تمر اللحظات من القطع الزمنية وتليها
السنوات بلياليها وأيامها على عجلة من أمرها ولا تبقى إلا الذكريات
والعبر.. في جَوَلاننا عبر الذكريات إلى مسارح الخواطر إلى وصولنا إلى
تلك القطعة الزمنية المشؤومة (سنة الفجيعة) ينتابنا شعور رهيب بفداحة
الخسارة وذهول مريع من وقع الحادثة مع قلة العدد وكثرة الأعداء..
نتذكر عظيماً رحل عنا، يأتيه الزمن
راكعاً أمام عتبات دقائق أنامله الندية بصنوف العطاء، ويبكيه المحراب
والقلم، ويغبطه المؤمنون ويحسده المنافقون..
أجل سيدي أيها العازف لحن الصفاء في
الزمن الصعب، والقارئ لمتن آيات القرآن الكريم في دياجي الغسق.
كيف كانت ساعة الرحيل؟
وكيف أنخت برحلك في حضرة المحبوب؟
وهل جف القلم؟
لقد أتممت ميقات ربك.. فكتبت بأنفاسك
الطاهرة تواشيح التسبيح في ليالي الضيافة الكبرى، ونسجت من زفرات الدموع
فرحة الظفر بالمحبوب ترنيمة لطالما لهجت بها الألسن صباح مساء، أملاً في
بلوغ هذا المرمى الكاشف عن نعمة التوفيق لهذه الدرة الثمينة، فكنت واحداً
من تلكم القافلة السائرة منذ البدء حتى النهاية وهي متعلقة بمركب
المبحرين في لجة العشق المطلق لسفينة نوح.
فمن نقاء فطرتك التي فطرك الله عليها،
وصفاء سجيتك المزهرة بخمائل لين العريكة، اصطُفيت في ذلك اليوم الذي
يُخرج فيه الناس زكاة فطرهم، لتصب أنت وحدك دون سواك روحك في قارورة
إخلاص العطاء بصدق النية، فهاهي روحك العاشقة لخط الأنبياء والرسل، ترفع
مع نزول البشارة بأيدي ملائكة السماء، كأغلى زكاة ليس فيها من شوائب
الكدورات شائبة، فكانت القربان والأضحية التي تسفك في مصلى الحب والفناء،
ففي يوم عيد المسلمين طرقت باب الكريم المطلق بروحك الظامئة للقرب منه،
فغدا كيانك من فرط الشوق للقيا المحبوب ساجداً في الأرض المقدسة، شاكراً
إياه على نعمة الوصول. تلك أنغام عشق عزفت على أوتار قيثارة الزمن لتسجل
الخلود لذكرى العظيم وتكشف لواعج نفوس العاشقين.
ستبقى ذاكراه – وإن رحل – حية في
الضمائر، حية في ذاكرة الزمن الذي كان يلهث وراءه، حية في أسماع الأحرار،
حية في قلوب عاشقيه، حية في أسفار الفكر.
فعلاً جسد مدرسة للحياة بفكره الوقاد،
والمرن القادر على التكيف مع جميع الأبعاد، وإدارته الحركية للمؤسسات
والمشاريع والتنظيمات، فقد أصبح تاريخاً مميزاً كتبه بنفسه فقد صنع
مشروعاً إنسانياً شاملاً تتكامل فيه كل العناصر اللازمة لخلق حقبة زمنية
مختلفة ومنتزعة من التاريخ الروتيني العادي.
أيها الراحل عنا في غمرات الظلام والشدة،
كنا نقتبس منك نوراً فنرى الحياة على حقيقتها ونكتشف الوقائع..
أيها الراحل كنت الأمل الذي يعطينا القوة
والطاقة للاستمرار في الحياة رغم الصعاب. |