الصفحة الرئيسية ملف المناسبة  | أتصلوا بنا

 

مرجعية الإمام الشيرازي في الخليج.. التحولات والآثار

 حسن آل حمادة

 

الكتاب: مرجعية الإمام الشيرازي.. عمق التحولات وآثار النهضة.

المؤلف: محمد العليوات.             

الناشر: نور الهدى، قم.

سنة النشر: ط1، بدون تاريخ.

الصفحات: 64 صفحة، قطع وسط.

 

 

في كتابه المعنون بـ(مرجعية الإمام الشيرازي.. عمق التحولات وآثار النهضة)، حاول سماحة الشيخ محمد العليوات أن يُعرِّف بالجهد الإصلاحي الكبير الذي بذله فقيد العلم والعمل آية الله العظمى الإمام السيد محمد الشيرازي (رحمه الله). علماً بأن المؤلف قد خصص كتابه القيِّم هذا لدراسة آثار هذه المرجعية الفذَّة، وعمق التحولات التي أحدثتها في منطقة الخليج تحديداً؛ إذ يقول: "لا أسجل هنا إلاَّ جزءاً يسيراً من آثار الحركة المرجعية للإمام الراحل بفكرها وعطاءاتها المختلفة، في منطقة بعينها، وليس على صعيد العالم الإسلامي، فهذا جهدٍ مضنٍ ومتشعب، ينوء الفرد بحمله"ص10، ويضيف العليوات في مكان آخر قائلاً: "ونحن هنا عندما نسجل بعض الآثار الثقافية والاجتماعية لمرجعية الإمام الشيرازي... فإن هذا اعتراف منا بالجميل والإحسان لجهوده الدينية الجبارة، وعطاءاته الإنسانية المخلصة، والتي خص بها منطقتنا، وهذا لا يعني أنها كانت الجهود الوحيدة، وإنما عاضدتها جهود أخرى سيما في مراحل زمنية لاحقة"ص14.

التغير الثقافي وأثر الاتصالات الفكرية:

تحت هذا المدخل النظري للدراسة، لفت المؤلف الأنظار إلى أن التغير الاجتماعي ما هو إلاَّ جزء من عملية أوسع وأكبر يطلق عليها اسم التغير الثقافي، حيث يشمل هذا التغير كل التغيرات التي تحدث في أشكال وقواعد النظام الاجتماعي، ولذا فإن التغير الثقافي يُعد مقدمة لا بد منها لتغير اجتماعي عميق، يمهد لتغير في الأنساق والبنى الاجتماعية، وما كانت حركة الأنبياء والرسل الإلهية، إلاَّ حركات فكرية خلاّقة استبدلت الأفكار الجاهلية بأفكار توحيدية، واستطاعت من خلال ذلك إيجاد سلسلة من التغيرات في الأنساق والبنى والوظائف الاجتماعية، واستطاعت أن ترتقي بالمجتمعات من حضيض التخلف إلى مدارج الكمال.ص15-16.

بعد ذلك أشار العليوات إلى استفادة مرجعية الإمام الشيرازي من وسائل الاتصال الثقافية المختلفة، في إحداث التغيرات الفكرية والثقافية والاجتماعية في المنطقة.. فقد بشرت مرجعيته ومدرسته بأفكارها عبر الوسائل التقليدية المعروفة كالمنابر الحسينية، وكذا عبر الأوعية الثقافية كالشريط والكتاب والنشرة، كأوعية تبشر بفكر حيوي ومتجدد يلامس حاجات الناس، ويلبي طموحاتها في التعرف على الإسلام وخصوصاً لدى الجيل الجديد. واللافت للنظر -كما يشير المؤلف- أن الإمام الشيرازي، كان بنفسه يرعى هذه التوجيهات الثقافية التغييرية، ويمارس الكتابة والخطابة الجماهيرية لإيصال الثقافة الإسلامية بلباس عصري للأمة بكل فئاتها وشرائحها. وبرغم أن العرف المرجعي يخالف هذا المنحى، إلا أن الإمام الشيرازي قد تجاوز بالفعل الأعراف الحوزوية المعمول بها، في سابقة تعد الأولى من نوعها في التاريخ الشيعي الحديث.ص16-18.

وبطبيعة الحال لقد شكلت هجرة الإمام الشيرازي من العراق إلى الكويت -في النصف الثاني من عقد التسعينات الهجرية/السبعينات الميلادية- أولى حلقات الاقتراب الجغرافي من منطقة الخليج، وهذا التقارب الجغرافي ساهم بدوره في عملية تسارع العدوى الثقافية والفكرية، واختزال الزمن إلى أدنى حدوده. وتبعاً لذلك تبلورت من رحم هذه المدرسة خلال العقود الثلاثة الماضية نخبة من الكفاءات المتميزة وأصبحت من الشواخص المعرفية في المنطقة، بعد أن كانت تعيش حالة من الجمود الثقافي والفكري عدا حالات نادرة ومنعزلة كانت لها أشكال تعبيرية في صفوف بقايا النخبة الوطنية.ص19-21.

مجالات التأثيرات الفكرية في المنطقة:

بعد مرور ما يقارب ثلاثة عقود من تشكل أولى حلقات الاتصال الجغرافي والفكري بين مرجعية الإمام الشيرازي ومنطقة الخليج، رصد المؤلف مجالات التأثير الفكرية والاجتماعية، وسنشير هنا إليها بإيجاز، وهي:

أولاً: مجالات القيم والأفكار:

1- تحديث المفاهيم: إذ أعطت مرجعيته تعريفاً جديداً للكثير من المفاهيم الدينية السائدة وذلك بإعادتها إلى جذورها الأصلية في قالب عصري، فالمسجد -مثلاً- لم يعد مكاناً للصلاة فحسب، بل مركزاً من مراكز النشاط والحركة والإشعاع، ورمزاً لقيادة الأمة.

2- تعبئة المجتمع تجاه مسؤولياته.

3- إثارة التوتر الفكري والاجتماعي: فبعد أن كانت المنطقة تتفاعل مع الحوزة العلمية في النجف الأشراف، هاهي مرجعية كربلاء متمثلة في الإمام الشيرازي، تدخل على الخط؛ لتكون بمثابة الحجر الذي أُلقي في الماء ليحدث تموجات في مياه ساكنة. وكان ذلك مفيداً لمجتمع تنقصه الحركة والانبعاث، ليصوغ نفسه من جديد، ويعيد ترتيب قواه الاجتماعية، ويدفع بحركة مجتمعية شاملة إلى مديات قصوى ولأول مرة في تاريخه.

4- ثقافة تفجير الطاقات: لقد رفعت الثقافة الجديدة شعار: "أتحسب أنك جرم صغير/وفيك انطوى العالم الأكبر". وبفضل هذه الثقافة أصبحت المنطقة تنعم بنخبة من الكفاءات المتميزة في شتى المجالات الحضارية والقيادية.

5- إثارة الاهتمام بالعنصر النسائي.

6- مأسسة العمل الديني.

7- رفع مستوى الطموح والتطلع.

8- الثقافة للجميع: لقد كتبت المرجعية على سبيل المثال عشرات الكراسات البسيطة التي يفهمها الناس، ويتفاعلون معها،كما قام رموز الثقافة الجديدة بالعمل نفسه، وفي الماضي، كانت النخب وحدها تقرأ الكتاب، وتعرفه، وتتحدث عنه.

9- تدعيم القيم الروحية والمعنوية: فمثلاً، الدعاء المعروف بدعاء (كميل بن زياد)، أصبح الآن من الأدعية المقروءة بشكل جماعي في كل ليلة جمعة، ولم تكن المنطقة قد ألفت في السابق هذا النوع من الممارسات الجماعية.

10- التطوير الفكري والثقافي: في مجال: المنبر الحسيني، والكتابة والتأليف، والهيئات الدينية، والمحاضرات والندوات الثقافية -التي لم تعرفها المنطقة من قبل بشكلها الواسع- والاحتفالات والمهرجانات الدينية الجماهيرية.

ثانياً: المجال الاجتماعي:

لأن (الثقافة الجديد) -بتعبير المؤلف- تستهدف خدمة الناس، وإحداث تغيير في ثقافتهم، فقد عمدت إلى توظيف جزءٍ كبير من طاقاتها للعمل على الاتصال بالناس، مما أكسبها طابعاً جماهيرياً/اجتماعياً عرفت به، ومكّنها ذلك من استقطاب فئات واسعة، والتأثير عليها، وإعادة توظيف هذه الطاقات الجديدة في خدمة الأهداف الاجتماعية والخيرية التي كانت تسعى إليها.ص41. وقد اتسعت آثار الثقافة الجديدة لتشمل عدة مناحي اجتماعية، نعبر عنها، كما يأتي:

1- حراك النخب: فلم تعد المشيخة حكراً على فئة ذات أصول اجتماعية وعائلية معينة.. لقد أضيفت قوى اجتماعية جديدة، استطاعت بتنوع كفاءاتها شق طريقها الاجتماعي وسط الكثير من التجاذبات الشديدة، لتعيد تشكيل خريطة البناء الاجتماعي في المنطقة من جديد.

2- تقليل الفجوة بين النخبة والمجتمع: ألغت الثقافة الجديدة مقولة: "عالم الدين يُؤتى ولا يأتي"، وأصبح عالم الدين الجديد متهماً إن تخلف عن هذه الأخلاق. ولقد أحدثت شخصية الإمام الشيرازي انعطافة حقيقية في سعة وحجم تواصلها، ومبادراتها مع جميع الشرائح الاجتماعية.

3- أخلاقيات الحوار والتواصل: عندما كانت حملات التشهير والكراهية تشتد وتتوالى كانت المرجعية المتمثلة بالإمام الشيرازي توجه أتباعها بهذه الحكمة القائلة: "كونوا كشجرة الصندل تعطر الفأس التي تقطعها"، لقد كان هذا شعاراً يلخص حركة الثقافة الجديدة في أخلاقياتها، ويصوغ منهجاً متسامياً مع الآخر، ويعزز ذلك كله بسلوك عملي للإمام الراحل في تعامله مع الآخرين، وتجاوز أخطائهم، والإحسان إليهم، ومحاورتهم، وكان يفيض من مشاعر الاحترام والتقدير ويغدقها على الآخرين.

4- هموم الإصلاح الاجتماعي: أصبح هم الإصلاح في الأمة، سمة ملازمة للمدرسة الشيرازية المباركة، ومَعْلَم من معالمها السامقة.

5- عقلنة مشاريع الإصلاح: لقد أجاد الإمام الراحل صنع النسيج الذهبي الذي أحاط به مشاريعه الإصلاحية، حيث تجد عمق المضمون الأخلاقي الذي يتكوّن منه السياج المبني على: السلم والسلام شعاراً ودثاراً في القول والعمل، مستفيداً كل ذلك من سيرة الرسول الأكرم وأهل بيته الكرام (صلوات الله عليهم أجمعين)، وسيرة المصلحين والعقلاء... ولقد أثبتت الأحداث المتوالية عالمياً وإقليمياً صحة وفعالية ما ذهب إليه الإمام الشيرازي (رحمه الله برحمته الواسعة).

في خاتمة الكتاب يقول المؤلف: "إن الوفاء لمنهج الصالحين يكون باقتفاء أثرهم، والحفاظ على تراثهم، ونشره، ودراسته، وتقويمه، والاستفادة القصوى منه، وتوظيفه في مجالات الإصلاح والنهضة والدعوة إلى الله سبحانه وتعالى".ص58. ونحن نشاطر الكاتب في هذه الرؤية الواعية.

 الصفحة الرئيسية ملف المناسبة  | أتصلوا بنا

 أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 6

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1427هـ  /  1999- 2006م

[email protected]