الصفحة الرئيسية ملف المناسبة  | أتصلوا بنا

 

ستقرأ الأجيال (الشيرازي) كما نقرأ اليوم (المفيد والمرتضى والطوسي)

 نضير الخزرجي

 

في كثير من الأحيان يشار الى المرء من خلال خصلة أو خصيصة يتصف بها، فيقال هذا حكيم لحكمته وهذا فيلسوف لفلسفته وهذا أكاديمي لتدريسه الجامعي وهذا حوزوي لاشتغاله بالعلوم الدينية، وهذا موسوعي لإطلاعه المكثف، وهلم جرا، ولكن يندر أن يتصف المرء بصفات شتى ومتنوعة في آن واحد، بخاصة في عصر الثورة العلمية وعصر التخصصات العلمية.

 وإن قيل من هذا الذي حوى العلوم الإنسانية جلها أو كاد؟ فلا أجافي الحقيقة إذا ما أشرت الى الفقيد الراحل آية الله العظمى السيد محمد بن مهدي الحسيني الشيرازي (1347-1422هـ)، الذي فاقت مؤلفاته الألف فضلا عن الموسوعة الفقهية التي تعدت المائة والعشرين مجلداَ، حتى عدت اكبر موسوعة فقهية تم تأليفها على مدى أربعة عشر قرنا، واشتهر من تراكم مؤلفاته وتنوعها أنه "سلطان المؤلفين"، إذ كتب للأطفال والفتية والشباب والكبار، للنساء وللرجال، كتب في فقه السياسة والاجتماع والاقتصاد، وكتب في فقه السلام والفضاء والقضاء والطب والمرور، كتب في كل شيء أو كاد.

 وهو كذلك وأكثر، لا لأنني عرفته منذ أن كنت صغيرا نزعجه وأطفال الحارة بزعيقنا ولعبنا عند باب بيته في زقاق الصفّارين (عقد الصفافير) في كربلاء المقدسة، حتى إذا خرج من داره لأداء صلاتي الظهر والمغرب في الصحن الحسيني الشريف، أكببنا على يده نقلبها ونقبلها بوصفها يد ممتدة الى سلالة النبي الأكرم محمد (ص) الذين أمرنا الله بالمودة إليهم، فلا يمتنع من ذلك رغم تلوث أيدينا بتراب الأرض صيفا وشتاءاَ، وربما تأثرها بنجاسة الأرض، ولا لأنني كنت وأولاد الحارة ضيوفه الدائمين، ندخل بيته بلا استئذان ونقبل يده طمعا في الحلوى التي وضعها لأولاد الحارة يقدمها لهم كل يوم، وإذا تناول احدنا حلوى واحدة والخجل يغطي وجه، تبسم في وجوهنا ودعانا وبإصرار الى أن نأخذ من الحلوى بما تستوعبه يدانا، ودسّ في جيوبنا المزيد، وجرت العادة على ذلك كل يوم تقريبا حتى غادرنا الى الكويت كما غادر موسى وطنه خائفا يترقب، يلاحقه حكم بالإعدام أصدره نظام بغداد مطلع السبعينات.

كان السيد الشيرازي طاقة تفيض على غيره، تأثر به كل من اقترب منه، وكان يرى في كل إنسان، بسيطا كان أو متعلما صغيرا كان أو كبيرا، ذكرا كان أو أنثى، مشروعا قائما بذاته يستطيع أن يخدم نفسه ويخدم الأمة، وذات يوم جاءه شاب طلب من سماحته أن يدعو له بالشهادة في جبهات الحرب العراقية الإيرانية، فنهره بلطف، وقال له اطلبها من الله بعد أن يبلغ لك من العمر في خدمة المجتمع والإسلام عتيا، إذ ليس من الحكمة أن يموت الإنسان شابا وهو يستطيع أن يقدم الكثير، فمن كتبت له الشهادة ينالها حتى ولو بعد حين من الدهر.

قلت في الذكرى السنوية الأولى من رحيله، وأكررها في  الذكرى السنوية الخامسة، أن الفقيد الشيرازي، جهله الأبعدون فعادوه، ولم يعرفه الأقربون فبخسوه، وسيقرأه المسلمون جيلا بعد آخر، بإذن الله، كما نقرأ اليوم وبعد ألف عام، الشيخ المفيد (ت 413هـ) والشريف المرتضى ( ت 436هـ) وشيخ الطائفة الطوسي (ت 460 هـ).   

أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 6

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1427هـ  /  1999- 2006م

[email protected]

  الصفحة الرئيسية ملف المناسبة  | أتصلوا بنا