الصفحة الرئيسية التاريخ يصنعه العظماء  | أتصلوا بنا

 

مهرجان تابيني في الصحن الإمامين الكاظمين

 

بسم الله الرحمن الرحيم

أقامت مؤسسة الشجرة الطيبة الإسلامية في الكاظمية المقدسة حفلاً تأبينياً هو الأول للذكرى السنوية الثانية لرحيل فقيدها فقيد الأمة الإسلامية سماحة آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (أعلى الله درجاته) في الصحن الكاظمي الشريف وتضمن منهاج الحفل:

قراءة آيات من القرآن الحكيم بصوت القارئ ميثم ابو تمار.

ومن قدم كلمة مؤسسة الشجرة الطيبة الإسلامية الأستاذ حامد إبراهثيم الحمراني جاء فيها: انها لمحاولة شاقة وعسيرة أن تتكلم عن حياة العظماء أو أن تحيط علماً بمهام الأولياء أو أن تؤبن بطلاً مجاهداً في هذه الدنيا الرثة المليئة ضجيجاً ودعاوى ونفاق لقد كان فقيدنا الراحل قديساً عظيماً وولي وشهيد.

تلتها كلمة الحاج الأستاذ أزهر الخفاجي أمين عام الجبهة الوطنية الإسلامية ومدير إذاعة صوت العراق من بغداد. تطرق خلالها إلى الصعوبات التي واجهة الإمام الراحل في بلاد الغربة وكيف تغلب عليها بهمته وصبره وحلمه.

تلتها كلمة علماء الكاظمية المقدسة ونقابة أشراف بغداد ألقاها الشيخ علي الهلالي نيابة عن آية الله السيد علي الواعظ حول وحدة الصف ونبذ الفرقة والإلتفاف حول مراجعنا العظام جميعاً بما فيه قوة المذهب وتوحيد الصفوف.

ومن ثم كلمة سماحة العلامة الحجة السيد محمد علي الشيرازي نجل الإمام الشيرازي الراحل شاكراً السادة الحضور علماء ومشايخ والأساتذة وممثلي الأحزاب والمؤسسات الوطنية الإسلامية ووكالات الأنباء العراقية والعربية والعالمية وكافة المساهمين في هذا الحفل التأبيني لإمام الأمة وجميع الشعوب المحبة للسلام والحرية والتقدم والرفاه.

وقد تحلل الحفل قائد شعرية القاها الشعراء بهذه المناسبة الشاعر زهير كاظم، والشاعر علي عبود وفخر الدين وكذلك تخلل الحفل موشحات دينية أداها الرادود الحسيني ماجد أبو أحمد والرادود صلاح السويعدي بالإضافة إلى توافد المواكب المعزية وكانت تمثل كل من رابطة الأقسام الداخلية لجامعة بغداد، موكب عزاء خدمة الإمام الحسين (عليه السلام)، مسجد الشيخ عبد الزهرة البديري، موكب عزاء شباب السراي، مؤسسة أمين الله الإسلامية، رافعي معهم صور الإمام الشيرازي الراحل (أعلى الله درجاته) وسماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي (دام ظله) وشعارات تذكر بالإمام وتاريخه الجهادي لخدمة الإسلام والمسلمين ومعاهدين على المضي على الطريق حتى تحقيق حلم الإمام لإقامة الدولة المحمدية على عراقنا الحبيب.

وفيما يلي نص كلمة سماحة العلامة الحجة السيد محمد علي الشيرازي (حفظه الله) ـ كلمة العائلة الشيرازية ـ:

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين حبيب إله العالمين سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين.

العراق هو البلد الذي يحمل كل معاني السمو والرفعة والقدسية بلد الإمام أمير المؤمنين والأئمة المعصومين وأرض الأنبياء والصالحين، هو البلد الذي يحمل تاريخاً عريقاً في الحضارة والعلم والمدنية، وأهله خير أهل ومن أصدق انصار علي والحسين عليهما السلام الذين تحملوا في حبهم وولائهم الكثير من المعاناة.

في هذا البلد العظيم ولد الإمام الراحل السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره) وترعرع في ترابه المقدس بجوار سيد المظلومين (عليه السلام) وبين أهل الميامين.

من هذا البلد انطلق الإمام الشيرازي وانطلقت مرجعيته ومسيرته وفكره وعلمه وخدماته الجليلة، حيث أسس مشروعاً حضارياً كبيراً لازال يقوم العطاء الكبير.

وجاء في كلامه : ان همه الاكبر كان اقامة العراق الحر الامن السعيد بعد الماسي التي شهدته في سنين طويله ، حيث اشار الى ذلك الراحل الكبير قائلا :" مر العراق بمراحل عصيبة في تاريخه السياسي وقد تكالبت قوى الشر للذيل من مكانته المرقومة ولنهب ثرواته وخيراته أدت إلى هجرة أبنائه الغيارى إلى خارجه ومعاناة الصابرين منهم في داخله ولكن ظَلَّ العراق حلمهم واملهم وخصوصاً الإمام الراحل حيث ظلت عيونه ترنو للعودة إليه ولكن لله في خلقه شؤون وله الأمر من قبل ومن بعد فقد شاء عزوجل أن يرحل الامام الشيرازي (قدس سره) وهو يحلم بالرجوع الى العراق الحبيب وتقبيل ترابه الطاهر وزيارة جده الحسين عليه السلام.

وطالما كان يحلم بالعودة الى بلد المقدسات من اجل بناءه واعماره وتغيير حاضره ومستقبله نحو الحرية والتعددية والسلم والاستقرار والامان، لكن الأجل سبقه ففاضت روحه المباركة الى بارئه تعالى راضية مرضية.

والكثير من الاخوة الذين عاصروا الامام الشيرازي (أعلى الله درجاته): يعلمون انه ربى نفسه قبل ان يربي الاخرين ، فقد كان مثالاً للخلق الرفيع و سعة الصدر والاحسان الى مخالفيه، الى جانب حرصه الشديد على الدراسة الحوزية والكتابة والتأليف المكثف، و قد تأثر اشد التأثر بسيرة اجداده الرسول المصطفى (ص) وامير المؤمنين (ع) فكانوا اسوة له يقتدي بهم في كل صغيرة وكبيرة فتعمق في حياتهم وسيرتهم وكتب عن سلوكهم فانتهج منهجهم وخطى خلف خطاهم.

و صرح في مكان اخر:كانت حياته (رضوان الله عليه) تجسيداً حقيقياً لمن نذر نفسه لله، فكان قليل النوم جداً؛ وعندما كان يلتمس منه أن يستريح قليلا كان يجيب: (إن والدي - الميرزا مهدي الشيرازي - كان قليل النوم جداً، فعندما كنا نقول له نم قليلاً وأرح جسدك كان يقول: إن ورائي في القبر نوماً طويلاً).

و قد كانت الخطوة الاولى في برنامجه الواسع النشيط لخدمة قضايا المجتمع وتنميته وبناءه انه اسس مع مجموعة من العلماء الاعلام و التجار المحترمين من اهالي كربلاء المقدسة الأخيار مدرسة الامام الصادق الاهلية ثم المكتبة الجعفرية و الجمعية الخيرية الاسلامية و بعد ذلك قام بتأسيس المئات من المؤسسات الخيرية والحسينيات و المساجد في كربلاء المقدسة والعراق وشتى بقاع العالم.

و لانه كان يدرك بعمق ودقة ان المشكلة الكبرى في بلادنا الاسلامية هي مشكلة الوعي فانه جعل كل همه تثقيفَ المجتمع بثقافة الحياة ثقافة القرآن الكريم وثقافة اهل البيت عليهم السلام فدعى الى الوحدة و الشورى والحرية واللاعنف والسلم ومراعاة حقوق الإنسان لأنها من أهم المبادئ التي دعى إليها القرآن الحكيم ووردت في روايات الأئمة الطاهرين (عليهم السلام).

كما دعى الى هداية الآخرين وخصوصا الغربيين من اجل تغيير رؤيتهم الخاطئة حول الاسلام، فوجه الكثير من العاملين في الحقل التبليغي الى السفر الى الغرب من اجل تأسيس المؤسسات و الدعوة الى الاسلام ورفع الصورة الخاطئة المنطبعة في اذهان الرأي العام الغربي تجاه الإسلام والمسلمين.

و اشار في كلامه ان الامام الراحل كان بركانا متفجرا من النشاط حتى أخر لحظة من حياته، فقبيل وفاته بايام استدعى احد الفضلاء من اصفهان ، فقال له : كانت لي امنيات ثلاث :

الاولى: هداية الغربيين إلى الإسلام والثانية: هداية غير الشيعة من المسلمين الى طريق اهل البيت (ع)، و الثالثة : جمع الشيعة و توحيد كلمتهم و سعيت طولَ عمري لذلك ولكن الاجل قد دنى مني ولم اتمكن من تحقيق امنيتي بكاملها فعليكم انتم بمواصلة المسير و ستوفقون انشاء الله.

ثم وجه خطابه للحشد الغفير قائلا :وهنا علينا ان نتعلم من الامام الشيرازي الامل والتفاؤل بالمستقبل والطموح الكبير فقد كان (رضوان الله عليه) قمة في بث الروح، وزرع الأمل، والحث على العلم والعمل، فعندما تلتقي به كان يحاول أن يستثمر هذه الفرصة وهذا اللقاء لكي يفجر طاقاتك، لكي تتحول إلى شخص متميِز يرفع علم الدين في أرجاء الأرض. اذ كان يؤمن بالكلمة المنسوبة إلى مولانا أمير المؤمنين (ع) الذي يقول: (أتزعم أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر)، فكان (رضوان الله عليه) يستنهض الأمة نحو خيرها وسعادتها ويزرع فيها الثقة بنصر الله.

و جاء في مكان اخر من كلامه :وقد كان يأمل ويتفاؤل كثيرا بسقوط نظام الطغيان وحزب البعث في محاضراته وكتبه فبقي حاملاً لهموم العراق وأبنائه في غربته، وكان أمله لا ينقطع ودعاؤه متواتراً لخلاص الوطن وتحرره، على الرغم من المعاناة التي واجهها من اجل قضية العراق فيقول في كتابه (مطاردة قرن ونصف): لقد دفعت عائلتنا ومنذ قرن من الزمن ضريبةَ انتسابها للمجدد الشيرازي الكبير جد أبي، وانتسابها للميرزا الشيرازي قائد ثورة العشرين خال أبي، وضريبةَ ما ننشره من الكتب التوعوية والمؤسسات الخدماتية.. وقد لا ينفع الصراخ ولا النياح، وإنما العمل وحدَه النافع، وبدونه قد تدوم المحنة إلى قرن آخر والعياذ بالله.

لقد كتب الامام المجدد الكثير من الكتب عن العراق ماضيا وحاضرا ومستقبلا واسس من خلال هذه الكتب مشروعا متكاملا لبناء الوطن وتشكيل مستقبله، وهنا يمكن ان ننظر لبعض هذه النقاط حتى نستفيد منها لبناء وطن المقدسات بلد علي والحسين والكاظمين والعسكريين (عليهم السلام):

أولاً: دعى رحمه الله لإقامة حكومة إستشارية في العراق قائمة على حكم الأغلبية، وفقا لضرورات العقل وحفاظا على حقوق الناس والتزاما بمبادئ الشورى وإحترام الأكثرية.

ثانياً: ضرورة استناد الدولة إلى المؤسسات الدستورية حيث يلزم منح الحرية لمختلف التجمعات والتكتلات والفئات والأحزاب غير المعادية للإسلام في إطار مصالح الأمة، كما يلزم أن تكون الانتخابات حرة بمعنى الكلمة، وأن توفر الحرية للنقابات والجمعيات والصحف ووسائل الإعلام، وكذلك منح الحرية لمختلف أصناف المجتمع من المثقفين والعمال والفلاحين والمرأة، كل ذلك في إطار الحدود الإسلامية الإنسانية كما قال تعالى: (لا إكراه في الدين).

ثالثاً: الاعتماد على اللاعنف كمنهج عام في كل الامور، كما قال تعالى: (ادخلوا في السلم كافة) فإنه هو الأصل ونقيضه استثناء.

ودعى الامام الراحل قدس سره الى ان يكون المرجع الأخير في دستور الدولة القادمة في العراق وفي رسم السياسة العامة والخطوط العريضة هو (شورى الفقهاء المراجع) الذين يستندون إلى المصادر الاربعة في أحكامهم حسب ما قرره الإسلام، فقد قال الرسول الأكرم (ص) : (المتقون سادة والفقهاء قادة). وفي صياغة الدستور يتعاون الفقهاء المراجع والحوزات العلمية المباركة مع المثقفين واهل الاختصاص والخبرة فإن ذلك هو مقتضى المشورة والشورى كما قال تعالى: (وشاورهم في الأمر) و(أمرهم شورى بينهم).

نعم إنه وجد وعاش ومات في سبيل الله وفي طريق أهل البيت (ع) ولأجل خدمة الناس لكن ترك لنا تكليفاً ومسؤولية ملقاة على عاتقنا لابد ان نؤديها امتثالاً للوظيفة الشرعية المكلفين بها وهي نصرة العراق وأهل العراق وموساتهم في آلامه وآمالهم وكان يقول رحمه الله أن همنا بتغيير الوضع المأساوي لشعبنا العراقي يجب ان يقترن نحو تغيير انفسنا ومجتمعنا اولا كما قال تعالى (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغير ما بأنفسهم) و هذا يتم بالعمل الجاد والمتواصل.

واليوم و قد تحققت بعض امنيات السيد الوالد (أعلى الله مقامه) بسقوط الطاغية علينا ان نستفيد من هذه الفرصة لتقوية الدين الحنيف بتأسيس المؤسسات المدنية والتنموية والجمعيات الخيرية و اصدار الصحف و المجلات و تأسيس الاذاعات و القنوات التلفزيونية الصالحة التي تأمر بالمعروف وتهدي إلى سبيل الرشاد.

و في ختام كلامه بلغ الحاضرين سلام وتحيات سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي و شكر الطافهم و عواطفهم فرداً فردا لحضورهم ومشاركتهم في هذا المهرجان التأبيني.

  الصفحة الرئيسية التاريخ يصنعه العظماء  | أتصلوا بنا