ويرى الشيرازي (قده) ان للتلوث قسمين هما مادي ومعنوي، فالتلوث المادي هو التلوث بأي شيئ غريب عن مكونات المادة الطبيعية سواء كانا شيئين حسَنين او غير حسَنين، وفي الإصطلاح الحديث يقال التلوث بمعنى إفساد مكونات البيئة من تحول العناصر المفيدة الى عناصر ضارّة في الهواء او الماء او المخلوقات، والتلوث بهذا المعنى هو صورة من صور الفساد والإفساد حيث ورد في الذكر الحكيم ( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا)، والمراد هنا ان يذوقوا العقاب فأقام المُسبب مقام السبب.

ومن التلوث ايضا، تدخّل الإنسان في قوانين البيئة التي سنّها الخالق عز وجل وإخلاله بتوازن عناصرها ومكوناتها بحيث تتحول الى ضارة له ولباقي الخلق، فقد كانت للثورة الصناعية التي قامت على أساس علماني آثار مدمرة على البيئة بدليل ان الأرض اليوم تشهد اكبر موجة تحول سلبي في البيئة على خلفية عدم تقنين الإنبعاثات السامة من الكاربون وغيره وكذلك عدم التزام الدول الصناعية الكبرى بمعايير سلامة الناس والبيئة متخذة الحاجة للمزيد من الانتاج ذريعة للتمادي في هذا التدمير.

لذا فإن التداعيات السلبية لهذه المسألة قد اتخذت مسارا مهلكا من خلال موجات إنقراض للعديد من الحيوانات والنباتات شهدها العالم مؤخرا، وهذا بدوره مؤشر كبير على قرب الخطر من البشر ايضا. وعلى هذا فإن تلوث البيئة وإن بدت في اول الامر مشكلة اقليمية تعاني منها بعض الدول إلا انها تحولت الى مشكلة عالمية وعائق من عوائق الحضارة البشرية.

اما عن طرق وأساليب مكافحة التلوث التي يفرضها الشرع والعقل على الناس فوضح الشيرازي (قده) هذه المسألة بأنها مسؤولية جماعية تشترك فيها الحكومات والجمعيات والمؤسسات والأفراد على حد سواء، لضمان حماية البيئة من خلال الإلتزام بحماية الهواء أولاً وايصال نسبة التلوث فيه الى الحد الطبيعي وذلك بضبط مصادر التلوث عن طريق نصب اجهزة لتنقية الهواء من الغازات والجسيمات الضارة خصوصا في الاماكن العامة والمستشفيات والمدارس والدوائر الرسمية وغيرها، ثم محاولة الاستفادة من العوادم ومعالجتها وإعادة استخدامها مرة اخرى، فيما يعرف حديثا بالتدوير والطاقة المتجددة.

وكذا تطوير تقنية السيارات للحد من التلوث الذي تنتجه عوادمها وتنشره في الأجواء عن طريق الاعتماد على مصادر الطاقة النظيفة كوقود الهيدروجين الذي نجحت الاختبارات عليه مؤخرا في استعماله كوقود بديل عن البنزين، او اعتماد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح كبدائل أمينة ومريحة وغير مكلفة.

وبما ان مشكلة التلوث قد اصبحت مسؤولية جماعية وليست مقتصرة على جهة واحدة او دولة معينة فإن السعي الحثيث للتخلص من آثارها المدمرة يستوجب أمورا عديدة أهمها:

1- ضبط الموازنة بين الصحة والاقتصاد فلايجوز اهمال الجانب الصحي على حساب العامل الاقتصادي، فما الفائدة من اقتصاد قوي قائم على أساس مرض الناس وتدمير المخلوقات والبيئة.. فبعد ان دق جرس الإنذار البيئي على مستوى العالم قامت الدول الصناعية الكبرى، التي يرجع اليها السبب في معظم نسب التلوث الحالية، بعقد عدة اجتماعات لغرض تنظيم وتحديد كميات الانبعاثات السامة لكل منها إلا ان تلك المقررات لم تُعتَمد حتى الان والسبب هو عدم استعداد الدول المعنية للتخلي عن نسبة من كميات انتاجها المحلّي والسبب هو الخوف من تراجع الاقتصاد فيها. والمقتَرَح هنا هو إجراء عميات بيع وشراء للحصص الزائدة المحددة لكل دولة من الإنبعاثات السامّة، بحيث تستفيد الدولة التي فيها فائض من الحصة المقررة من بيع الجزء المحدد لها من الإنبعاثات فيما تتمم الدولة الاخرى كميات انتاجها المطلوبة وفق خططها الاقتصادية كاملة ان كانت في حاجة لذلك...

2- تقنين استعمال المياه الصالحة للشرب وترشيدها من خلال تقسيم الماء في المدن الى صنفين احدهما ماء صافي للشرب والاخر للتنظيف والسقي، وهذا الامر في ظاهره تبدو الصعوبة او الاستحالة انما هو في الحقيقة حل أمثل لحفظ كميات مياه الشرب الكبيرة التي تُهدر كل يوم من خلال استعمالات ثانوية من قِبل المواطن والمؤسسات والممتلكات العامة والخاصة.

3- الإكثار من حملات التشجير واعتماد النباتات التي لاتحتاج الى الماء بكثرة لإمتداد جذورها عميقا، حيث ان هذه الاشجار تعمل كمصدّات للعواصف والرياح وموجات التصحّر وكذلك توفِر كميات اضافية من الاوكسجين الضروري للحياة ما يعني من جهة اخرى معادلة السموم التي تنتشر في الهواء وتتزايد كمياتها كل يوم في مُدننا.

4-  الحفاظ على النظافة، والمعنى هنا عام جداً يبدأ من التزام الفرد بنظافة بيته مرورا بأهمية القيام بحملات تنظيف شعبيّة في المدن التي تعاني تكدّس المكبّات وانتهاءا بالتزام الدولة في توفير اماكن طمر خاصة بعيدة عن المدن لضمان عدم تسرب الملوِثات والحشرات التي تنقل الامراض.

* مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام

http://annabaa.org

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 5/تشرين الأول/2008 - 5/شوال/1429

اتصبو بنا

ملف المناسبة

الصفحة الرئيسية

 

 أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 6

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1428هـ  /  1999- 2007م

[email protected]