كان اليوم الثاني من أيام عيد الفطر المبارك وفي
مثل هذا اليوم من كل عام نكون في قمة الفرح والسعادة استعداداً لرحلة
العيد ولكن في ذلك العام لم يكن الحال على ما هو عليه عادة. كان الجميع
يتمالكه الحزن والقلق والكثير لم يذهب في رحلاتهم التي كانت عادة لا تترك
بالنسبة إليهم في أيام الأعياد. في ذلك اليوم جلست من نومي وكنت أنتظر
بعض الأصحاب، بينما كنت جالساً تلقيت اتصالاً هاتفياً أحدهم يسألني إذا
ما كنت سأذهب في رحلةِ أم لا فكان جوابي بالنفي، لحظات حتى جاء أصحابي
خرجت معهم لتناول الإفطار كانت المدينة هادئة جداً والشوراع خالية من
المارة، غالبية الناس لا يزالون نيام والكثير انطلق في رحلاته. تناولنا
طعام الإفطار وذهبنا إلى منزل أحد الأصحاب جلسنا نتحدث طويلاً وكنا نضحك
أحياناً لكن ليس كما العادة ففي نفوسنا ترقب خوف وبالنا مشغول، وعند
الساعة العاشرة صباحاً تقريباً رن جرس الهاتف فأجاب صاحبي عليه. كان أحد
الأصحاب، بادله التحية وتكلم معه قليلاً وفجأة صمت صاحبي لفترة وبدت
علامات الصدمة والحزن على وجهه، أطبق الصمت على المجلس لثوانيٍ معدودة
إلى أن قال (عظم الله أجورنا وأجوركم) كانت هذه الكلمات التي كسرت لحظة
الصمت، نزلت هذه الكلمات علينا كالصاعقة فمن نحبه وكنا ننتظر البشارة
بتعافيه انتقل إلى جوار ربه، هذه اللحظة التي لم نكن نتصورها، بقينا
صامتين للحظات لكن أحد منا لم يبكي، كنت أقول في نفسي لماذا لم أبكي
ولماذا لم يبكي من معي لكني لم أجد جواباً لسؤالي. بعدها ذهبت للصلاة
وعقب الصلاة قام الشيخ خاطباً ومعزياً وفي حديثه قال: (الإمام لم يمت بل
هو حي في قلوبنا) كان هذا جواب سؤالي وكانت هذه الكلمات تتكرر كثيراً
وتتضح شيئاً فشيئاً، فرسائل التعزية التي يتبادلها محبي الإمام وجموع
المعزين الذين توافدوا على مجالس العزاء التي أقيمت بهذه الفاجعة، السواد
كان يغطي الشوارع، والكثير سافر لحضور الجنازة والتشييع، كان هذا كافياً
ليعزز مقولة الشيخ وجاء فوق كل هذا أيضاً الحشود الغفيرة التي حضرت
لتشييع الإمام رجالاً ونساءً، مضى الوقت وعلمت أن الإمام قد دفن، كنت أظن
أن كل شيء انتهى بدفن الإمام ولكنها كانت البداية نعم البداية للعمل على
ما ربانا عليه الإمام الرحل فهو ليس الشخص الذي ينتهي ذكره بموته، فسنوات
العمل الدءوب لن تذهب سدى.فهو من استطاع إن يربينا على حب أهل البيت حتى
تعلقنا بهم وبه فأصبح اسمه هوية لنا وكتبه تملأ مكاتبنا فهو لا يزال
يعلمنا على السعي لنصل إلى ما نطمح إليه في زمن
قياسي كما وصل هو للمرجعية كأصغر مرجع في التاريخ. ولا يزال يحثنا على
الاجتهاد لننتج أكبر قدر من النتائج كما فعل هو ليصبح سلطان المؤلفين
وأكبر مؤلف في التاريخ بما يقرب الألفي كتاب، هو من علمنا التفاني في
خدمة أهل البيت عندما كان يوقف بيوته والبيوت التي كان يسكنها ولا يقف
عند ذلك فقط بل ويستأجر من الوقف نفسه، هو من علمنا وربانا بأن لا نركز
على أن يظهر اسمنا مع كل عمل ننتجه فكم من مؤسسة ومسجد وحسينية ومكتبة
وجمعية خيرية أسسها ويرفض أن تسمى باسمه وكان يأمر بأن تسمى بأسماء أهل
البيت عليهم السلام وكان يقول أنا أذهب الله وأهل البيت باقون، هو من
علمنا احترام آراء الغير هو من علمنا الشورى والتسامح والمثابرة، مثل هذا
الإمام لا يموت أبداً فقد ورث لنا تراثاً دينياً وعلمياً قل نظيره،
ومسيرته لا تزال مستمرة بأخيه السيد الصادق وابن أخته السيد التقي فهما
خير مثال لكثير ممن رباهم الإمام ليسيروا في الطريق الذي بدأه فهم بإذن
الله ماضون فيه.
وسيظل الإمام في قلوبنا نذكره مع كل نبضة ينبض بها
قلب كل من أحبه وأراد أن يسير على خطاه وسيظل الشيرازي رمزاً للإيمان
والعلم والجهاد وسيظل نوراً ساطعاً ينير دروبنا ويرشدنا للحق والصلاح .
www.demestani.tk |