بدعوة من ممثلية الإمام سماحة المرجع الديني آية
الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله الوارف) في بيروت،
أقيمت الذكرى السنوية الثانية لرحيل الإمام المجدد آية الله العظمى السيد
محمد الحسيني الشيرازي (رضوان الله عليه) بحضور المؤسسات والمراكز
الاسلامية في لبنان ومنها : معهد الشهيد الأول في بيروت التابع للمجلس
الاسلامي الشيعي الاعلى في لبنان ، وحوزة الإمام الحسن من بعلبك، ووفود
من علماء بيروت والبقاع وجبل عامل وهيئة محمد الأمين (ص) من بعلبك، وهيئة
محمد الأمين (ص) من الجنوب اللبناني، ولفيف من الأساتذة والمسؤولين، وحشد
من محبي آل البيت (عليهم السلام).
افتتح المجلس بتلاوة عطرة من آي الذكر الحكيم على
روحه الطاهرة، ثم تقدم فضيلة الشيخ كاظم عياد (عريف الحفل) وألقى مقدمة
ذكر فيها السجايا الشخصية والفريده للإمام الراحل (قدس سره)، معدداً
الصفات التي كان يتمتع بها صاحب الذكرى العطرة ومعالجته الشاملة لكل
أدوار الحياة، والمشاريع التي أنجزها والتي كان يزمع أن تقام صرحاً
لإعلاء كلمة الله ورسوله والأئمة الأطهار عليهم السلام، وتوجيهاته قدس
سره الى الوكلاء في جميع المراكز في العالم وما عليهم أن يتبعوه لتظل
راية الإسلام خفاقة بهدي الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) وعترته
الطاهرة (عليهم أفضل الصلاة والسلام).
وتحدث سماحة العلامة الشيخ مرتضى عياد إمام وخطيب
جامع وحسينية الإمام علي (عليه السلام) في الخندق الغميق ببيروت وكانت له
الكلمة الفصل والرأي السديد للمنهج المنبثق من القرآن الكريم وقول رسول
الله صلى الله عليه وآله، والأئمة الأطهار (عليهم السلام).
ثم تحدث سماحة الشيخ علي عزيز إبراهيم، أحد أهم
رموز مشيخة طرابلس الذي تجمعه بالإمام المجدد الراحل والشهيد السعيد آية
الله المفكر الإسلامي السيد حسن الشيرازي (قدس الله سره) تنسيقاً واحداً
للنهوض بالأمة الإسلامية، وإغناء المنطقة الشاغرة من مرجعية هادفة
وصادقة، إلى أن قدم عليها علم من أعلام وعلماء الطائفة الشيعية الذي تخرج
من النجف الأشرف وحصل على شهادة عليا في الشريعة من كلية الفقه.
ومن ثم ألقى مدير معهد الشهيد الأول صاحب الفضيلة
سماحة الشيخ علي شمس الدين، أحد أساتذة الحوزة والمحبة لأهل بيت النبوة
(عليهم السلام) وكانت القصدية الختامية لشاعر أهل البيت (عليهم السلام)
السيد جعفر الموسوي الذي أثنى على الفقيد الراحل (قدس سره) لهذا الشعب
المضطهد منذ عقود، وألف الكتب الجمة حول هوية هذا الشعب ومظلوميته، فكانت
عبقاً لكافة الشعوب الإسلامية للخلاص من الظلم الذي يعانيه الإسلام
والمسلمين على يد الطغاة.
هذا واختتم المجلس التأبيني للإمام الراحل في
ذكراه الثانية سماحة الشيخ أشرف الجعفري الذي ترعرع وانتهج فكر الإمام
الراحل (قدس سره) وقدم الشكر والامتنان لكافة الأخوة المشاركين الذين
لبوا ممثلية الإمام المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني
الشيرازي (دام ظله الوارف) في لبنان بحضورهم الكريم ومشاركتهم القيمة
داعياً الله عز وجل لهم بالأجر والثواب وحسن المآب.
وفيمايلي نص كلمةسماحة الشيخ مرتضى عياد بهذه
المناسبة :
العلماء بين العلم والعمل
(إنما يخشى الله من عباده العلماء)
من هم العلماء: العلماء هم الركن الرابع بعد الرسل
والأنبياء والأوصياء ثم هم الرابع ثم العلماء فلسفة وجودية يجب بيانها -
فقاعدتهم الروحانية ومائها الولاء لرسول الله وأهل بيته عليهم السلام
وعنوانهم التقوى وصرحها الورع عن محارم الله - وذبذبتهم القداسة النفسية
وحقيقتهم آي العلماء صدق الحديث ونمارق علم الأصول وهو النمط الواقع
لفلسفة الدين.
وهذا الموجز للعلماء الإمامية.
وأما العلم الذي هو يمينهم وبيان فلسفتهم وحلاوة
برائتهم في قوله تعد في سورة الروم آية 56( وقال الذين أوتوا العلم
والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله الى يوم البعث فهذا يوم البعث ولكنكم
كنتم لا تعلمون).
وأيضاً الميزة العلياء التي تتوج بها العلماء
الربانيون في قوله تعالى في سورة المجادلة آية 11 (يرفع الله الذين آمنوا
منكم والذين أوتوا العلم درجات).
أما يسارهم العمل وهو ثوب العلم الذي يتدثر به
العلماء ويعطون للعالم أكثفة والخدمة الإنسانية فعلى العلماء الربانيين
الذين ديدنهم ما يلي: وهو أن يكون العمل منهم ولهم فمنهم هو لله ولرسوله
وللمؤمنين (والمؤمنون بشرط إيمانهم بعلي أمير المؤمنين صلوات الله عليه)
لقوله تعالى في سورة التوبة آية 105.
(وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون)
وأما لهم فالجنة والتاريخ والحجة على الناس فهذا هو مصداق العلماء عند
الله في الجزاء الأوفى وعند النبي(ص) في تطبيق صدق رسالته وعند المؤمنين
في سبيل الطاعة.
أما جوهر المرجعية فوعائها آية الله العظمى
المضمون في صرح آل محمد (ص) بالعلم الرباني والولاء الإيماني بكل شعائره
وشعاراته لدى إشعار إحساسيته المذهبية الجعفرية وصاحب اليراع اي العلم
الميزاني في كل مباحثه الذي تشهد أو شهدت عليه أنامله في الدنيا بصدق
مرجعيته المترجمة عن فكره المطلق في الواقع بين الحقيقة الروحية
الروحانية وبين المجاز الذي تعلق بغائية الناس المغرضة مما انفلت بذمتهم.
فهذا الفاصل الحق بين الحقيقتي والمجازي لآية نور
الاية هو آية الله المعطاء للمرجعية الحية وجه التاريخ السيد محمد
الشيرازي طيب الله ثراه وقدس سره.
ان موت دليل رقي اي مجتمع هو انطفاء واجهة منيرة
لذلك المجتمع بحيث لو لم يقم من يسد مقامه يكون بداية موت المجتمع
واضمحلاله واضمحلال ثقافته وذوبانه في ما يحيط به من مجتمعات.
نعم أيها الأخوة لنا الشرف في أن يكون العالم في
مجتمعنا مناراً ولنا الشرف أن يكون علماؤنا مرآة تعكس لنا الى تلك الشمس
المحتجبةخلف الغيوم عسى ان يفرج الله عنا بزوال الغيوم في القريب العاجل
حتى إذا افتقدناهم من بيننا أحياءً اتخذنا علومهم وتعاليمهم لنا مناراً
وسعينا متعطشين عسى أن نجد من نستند إليه في الآتي من سيرنا فيبقى العالم
فينا حياً وإن طواه الموت والسلام على فقيد الأمة المقدس آية الله العظمى
السيد محمد الحسيني الشيرازي.
من هو الإنسان الذي لديه الجرأة لكي يلقي الى
العالم تعاليم وإشارات وإرشادات الى التكامل والتنامي والسعي الى الكمال
من له هذه الجرأة إن لم يكن عالماً استشرف عن مصدر العلم وتلقى من ينبوع
الوحي فصار عالماً وأصبح معلماً باذلاً كله في سبيل نشر علمه حتى إذا ما
مات كان موته كلمة لا تسد وحتى إذا كان موته أصعب من موت قبيله يعد من
مات فيها بخسارة عدد من الأنفس بينما يكون موته العالم، كما نفهمه ليس هو
فقط من يرشد الى أحكام الحلال والحرام في عباداتنا ومعاملاتنا بالمعنى
الخاص بل هو النور الذي نسترشد به كلما أظلم علينا الطريق خلال مسيرنا
الطويل في هذه الحياة الدنيا وخاصة في العصور الأخيرة عصور غيبة المولى
(عج) حيث أنه كلما وقفنا حائرين امام فتنه من الفتن وموقف من المواقف
توجهنا الى مصدر نور يوجهنا الى الصواب فهذا العالم وهو القائد الناظر
ببصيرته النافذة الى أعماق الظلام له ما خفي علينا وينير علينا فينير
مطمئنين بينما يبقى الآخرون متخبطين في ظلامهم.
العالم كما أفهمه هو ذلك الركن المتين الذي أرجع
إليه وأستند إليه كما أحسست بتزلزل الرأي يجرف العالم والفتن التي تعصف
بالناس هو صاحب الأفق الواسع الذي يرى إلى أبعد مما يرى غيره وبالتالي
يقود السفينة الى بر الأمان كلما التطمت الأمواج.
ومن هنا يكون موته كالنجم إذا طمس، إذ أن النجم من
خواصه أنه يتخذ دليلاً في الليالي الحالكة فيصحح الإنسان من خلال موقعه
اتجاه مسيره حتى لا يحيد عن الطريق فلا يصل الى المقصد.
أيها الأخوة إن أهم ما يميز الإنسان عن غيره من
الحيوانات هو ذلك الطابع الذي طبعه الله سبحانه به ألا وهو سعيه نحو
الكمال كمال نفسه وكمال عائلته وكمال مجتمعه بعضنا قد يختصر كل الكمال في
نفسه ويظن أن هذا الكمال إنما يكون من خلال الأمور المادية وباشباع
النواحي المادية للنفس، والبعض الآخر يبقى في المسلك الصحيح فيسعى الى
الأمور الروحية وبناء الأمور الروحية للنفس فيرى أن هذا هو الكمال
وهوالطريق الذي يضيءوهو نور القلوب الحائرة في ظلمات الجهل والفتن.
ان حياتهم شموع وضاءة تحترق من أجل إنارة المجتمع،
العلماء الصلحاء حراس الشريعة السمحاء من الضياع والانحراف والاعوجاج وهم
حراس الإنسانية من الانهيار والانحطاط والسقوط في هاوية الفساد والدخول
في ظلام الجاهلية. وذلك ببصيرتهم النافذة ونظرهم الثاقب وإيمانهم الراسخ
وعلمهم الوضاء. هم حراس الدين من قطاع طريقه ممن يتلبسون بلباس العلم من
أجل ان يسودوا الناس، فهم أمناء الرسل وقادة الأمم وأسوة الشعوب ونبراس
المجتمع، وسفراء الله سبحانه وورثة الأنبياء والأوصياء عليهم السلام وهم
أفضل المتصدقين حيث أن أفضل الصدقة أن يعلم المرء علما ثم يعلمه أخاه.
الحمد لله رب العالمين العظيم الذي لا تفنى مواهبه
وعطاياه الذي خلق القلم وعلم الإنسان ما لم يعلم، والصلاة والسلام على
النبي الأعظم والوصي الذكر محمد خاتم الأنبياء وعلي سيد الأوصياء وعلى
الآل الهداة الميامين الطيبين الطاهرين، والسلام سلام الله التام الكامل
على بقية الله في الأرضين خاتم الوصيين مولانا صاحب الزمان القائم
المنتظر عجل الله فرجه الشريف.
ورد عن رسول الله (ص): (موت العالم مصيبة لا تجبر
وثلمة لا تسد وهو نجم طمس وموت قبيله أيسر من موت عالم).
لا يخفى ان حياة علماء الدين الإسلامي الحنيف
مدارس ومشاعل وهاجة تنير الدرب وتضيء الطرق.
كلمة سماحة الشيخ علي عزيز الإبراهيم
بسم الله الرحمن الرحيم
المجتهد المغفور له السيد محمد مهدي الشيرازي
إماماً مجدداً رحمه الله
الحمد لله الذي لا تدركه الشواهد، ولا تحويه
المشاهد ولا تراه النواظر، ولا تحجبه السواتر، الدال على قدمه بحدوث
خلقه، وبحدوث خلقه على وجوده، الذي صدق في ميعاده، وارتفع عن ظلم عباده،
وقام بالقسط في خلقه، وعدل عليهم في حكمه، استشهد بحدوث الأشياء على
أزليته، وبما وسمها به من العجز على قدرته، وبما اضطرها إليه من الفناء
على دوامه. واحد لا بعدد، ودائم لا بأمد وقائم لا بصمد، تتلقاه الأذهان
بمشاعره، وتشهد له المرائي لا بمحاضره لم تحط به الأوهام، بل تجلى لها
بها، وبها امتنع منها، وإليها حاكمها ليس بذي كبير امتدت به النهايات
فكبرته تجسيماً، ولا بذي عظيم تناهت به الغايات فعظمته تجسيداً، بل كبر
شأناً وعظم سلطاناً وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الصفي، وأمينه الرضي،
صلى الله عليه وآله.
أرسله بوجوب الحجج وظهور الفلج، وإيضاح المنهج،
فبلغ الرسالة صادعاً بها، وحمل على المحجة دالاً عليها، وأقام أعلام
الاهتداء ومنار الضياء، وجعل أمراس الإسلام متينة، وعرى الإيمان وثيقة
وبعد:
فإن الحق سبحانه يقول: (إنما يخشى الله من عباده
العلماء) ويقول جل شأنه : (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا
العلم درجات) ويقول سبحانه وتعالى: (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا
يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب) ويقول عز من قائل : (الذين يبلغون
رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً وكفى بالله حسيباً) ويقول سبحانه :
(الذين قال لهم الناس أن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا
وقالوا حسبنا ا لله ونعم الوكيل) وقال الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه
وآله( العلماء ورثة الأنبياء) وقال (ص): (علماء أمتي كأنبياء بني
إسرائيل) وقال (ص): (علماء أمتي أفضل من أنبياء بني إسرائيل) والعلماء
إذا صلحوا هم خير الخلق بعد الأنبياء والأوصياء وفضلهم على الخلق بعد
الأنبياء المرسلين كفضل الشمس على الكواكب و ما من شك أن المغفور له
السيد الشيرازي المرجع الديني قدس سره كان قد درج في بيت من بيوت العفة
والشرف والنبل والكرامة في النجف الأشرف،وعاش ونشأ في أحضان الفضيلة
والتقوى والاستقامة، فقد كان التوفيق هيأه لمهام جسيمة وأعمال إصلاحية
فذة في كربلاء المقدسة وغيرها بسبب ما أودعه الله في شخصه الكريم من
المعارف والعلوم والثقافة والفضل. وفي عالمنا الإسلامي اليوم ترتسم على
أفقه أسماء الرجال معدودين عرفوا وامتازوا بمواهب وعبقريات فذة كان من
شأنها أن رفعتهم الى الأوج الأعلى من تلك الشامخات وبالتالي كانت أعمالهم
ملء العين والبصر نجوماً لامعة في كبد السماء، وهم قليل على كل حال، فقد
علت بهم الطبيعة وصح منهم الصفاء، ومن الله لهم التأييد والنظرة، فكان
نبوغهم النادر معراجاً الى دنيا المجد وكانوا أفذاذ في دنيا الإسلام،
والإسلام أيها ا لأخوة الأحباب هو دين الوحدة والتوحيد، قال جل وعلا:
(واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا) وقال عز من قائل : (إن الله يحب
الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص)، الأمة الإسلامية يجب أن
تكون كالبنيان المرصوص الذي يشد بعضه بعضاً كما جاء في الأثر الشريف، ولا
عز ولا مجد ولا كرامة للمسلمين إلا بالوحدة والتضامن والتكاتف والتآلف
والالتفاف حول الكتاب الكريم والعترة الطاهرة والسيرة والسنة النبوية
الشريفة للنبي الأقدس وآله الميامين صلوات الله عليهم أجمعين قال (ص):
(المؤمنون في توادهم وتعاضدهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعت له
سائر الأعضاء بالسهر والحمى) وإذا ما عمل المسلمون أو بعضهم على التفكك
والتناحر والتباغض والتحاسد أو التكفير لا سمح الله فإن العواقب حتماً
ستكون جدا وخيمة، وسيخيم على الأمة الذل والهوان والخذلان وسيختم على
كلكلها الفقر والمرض والجهل والعدوان ويسلط الله على الأمة أشرارها قال
تعالى: (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) وقال سبحانه وتعالى: (ولا
تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات وأولئك لهم عذاب
عظيم)، وإن ما حل بالمسلمين اليوم من المصائب والعسف والويلات واستيلاء
المستعمر الكابر المستكبر على الثروة والاقتصاد والأرض والكثير من
المقدسات في فلسطين والعراق ولبنان وأفغانستان والسودان والشيشان
والبلقان لم يكن إلا بسبب التفرقة والعصبية الجهلاء وحكام وعلماء السوء
من وعاظ السلاطين، والأدهى والأنكى والأبشع أن حفنة من أذناب المستعمر
الكافر ممن يتزينون بالإسلام وهو منهم براء أخذوا يجهدون في تقسيم بلاد
الغرب والمسلمين والقضاء على شيم وأخلاق ومناقب هذا الدين ومحو مبادئه
واستعباد المسلمين وإذلالهم خدمة لقوى البغي والتسلط، وما من سبيل لنهضة
المسلمين وعلو منزلتهم وعودة مجدهم الأثيل إلا في التقريب بين مذاهب
المسلمين جميعاً شيعة وسنة، واتحاد المسلمين غرباً وعجماً، أبيضاً
وأسوداً، ونبذ الفرقة والاختلاف والسباب والقذف والتنابذ بالألقاب
واستعلاء بعضهم على بعض بحجة أو بأخرى، وعندئذ يندحر المستعمرون
والصهياينة والكفار وتتحقق أهداف الإسلام في الدفعة والوحدة والعزة
والكرامة وعودة الحق الى نصاله.
أسرته الكريمة وبعض من سيرته
الذاتية قدس سره
هي أسرة هاشمية عريقة تمتد جذورها بذخاً في أعماق
التاريخ والزمن، وتقع اسمها في سماء ودين المجد والعظمة والمناقب، وقد
أنجبت هذه الأسرة الفريدة خلال قرن من الزمن كوكبة كبيرة من أساطين
الفقهاء والزعماء والمراجع والأدباء والشعراء والزهاد والأتقياء والفضلاء
ممن يشار إليهم بالبنان ولا غرو فهي بحق أسرة فكر وجهاد وحكمة وثقافة
وتقوى وفضيلة ومؤلفات ومؤسسات دينية وفكرية وأدبية، والبيت الشيرازي عريق
نابغ أنتج نوابغ على مدى البلدان والأنظار، وهم يحملوا على قيادة الحركات
العلمية والدينية والفكرية والأدبية، وقد عمل الفقيد قدس سره طوال حياته
في كربلاء والكويت وقم المقدسة في جهاد صامت حيناً وناطق أحياناً وقد
أستطاع في السبعينات من القرن المنصرم أن يحول الحائر الحسيني في كربلاء
المقدسة الى خلية من الحركة والجهاد والتثقيف والنشاط بعد فترة من الخمول
والسكون وقد اشتهرت كربلاء في زمانه بألوان من ضروب الجهاد والكفاح في
سبيل الدين والمذاهب والتبليغ، وقد ولد طيب الله ثراه في حاضرة الدين
النجف الأشرف دام عزها سنة 1347هـ ثم هاجر برفقة والده المعظم الميرزا
مهدي قدس سره الى كربلاء عام 1356هـ وقد درس بالإضافة إلى والده المقدس
على يد المرحوم العلم السيد محمد هادي الميلاني قدس سره، وبعد وفاة والده
المقدس عام 1380هـ تولى شؤون المرجعية وبدأ يدرس الفقه والأصول والعلوم
الأخرى في الحوزة العلمية في كربلاء ولكنه اضطر الى مغادرة العراق إلى
الكويت بعد جهاد طويل مع نظام بغداد الفاشي، ومن ثم انتقل الى الحوزة
المقدسة في قم - إيران، وللمرحوم الراحل مؤلفات قيمة في شتى أصناف العلوم
وهو يعتبر رحمه الله غزيرالإنتاج كثير العطاء في دنيا العلوم والمعارف
المتعددة ولا سيما في الفقه الذي أفاض فيه بموسوعة استدلالية وصلت فيما
أعلم إلى مائة مجلد، وقد شرع طيب الله ثراه في تأليف هذه الموسوعة عام
1370هـ وقد طبع منه في العراق والكويت وإيران الطبعات الأولى ومن ثم
الطبعة الثانية في عاصمة لبنان - بيروت، ومن مؤلفات الراحل القيمة:
(إيصال الطالب الى المكاسب) وهو من شروحات الكتاب السفر الفذ (المكاسب)
للشيخ العلم الأنصاري قدس سره في ستة عشر مجلداً. وفي الأصول ألف الراحل
قدس سره كتاب (الأصول) (بحث الخارج) وهو في مباحث الالفاظ وقد طبع منه
فيما علمنا خمسةأجزاء، ومنها كتاب (الوصول) الى شرح كفاية (الأصول) في
خمسة مجلدات، هذا الى العديد من الكتب القيمة والمؤلفات الجياد في علوم
السياسة، والاقتصاد، والاجتماع، والحكم في الإسلام - بحوث فقهية
استدلالية - والصياغة الجديدة، والسبيل إلى أنهاض المسلمين والفضيلة
الإسلامية وإلى حكم الإسلام. ومن الجدير بالذكر في هذا المقام القول بأن
المرحوم المقدس كان شديد الاهتمام بشؤون وشجون الشيعة في دنيا العرب
والمسلمين ولا سيما المسلمون العلويون الجعفريون وأذكر أنه كان يستمع إلي
ويصغي الى حديثي عنهم وعن تاريخهم والظلم والاضطهاد والعسف والجور الذي
نال منهم في شتى مراحل تاريخنا المسلم القاتم الصعب، وهذا في اعتقادنا هو
الذي دفعه رحمه الله ان يكلف شقيقه المرحوم العلم صديقي العزيز الحجة
الشهيد السيد حسن الشيرازي طيب الله ثراه بزيارة إخوانه المسلمين الشيعة
العلويين في الساحل السوري وهكذا فقد قمنا نحن والمرحوم الشهيد بأكثر من
مائة زيارة الى الجبال الشماء في اللاذقية وطرطوس وحمص وصافيتا وجبلة
وغيرها وقد التقى بعلمائهم وأدبائهم ومفكريهم وشعرائهم محدثاً وزائراً
وخطيباً وإماماً ومحاضراً وقد كانت تربطه بالرئيس الراحل الخالد الذكر
المرحوم حافظ الأسد صلة طيبة حميمة وقد ساهم رحمه الله عن طريق محدثكم في
مؤازرة عشرات المشاريع الدينية من مساجد وحسينيات ومعاهد في طول البلاد
وعرضها، ومن أهم العطاءات في نظري في تلك الأيام البيان الشهير (العلويون
شيعة أهل البيت) الذي صدر في اللاذقية عام 1972م إبان المؤتمر الذي عقدته
الجمعية الخيرية الجعفرية الإسلامية لعلماء وافاضل، وأماثل الطائفة
العلوية العزيزة الكريمة، وقد طبع في تلك الحقبة مئات وآلاف النسخ
بالعربية والفارسية والتركية والاوردية والفرنسية، وهي تتضمن بما لا يدع
مجالاً للشك معتقدات الطائفة المظلومة في الأصول والفروع والتشريع، وكان
الشهيد رحمه الله قد كتب له مقدمة طيبة، وقد أمضى السيد الشيرازي عمره
المبارك في نشر الإسلام وفكر أهل البيت (عليهم السلام) ذلك الفكر المحمدي
الذي يتألق فيه الإسلام بأقدس صوره الرحمانيةفمن العراق الى سورية إلى
لبنان الى الكويت الى الحجاز الى إفريقيا - حياة غنية بمكارم الجهاد،
سلاحه علم غزير، وقلم حر مجدد، لا تثنيه عن جهاده المصاعب العاتية، ولا
المتاعب المضنية، وكان له في جبال العلويين في سوريا حركة فاعلة بنشاطه
العلمي، ولقد أحب السيد الشهيد رحمه الله إخوانه العلويين حب النسيم
لأنفاس الورود، وأحبوه حباً استمد قدسيته من حب رسول الله صلى الله عليه
وآله وولديه من افترض الله طاعته من أئمة أهل البيت عليهم السلام، وقد
عرفت فيه عن قرب سقة العلم، والجهاد، والصبر على الضيم، والعمل الدؤوب في
سبيل الدين والمذهب والملة فقد عانينا معاً من حسد القريب وعداء بعض
الأهل في سبيل نشر الدعوة في التصحيح والإصلاح الذي كانت المنطقة العزيزة
في أمس الحاجة إليه في فترة السبعينات القاتمة والشديدة والصعبة، ويشهد
على ذلك التقدير الباذخ من علماء العلويين للمرحوم الشيرازي الرسائل
المتبادلة بينه وبين أصحاب الفكر منهم وقد نشرها في يوم إنشاء الله.
دور علماء الشيعة الإصلاحي
التاريخي في الجبال العلوية
والعلويون المسلمون الجعفريون الاثنا عشريون: هم
وجه بارز من كابوس الظلم والتكفير الذي عصف بالمسلمين جراء الاضطهاد
والإجحاف والأرجاف الذي خل بساحتهم جراء ولائهم وتشيعهم لإمام الأئمة
عليهم السلام سيد العترة أمير المؤمنين صلوات الله عليه، وهي في أية حال
من المشاكل التي ولدت في هذا المناخ المظلم الظالم وسبب عزلتهم لفترة
تربو على خمسمائة عام في الجبال والكهوف، والجهل يهم وهو ما شجع البعض
على أرحافهم بالانحراف العقيدي، وفي أرجح القول أن الخرافات والأساطير
وجدت عند كثير من المسلمين وهي أمور مشاعة عند أكثر من فريق مسلم من شتى
المذاهب، والحق أن اختلاف الشيعة عموماً، والعلويين خاصة مع الحكام
والقوى في العالم الإسلامي أدى الى عزلتهم، ومن ثم حصارهم وانقطاعهم عن
التواصل والتفاعل مع المجتمع الإسلامي حتى مع أكفائهم الشيعة الإمامية
الاثني عشرية، وتفاعلت وتعاظمت وترسخت تلك الاتهامات حتى تحولت الى
التشكيك في إسلامهم وتفاقم الامر حتى وصل في بعض المراحل الى اتهامهم
بالمروق عن الإسلام وفي ذلك يقول القس بطرين القذى، المزعوم أبو قوس
الحريري في كتابه العلويون النصريون: (الحق يقال: أن النصيربين هم من
متطرفي الشيعة، غدر بهم الزمان، وقهرهم التاريخ فانطووا على انفسهم،
وخشوا من الإبادة، والفناء وحاربهم أعدائهم السنيون، وقهرهم أبناء مذهبهم
الشيعيون، وغدر بهم جيرانهم الإسماعيليون، واستنزلهم الصليبيون، وانتقم
منهم العثمانيون، وأذلهم الفرنسيون، فهم بالحقيقة شعب قهر لم يعرفوا
استقراراً في جبالهم الوعرة)، انتهى والحقيقة أنه قد خيم عليهم في فترة
القرون الظالمة الثالوث المدمر الجهل والفقر والمرض مما يتحتم بسببه
الفقر، والتقهقر ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً، فانتشرت الأمية المزرية
بالإنسان ونبت لها دولة خيم فيها الجهل ونبتت منها الخرافات والأساطير
والأوهام والشعوذة وأضاليل الجن والطلاسم، وذلك بسبب بعض المشايخ العوام
المنكبين الذين يتاجرون بالدين وأهله وجمودهم الفكري والعلمي وأميتهم
الثقافية وتقليد العوام تقليداً أعمى، فانصرفت شرذمة من الشباب عن الدين
وتوهموا أن الدين هو بعينه تلك الخرافات التي سميت عادات وتقاليد أعلن أن
انصرافهم عن الدين جعلهم يشعرون بفراغ روحي راحوا يملؤنه من مبادئ وعقائد
وضعية دون أن يفكروا في غاياتها وأما مبادئ وعقائدالدين الإسلامي السامية
فقد ظنوها بلا تحقيق ولا تمحيص. نتيجة ردة فعل لتحجر المبادئ الوضعية،
وقد نكبت هذه الطائفة في بلاد الشام بالانتداب الفرنسي ومن قبله
الاستعمار التركي الشفوي البغيض واستمر نضال شيعة آل محمد من العلويين
والوطنيين الآخرين حوالي ربع قرن من الزمن ويعد مجالدة الاستعمار الفرنسي
بقيادة المرحوم المجاهد المغفور له الشيخ صالح العلي قائد الثورة في
الجبال العلوية (طيب الله ثراه) أدت الى تحرير سورية من الانتداب وخيم
على البلاد حكم وطني يتمتع بالاستقلال الكامل، وبدأ القوم ينطلقون نحو
معارج العلم والمعرفة والحزمة وفي أقل من نصف قرن تطورت البلاد الساحلية
والعباد تطوراً سحرياً أيضاً في حياتهم الاجتماعية والاقتصادية
والعمرانية والثقافية والسياسية، وشاركوا في بناء مجتمع حضاري متطور
بعدما انصرفوا الى العلم انصرافاً جعلتهم يتفوقون في جميع فروعه العلمية
منها والأدبية كما شاركوا في بناء جيش امتاز بشجاعته، وحميته وروحه
الوطنية يشهد على ذلك حرب تشرين الرمضانية ضد الفاشين الصهاينة المجرمين،
كما شاركوا في إدارة حكم البلاد وسياستها على جميع المستويات الرسمية،
والىأعلى المستويات. أقول إن هذه النهضة المباركة كانت من نتاج، وجهود
جبارة قام بها المصلحون ابتداء من الخمسينات من هذا القرن، ففي عام
1366هـ - 1946م بدأت هجرة البعثات المسلمة العلوية الى العراق حينما كتب
الإمام المرجع الأعلى المحسن الحكيم قدس سره الى المصلح المقدس حبيب آل
إبراهيم طيب الله ثراه بلاءً حسناً، ثم قامت جهودنا بهذا الشأن مع الإمام
المغيب موسى الصدر وتم تعيين مفتياً جعفرياً في طرابلس من العلويين
وافتتح المحكمة الجعفرية الشرعية في طرابلس. ثم الإمام المرحوم ميرزا حسن
الإحقاقي الكويتي الذي دعم المساجد والحسينيات والمعاهد الدينية في
الساحل السوري والجبال بسخاء ونجده قدس سره ولكننا رأينا مع الإمام
الشهيد السيد حسن الشيرازي أن أطيب الأعمال في هذا الشأن انتاجاً وعطاءً
ولا سيما في عهد الراحل الأسد رحمه الله ذلك بعد جهاد طويل وحثيث ومرير
من المرحوم الشهيد والمرحوم الشيخ أحمد عبد الخير رئيس الجمعية الخيرية
الجعفرية الإسلامية في اللاذقية والمرحوم الحاج إسماعيل الأسد رئيس بلدية
القرداحة رجل الجهاد والخير والبر رحمه الله تأسست حوزة السيدة زينب
عليها السلام بالقرب من مرقد عقيلة بني هاشم السيدة زينب عليها السلام
عام 1393 ولا تزال تواصل هذه الحوزة جهادها وقد تخرج منها عشرات الفضلاء
والعلماء من الدعاة وآخر دعوانا الحمد الله رب العالمين.
واختتم المجلس بذكر مصيبة اهل البيت عليهم السلام
والدعاء للامام السيد صادق الشيرازي ( دام ظله الوارف ) والرحمة والفاتحة
الى روح الامام الراحل .
وفيما يلي جانب مصور من المجلس:
بيروت - إباء |