رسالة وتطلّع:
عندما يفتقد التعاطي مع ذكرى موت العظماء من العلماء، إلى التخطيط ويسلّم
قياده للارتجالية والعفوية، لن يحقق ما جاء من أجله أولئك العلماء ولن
يدفع باتجاه إكمال المسيرة التي آمنوا بها وعملوا فيها، و لن يكون ذلك
التعاطي مهما بلغ من فائدة بالمستوى الدقي و المطلوب.
إن أحوج ما نحتاج إليه في تعاملنا مع شخصية عظيمة،
تميّزت بغزارة العلم، وسعة في الجهاد كالإمام الشيرازي (رحمه الله) هو أن
نفكّر في الأسلوب الأمثل والطريق الأنسب الذي يتفق مع روح وماهية المادة
التي نتعامل معها، وإن كانت أساليب وطرق متعددة، فالمهم أن نتعاطى بقدر
العطاء، وأن نمارس التعاطي بقدر الإيمان بأهميته.
ومؤتمر الإمام الشيرازي هو تطلّع أكثر من أن يكون
واقعاً، ونأمل أن نحقّق الواقع بقدر التطلع، فرسالته هي الحفر في معطيات
السيرة العلمية والعملية التي استمرت لعدّة عقود من الزمن بأسلوب علمي
جاد، يعطي لتلك المسيرة المتميّزة حقها، بل ويعطي للناس (من عرفه ومن لم
يعرف) حقوقهم في التعرّف على ذلك النتاج العلمي الضخم، وتلك الرؤى
والنظريات التي أراد لها صانعها أن تتبوأ مكانها من الواقع، قاصداً
إصلاحه ورأب صدعه.
ونحن إذ نؤسس لمؤتمر علمي تخوض غمراته المادة
العلمية أكثر من غيرها من المواد التي من شأنها أن تسهم كذلك في يقظة
الوعي، فإنما نؤسسه لتوافر المادة العلمية بشكل أوسع من غيرها، و التي
تحتاج من يحركها، وننطلق في هذا العمل من أساسين مهمين، هما:
الأول: قول أمير المؤمنين الإمام علي (عليه
السلام) عن العلماء : (أن يكونوا عبرة خير من أن يكونوا مفتخراً) ، فحياة
الإمام الشيرازي (رحمه الله) لا ينبغي أن نختصرها في الاستئناس والافتخار
من دون النظر لجانب الاعتبار والتأسي، وهو الجانب الأهم بل الأساس، وبذلك
تكون لنا الذكرى (علماً مستحدثاً) نقتفي أثره ونستنهج طريقته.
الثاني: قول الإمام علي (عليه السلام) : (العلم
وراثة كريمة) ، وقد كان أكبر عطاء لدى الإمام الشيرازي هو تأليف الكتب،
التي صبّ فيها علوماً جمة ، وهي الامتداد الذي لا ينقطع عن الدنيا، وإن
انقطع عمل الإنسان عنها، وهو الجهد الذي بذله من أجل الصياغة الجديدة
لعالم الإيمان والحرية والرفاه والسلام، والإرث ينتقل إلى الآخرين لكي
يدفع بالحياة للاستمرار، وهكذا هو العلم بعد موت العالم، فلابد أن ننتحله
بعد أن ننقّب فيه ونتداوله لنكتشفه، ونكتشف الرسالة التي أراد الإمام
الشيرازي أن يوصلها للأجيال من بعده.
العراق حاضراً.. محاور المؤتمر:
(العراق في فكر ومسيرة الإمام الشيرازي) هو عنوان
المؤتمر في سنته الثانية، حيث جاء متناسباً مع التحولات الكبيرة التي
تعرّض لها العراق بعد تخلّصه من نير الظلم والقهر الذي دام عقوداً طويلة
من الزمن، حيث كان للإمام الشيرازي في القضية العراقية عطاء متميزاً،
ينبغي أن يستجلى ويستظهر.
لم يكن اهتمام الإمام الشيرازي بالقضية العراقية،
لأنه عاش في هذا البلد وترعرع فيه فحسب، ولكن لأن العراق بلد مسلم، وهو
الذي صرف كثيراً من جهده في معالجة المشكلات التي يتعرّض لها المسلمون في
كل العالم، ويضاف على ذلك أن العراق بلد المقدسات، ففيها أكثر الأئمة
المعصومين، ومقامات الأنبياء والأولياء، فكان الاهتمام من قبله واسع،
وكانت مسيرته فيه حافلة بالإنجازات، وكانت حركته فيه مليئة بالمضامين
التي يمكن أن نستلهم منها بصائر لحركتنا.
والتساؤلات المهمة التي تلح في هذا المجال هي:
• كيف كان ينظر الإمام الشيرازي لتاريخ العراق
(الأنظمة والمجتمع) وما هو الأثر الذي أثّر في مسيرته، وما هي القواعد
التي استنتجها، لكي تكون ثوابت لتحركه؟
• ما هي المعالم الأساسية لحركة الإمام الشيرازي
الثقافية والسياسية والمرجعية والعلمية والمجتمعية في العراق ومن أجل
العراق؟
• كيف كان الإمام الشيرازي ينظر لمستقبل العراق
(الذي لم يشهده)، وما هي التطلعات التي كان يصبوا إليها لبناء عراق الغد؟
هذه التساؤلات هي محاور مؤتمر الإمام الشيرازي
السنوي (الثاني) لعام 1424هـ الذي تعقده جمعية الرسالة الإسلامية، آملين
أن نصل إلى رؤى وبصائر تسد فجوات الوعي وتوقظ روح المسئولية والعمل.
الإمام الشيرازي كتب
لعراق جديد:
لم يكن الإمام الشيرازي كاتباً محترفاً فحسب، يكتب
بما يراه مناسباً ويتحدث عن تجاربه السابقة، بل كان مع ذلك مؤلفاً ينظّر
لقيام عراق جديد. عراق الإيمان والحرية والسلام والعدل والرفاه. كان -
رحمه الله- يتمتع برؤية ثاقبة تجاه قضايا الأمة وقضية الشعب العراقي
بالتحديد. ففي ظل الانتكاسات التي مرت بها قضية الشعب العراقي ومعارضته
الواسعة، لم يكل أو يمل او يستسلم للأجواء السلبية، بل كان يبعث الأمل
ويقوي الهمم ويطرح الرؤى المستخلصة من سنن الله في الحياة، وكل من جلس
معه شعر أن الإمام الشيرازي كان يعيد له الروح الحقيقية الكامنة في ذاته،
ويوقظ في نفسه مشاريع العمل الفعال.
وخيرا فعل رحمه الله حين وثّق مسيرته الظافرة
بالعديد من الكتب التي ألفها، والتي تحدثت عن تجاربه السابقة في العراق.
وكان هدفه من ذلك أن تتعلم الأجيال الجديدة من تجاربه الناجحة، وتتعرف
على وضع العراق قبل مجيء حكم البعث، ويتوثق كفاح العلماء الأبطال الذين
عاشوا معه أخصب فترة في تاريخ العراق الحديث. ومن تلك الكتب التي أرخت
لحركته السياسية والاجتماعية في العراق: (مذكراتي) – ( بقايا حضارة
الإسلام كما رأيت) – ( تجاربي في المنبر) – (عشت في كربلاء) – (تلك
الأيام) – ( مطاردة نصف قرن) – ( حياتنا قبل نصف قرن).
عدة من كتبه ومحاضراته كانت مخصصة لموضوع ما بعد
سقوط الطاغية صدام، ففراغ ما بعد سقوط الطاغية، لابد أن يملأ بمشاريع
وخطط وأفكار وبرامج، وهذا ما حاول أن يهتم به الإمام الراحل. ومن تلك
الكتب التي كانت تنظّر لمرحلة ما بعد صدام: (إذا قام الإسلام في العراق )
– (حكم اِلإسلام بعد نجاة العراق وأفغانستان) – (إنقاذ العتبات المقدسة).
كما كانت بعض كتبه الفقهية من موسوعة الفقه تعُد اطروحات للدولة
الإسلامية في العراق وغيرها من البلدان، كمجلدي ( الحكم في الإسلام) – (
الدولة الإسلامية).
وحتى الأيام الأخيرة التي سبقت وفاته، كان كثيرا
ما يطرح أن تغييرا وشيكا قادما في العراق. وفي المحاضرة التي ألقاها في
جمع من العلماء والعاملين في الشأن العراقي قبيل وفاته بخمس ليال أشار
رحمه الى أن الغرب سيقدم على تغيير حكم صدام، وطرح أسسا مهمة للعراق
الجديد، وحمّل المجاهدين العراقيين ضرورة التصدي للمطالبة بها.
وهذه مقتطفات مختصرة من محاضرته الأخيرة:
- الأوضاع في عراقنا الجريح توعز الى أن الغرب
يريد تبديل النظام الحاكم في العراق الى نظام آخر.
- إذا حصل ذلك على الأخوة خمسة أمور ينبغي تطبيقها
في العراق، وإلا سيبقى العراق كما كان عليه يتحكم بمصيره الظلمة والطغاة
من عملاء الغرب:
الأول: حكم
الإسلام، بأن تكون القوانين الإسلامية هي الحاكمة والسائدة في العراق.
الثاني: الحكومة
الشيعية، أن يحكم العراق الأكثرية الشيعية.
الثالث: الأحزاب
الحرة، فلا تكن هناك موانع من تأسيس أحزاب حرة.
الرابع: حرية
الحوزات العلمية، فحتى يسترجع العراق عزّته الأولى لا بد أن تعود الحرية
الى الحوزات العلمية.
الخامس: حرية
العتبات المقدسة، فينغي فسح المجال لكل المسلمين لزيارة العتبات المقدسة
من دون موانع وقيود.
وفي كتابه (حكم الإسلام بعد نجاة العراق
وأفغانستان) طرح رحمه الله أموراً عديدة للمجاهدين في هذين البلدين،
توجيهاً منه لما ينبغي عمله، ومن أهم تلك الإرشادات:
- أن يكون منهج الحكم هو المنهج الإسلامي لأنه
الوحيد القادر على إحداث تغيير حقيقي سليم لصالح شعبي العراق وأفغانستان.
- تقليل الموظفين في الجهاز الحكومي الى حد
الضرورة، من أجل أن لا تكون هناك قيود ومراسيم مشددة على معاملات الناس.
- أن تتمتع الكوادر الإدارية في الدولة بالتقوى
أولا والخبرة ثانياً، وهذا يضمن سلامة الحفاظ على أموال الدولة من العبث
والفساد كما هو مستشري في دول العالم، ولأجل ضمان رقي الدولة، بتوظيف
الكفاءات العلمية القادرة على تطوير مختلف طاقات البلد والمجتمع.
- الاهتمام بجمال المدن ونظافتها، وتنظيم السكن
ومتطلبات العيش فيها.
- فسح المجال للأحزاب والنقابات الحرة، لأن ذلك من
أهم أسس ازدهار البلد، من خلال تجميع الطاقات في بوتقات مختلفة تتنافس
فيما بينها وتتكامل لصالح تطوير المجتمع.
- الاستفادة من المعادن والخيرات الموجودة في هذين
البلدين. وفتح المجال للناس أن يستخرجوا ما أمكن من تلك المعادن.
- فتح الحدود مع البلاد الإسلامية، فلا جواز ولا
جمارك وما أشبه في التنقل بين البلاد الإسلامية، وحرية انتقال التجارة
والبضائع بين البلاد الإسلامية.
- أن يكون السلام هو الأساس في العلاقات بين أفراد
المجتمع وبين الدول بعضها ببعض.
|