السيد محمود الموسوي
الذي يقرأ مسيرة الإمام الشيرازي (قدّس سره) لا يستطيع أن يحصرها
بإنجاز واحد، حيث اتسمت شخصيته وكذلك إنجازاته بالتعدد والإستيعاب، حيث
شملت الجوانب المتنوعة في الفكر والفقه والإجتماع وقضايا المجتمع وما
إلى ذلك، وهذه الخاصية التعددية هي من أبرز سماته حيث نرى أن هنالك من
يهتم ببعد واحد من أبعاد الحياة، فيفاضل المفكرون والفقهاء والتيارات
الفكرية بين الأبعاد المختلفة ويغلّبون بعداً واحد في طريق الأولوية ثم
يدعون له بالتفعيل، إلا أن سماحته وبنظرته الإستيعابية لواقع المسلمين
وواقع العالم من جهة، و من خلال نظرته العميقة للدين وواقعه الذي يرجوه
الله في الدنيا كدين عالمي جاء رحمة للعالمين.
من خلال ذلك يرى الإمام الشيرازي أن الأمة بحاجة إلى كافة الأبعاد
والمجالات.. فالنقص واضح وبيّن لمن يدرس كل جانب على حده..
ولو أردت أن ألخص الإنجاز الذي قدّمه الإمام الشيرازي، لقلت أنه بث
(روح الإنجاز) ودفع الإنسان إلى ساحة العمل والفاعلية و تحويل كل معنوي
إلى شيء ملموس، وتحويل كل الأفكار إلى واقع يكون في خدمة الإنسان..
فلذلك بث روح الانجاز والعمل والفاعلية، فإنه آمن بأن كل شخص عليه
مسئولية العمل بعد العلم، فلا يمكن أن يوجد عالم من دون عمل.. وأكد على
ذلك، وهذه الخاصّية ليست لها نهاية عمرية، بل هي متوالدة ومنجزة
بإستمرار، فحتى بعد وفاته، ترى الحركة والعمل الذي خرج من توجيهاته في
حالة من النمو.. بل وينتقل بين الأجيال..
فإن الإمام الشيرازي محرك الواقع ومنجز المشاريع وهو غائب..
وهذا جانب من جوانب التقييم، فهنالك نجاح باهر في هذا الصدد، ولو
تتبع الإنسان المشاريع التي تتحرك في الواقع الإسلامي اليوم لوجد في
كثير منها روح ونفحة من نفحات سماحة الإمام الشيرازي، عبر التوجيه
المباشر أو غير المباشر..
بل وأعتقد أن التأثير لا زال في أوله، وسوف يكتب له التوسع أكثر في
المستقبل، ذلك لأنه أخلص لله تعالى أولاً، ولأنه عمل على تأسيس ثقافة
العمل والإنجاز ثانية..
والثقافة إذا زرعت في القلوب فإنها تنمو وتندهر.بخلاف الأثر القادم
عبر الأوامر أو عبر التأثير الأجوائي أو الإكراه أو لمصلحة من المصالح
الفانية. |